جلس ساحرٌ يرتدي رداءً أزرق داكن على عجلٍ وقال لزميله:
“هل تأخّرتُ؟”
“لا. لم يبدأ شيءٌ بعد.”
“أوه، هذا جيد. كان هناك ضجيجٌ في المدخل فظننتُ أنّ كارثة قد وقعت بالفعل.”
“لم يحدث أيُّ شيء بعد.”
الساحر ذو الرداء الأبيض، الذي بدا أنّه رفيقه، وجّه بصره إلى الأمام.
“لكن لا بُدّ أن يسود الضجيج. أليس هذا محاكمة فيليون إلفيرت؟ انظر. لم أرَ يومًا قاعة محاكمة البرج ممتلئةً هكذا.”
“يا للروعة، حقًا أمرٌ مذهل.”
تابع الاثنان أحاديثهما الحماسية مع الآخرين.
“إذن كان حيًّا بالفعل. بالطبع، لم يكن ليموت بتلك السهولة. تُرى أين كان وما الذي فعله طوال هذه المدّة؟ ثمّ ماذا عن الرهان بشأنه….”
“رهان؟”
“ألم تسمع؟”
“آه، الآن تذكّرتُ. أعتقد أنّي سمعتُ شيئًا من هذا القبيل. كان ذلك في العام الماضي، أليس كذلك؟ أنّ السحرة بدأوا يراهنون على ما ستؤول إليه نهاية فيليون إلفيرت؟”
“بالضبط. آه، صحيح. قبل عامٍ كنتَ أنت يا سيد لانغدون في القارّة الشرقيّة. لذا لم تسمع به.”
“قيل إن هناك ساحرةً شابّة بارزة، فذهبتُ بنيّة أن أتّخذها تلميذة. كما تعلم، أنا أبحث عن تلميذٍ منذ وقتٍ طويل. لكن للأسف لم أتمكّن من لقائها…”
وبدا لانغدون ما زال متحسّرًا وهو يعبث بلحيته البيضاء ثم رفع حاجبه ونظر إلى رفيقه بطرف عينه.
“إذن، كيف انتهى أمر الرهان؟”
“لقد فاز السيد إيرنكيل وحده بكل شيء.”
اتسعت عينا لانغدون وسأل:
“أتُراك تقصد أنّه توقّع ذلك؟”
“نعم.”
أومأ الساحر ذو الرداء الأبيض.
“لم يكن هناك أحدٌ غير السيد إيرنكيل توقّع أن يعود فيليون بنفسه ويطرق باب برج السحر.”
ثم اتجهت أبصار الاثنين نحو مقاعد المتفرّجين في الجهة المقابلة.
كان إيرنكيل يتحدث بهدوء مع الشيوخ الآخرين. ورغم أنّه الفائز بالرهان، إلا أنّ وجهه بقي مدهشًا في سكينته.
“كما هو متوقّع، حدسه في ما يتعلّق بالمال خارق.”
“هاه، إنّه شيخٌ مسعور من أجل المال ليس إلّا.”
“…بالمناسبة، هل سمعتَ تلك الشائعة؟”
“شائعة؟”
“عن الشاهد الذي سيقف في صفّ فيليون…”
في تلك اللحظة، دخل القضاة إلى مقاعدهم.
“الجميع، انهضوا.”
فخمدت الأصوات التي ملأت قاعة المحاكمة دفعةً واحدة.
وجلس ثلاثة من السحرة ذوي الأردية السوداء على مقاعد القضاة. جميعهم من شيوخ البرج، المسؤولين عن قوانينه.
“اجلسوا جميعًا.”
ظلّ السكون مسيطرًا حتى بعد أن عاد الناس إلى أماكنهم.
ثم تحدّث أقدم الشيوخ عمرًا، القاضي الأكبر دران.
“سنبدأ المحاكمة. المتّهم، ادخل.”
وبمجرد أن أنهى كلماته، فُتح الباب الكبير في مؤخرة القاعة.
دخل فيليون، مقيّدًا بالسلاسل في يديه وقدميه، بملامح جافّة بلا انفعال.
عيناه لم تبدُ كمن يدخل محكمة، بل كمن يتمشّى في حديقةٍ اعتاد ارتيادها منذ طفولته. لم يلتفت إلى أيٍّ من العيون المحدّقة به. تابع السير فقط.
ولم ينبس أحدٌ في القاعة بكلمة.
توقّف صوت السلاسل حين وقف في مقعد المتّهم، وانطلق عندها صوت تنفّسٍ متوتّر من أحدهم.
“المتّهم، قل اسمك.”
“فيليون إلفيرت.”
“ألا يوجد لك محامٍ؟”
“لا يوجد.”
في تلك اللحظة، فُتح الباب الجانبي على يسار القاعة، ودخل حشدٌ من سحرة عائلة ديلاريك بحذر. جلسوا في مقاعد المتفرّجين المقابلة، وكان بينهم الكونت ديلاريك.
همس لانغدون:
“لقد تأخروا.”
“لعلهم كانوا يتحدّثون مطوّلًا مع القضاة؟”
“المتّهم، في الحادي عشر من فبراير عام 1685، سرقتَ الكتاب المحرّم ‘أركالسيـرون’ من الطابق الثالث والثلاثين تحت الأرض في مخزن الكتب المحرّمة بالبرج. هل تعترف بذلك؟”
“لا أعترف.”
علا ضجيج الدهشة من كل صوب.
“لكن هناك خمسة وعشرون شاهدًا رأوك.”
“لقد ألقيتُ على القيّمين تعويذة وهمٍ جعلتهم يظنون أنّهم رأوني. ثم جذبتهم إلى السطح وهربتُ.”
“إذن، كان معك شريك؟”
“نعم.”
ساد الذهول القاعة.
“اذكر اسم شريكك.”
“سيريوس لويفان إلكيديس.”
قالها فيليون ببرود.
“لقد ساعدتُه في سرقة الكتاب المحرّم.”
“كذب!”
قفز شخصٌ من الجهة اليمنى للقاعة وصاح.
“يريد أن يحمّل السيد سيريوس الجريمة بعد أن قتله بيديه! اللورد سيريوس مستحيلٌّ أن يفعل ذلك!”
وتبع آخرون يشيرون إلى فيليون.
“صحيح! إنّه يكذب!”
“الجميع يعلم أنّ اللورد سيريوس اختفى أثناء مطاردته لفيليون!”
“أيُّها الوقح…!”
“اصمتوا!”
دمدم دران وهو يضرب الطاولة بقوّة.
فعاد الواقفون إلى مقاعدهم وهم يعضّون شفاههم.
“لماذا ساعدتَ سيريوس في جريمته؟”
أجاب فيليون بلا تردّد.
“لأجل تدمير الكتاب.”
“ما الذي…؟”
“لقد حاول سيريوس أكثر من عشرين مرّةً العودة بالزمن مستخدمًا الكتاب. بسبب ذلك بدأت حدود العالم تنهار. أردتُ أن أوقفه.”
“كذب!”
“لو كنتَ تعلم بذلك، كان عليك أن تُعلن الأمر منذ البداية!”
ابتسم فيليون بسخريةٍ وهو يلتفت إلى الصائحين.
“هل كنتم ستصدّقونني؟ حتى الآن أنتم هكذا.”
كانت تلك الجهة تضمّ المدافعين عن سيريوس.
الجميع يعلم أنّ أقوى أسرةٍ في البرج هي عائلة ديلاريك، وهؤلاء كانوا جميعًا على صلةٍ بها. ومع أنَّ الكونت ديلاريك كان يرمقهم بعينين غاضبتين، إلا أنّهم أصرّوا على الدفاع عن شرف سيريوس.
وكان واضحًا أنّ كثيرين غيرهم يضمرون لهم التأييد.
فحتى بعد موت الساحر، لا يزول السحر الذي يعبث بالذكريات.
تابع فيليون:
“تقرّب مني بحجّة أنه يريد إحياء رايلي، لكنني كنتُ مرتابًا، فقد كان يعرف الكثير عن الكتب المحرّمة.”
“كذب! لقد أراد حقًا إعادة رايلي فولكس!”
“اصمتوا!”
ضرب دران الطاولة مرّةً أخرى. لكن الهمسات لم تهدأ هذه المرّة، بل تعالت نظرات الشك وتبادلها الحضور، ثم تحوّلت بعض الأنظار نحو دران نفسه.
تنفّس الشيخ تنهيدة طويلة وقال:
“رايلي فولكس لم تمت.”
“ماذا؟”
توسعت أعين الناس بدهشة.
“السيد دران، ماذا تقول…؟”
“لا مفرّ من قول الحقيقة وإلا سيسود الاضطراب. لتدخل الشاهدة الآن.”
في اللحظة التالية، نهضتُ من مقعدي.
تجاوزتُ ساحرًا مجهول الهوية، ورداءه أبيض، ومررتُ بنظرة لانغدون المصدومة، ثم نزلتُ إلى أسفل القاعة.
“مرحبًا جميعًا. لقد مضى وقتٌ طويل.”
***
كنتُ أرغب أحيانًا أن أبوح بكل شيء.
لكننا قررنا أن نُخفي الحقيقة.
اتفقنا أن نتمسّك برواية أنّ فيليون تظاهر بالانضمام إلى سيريوس ليوقف مخطّطه.
وأنّه أحرق الكتب المحرّمة قبل أن يتمكّن سيريوس من استخدامها، ولم يستعملها يومًا. كان علينا أن نفعل ذلك.
‘لأنّ الناس قد يصدّقون أنّني بُعثتُ للحياة عبر كتابٍ محرّم.’
فلو قال فيليون إنّه ظنّني ميتةً وأراد إحيائي، سينبت الشك في قلوبهم فورًا.
“أليست قد عادت للحياة بكتابٍ محرّم؟”
ها هم يبدؤون بالشك.
“أو ربما بوهمٍ…؟”
“فيليون لم يقل قط إنني متُّ. لطالما أصرّ على أنني على قيد الحياة. أليس كذلك؟”
ولم يجد أحدٌ ما يردّ به. حتى المدافعون المتحمّسون عن سيريوس التزموا الصمت.
لم يكن ذلك صدقًا كاملاً، لذا وخزني ضميري، لكن لم يكن كذبًا.
لم أرغب أن يتجمهر السحرة حولي ويلمسّوني ليتأكّدوا.
‘هل هذا جسدٌ أعيد للحياة بالكتاب المحرّم…؟’
‘إن حصل ذلك، فلن أستطيع العودة إلى القارّة الشرقيّة.’
صعدتُ إلى منصّة الشهود وأخذتُ نفسًا عميقًا.
“كنتُ أتلقّى تهديدات بالقتل من الكونت فولكس. كان يرسل لي رسائل تهديد كل يومين، يقول إن لم أساعده في تجاربه سيجعلني فأر تجارب.”
“…..”
“وأعتقد أنّكم جميعًا تعرفون طبيعة تلك التجارب الآن. لم أجرؤ أن أفضح جرائمه علنًا.”
“…..”
“قضيتُ هنا خمس سنواتٍ كأنها بيتي، لكن لم يقف أحدٌ إلى جانبي.”
ثم نظرتُ إلى مقعدي السابق.
“لم يعرض أحدٌ أن يأخذني تلميذة. ولا شخصٌ واحد.”
وكان هناك لانغدون، الذي رفضني سابقًا بحجة أنّه يفكّر في تلميذٍ آخر. ومع ذلك لم يتّخذ أيِّ تلميذٍ حتى اليوم.
“…لذلك جمعتُ أدلّة جرائم الكونت فولكس ووضعتها في مختبري، ثمّ دبّرتُ هروبًا مزيّفًا على شكل حادث.”
عندها، حاد لانغدون بنظره بعيدًا. يبدو أنّ الذكرى أثارت شعوره بالذنب.
أخذتُ نفسًا آخر وحدّقتُ إلى الأمام.
“لم أخض أيِّ معركةٍ مع شيطان. وأعتذر بصدقٍ للجميع عن سوء الفهم الذي تسبّبتُ به. لم أكن أعلم أنّ الأمر سينتهي إلى هذه النتيجة. لقد قصُر نظري.”
ثم انحنيتُ برأسي.
“أنا لستُ بطلة. لستُ سوى شخصٍ هرب طلبًا للنجاة.”
كنتُ عازمة على تحمّل اللوم.
لكن مرّ وقتٌ طويل دون أن يُلقى عليّ أيُّ اتهام. وأخيرًا قال دران.
“الشاهدة، ارفعي رأسكِ وتابعي.”
فعدّلت جلستي ونظرتُ إلى الناس.
“…فيليون كان الوحيد الذي أدرك أنني ما زلتُ حيّة.”
“..…”
“لذا فإنّ ادّعاءه أنّه سرق الكتاب لإحيائي لا يستقيم.”
“…..”
“هل هناك أسئلةٌ أخرى؟”
وبعد فترةٍ من الصمت، ناول دران أداة تكبير الصوت إليّ.
“لقد بذلتِ جهدًا. عودي إلى مقعدك.”
هززتُ رأسي إيجابًا، وبينما كنتُ أستدير للعودة إلى مقاعد المتفرّجين، قال بصوتٍ هادئ ومنخفض.
“…وأرحّب بعودتكِ سالمة.”
نظرتُ إليه مجددًا وأومأت.
ساد صمتٌ ثقيل طويلًا، ثم قال دران:
“أدخلوا الأدلّة.”
فُتح الباب ودخل رجلٌّ بزيٍ أنيقٍ يدفع عربة.
وعليها أوراقٌ مسوّدة محترقة، وغلافٌ نصف متفحّم.
وتحوّلت وجوه الحاضرين إلى صدمةٍ بالغة. أيمكن أن يكون…؟
“إنّه الكتاب المحرّم أركالسيـرون.”
فكمّم الجميع أفواههم مذهولين.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات