الفصل 119 :
لكن تلاقي أعيننا لم يدم طويلاً.
فقد قاطعنا القبطان فجأة.
“حقاً إنك مذهل! لقد قضيت على هذا العدد الكبير وحدك!”
“لم يكن شيئًا كبيرًا. هل تقترب وحوش أخرى؟”
“سأتأكد من ذلك. أيُها المراقب! هل ترى شيئًا آخر؟”
“هل أنت من البرج السحري؟ ربما من الشيوخ؟”
“أليس الشيخ هو من يكون كبيرًا في السن فقط؟”
“بل قالوا انه يكفي أن تكون لديه موهبةٌ قوية.”
اقترب الآخرون أيضًا من فيليون وبدأوا يتحدثون معه بانشغال. خاصة النساء، كانت عيونهن تلمع.
وهذا أمرٌ مفهوم. حتى أنا، حين كنت أكرهه، لم أستطع أن أنكر أن وجهه وسيم جدًا…
أن يهتم الناس به، أمرٌ عادي. لكن…
“آنسة؟”
“نعم؟”
“لماذا وجهكِ هكذا؟ هل أصبتِ بشيء؟”
“آه، هذا…”
أجبت بايون بينما كنت أرمق فيليون خلسة.
كان لا يزال محاطًا بالناس. بل إن عددهم ازداد، حتى لم أعد أرى تعابير وجهه أو ما يقوله.
لكن إن لم تكن نظرتنا قبل قليل مجرد وهمٍ مني…
“لقد اصطدمت بركبتي وأنا أسقط. وأيضًا التوت معصمي حين وضعت يدي على الأرض.”
“آه، هل يؤلمكِ كثيرًا؟”
“ليس بشكلٍّ خطير…”
“لنذهب إلى غرفة العلاج. سأساعدكِ…”
وبينما كان بايون يقترب مني…
“أأنتِ مصابة؟”
ارتفع رأسي فجأةً على صوتٍ غير متوقع. كان فيليون قد وقف أمامي بالفعل.
“أين؟”
“ركبتي قليلاً…”
“هل تستطيعين المشي؟ هل أحملكِ على ظهري؟”
“لا، ليس إلى هذه الدرجة.”
ثم أمسكت بذراعه.
“يكفي أن تستخدم سحرًا علاجيًا.”
فأعانني بقوةٍ وهو يمسك بي جيدًا.
“حسنًا.”
“إذن سندخل الآن. شكرًا لاهتمامك، بايون.”
وبينما أشعر بنظرات الفضول تلاحقني من الخلف، دخلت مع فيليون إلى الداخل.
***
لم تكن كلمة ‘ألم’ مجرد مبالغة.
حين عدت إلى غرفتي وجلست ورفعت تنورتي، كان هناك كدمةٌ على ركبتي.
ليست شديدةً مثل المرة التي تعثرت فيها بصخرة، لكنها كانت موجودةً ومؤلمة.
“هنا؟”
“نعم.”
جلس فيليون على ركبةٍ واحدةٍ أمامي، يتفحص الكدمة بدقة.
السحر العلاجي إذا استُخدم بإفراط قد يرهق الجسد.
ولكي يعرف مقدار ما يحتاجه تمامًا، عادةً ما يلمس الجرح.
لكن كعادته، لم يلمسني أبدًا.
مد يده، لكنه أبقى مسافةً بين أصابعه وركبتي وهو يلقي السحر.
وبما أن كل سحرٍ علاجي يحتاج وقتًا حتى يكتمل، بقيتُ أراقب خصلات شعره المبللة قليلاً ثم سألت:
“من أين تعلمت هذا السحر؟”
ابتسم ابتسامةً صغيرة وأجاب:
“من كتابٍ في رفوفكِ.”
“لديّ مثل هذا الكتاب؟”
“نعم. كان قديمًا ومركونًا في الزاوية. استعملتُ ما فيه وطوّرت بعضه.”
“لا أذكر ذلك أبدًا.”
“سأريكِ إياه لاحقًا.”
هكذا حصلت على موضوعٍ جديد للحديث. بدا السحر معقدًا، فتعلمه لن يكون بيومٍ وليلة. جيدٌ أنني عثرتُ على شيءٍ نافع.
لكن لم ينتهِ السحر بعد.
فمددت له معصمي، فبدأ يعالجه بنفس الطريقة، دون أن يلمسني.
وقبل أن يطول الصمت، فتحت فمي.
“…كنت رائعًا.”
شعرت ببعض الخجل فأضفت بسرعة.
“أقصد، السحر.”
“شكرًا.”
ثم توقفت الكلمات. ماذا أقول بعد…؟
“التقيتُ بايون بالصدفة فقط.”
“…..”
“استيقظت باكرًا بسبب صداع الكحول. لم نتحدث كثيرًا.”
“……”
“آه… لم تكن مهتمًا؟”
“كنتُ مهتمًا. شكرًا لأنكِ أخبرتني.”
إن سماع كلمة ‘شكرًا’ من فيليون أمرٌ غريبٌ جدًا. وها هو يقولها مرتين متتاليتين.
يا للعجب، لقد تغيّر كثيرًا منذ أن هربتُ منه.
ربما الموت والعودة له ليس أمرًا سيئًا؟
وبينما أفكر بسذاجة…
“لكن لا داعي لأن تقلقي لأجلي.”
كلماته جعلتني أرمش بسرعةٍ من الدهشة.
“لستِ مضطرةً لشرح كل شيء. إن لم ترغبي فلا بأس.”
“ماذا تعني؟”
“أعني… لا تشعري أنكِ مجبرةٌ لأن تراعي مشاعري. أنا جاد.”
وخلال كلامه، كان ينظر إلى ركبتي فقط.
رغم أن السحر انتهى، إلا أنه لم يغادر.
وظل الصمت قائمًا حتى قال:
“وإن وجدتِ رجلاً آخر يعجبكِ…”
راقبتُ شفتيه تتحركان بقلق. توقعت أن يقول: لن أدعكِ تذهبي أبدًا.
لكنه قال:
“يمكنكِ أن تكوني معه.”
رفع رأسه ونظر إليّ بعينيه البنفسجيتين.
“لا حاجة لأن تشرحي بالتفصيل. لكن إن أردتِ أن تشرحي، فلا بأس. قولي إنكِ تكرهين رؤيتي، أو أن وجودكِ معه أسعدُ لكِ، لا بأس. لن أمانع.”
“…..”
“يمكنكِ أن تقولي عني ما تشائين. مجرد معارف… أو حتى أنكِ لا تعرفينني إطلاقًا. إن طلبتِ مني أن أتصرف كالغريب فسأفعل.”
ثم، تلك اليد التي ظلت تحوم دون لمس، استقرت أخيرًا على يدي.
“لكن فقط… لا تختفي.”
كانت حركته حذرة، ويده ترتجف قليلاً.
“اتركي لي فقط وسيلةً لأتواصل معكِ. يكفي أن تخبريني أين أنتِ، وسأتصرفُ وحدي.”
رغم ارتجاف يده، إلا أن عينيه البنفسجيتين كانتا ثابتتين تمامًا.
وكأنه كرر هذه الكلمات عشرات المرات في داخله.
كان منظره مؤلمًا جدًا.
“أعرف أن هذا يبدو كالمراقبة، وربما يزعجكِ. آسف. لكنني لن أتدخل في حياتكِ أبدًا.”
“…..”
“سأحاول أن لا أظهر أمامك. وإن صادفتني، تجاهليني كأني جماد. ولن أخبر أحدًا بشيء عما تفعلين. سأحتفظ به لنفسي. فقط…”
أمسك بيدي برفق أكبر.
“أريدُ فقط أن أعرف أنكِ ما زلتِ حيّة.”
“…..”
“يكفيني أن أراكِ حيّة. رجاءً، لا تختفي عني.”
حينها شعرت أنني بدأت أفهمه.
كان يتعمد أن يبتعد عني طوال الوقت.
يخشى أن يلمسني صدفةً فيؤذيني، فيحترس مني دائمًا.
لا بد أنني قلت له كلماتٍ قاسيةً جدًا يوم رحلت متظاهرةً بالموت. كلماتٌ علقت في قلبه وظل أسيرها.
لذا، يظن أنني لن أقبله أبدًا.
بل ويعتقد أنني سأطرده من حياتي في أيّ لحظة، حتى ونحن في رحلة معًا إلى القارة الشرقية.
قد يكون ذلك صحيحًا. لكن…
هناك كلماتٌ يجب أن تُقال قبل كل هذا.
منذ أن صعدت إلى السفينة، كان في صدري غصّة.
لقد سمعتُ الحقيقة من خلال الوهم، لكن ذلك كان أشبه بالتجسس.
الآن شعرتُ بعجلةٍ غريبة، فعضضت شفتي.
لماذا حسم الأمر وحده؟ لماذا لم يقلها بعد؟
هل تغيّر قلبه حقًا خلال هذه الفترة…؟
“هل هذا… كل شيء؟”
“…..”
“أهذا كل ما لديك لتقوله لي؟”
نظر في عيني ثم قال:
“آسف.”
“على ماذا؟”
“على كل ما فعلتُه بكِ في الماضي.”
“…..”
“لن أتعامل معكِ بتلكً الطريقة مرةً أخرى أبدًا. أقسم.”
ضغط على يدي بقوةٍ أكبر.
“إن لم تصدقيني، سأكتب تعهدًا.”
“ماذا؟”
“حتى لو كان لعنة، لا بأس. أيُّ شيءٍ يريحكِ، سأقبل به.”
“فيليون إلفيرت.”
قبضتُ على يده بقوة.
“هل هذه فعلاً كل كلماتك لي؟”
“…..”
“أنكَ ستعيش بهدوء حولي دون إزعاج. وأنكَ آسف. أهذا كل شيء؟”
شعرت وكأنّ أحدهم يمسك بقلبي ويهزّه بعنف.
التوتر والقلق تسلل إلى كل جسدي.
وقبل أن أتحمل أكثر وأفتح فمي…
“أحبُّكِ.”
أخيرًا قالها.
“أحبُّكِ يا رايلي.”
“خلال غيابكِ، لم أفكر إلا بكِ. أردتُ رؤيتكِ لدرجة أنني كنتُ على استعداد لانتهاك المحرمات وإعادة الزمن للوراء.”
“…ألست تقول هذا فقط بسبب الجو؟”
“لا يمكن أبدًا.”
ابتسم بلطفٍ. وكانت مشاعره واضحةً في عينيه البنفسجيتين.
“أنا ما زلتُ… مشوشةً.”
شعرتُ بارتجافٍ في يده حين سمعني.
لكن وجهه بقي ثابتًا، وكأنه توقع هذا الرد، فابتسم بهدوء.
“حسنًا.”
ونهض ببطء.
لكن قبل أن يبعد يده عني، أمسكتُ بها مِن جديد.
“لهذا السبب! أريدُ أن أتأكد.”
تجمد جسده للحظة.
ثم مال رأسه متسائلاً.
مددتُ يدي الأخرى محاوِلةً جذبه نحوي.
“أريدُ… أن أتأكد.”
لكن يده توقفت فوق ركبتي بمقدار شبر.
وبيننا ساد جوٌّ محرج.
…لم يكن هذا ما تخيلته.
شعرتُ كأنَّ صوتًا يصرّ من ذراعي.
لكن رغم أنني قبضت يدي وفتحتها مرات، لم أستطع إظهار القوة التي حلمت بها.
فأشحتُ بوجهي محرجَة.
“رايلي.”
مد يده الأخرى ولمس خدي برفق. ومع تلك اللمسة، تحرك رأسي تلقائيًا نحوه.
والتقت أعيننا مجددًا.
لكن هذه المرة، من مسافةٍ قريبةٍ جدًا، حتى أن أنوفنا كادت تتلامس، اقترب مني أكثر.
وفي اللحظة التالية، تلامست شفاهنا.
كان حركتُه بطيئةً ومترددة.
لكن حين شددته نحوي، لم يتردد أكثر.
بين أنفاسه المرتجفة، تسللت حرارةٌ جديدة، وخفق قلبي بعنف.
أخيرًا اكتملت الصورة التي حلمتُ بها.
وبعد أن انتهت القبلة القصيرة، سألني:
“والآن؟”
“…ما زلتُ لا أعرف جيدًا.”
وضعتُ جبيني على كتفه وأدرتُ رأسي قليلاً.
“هل يُمكن… أن نستمر؟”
ابتسم هامسًا.
“كما تشائين.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 119"