عمومًا، مُبارزاتُ السَّحَرة تُقام في ساحة التَّنافُس.
هُناك مقاعدٌ للجمهور، ويمكن للغرباء أيضًا الدُّخول. قبل بضعِ سنواتٍ، حين هزمني فيليون وصار التلميذَ الرَّسمي لسيريوس، كان ذلك في نفس المكان.
توجد عدَّةُ قواعد لتلك المبارزات، منها تحديدُ الوقت بطبيعة الحال، وأيضًا حظرُ بعض أنواع السِّحر. كما أنَّ هناك خطوطًا دفاعيَّة مُقرَّرة لِمنع إصابةِ السَّحَرة بجروحٍ بالغة أثناء القتال. أمَّا الأدواتُ السِّحريَّة، فاستعمالُها ممنوعٌ كذلك.
لكن، في مُواجهتي مع تيود لم تكُن هناك أيُّ قواعد.
صحيح أنّنا لم نُحضِر أدواتٍ سحريَّة، لكن لم يكُن ذلك التزامًا بقانون، بل لأنَّ كِلا الطَّرفين لم يُرِد الاتّكال عليها. فالتاريخ لم يشهد قطّ سيِّدَ بُرجٍ يعتمد على أداةٍ سِحريَّة.
المكان أيضًا لم يكُن السَّاحة الرَّسميَّة، بل أرضًا قاحلة خالية. لم يكُن هناك حاجزٌ يحمي المُتفرِّجين.
ومع ذلك، كان الناس يظنّون أنَّ تيود سيلتزم بروحِ القوانين، لكن الأمر تبيَّن خلافه عندما بتر ذراع خصمه الأيسر في الأسبوع الماضي.
بل وقال حينها:
“بدأتُ أملُّ، فلنجعله أكثر عنفًا قليلًا.”
لقد تغيّر سُلوكه أيضًا. عادةً ما كان يسخر من خصمه قبل البداية، أمّا اليوم فقد بادر بإطلاقِ السِّحر من غير كلمة.
الهجماتُ التي تلتها كانت ثقيلة، حتى أدركتُ حينها.
‘هل ينوي بتر ذراعي أنا أيضًا؟’
وسيستمرُّ الأمر هكذا حتى الأسبوع القادم والذي يليه.
‘لا، عليَّ أن أنهيه هنا.’
تيود لم يتعب، بل راح يُرسِلُ سحرًا هائلًا بلا توقّف.
تدفَّق من قمم الجبال المحيطة سيلٌ صغير كالطوفان، وأُطلقتُ زوابع وصواعق في كلّ مكان.
إنَّه أشبه بحُزمةٍ متنوِّعة من هجماتٍ مُتتالية، على الأقل إحداها لا بُدّ أن تُصيبني.
‘كنتُ مثلَه في صغري…….’
والحقيقة أنّ هذه الطريقة ليست خاطئة بالكامل، فالحواجز السِّحريّة التي تُقام من غير أدواتٍ أو أحجار مانا لا تتحمّل طويلًا هكذا هجماتٍ ضخمة. بل كثيرًا ما ينهار السَّاحر نفسيًّا أمامها.
لذلك كنتُ في الماضي أُكثِر من القصف الهجومي المجنون.
لكن فيليون كان دائمًا يُفلت بدهاء، ممَّا جعلني منذ السابعة عشرة أفكِّر في كيفية استخدام المانا خاصتي بكفاءةٍ أكبر.
على ما يبدو، فقد ظلَّت طريقة تيود ناجحةً معه حتى بلغ الثالثة والعشرين. ما زال يُطلق السحر بلا كَلَل.
“جرِّبي أن تتفادى هذا أيضًا!”
يا للعجب، حتى عباراته مُتشابهة.
‘حين يشتدُّ به القلق يسكب كلَّ ما لديه. هذا أيضًا يشبهني.’
تمكَّنتُ من صدّها جميعًا، إذ إنَّ دقّة سحري كانت أعلى منه.
حين بدا أنَّ الحاجز لن يصمد، كنتُ أُطلِق هجومًا مضادًّا لتلافيه، وإن وُجد منفذٌ اختبأتُ وأرسلتُ تعويذةً من خفاء.
بالطَّبع، تيود أيضًا كان يصدّ بحواجزه. ومع تكرار المشهد بدأ ينتابني شعورٌ غريب.
‘أليس هناك شيءٌ غير طبيعي؟’
واصلتُ مهاجمته حين تسنح الفرصة، لكن الغرابة لم تزُل.
‘هل يُعقَل أن……؟ تبًّا، أهذا الصبي يستخفّ بي إلى هذا الحد؟ انتظر……’
‘لو كان الأمر مُطابقًا لطباع تيود التي عهدتها……’
لم تكُن مُجرّد مُبالغة. بل شعرتُ أنّ كلّ شيء ينطبق تمامًا.
‘لا بدّ أن أُخرِجه.’
منذ تلك اللحظة بدأتُ أُحفِّزه على استنزاف المانا خاصته. لم أعُد أهاجم، بل أراوغ بالكاد وأصدّ، لأدفعه إلى استخدام هجماتٍ أعظم.
وعند مُنتصف الليل أخيرًا بدأ وهجه يخبو قليلًا.
صدَدتُ سحره الأضعف بحاجزٍ، ثم انطلقتُ نحو الغابة القريبة.
“ها! أتهربين؟”
أهرب؟ لا. أنتَ من حوَّلت المكان إلى ساحة خرابٍ بلا غطاء. وهذا في مصلحتي أكثر.
“أظننتِ أنني سأدعكِ تفلتين؟!”
لحُسن الحظّ، تبعني تيود إلى الغابة وأطلق سحرًا.
ارتفع جدارٌ طويل من النيران وسط الأشجار.
لكنّه لم يجدني على الفور، إذ كنتُ قد اختبأتُ في ظلّ شجرة.
“يا لكِ من جبانة! اخرُجي! واجهبني كما يجب!”
“…….”
“هاهاها، هل الهزيمة ثقيلةٌ عليكِ؟ حسنًا، إن خرجتِ الآن فلن أُؤذيكِ أكثر. شرط أن تركع أمامي، فقد ضيَّعتِ وقتي كثيرًا.”
لكنّي لم أُجِب.
لم يكن يسمع إلا طقطقة الأشجار المحترقة.
صرخ تيود عاجزًا عن كظم غيظه.
“اخرجي حالًا! وإلّا سأُحوِّل هذه المنطقة بأسرها إلى…….”
في تلك اللحظة وضعتُ سيفي على عُنقه.
“إلى ماذا؟”
ربّما أطلق شهقة خوف.
وحين حاول التحرّك، ركلتُ ساقه لأُجبره على الرُّكوع، مثلما كان هو يُريد.
لكنه انهار تمامًا على الأرض.
“آآاه!”
حتى صرخةٌ بائسة أطلقها. حاول أن يتخبّط برجليه، فثبَّتُّ كتفَه برُكبتي وضغطتُ نصل السيف على رقبته ثانيةً.
“امحُ الوَهم.”
فما إن أغمض عينيه بعُنف، حتى اختفى تيود الذي كان واقفًا أمام جدار النيران.
نعم. الذي كنتُ أُقاتله منذ البداية لم يكن سوى وَهمٍ استحضره.
أمّا جسده الحقيقي، فكان يختبئ في مكانٍ ما من الأرض القاحلة، ويُطلقُ السحر ليُضلِّلني.
لم يكُن بعيدًا عن الوَهم، إذ لا يُمكن الحفاظ على صورةٍ مُماثلة تمامًا لمسافةٍ طويلة.
لذلك جررته إلى الغابة، وبينما بقيتُ مُختبئًا بحثتُ عن جسده.
لم يستغرق الأمر طويلًا، إذ لم يعُد المكان واسعًا بعدما دمَّره بنفسه. ثم إنه أشعل النيران، فكان بديهيًّا أن أُخمِّن وجوده في الجهة المُقابلة.
“ك، كيف عرفتِ……؟”
“الحواجز. كانت تَصدّ هجماتي بطريقةٍ غير طبيعيَّة.”
الحاجز عادةً يُنشأ حول الذات ليخرُج سريعًا ومُحكمًا.
لكنّ حواجزه كانت مُلتويةً قليلًا ومتأخرة في التوقيت.
“أهذا ما لاحظتِه؟”
“أنا أثقُ بنفسي في الحواجز بقدر ثقتي في عناصري.”
“أتظنين أنّني لستُ بارعًا فيها؟ إنَّ ما أتقنه أكثر من غيري هو فنّ الحواجز والوُهُم!”
“عادةً حين يقول أحدهم إنَّه الأفضل، يذكر شيئًا واحدًا.”
“أنا أجيد كلَّ شيء! نعم، كلَّ شيء! اللعنة! لا يُمكن أن أخسر أمام أمثالكِ!”
……حينها تأكّدتُ أنَّ ما قيل: ‘السيّد تيود مُعجبٌ بالسيّدة رايلي’ لم يكُن سوى إشاعةٍ مُحرّفة.
لكن هذا لم يكُن مهمًّا. كان عليَّ أن أطرح سؤالًا أهم.
فقد واجهني منذ البداية بالوَهم فقط، بخلاف جميع مُواجهاته السابقة.
‘ظننته يستخفّ بي ويكفيني بوَهم، لكن كلّ ضربةٍ بدت صادقةً وقاتلة.’
لو سقطتُ مُصابًا…… لاندفع فيليون لإنقاذي.
وحين ينشغل بي، يظهر الجسدُ الحقيقي ويهجم عليه. كانت تلك خطته بلا شك.
وأمّا السبب، فكان واضحًا.
“يبدو أنَّ غيظك ما زال قائمًا بسبب حرق الكتاب المحرَّم.”
“ذلك كان لي! حتى لو أُحرِق، كان عليَّ أن أفعله بيدي! تبااًا! أتُدركين كيف شعرتُ وأنا لم أرَ حتى غلافه؟!”
“لماذا تُصرّ على ذاك الكتاب؟ أيُّ سحرٍ أردتَ؟”
“تسألين عن السَّبب؟ تريدين حقًّا أن تعرفِ؟”
بقيتُ صامتة. فلو كان لديه عُذرٌ مؤسف فسأجد نفسي أشفق على مَن حاول قتلي.
“أردتُه لأنَّني عبقريٌ أكثر مما يُحتمل.”
إذن لا عُذر. حسنًا، جيّد.
“لقد أدركتُ أسرار السِّحر وأنا في الثانية عشرة. تعلَّمتُ جميع التعاويذ بلا مشقّة، وكان الأمر ممتعًا.”
“…….”
“لكن فجأةً قال أبي: لم أعُد أملك ما أعلّمك. هل تُدرِكين كيف كان شعوري؟ شعرتُ بالبؤس. بلا ما أتعلمه أو أتقنه بعد الآن. كأنَّ الحياة نزعت أعظم معنًى لي. شعورٌ لن يفهمه شخصٌ عاديٌ مثلكِ.”
“…….”
“لذلك رغبتُ في الكتاب المحرَّم. كنتُ واثقًا أنّه يحوي ما لا يعرفه أبي ولا أنا. عشتُ مُصمِّمًا أن أصير سيّد البُرج لأحصل عليه. وحين بلغتُ المنصب أخيرًا…….”
لكن فيليون أحرَقه.
“هاه، لعلّها أقسى لعنة. أن يكون تفوّقك نفسُه جحيمك…….”
“لكنّك خسرتَ أمامي.”
فجأةً تحوّل وجه ثيوت، الذي كان على وشك البكاء، إلى ملامحٍ مُتوحّشة.
“لقد استخدمتِ الخداع! لم تُقابل سحري بسحرٍ مماثل!”
“حتّى في ساحة البُرج لا يوجد قانونٌ كهذا.”
“كان ينبغي أن نستخدم التَّعويذة نفسها لنُثبت أيُّنا أقوى!”
“لكن في حواجزك كان هناك خلل، وقد اكتشفتُه أنا.”
“ذا، ذلك…….”
دفعتُ السيف أعمق عند رقبته.
“اعترف، لقد هُزمت.”
ارتعشت جفونه، ثم صرخ:
“نعم! خسرتُ! اصبحتِ أنتِ سيّدة البُرج!”
“لن تُغيّر كلامكَ لاحقًا؟”
“أقسم لن أفعل! لا أُبالي بهَذا المنصب البائس!”
حين سحبتُ سيفي نهض هو عن الأرض.
تبادلنا نظراتٍ صامتة، لكنّي لم أشعر منه بخطرٍ مباشر، فجمعتُ سلاحي وهممتُ بالانصراف.
“ستكونين تعيسةً.”
قالها فجأة، فتجهَّمتُ والتفتُّ إليه.
“ماذا تقصد؟”
“لن يعترف بكِ الناس قط كـ سيّدة بُرج. سيُظهرون بعض الاحترام، لكن السبب سيكون فيليون إلفيرت فقط. لوجوده بجانبكِ.”
“…….”
“عند كل أزمة سيُذكَر اسمه، وستتّكئين عليه لا شعوريًّا. ومع الوقت ستغرقين في أسًى داخلي. وستتساءلين دومًا: من هو السيّد الحقيقي؟”
ضحك تيود بخفّةٍ وهو يُحدّق بي.
“وحين يرحل عنكِ في النهاية…….”
لم أتركه يُكمل، بل ركلتُ ركبتَي مجددًا.
“آخ!”
“أمّا زلتَ هنا تتمنّى لي الخراب؟!”
“ماذا تفعلين! هل تُريدين جولةً ثانية؟!”
“وماذا عساك تفعل؟ لقد هُزمت.”
عضَّ شفتَيه عاجزًا عن الردّ.
“شكرًا على النصيحة، لكن لن أدع مثل تلك الأفكار تسيطر علي.”
“ها! أتظنّينةأنّ الإرادة تكفي؟”
“نعم. لم أجد شيئًا يستحيل مع الجهد. رأيتَ بنفسك. أنا، شخصٌ عادي، وقد هزمتُ سيّد البُرج تيود.”
ولم يجد هذه المرّة أيضًا ما يقوله.
……ربّما تشابهت لهجتي قليلًا مع لهجة فيليون؟ لعلّه مُجرّد وهم.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 124"