الفصل 24: هل لديك حبيب تلتقين به؟
“ناتانيا.”
أحضر ديفون غمد سيفه وحمله في حضنه.
انتفضتُ غريزيًّا، لكنّني سرعان ما أدركتُ أنّها عادته.
في الكهف المظلم، كان وجه الرّجل الجالس مديرًا ظهره للخارج مغطّى بظلال طويلة.
أمسك ديفون مقبض السّيف ووضع ذراعه فوقه وسأل:
“هل كانت قبلتك الرّديئة بالبرج تمثيلًا؟”
“…لمَ تسأل عن ذلك؟”
“لقد عشتِ منعزلة في قلعة الدّوق لفترة طويلة. ظننتُ أنّكِ لم تلتقي برجل من قبل.”
بدت الكلمة سخيفة، فازدريتُها.
“أنا في سنّ تجاوزتُ مراسم البلوغ. حينها… لم أتمكّن من التّركيز بسبب السّمّ فقط.”
طرق ديفون خدّه بإصبعه بخفة وقال ببرود:
“أريد التّأكّد ممّا إذا كان ذلك صحيحًا.”
“ماذا؟”
شككتُ فيما سمعتُ وسألتُ مجدّدًا.
اقترح ديفون مرّة أخرى:
“هل نعيد الكرّة؟”
كانت نبرته عاديّة كأنّه يسأل عن تناول وجبة خفيفة.
كان المحتوى صادمًا رغم ذلك.
أدرتُ رأسي لتجنّب رؤية سلاحه وقتُ:
“ماذا، ماذا تقول الآن؟”
“لمَ؟ وجهي ليس مثل الأمير كريس، لكنّه ليس سيّئًا.”
حدّق ديفون فيّ بهدوء.
هل يمزح؟ يقول إنّ وجهه ليس “ليس سيّئًا”…؟ لكنّ مظهره الجادّ جعلني أضحك هكذا.
أصدر تنهّد قصيرًا كمن أدرك شيئًا.
“آه. أنتِ لا تعرفين شكلي.”
اقترب ديفون منّي وسحب يدي نحوي.
انتفضتُ متفاجأةً.
شعرتُ بلمسة غريبة في أطراف أصابعي.
“هيا، المسي. هنا الحاجبان، وهنا العينان. سأشرح لكِ لتفهمي.”
فقدتُ الكلام أمام طلبه الغريب.
سمح ديفون لي بلمس وجهه فورًا.
تردّدتُ ثمّ دلكتُ شعره الأسود كما أدلّك كلبًا.
ونظرتُ إليه سرًّا وهو مغمض العينين.
رأيتُ عينين مرفوعتي الزّاوية قليلاً ورموش طويلة.
كان بريئًا وغير ضارّ لدرجة يصعب تصديق أنّه كان مغطّى بالدّم قبل ساعات.
‘القاتل وسيم بشكل قذر…’
اضطررتُ لمتابعة يده ولمس أجزاء وجهه.
من الجبهة المستقيمة إلى تحت الحاجبين المنحنيين، العينين الغائرتين، والخدّين الباردين.
كان يشير إلى كلّ جزء بلطف.
لمست وجهه و كنتُ أسرق منه نظرات خاطفة.
شعرتُ أنّ هذا سخيف، ففتحتُ فمي دون وعي.
لم يكن تجاهل شخص جذاب أمرًا سهلاً.
عندها، فتح ديفون عينيه وسأل بنظرة مليئة بالتّوقّع:
“كيف ؟ هل تتخيّلين الآن؟”
“…حسنًا. أعرف أنّ كلّ شيء موجود.”
بدت نظرة مستعجلة بين أصابعي المفتوحة.
أمسك ديفون يدي مجدّدًا ووجهها إلى الأذن، خطّ الفكّ، والأنف.
كان جسر الأنف المتصل بالجبهة مرتفعًا وجميلاً.
لا يُقارن بأنف الأمير نواه.
كان نفسًا ساخنًا يلامس مفاصل أصابعي، فشعرتُ بدغدغة.
“وهنا…”
انقطع صوته المنخفض.
لم يبقَ سوى الشّفتين.
بدت تلك المنطقة مكبّرة لسبب ما، فابتلعتُ ريقي دون وعي.
تذكّرتُ ذكرى قبل أيّام.
‘كيف كانت القبلة معه؟ كانت ساخنة، كأنّني سأُبتلع.’
استيقظتُ فجأة من ذهولي.
في لحظة محاولتي سحب ذراعي من قبضته، لامست أطراف أصابعي لحمًا سميكًا.
صعد إحساس كالكهرباء في ذراعي.
كان غريبًا جدًّا، فسحبتُ يدي مسرعة كمن احترق.
ضحك ديفون بهدوء أمام هيئتي المتجمّدة.
“بالتّأكيد، لم تتمكّني من التّركيز.”
* * *
بعد انتهاء صالون عائلة الدّوق، أُقيمت حفلة صغيرة.
بعد أن انتهى الرّاقصون من التّحيّة وغادروا، بقي النّبلاء الرّفيعون فقط في القاعة.
ناقشوا رقص آنا بطلة العرض.
من بينهم من يقدّر مهاراتها ويريد دعوتها إلى مسرحه.
“لافيير.”
رفع لافيير رأسه وهو يدخّن سيجاره وسط النّقاش الحماسيّ.
الأمير الرّابع ذو الشّعر الرّماديّ المميّز لجنوبيّين، بحث بعينين زرقاوين صافيتين عن من ناداه.
أشار نيكولاس إلى لافيير فقط.
بعد قليل، خرج لافيير، فخفض نيكولاس صوته في الشّرفة حيث هما وحدهما وقال:
“يبدو أنّني وجدتُ ناتانيا.”
“…!”
“هش. تحقّقتُ سرًّا، وعرفتُ أنّها في دورن حتّى الآن… سألتقي بالخاطفين قريبًا وأتفاوض.”
“تفاوض؟”
ضحك لافيير ساخرًا عند سماع كلامه.
“نيك، يا صديقي السّاذج. كلّ هؤلاء المجرمين مجانين بالمال. سيطلبون آلاف أو ملايين الدّوكات من عائلة مثل ميرماجندي دون معرفة حجمهم.”
“أعرف. لكنّ المال ليس المشكلة. يجب إعادة نات في أسرع وقت…”
رمى لافيير السيجار على الأرض وداسه بحذائه.
قطع كلام نيكولاس، فتح عينيه بشكل واسع لدرجة رؤية حدقته وقال:
“لا تزال تفكّر في ربط كريس بأختك؟”
“أؤمن أنّها الطّريقة الوحيدة لتعايش الطّرفين. لا يزال لكريس فرصة في العرش.”
“…ماذا.”
خفض لافيير صوته.
“هل الدّوق يشاركك الرّأي؟ أمّي لن توافق أبدًا.”
“بالطّبع، جلالتها كذلك. لكنّ مستقبل ميرماجندي محدّد مسبقًا.”
قال نيكولاس بحزم.
كان يشكّ في الملكة بتسرّب معلومات ناتانيا.
الملكة الحاليّة لها نفوذ في نقابة الظّلام ومنظّمات الظّلّ الأخرى.
كانت على دراية بالأخبار المتداولة سرًّا.
عبث لافيير بشعره الرّماديّ بعنف ورفع صوته:
“تكلّم بمنطق. العرش لي! لا يستطيع أن يسرقه ابن راقصة دنيئة.”
“قلتُ الاحتمال فقط، لافيير. نحن لا نزال ندعمك. طالما أنا الوريث، لن يتغيّر ذلك.”
كلّما هدأ نيكولاس، زاد غضب لافيير.
حدّق بحدّة وأشار إلى نيكولاس:
“استيقظ. إن اعتلى ذلك الوغد العرش، هل تظنّ عائلتك آمنة؟”
“…”
“لا، أبدًا. كريس يتذكّر كلّ ما فعلته أنت والدّوق!”
“لا يهمّ. سأجد طريقة.”
“إذن هي الآنسة ناتانيا. حمقاء وفاقدة للبصر، والآن لا يمكن ضمان عذريتها حتّى…!”
تحت نظرة نيكولاس الحادّة، تلعثم لافيير ثمّ أضاف:
“من الأفضل إرسال الرّاقصة آنا إلى كريس مئة مرّة.”
هزّ نيكولاس رأسه.
قال بصوت تنهّدي:
“ناتانيا هي الدوقة وأختي. أنا الوحيد الذي يمكنه الحديث عنها بلا احترام.”
انحنى للأمير الرّابع تحيّة وغادر أوّلاً.
تمتم لافيير خلف نيكولاس: “أحمق”.
صديقه القديم كان أضعف ممّا كان عليه سابقًا لسبب ما.
التعليقات لهذا الفصل " 24"