الفصل 10 :

 

جرّب ذَلك مرارًا، لكن دوّن جدوى.

 

“بونغ، بونغ، بونغ!”

 

كلّ ما سُمع هو صوت انفجار القوّة السحريّة مرارًا.

 

أحيانًا، كانت القوّة السحريّة تتجمّع بنجاح فتأخذ شكلًا ملموسًا، لكنّها تنفجر على الفور مثل فقاعات الصّابون، مِمّا يجعل الأمر أكثر إحباطًا.

 

“أوه… الأطفال سيحبّون هَذا على الأقل.”

 

كان فيليون صامتًا. تجاهله لكلامي… كان ببساطة…

 

مُضحكًا.

 

“بفف!”

 

“ألا يُمكنكِ أنْ تَلزمي الهدوء؟”

 

“أ-أنا أيضًا… بفف! أُريد ذَلك، ولكن… خخ!”

 

“هاه، فقط اضحكي.”

 

“فهاهاهاها!”

 

لَمْ أستطع تمالك نفسي وانفجرتُ ضاحكة.

 

“فيليون إلفيرت… كخ! السّحر الذي… بفخ! حتّى المتدرّبين الجدد في برج السّحر يُجيدونه…”

 

على النّقيض، كان وجه فيليون يزداد برودةً مع كلّ لحظة. شعرتُ بالحرج فجأةً وسعلتُ بخفة.

 

“كخهم، آسفة. أنا حقًّا آسفة.”

 

“لا بأس. هَذا جعل الأمور واضحة الآن.”

 

“واضحة؟”

 

“أنّني لستُ فيليون إلفيرت.”

 

…قالها بوجه فيليون إلفيرت. لَمْ أستطع المقاومة مُجدّدًا وانفجرتُ ضاحكة.

 

كانت نظراتُ فيليون قد ازدادت برودةً في تلكَ اللّحظة.

 

“إذًا، كانت كذبةً في النّهاية.”

 

“آه! لا! ليست كذبة! أبدًا! أنتَ بالتّأكيد فيليون إلفيرت!”

 

“اخرجي.”

 

“أعني، أنا جئتُ إلى القارّة الشّرقيّة قبل عدّة سنوات، وفي ذَلك الوقت التقيـ…”

 

“ولا تعودي مُجدّدًا.”

 

“يا، انتظر لحظة!”

 

وقبل أنْ أتمكّن مِن إكمال كلامي، مرّ بي بسرعة. فتح باب المدخل على مصراعيه وحدّق بي بنظرةٍ تقول: “ما الذي تنتظرينه؟ اخرجي.”

 

يبدو أنّني ضحكتُ أكثر مِن اللّازم. شعرتُ ببعض الذّنب وأنا أتّجه نحو الباب.

 

لا بأس، لا مفرّ مِن الأمر. اليوم… لكن، تبًّا، أنتَ أيضًا كنتَ تَسخر منّي كثيرًا في الماضي.

 

“هل يُعقل أنّكَ غاضب مِن شيءٍ كهِذا؟ يا لك مِن ضيّق الأفق.”

 

“لا تتكلّمي وكأنّكِ تعرفينني. هَذا يزعجني.”

 

“أنا أعرفكَ فعلًا.”

 

“لَن أُصدّق دوّن دليل قاطع.”

 

نبرةٌ صارمة وكأنّه يطرد مشعوذًا. بل وحتّى شبك ذراعيه ورفع ذقنه قليلًا، كما لو أنّه يتحدّاني أنْ أقدّم دليلًا إنْ كان لديّ.

 

يا لكَ مِن متغطرس.

 

“بالطّبع لديّ دليل.”

 

“إنْ كنتِ تقصدين ذَلك المنشور السّخيف للمطلوبين…”

 

“ليس ذَلك.”

 

قلتُ بصوتٍ منخفض، ثمّ استدرتُ كليًّا نحوه واقتربتُ منه. وخلال خطواتي، لَمْ أُبعد نظري عنه لحظة واحدة.

 

حتّى بعدما وقفتُ أمامه مباشرةً، بقي فيليون دوّن أيِّ حركة.

 

في صمتٍ غريب، أشرتُ إليه.

 

“يوجد جرحٌ في جسدكَ. تحديدًا… هنا.”

 

أشرتُ إلى الجهة اليمنى من بطنه.

 

تحت السرّة بقليل، يوجد هناك جرح. مكان لا يُمكن لأحد معرفتُه بمراقبته لبضعة أيّام فقط.

 

“كنتَ منذُ طفولتكَ تتعرّض لمُضايقات إخوتكَ غير الأشقّاء. وهَذا الجرح سببه أحد القتلة الذين أرسلهم أحدهم. طُعنتَ بالسّيف، أليس كذلك؟”

 

في الأصل، أخبر فيليون بنفسه إيريون بذَلك في الرّواية، لذا فأنا واثقة.

 

لكنّ وجهه لًمْ يُظهر أيَّ تفاعل.

 

شعرتُ بالقلق فعقدتُ حاجبَيّ.

 

“أريد أنْ أعرف شيئًا، ماذا ستفعل إنْ غادرتُ؟”

 

وأخيرًا، تحرّكت حاجباه قليلًا. تابعتُ الحديث.

 

“هُناك طريقتان فقط لإبطال التّحجّر. إمّا باستخدام قوّة كاهنٍ مِن مرتبة الكاهن الأعظم، أو سحرٌ مِن ساحرٍ رفيع المستوى. وليس هُناك كاهن بهَذا المستوى في الإمبراطوريّة حاليًا.”

 

“……”

 

“إذًا لا خيار سوى الاستعانة بساحرٍ رفيع المستوى باقٍ في الإمبراطوريّة، لكنّ أغلبهم يعرفُ وجهك. وحتى لو صادف أنْ يكون هناك مَن لا يعرفه، فإنَّ سحرًا صعبًا كفكّ التّحجّر سينتشر بين السّحرة، وحينها سيصل الخبر إلى برج السّحر، لا محالة.”

 

“……”

 

“وإذا علم برج السّحر؟ سيتمّ سجنكَ في سجن البرج تحت الأرض على الفور. لا إلفيرت ولا ديلاريك سيتمكّنون مِن مساعدتك. برج السّحر يعتبر الكُتب المحرّمة شيئًا ثمينًا للغاية. حتّى لو قدّم جدّكِ اعتراضًا رسميًّا، سيتظاهرون بتجاهله، بينما يُعذّبونكَ حتّى الموت سرًّا.”

 

“……”

 

“تقول إنّكَ فقدتَ ذاكرتك؟ هَذا سيجعلهم يُحبّونكَ أكثر. مَن مِن السّحرة سيتخلّى عن فرصة إجراء تجربةٍ قانونيّة على فيليون إلفيرت، ذَلك العبقريّ؟ أليس كذلك؟”

 

بكلماتٍ أُخرى، أنا الوحيدة القادرة حاليًّا على فكّ التّحجّر بأمان.

 

فلا تَطردني بهَذهِ الطّريقة! يجب أنْ تتعاون! أيّها الأحمق! أردتُ أنْ أصرخ بذلك في وجهه بشدّة.

 

…لكنّني تماسكت. فيليون يُعاني مِن فقدان الذّاكرة. هو نوعٌ مِن المرضى. لذا، عليّ أنْ أُحاول إقناعه.

 

تنفّستُ بعمق ثمّ نظرتُ إليه.

 

“ثِق بي، فيليون.”

 

“…….”

 

“يُمكنني أنْ أُساعدك. سأُعيد دايل مهما كلّف الأمر. فقط، ثِق بي وانتظر.”

 

لم تأتِ الإجابة فورًا هذه المرّة أيضًا، لكن كانت هناك ردّة فعل.

 

تنفّس بعمق حتّى انتفختْ صدره، ثمّ مرّر يدهُ على وجهه.

 

وبعد لحظة صمتٍ قصيرة، خرج صوته منخفضًا.

 

“لا أفهم.”

 

“……ماذا تقصد؟”

 

“حسنًا. لِنفترض أنّني فيليون إلفيرت.”

 

“ليس افتراضًا، بل هَذهِ هي الحقيقة…”

 

“افتراض.”

 

يا له مِن عنيد. أومأتُ له باختصار.

“حسنًا، ثمّ؟”

 

“لقد سرقتُ كتابًا محرّمًا، وبرج السّحر وضع ١٠ مليارات مكافأةً على رأسي. كلّ صائدي الجوائز في هَذا العالم يُلاحقونني بجنون.”

 

“صحيح.”

 

“فلماذا تُساعدينني إذًا؟”

 

اقترب منّي، وحدّق بي بعينيه البنفسجيّتين الفاتحتين وكأنّه يخترقني بنظره.

 

“لماذا لَمْ تُسلّميْني إلى برج السّحر على الفور؟ خصوصًا أنّكِ قلتِ إنّني عدوّكِ.”

 

كانت هالةٌ ضاغطة تُحيط به. لو أخطأتُ بكلمةٍ واحدة، فسيستخدمُ قوّةً كبيرة ليدفعني بعيدًا. كانت نيّته واضحة.

 

‘إنّه يشكّ بي.’

 

حسنًا، أيُّ شخصٍ في مكانه سيفعل الشيء نفسه. لَمْ يمضِ على لقائنا سوى أيّام، فكيف لا يشكّ؟

 

أمّا عن الأسباب… فهناك الكثير.

 

لقد أنقذني مِن ميديرا رغم أنّه لا يعرفني، وهَذا شيء أقدّره. كما أنّني شعرتُ بالشفقة عليه بسبب عجزه عن استخدام السّحر.

 

وكنتُ أشعر بالذنب أيضًا، وكأنَّ حياته تعقّدت بسببي.

 

نعم، صحيح أنّه كان أشبه بعدوٍّ لي.

 

لو لَمْ يكُن فيليون موجودًا، لكانت حياتي في البرج أسهل بكثير.

 

لرُبّما أصبحتُ تلميذة السيّد سيريوس، ولرُبّما أصبحتُ أنا سيدة البرج في هَذهِ اللّحظة.

 

لكن… مع ذَلك…

 

“لأنّها لَمْ تكُن كلّها ذكرياتٍ سيّئة…”

 

قبل خمس سنوات.

 

في خريفُ عامي العشرين، هزمني في مسابقة السّحر. وبعدها، صار يُلاحقني.

 

كان عنيدًا.

 

مهما اختفيتُ، كان يجدني.

 

حاولتُ عزل مختبري بتعويذاتٍ دفاعيّة، لكنّه كان يخترقها ويقتحم مكاني.

 

وكان يُلحّ دومًا بسؤال ما إذا كنتُ أُحبّه.

 

وبعد كلّ ذَلك، أمضينا وقتًا طويلًا معًا. كنّا نتناول الطّعام سويًّا، ونتمشّى، ونخرج.

 

كُنّا نتحدّث كلّ يوم تقريبًا.

 

ومِن بين تلكَ الأحاديث المُزعجة والعبثيّة…

 

كان هناك ما يجعلني أبتسم أحيانًا.

 

صحيح أنَّ أغلبها كان يضحكني مِن شدّة الغرابة أو الوقاحة، لكن، وسط أيّامي الكئيبة في البرج، كانت تلكَ الأحاديث لحظاتٍ مِن الراحة.

 

كانت ممتعةً قليلًا.

 

تلكَ الذكريات أيضًا…

 

ـ رايلي، أعتقدُ أنَّ الوقت قد حان للحصول على تلميذ.

 

ـ هل يُمكنني ذَلك؟

 

ظننتُ أنّها مزحةً أخرى مِن مزاحه المعتاد.

 

فرددتُ عليه ببرود، ثمّ تجاوزتُ الأمر.

 

لكن، ولسبب غريب، لِمْ أستطع نسيان ذَلك الكلام بسهولة، حتّى بعد مرور أيّام.

 

لماذا قال ذَلك لي تحديدًا؟

 

شعرتُ بالحيرة، ولَمْ أتمكّن مِن النّوم بسببه.

 

صحيح أنّنا أصبحنا أقرب مِن قبل…

 

لكن هل نحن فعلًا مقرّبان؟

 

هل يُمكنني أنْ أتوقّع مُستقبلًا مُختلفًا؟

 

كان رأسي مُثقَلًا ومليئًا بالأسئلة. أردتُ التّأكّد.

 

في أحد الأيّام، قبل أنْ نفترق، ناديته فجأةً. كان ذَلك السبب.

 

ـ لا تفعل.

 

جمعتُ كلّ شجاعتي لأقولها، لكنّني لَمْ أستطع قول أكثر مِن ذَلك.

 

‘ماذا لو كنتُ قد بالغتُ في تفسير الأمر؟’

 

خفتُ، ولِمْ أتمكّن مِن مواصلة كلامي.

 

لكنّ فيليون فهم قصدي.

 

ـ حسنًا، لَن أفعل.

 

قالها وهو ينظر إليّ، وبابتسامةٍ مُشرقة وكأنّه يقول: “شكرًا لكِ.”

 

شعرتُ بالحرج فجأةً، فأسرعتُ إلى مختبري وأغلقتُ الباب خلفي.

 

ما زلتُ أذكر كيف احمرّ وجهي وبدأتُ أُهوّي عليه بيدي.

 

…لكن، لا يُمكنني اعتبار ذَلك مِن الذّكريات الجميلة.

 

ففي النّهاية، فيليون اختار إيريون لتكون تلميذته.

 

《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》