إيريون كانت تُدندن بخفةٍ وهي جالسةٌ في شرفة المقهى.
رغم أنّ الطاولات في المكان كانت كثيرة، إلّا أنّ الزبائن لم يعودوا كُثُرًا كما في السابق. والسبب أنّ “تمثال رايلي فولكس”، الذي كان مَعلَمًا شهيرًا في الساحة، قد اختفى، فقلَّ عدد السيّاح بشكلٍ كبير.
‘كان يُمكِن تركه كما هو لَمْا كان سيُضِرّ.’
لقد دارت الكثير من الآراء بشأن التمثال، لكن السبب الحاسم كان أنّ رايلي نفسها طلبت إزالة التمثال.
حين انحنت أمام الناس في الساحة قائلةً إنّها ليست بطلة، كانت إيريون في الحقيقة تخشى أن يظنّ الناس أنّها خدعتهم طوال الوقت فيُهاجِموها بالكلام الجارح.
‘من حسن الحظ أنّ الأمر مرَّ بسلام. ويبدو أنّ السيدة رايلي أيضًا لا تجِد صعوبةً في العيش داخل الإمبراطورية.’
منذ وفاة الإمبراطور قبل عامين، بقيت رايلي في الإمبراطورية.
أصبح راول إمبراطورًا. كانت هناك أصواتٌ تطالب بتولية لورانس العرش، لكن يبدو أنّ والده قال له شيئًا ما جعله يرفض. وحتى بعد أن أصبح دوقًا، لم يتدخّل في السياسة إطلاقًا.
‘كنتُ أظنّه سيتشبّث بالعرش، لكن على العكس بدا مرتاحًا أكثر.’
ومع ذلك، لم تعبر رايلي إلى القارة الغربية فور وفاة الإمبراطور وكأنّها كانت تنتظر ذلك.
بل إنّ سبب انتقالها إلى هناك كان شيطانًا يُدعى ‘نايفن’.
ظهر ذلك الشيطان فجأةً وبدأ يدمّر كل ما تراه عيناه، كوحشٍ جامح فقد عقلَه.
لم يكن بالإمكان التفاهم معه أو التفاوض، وحتى الاسم نايفن لم يكن حقيقيًا، بل اقتبسه برج السحر من اسم شيطانٍ شرير ورد في الأساطير.
‘لو أنّ جلالته تخلّف قليلًا في إرسال الدعم، لكنتُ هلكتُ أنا أيضًا…’
نجت إيريون بأعجوبة، لكن معظم رفاقها لقوا حتفهم.
الكثير من الجنود والفرسان، وتلامذة ديلاريك، وكذلك السحرة العجائز في برج السحر، قُتِلوا جميعًا على يده.
لذلك كتبت إيريون رسالةً إلى رايلي وفيليون تطلب مساعدتهما، وهي تعلم أنّها تُعكّر صفو حياتهما المسالمة، لكن لم يكن أمامها خيار.
وعاد الاثنان إلى القارة الغربية.
دارت ست معاركٍ كبرى، وفي كل مرة أظهروا بطولاتٌ لامعة.
وبما أنّ تيود، رئيس برج السحر الحالي، أعلن أنّه لن يُشارِك في القضاء على نايفن، فقد كان طبيعيًا أن يَظهر الاثنان في أعين الناس كأبطال.
ومع ذلك، وبعد أن قطعت رايلي رأس نايفن بيدها، أصرت على إزالة التمثال.
وقفت في الساحة نفسها وانحنت أمام الناس، كاشفةً بالتفصيل عن حقيقة هروبها وعن أمر سيريوس أيضًا.
‘مُعلمي ظلّ يردعها قائلاً إنّه لا داعي لذلك.’
ابتسمت إيريون وهي تنظر إلى مكان التمثال. لا يزال مشهد قتال الاثنين حيًّا في ذهنه.
― “هذا التمثال بناه سيريوس. قال إنّه يريد إزالة التمييز ضد ذوي الشعر الأحمر، لكن هذا كذب، أليس كذلك؟ ذلك الذي يتلاعب بالزمن لم يكن ليهتم بمثل هذا.”
― “صحيح، لا بُدّ أنّه كذلك.”
― “غايته واحدة. أن يجذب انتباهي. فإذا امتننتُ له سيكون من السهل عليه التلاعب بي.”
حينها تفاجأت إيريون جدًّا، لأنّها كانت تظنّ أنّ فيليون سيوافقها على كل شيء.
لكن فيليون ظلّ يمنعها حتى اللحظة الأخيرة قبل أن تصعد المنصّة في الساحة.
― “أتدرين ما أقصده؟ لستِ مخطئةً في إقامة هذا التمثال. لم تدّعي بلسانك أنّكِ من قضى على الشيطان، ولم تطلبي أن يُقام لكِ.”
― “أعلم.”
― “ولم تُخفِي الحقيقة كلّها. في المحاكمة اعترفتِ بكل شيء مرة. كل من يجب أن يعلم قد علم.”
― “لكنّ زوّار هذه الساحة لا يعرفون.”
ثمّ خاطبته بلطف:
― “الذين يُهنّئونني بعيد ميلادي، والذين يُصلّون من أجلي لا يعرفون. لذلك عليّ أن أخبرهم. هذا هو الأدب.”
― “بمجرد أن قضيتِ على نايفن، صرتِ بطلةً في نظر الجميع.”
― “لكن قبل ذلك لم أكن بطلة. أريد تصحيح هذا.”
― “وإن تغيّر موقف الناس من جرّاء ذلك؟”
― “لكنّك ستكون إلى جانبي، أليس كذلك؟”
― “…….”
― “أليس كذلك؟”
بينما كانت تستعيد ذاكرتها قطّبت إيريون حاجبيها بلا وعيّ، فقد تذكّرت أيضًا مشهد عناقهما بعدها.
كان مشهدًا دافئًا وجميلًا، لكن رؤية معلمها في موقفٍ عاطفي كهذا أشعرتها بالنفور.
‘على أيِّ حال، الحمدلله أنّ الأمور مرّت بسلام.’
فالناس كانوا في حيرةٍ كبيرة، لكن لم يجرؤ أحدٌ على شتم رايلي علنًا. ولم تحدث أيُّ أعمال شغب.
غير أنّ المشاكل لم تتوقف عند ذلك…
“إيريون.”
قطع صوتٌ مألوف شرودها، فرفعت رأسها.
“لقد تأخرتَ خمس دقائق، يا مُعلّمي.”
“لقد أتيتُ بأقصى سرعة.”
“ما الذي يشغلك كثيرًا هذه الأيام؟”
ابتسم فيليون وجلس في الجهة المقابلة.
“سِرّ.”
اعتدلت إيريون في جلستها وحدّقت فيه باهتمام.
لقد تغيّر فيليون كثيرًا عمّا كان عليه أول مرة التقيا.
طبيعي أن يتقدّم به العمر، لكن بدا أكثر راحةً وأقلّ حِدّة.
إن كان سابقًا ‘أيُّ مشاكسٍ أقتُله’، فقد أصبح الآن ‘حسنًا، أستمع أولًا لِمَ يُشاكس.’
حتى عندما كانا يُقاتلان نايفن، ظلّ يتذمّر، لكن مقارنةً بالماضي فقد صار أكثر لينًا. ولو كان في الماضي لقال: ‘لا شأن لكِ.’ بدلًا من ‘سرّ.’
لكن بخصوص هذا السرّ…
“هل أنتم أيضًا تستعدّون؟”
“ماذا؟”
“لرئاسة برج السحر!”
فالقضية التي تشغل بال إيريون كانت هي برج السحر نفسه.
البرج يعيش أزمةٍ غير مسبوقة، بعدما فُقِد الكتاب المحرم الذي كان أساسه، ومات معظم الشيوخ العجائز على يد نايفن.
وزاد الطين بلّة موقف تيود، رئيس البرج الحالي. حين قال بطيش: “لقد صرتُ رئيسًا كي أجرّب الكتاب المحرّم”، شعر إيريون بدوار.
اشتعل الرأي العام بضرورة اختيار رئيسٍ جديد، فأعلن تيود أنّه سيتنحّى، لكن بشرط:
― “سأُسَلِّم المنصب لمن يهزمني في مبارزة.”
ولم يكن هناك وسيلةٌ لإجباره على التنحي.
إذ لطالما كان منصب الرئيس يُحسَم بالتصويت بين الشيوخ. وبالتالي كان عزله يتطلّب تصويتهم أيضًا. لكن الناجين من الشيوخ كانوا هم أنفسهم من نصّبوه رئيسًا.
‘لقد اختاروه لأنه كان أصغر المرشحين، فظنّوا أنهم سيسيطرون عليه بسهولة.’
ومن ثمّ تحدّاه الكثيرون. بعضهم بدافع إصلاح البرج، وآخرون بدافع الطموح أو مجد العائلة.
لكن بعد عامين كاملين لم يستطع أحدٌ أن يهزمه.
ورغم أنّ الناس أخذوا يتركون البرج محبطين من كسله، ظلّ الشيوخ متمسكين به.
“الآن الشيوخ سيقيّدون تيود حتى لو أراد الخروج بنفسه. حتى البارحة في الوليمة قالوا إنّه يمكن تغييره.”
“طبعًا، فهم راضون عن الوضع. بفضل تيود يعبثون بميزانية البرج كما يشاؤون.”
“بالضبط!”
اقترب النادل وقدّم القائمة، فتصفّحها فيليون ببطء ثم طلب شرابًا بسيطًا.
وبعد أن غادر النادل رفع كتفيه وقال:
“أنا لن أترشح.”
“ماذا؟”
“لقد طُرِدتُ من البرج أصلًا. لا علاقة لي به.”
“لكن معظم أولئك الذين حضروا المحاكمة قد ماتوا. كما أنّ وضع البرج سيئٌ جدًا…”
الرأي العام بين السحرة أنّ أيّ شخصٍ قادرٍ على إصلاح البرج فهو مناسبٌ، أيًّا كان.
حتى إنّ بعضهم علّق آماله على الكونت ديلاريك، رغم أنّه اعتزل السياسة بعد معركة نايفن بسبب حالته الصحية.
“لا، الأمر متعب. لديّ أشياء أخرى أهم.”
“إذن أنت تؤيّد أن تتولّى السيدة رايلي المنصب؟”
فجأة اختفت ابتسامته واكتسى وجهه بالجدية.
“هل تشاجرتما ثانية؟”
“لم أتشاجر مع رايلي.”
“لكنّكما فعلتما سابقًا.”
“سميهِ نقاشًا بنّاءً.”
ثمّ تنفّس وهو يُدلّك ما بين حاجبيه.
“الشجار كان مع الذين يُلحّون عليها لتحدّي تيود.”
“آه، تقصد التلامذة؟”
“أيُّ تلامذة؟ لقد قدّمت لهم بعض النصائح أيام معركة نايفن حتى لا يُقتلوا، فبالغوا بالأمر.”
في الحقيقة كانت رايلي نفسها تشعر بالثقل من ذلك، فقد توقفوا عن مناداتها “مُعلّمة”، لكن نظرتهم المليئة بالإعجاب لم تتغيّر.
وكانت إيريون تعلم جيدًا أنّهم يرغبون في أن تُصبح رايلي رئيسة البرج.
“إذن أنت لا ترغب أن تُصبح السيدة رايلي الرئيسة.”
تمتمت إيريون بمرارة.
هي تعرف أنّ المنصب صعبٌ للغاية، وأنّها ستُعاني كثيرًا إن تولّته في هذه الفترة، لكنه أيضًا تأمل أن يعود النظام إلى المكان الذي عاشت فيه، ولذلك كانت تُشجّعها.
لكن…
“ما الذي تقولينه؟ لماذا أرفض ذلك؟”
فجأة رفعت إيريزن رأسها بدهشة.
“ألست ضدّ مواجهتها لتيود؟”
“لأنّها قد تُصاب أثناء القتال. نعم، فرصتها في الفوز عالية، لكن ليس بفارقٍ مريح. لذلك أقلق عليها.”
كان تقييمًا موضوعيًا خاليًا من المحاباة. وكانت إيريون واثقةً أنّه قال الكلام نفسه لرايلي أيضًا.
“رايلي لا تريد القتال، هي فقط تريد أن تكون رئيسة. لذلك اقترحتُ طريقةً أخرى.”
“طريقةً أخرى؟”
“المشكلة أنّ الشيوخ لا يطردون تيود. إذن فلنضغط عليهم. كشف نقاط ضعفهم سيأخذ وقتًا، لكنه أسهل في النهاية.”
“وهنا تشاجرتما؟”
“أخبرتُكِ أنه نقاشٌ بنّاء.”
حينها جاء النادل بالشراب.
ظلّت ّ إيريون تراقب فيليون وهو يرطّب حلقه، ثم قالت فجأة:
“كنتُ أظنّك أنت مَن ترغب بالمنصب.”
ابتسم فيليون مازحًا وهو يضع الكوب.
“إيريون، هل أبدو لك كشخصٍ يحبّ البرج؟”
“…… لا، لكنّ المنصب مغرٍ.”
“صحيح. لو لم تكوني ملكة المرتزقة، لكان طبيعيًا أن تدخلي السباق على المنصب.”
قالها ممازحًا، لكن قلبها انقبض قليلًا، فقد كانت بالفعل تحلم بالمنصب عندما التحقت بالبرج.
“أنا لا أليق بذلك الكرسي. ولديّ أمورْ أهم أُركّز عليها.”
همّت أن تسأله إن كان يقصد علاقته العاطفية، لكنّها أطبقت فمها.
فوجهه بدا مختلفًا قليلًا عن العادة. كان يتفاخر عادةً حين يتحدّث عن رايلي، لكن اليوم بدا…
‘هل هناك حقًا مشكلةٌ أخرى تُقلقه؟’
تذكّرت أنّه قال منذ قليل ‘سرّ’.
‘ما الأمر يا ترى؟’
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 122"