الفصل 131 : الفصل الجانبي ²
غَصَبَني سيّدُ النقابة في النهاية على الذهاب معه إلى غرفةِ الاجتماعات.
‘تِبًّا، لا أُريد الذهاب.’
فالطرفُ المقابل هو الكونت ديلاريك، أليس كذلك؟
إنّه الإنسانُ الذي يكره فولكس أكثرَ من أيّ شخصٍ في هذا العالم.
تذكّرْ فقط ما قاله لي طوال تلك الفترة.
“يسعدني حقًّا أن أراكما بصحّةٍ جيّدة.”
……لا بدّ أنّه كان يقصد ذلك، لكن الكونت ديلاريك كان يُحدّق بي طوال الوقت مُبتسمًا.
هَمَسْتُ إلى فيليون الجالسِ إلى جانبي.
“هل تواصَلْتَ مع الكونت من قبل؟”
“فقط مباشرةً بعد وصولنا إلى القارّة الشرقيّة.”
هُمم، إذن لا بُدّ أنّه تحدّث عنه لي أيضًا.
‘هل تغيّر انطباعه عنّي يا ترى؟ لا، حتى لو تغيّر، فالمبالغة في التبسّم إلى هذا الحد…… مُرهِقة قليلًا.’
ولم يكن الكونت وحده ما يُزعجُني.
“أنتِ رايلي فولكس؟ حقًّا؟”
“……نعم.”
“يا إلهي، لقد أصبحتِ شخصًا مختلفًا تمامًا!”
كانت بريجيت غير قادرةٍ على صرفِ نظرها عنّي. وقد كان هذا التعجّب الممزوجُ بالإعجاب هو الخامس تقريبًا.
“لماذا لم تظهري بهذا الشكل في برج السحر؟ لكان لديكِ الكثير من الشعبية.”
“آه؟ آه……. شكرًا……. وأنتِ أيضًا أصبحتِ أجمل.”
“أليس كذلك؟ لقد اشتريتُ مؤخرًا ماءَ وردٍ باهظ الثمن، وفي كلّ صباحٍ أنظر فيه إلى المرآة أشعرُ بسعادةٍ كبيرة. هل أُعطيكِ بعضًا منه؟”
“احمم. بريجيت.”
“أوه، أعتذر يا كونت. لقد تحمّستُ كثيرًا.”
“لماذا جئتِ؟”
قال فيليون ذلك بنبرةٍ قاطعة.
قطّب الكونت حاجبيه وهو يرفعُ فنجان الشاي.
“ما بال طريقتك في الكلام…… إنها سياحة، سياحة فحسب!”
“هذا ليس صحيحًا.”
“حسنًا، لديّ بعض الأعمال أيضًا…….”
سعل الكونت عدّة مرّات ليُصفّي حلقه، ثم حوّل نظره مباشرةً إلى سيّد النقابة.
“أعتذرُ عن التحيّة المتأخّرة. أنا الشخصُ المعروف باسم الكونت ديلاريك. وقد سمعتُ الكثير عن صيتِ سيّد نقابة السحرة في القارّة الشرقيّة. يُسعدني لقاؤك.”
“بل إنّ قصتك، يا كونت، أكثر شهرةً في القارّة الشرقيّة من اسمي. أدعى يوري جيرفان. تكلّم كما يحلو لك. سيكون ذلك أفضل بالنسبة إليّ.”
“اهمم، حسنًا، سأفعل ذلك.”
“وما الأمرُ الذي جاء بك؟”
“……هل تعاني بسبب حفيدي قليل الأدب، أليس كذلك؟”
“أبدًا. لقد قدّم فيليون ورايلي مساعدةً كبيرة لي. هما عُنصران لا غِنى عنهما في النقابة.”
“همم، ذلك الفتى يساعدُ طوعًا؟”
نظر الكونت إلى فيليون من أعلى إلى أسفل وكأنّه لا يُصدّق.
“إذًا…… سيكون الحديث أسهل بكثير.”
“عن أيّ حديثٍ تتكلّمون؟”
“قد يبدو الأمرُ مُفاجئًا، لكنني أرغب في إرسالِ بعض تلاميذي للدراسةِ في القارّة الشرقيّة.”
اتّسعت عينا سيّد النقابة من الدهشة.
“تلاميذك؟”
“سأختار الماهرين فقط. أشعرُ أنّ تدريبي لهم كان خاطئًا بعض الشيء، فصاروا يظنّون أنهم الأفضل…… لذا أريدُ أن أُكسبهم بعض الخبرة.”
“وتريد انتسابهم إلى نقابتنا…… صحيح؟”
“سمعتُ أنّ في النقابة الكثير من السحرة المتميّزين. سيكون ذلك دافعًا جيّدًا لهم.”
ابتسم الكونت ابتسامةً لطيفة.
“وبالطبع، نحن أيضًا سنستقبلُ سحرةَ النقابة عندنا.”
“إذن…… ستكون أشبهَ ببرنامج تبادلٍ طلابي، أليس كذلك؟”
كانت نبرة سيّد النقابة وكأنه يُفكّر، لكنّ عينيه كانتا تلمعان بالفعل.
فهو الذي كان موقعُه في النقابة مُهدّدًا، وقد تضرّع إلينا مرارًا لنُساعده.
وإن قدّم فرصةً للدراسةِ في القارّة الغربيّة، فلن يستطيع السحرة الشبان رفضها.
خصوصًا مع شهرةِ ديلاريك في مجال السحر.
“ليس قرارًا سهلًا. هل يمكنني التفكير فيه لبعض الوقت؟”
“بالطبع! ألم أقل ذلك؟ لقد جئتُ للسياحة أساسًا. خذ كلّ الوقت الذي تحتاجه.”
“شكرًا لك، يا كونت. آه، هل اخترت مكان الإقامة؟ يمكننا أن نُرسل من يُساعدك في ذلك.”
“لن يكون سيئًا بالنسبة إلينا!”
ابتسم الكونت بوجهٍ مُشرق، ثم وقفنا من أماكننا.
شعرتُ بقليلٍ من الارتياح عندما عرض الخادم الذي استدعاه سيّد النقابة مرافقة الكونت وبريجيت.
‘كان الأمر أقلّ إحراجًا مِما توقّعت.’
وكان شكرُ بريجيت لي حين بادرت بالحديث أمرًا لطيفًا أيضًا. فأنا لم أعرف ما الذي يجب أن أقوله.
“هذا الخادم سيرافقكم طوال رحلتكم ويُرشدكم. لا بدّ أنكم مُتعبون من السفر، فكيف لو التقينا مساءً؟”
“كنت أفكّر بالطريقة نفسها. أشعرُ أنّني انسجمتُ معك منذ أوّل لقاء.”
“هاها. وأنا أشعرُ بالأمر ذاته.”
كان الجوّ ودّيًّا، ولم تكن هناك مشاكل.
وربّما لهذا السبب بالتحديد.
خرجْتُ بتصرّفٍ ما كنتُ لأقوم به أبدًا في الماضي.
“أرجو أن تُحسنوا رعايتنا خلال هذه الفترة، يا كونت.”
وبينما كان سيّد النقابة وبريجيت وفيليون يتناقشون حول أيّ فندقٍ سيكون أفضل، اقتربتُ من الكونت وأنحنيتُ تحيّةً بأدب.
“إن كان لديك أيّ سؤال، فلا تتردّد في إخباري.”
لم يُجِب الكونت.
بل اكتفى بالنظر إليّ بعينينِ باردتين.
‘آه.’
ثم استدار فجأة، وسار بخطواتٍ واسعة نحو بقيّة المجموعة التي كانت تتحدّث بحماس.
“لِمَ كلّ هذا التأخير؟ أي مكانٍ سيكون مناسبًا.”
“أنا أُريد مكانًا بمنظرٍ جميل!”
كان ذلك منذ زمنٍ طويل.
ذلك الشعور…… بأنني وحدي خارج الدائرة.
“هل ستأتي أيضًا على العشاء؟”
“سأفكّر بالأمر.”
“بالطبع ستأتي! جدّك جاء من مكانٍ بعيد!”
جذب سيّد النقابة كتف فيليون ضاحكًا.
“لا تقلقي. سأجبره على المجيء.”
“هل لا تزال لا تُحبّ السمك؟”
“……اصمتي.”
تركتُ المكان وأنا أسمع ضحكاتهم العالية من خلفي.
***
بعد عودتي إلى غرفة البحوث، جلست أفكّر.
‘شعورُ الغُربة غير صحيح. بالدقّة…… الكونت هو من كان منبوذًا أولًا، وأنا من اقتربتُ منه.’
ففيليون، وسيّد النقابة، وحتى بريجيت…… جميعهم استقبلوني بترحابٍ وحديثٍ جميل.
لو بقيتُ معهم، لما أحسستُ بهذا الشعور.
……ورغم ذلك، فقد خرجتُ بنتيجة.
‘الكونت ديلاريك يكرهني.’
لقد كان يبتسم ابتسامةً مُرهِقة منذ اللّحظة الأولى. يبدو أنّه كان فقط يُخفي مشاعره الحقيقة.
وكان هذا التفكير…… آخر ما أريدُ الاعتراف به.
‘يبدو أنّه جاء ليُفرّق بيني وبين فيليون…… هل أنا أتوهم؟’
استحضرتُ في ذهني الكلمات التي قالها لي الكونت سابقًا.
―أكنتِ تنوين حقًّا الذهاب معه؟
―أترغبين فعلًا في تدمير حياة حفيدي؟
―هل تُصمّمين على كسرِ مستقبلِه المُشرق بيديك؟
―فيليون لم يُحبّكِ قط.
وبصورةٍ تلقائيّة، تذكّرتُ تعابير وجهه حين قال تلك الكلمات. ومهما حاولتُ التفكير.
‘لقد جاء حقًّا ليُفرّق بيننا.’
وإلّا، لِمَ أحضر بريجيت معه؟
وأعتذر منها، لكن بريجيت ليس لها أدنى موهبةٍ في السحر. وهي نفسها لا تهتمّ به، لذا لم تتقدّم أبدًا.
وفوق هذا، كانت تبدو قريبةً من فيليون.
‘وهي تعرفه منذ وقتٍ أطول…….’
في تلك اللحظة دخل فيليون إلى غرفة البحوث.
لم يمرّ حتى دقيقتان على وصولي. كان ذلك مفاجئًا جدًّا.
كنتُ أظنّه سيقضي وقتًا أطول مع الكونت.
لكنني لم أستطِع سؤاله لماذا عاد سريعًا.
لم أرد التفكير في الكونت أصلًا.
على أيّ حال، سأفعل ذلك لاحقًا قبل النوم رغمًا عنّي.
ولم أشأ أن أشعر بالضيق الآن.
لذا تحدّثتُ بصوتٍ أكثر حيويّة عمدًا.
“تعال واجلس هنا. هل تتذكّر أنّنا سنبدأ اليوم فحصَ تفاعل الميستريك؟”
“نعم. ماذا عن أن ترتاحي قليلًا أولًا؟ لقد عدتِ للتوّ من الاجتماع.”
“لا بأس. لقد كنتُ متحمّسةً لدرجة أنّني لم أنَم جيّدًا البارحة.”
وما جاء بعد ذلك…… كان ممتعًا.
لم يخطر الكونت ببالي على الإطلاق. طوال الليل كنتُ أفكّر فقط في هذا البحث.
لكنّني كنتُ أعلم أنّ هذا الهروب لن يدوم طويلًا.
‘عند الخامسة سيأتي سيّد النقابة.’
وسيقول لي لماذا أنا ما زلتُ هنا، ويأمرني بالذهاب فورًا إلى منزله لتناول العشاء مع الكونت.
هل أستطيع أن آكل؟ نعم. لقد أصبحتُ راشدةً الآن، ويمكنني التصرّف بثبات أمام الكونت.
لكن هل ستستقرّ معدتي؟ لستُ واثقة.
ماذا أفعل؟ كنتُ أغرق بالتفكير حين قال فيليون فجأة:
“الأفضل أن نتوقف.”
“……هاه؟”
“لنتوقّف، ونُكمل غدًا. أو بعد انتهاء عملكِ في نقابة المرتزقة.”
“…….”
“لقد أمضيتِ كامل الصباح هناك. من الأفضل أن تعودي باكرًا لتستريحي.”
سألتُه بحذر:
“……العشاء؟”
“سأذهب وحدي.”
للحظةٍ شعرتُ وكأنّ الأجراس تدقّ فوق رأسي.
كنتُ أفكّر كيف سأعتذر، ولم أتوقّع أن يقول هذا بنفسه!
“أو…… هل تريدين المجيء؟ مع أنّكِ أحببتِ مهارة طاهي سيّد النقابة…….”
“لا! لا، في الحقيقة، كنتُ راغبةً بالنوم منذ قليل، وكنتُ أبحث فقط عن طريقةٍ لقول ذلك.”
“كنتُ أعرف.”
رافقتُ فيليون عائدةً إلى السكن.
لم أمشَ بحيوية. فأنا من قلتُ إنني مُتعبة، لذا بدوتُ مُنهَكةً وأنا أتمسّك بدرابزين الدرج وأسير ببطء.
“أتُريدين أن أحملكِ؟”
“لا، ليس إلى هذه الدرجة!”
بالنهاية وصلتُ إلى غرفتي بسلام.
ربّما سأرى الكونت غدًا أيضًا.
لكن مشاكل الغد أتركها لنسخة الغد منّي.
والأهم…… أنّني نجوتُ من لقاءِ اليوم.
“لا بدّ أنّك ستتأخّر بسببي. اذهب الآن.”
قلتُ ذلك بينما أخلعُ معطفي.
ولأنّه تبعني إلى قرب السرير بدلًا من الوقوف عند الباب، فقد بدا قلقًا عليّ.
وهذا يُشعرني بالذنب قليلًا.
“يمكنكَ أن تُخبرني بما تحدّثتم عنه غدًا. لا أظنّ أنّني سأستيقظ في منتصف الليل. أشعرُ بأنني سأنام حتى الصباح.”
“…….”
“لكن لا تفكّر بأن عليكَ العودة صباحًا فورًا! يجب أن تُعامل ضيفًا جاء من مكانٍ بعيد بطريقةٍ جيّدة…….”
“رايلي.”
عندها سمعتُ صوته المنخفض، فتوقّفتُ عن خلع المعطف والتفتُّ إليه.
ورغم أنّه هو من ناداني أولًا، كان فيليون يُطأطئ رأسه.
وكان يتردّد…… بوضوح.
“في الحقيقة أنا…….”
لا شكّ في الأمر. كان فيليون يُفكّر فيما سيقوله.
وما يمكن قوله الآن…… لا يمكن أن يكون إلا……!
“هل ستُعلّمني ذلك السحر!؟”
“……ماذا؟”
“تعلم…… السحر الذي استخدمتَه على السفينة في طريقنا إلى القارّة الشرقية! ذاك الذي قلتَ إنني قد لا أستطيع التحكّم به، فرفضتَ تعليمي إيّاه!”
“…….”
“كنتَ ستُعلّمنيه، صحيح؟”
ولما سألتُه بعينين لامعتين، زفرَ تنهيدةً خفيفة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 131"