⚠️ تنويه: هذا الفصل يتضمن مشهدًا حساسًا قد لا يناسب جميع القراء. خذوا راحتكم في تجاوزه إذا شعرتم بعدم الارتياح ♡
**************
الفصل 21: الكابوس
“هاها. هذه الفتاة النبيلة تعتقد أنّنا سنُخدع بمثل هذه الحيلة؟ سنتحقّق من صحّة كلامك قريبًا.”
جسدي الذي جُرّ بقوّة هائلة وُضع على الأرض الرّطبة.
مع لمسات اليدين التي تتلمّس خصري، انطلق صوت تمزيق أطراف ثيابي.
كدتُ أصل إلى زجاجة السّمّ في جيبي لو مددتُ يدي قليلاً… لكنّ يديّ مقيّدتان بحبل متين، فلم أستطع الوصول.
كنتُ أقاوم بكلّ ما أوتيتُ من قوّة لأخرج زجاجة السّمّ وأنا أتخبّط، عندها التفت الرّجل الذي كان يحاول خلع عباءتي فجأة.
تبعتُ نظره، فرأيتُ ظلًّا مائلًا خارج القضبان.
كان ظهره المحتضن للسّيف مألوفًا بطريقة ما.
قال الرّجل موجّهًا كلامه إليه:
“هل أرسلك أندرو للمراقبة؟”
لم يُجب الرّجل على السّؤال. هذه المرّة، صاح أكبرهم حجمًا بصوت غاضب:
“يا رجل! ماذا تفعل؟ أأصمٌّ أنت؟”
الآن لاحظتُ أنّ خارج السّجن هادئ بشكل غريب.
لا يُسمع سوى صوت المطر المتواصل.
عندما أمال الرّجل رأسه، تمتم حامل السّيف الطّويل:
“أربعة يهاجمون امرأة واحدة، منظر يستحقّ المشاهدة. كأنّهم كلاب جائعة منذ زمن.”
“ماذا، ماذا تقول؟ هذا الوغد…!”
من نبرة السّخرية في صوته، فتحتُ عينيّ على اتّساعهما.
مستحيل… لا يمكن أن يكون ذلك الشّخص هنا.
لكنّ وجهه الجانبيّ المغطّى بالدّم كان مألوفًا بغرابة.
بين خصلات شعره الأماميّة المبلّلة، ظهرت عينان سوداوان فارغتان.
قال الرّجل موجّهًا كلامه إلى من يحيطون بي:
“إن رأيتموني، فاخرجوا. أنا أنتظر.”
“آه! يبدو أنّك قضيتَ على أتباع الأمير؟ كما سمعتُ، مهاراتك عالية المستوى.”
غمرتني موجة من القلق.
الرّجل الذي اختطفني كان يعرف الشّخص خارج السّجن.
لكنّه لم يتلقّ ردًّا.
من خلال فتحة الباب المفتوح للمخزن، هبّت رياح المطر.
اختلطت رائحة المطر برائحة حادّة قد تكون دمًا، وتسلّلت إلى الدّاخل.
في الوقت نفسه، دخل مقبض سيف ملفوف بشريط أسود في مجال رؤيتي.
مع كلّ وميض برق، كانت تظهر رموز رونيّة محفورة على النّصل الرّفيع المنحني قليلاً.
شككتُ مرّة أخرى في أنّ ذلك الرّجل قد يكون ديفون كييل.
لا أعرف لماذا غادر دورن وجاء إلى كالت، المدينة المجاورة لإقليم الدّوق، لكنّني في هذا الوضع لم أملك سوى الأمل فيه.
صِحتُ وأنا لا أزال ملقاة على الأرض:
«ساعدني!»
في تلك اللّحظة، غطّت الغيوم القمر، فأظلم خارج القضبان مرّة أخرى.
الشّخص الذي يُعتقد أنّه ديفون جلس هناك دون أيّ ردّ.
الرّجل الأصلع الذي رفع سلاحًا حادّ النّهاية أشار برأسه.
“ماذا نفعل، يا قائد؟”
“آه، يبدو أنّه تابع لأندرو… لا يهمّ. تجاهلوه. يجب أن نُظهر أنّ التّرتيب موجود ليُحترم.”
الرّجل ذو النّدبة على خدّه نظر إلى تنورتي الدّاخليّة المكشوفة تمامًا وهو يلعق شفتيه.
رأيته يسحب حزامه بحركة مستعجلة.
عضضتُ شفتيّ.
شعرتُ بقشعريرة مرعبة على وجهي ورقبتي.
“الآن أرى أنّها تستحقّ المزيد من الاهتمام. متى سنحصل على فرصة أخرى مع نبيلة؟”
الرّجل فرك خدّي وهو يضحك خفية.
كان من الصّعب تحمّل نظرته اللّزجة على بشرتي.
شعرتُ بيد خشنة تفكّ شعري المربوط. سقطت خصلات شعر على عيني اليمنى غير المرئيّة. قال الرّجل:
“من الأفضل تغطية العينين بالتّأكيد. لننهِ الأمر سريعًا.”
دُحرج جسدي من قبل شخص ما.
لم أعد أرى سوى السّقف القديم. تخيّلتُ المشهد المرعب الذي سيحدث قريبًا، فانهمرت دموعي.
حاولتُ بكلّ قوّتي فكّ الحبل، لكنّ ظهر يديّ أصبح مؤلمًا وموجعًا كأنّه سيتورّم.
مع ذلك، لم أستسلم حتّى النّهاية.
عندها، من فوق أجساد الرّجال الذين يحيطون بي، رأيتُ وجه الشّخص الواقف ساكنًا كالتّمثال.
كان الرّجل ذا الشّعر الأسود عديم التّعبير ديفون كما توقّعتُ.
كان هذا أوّل مرّة أراه يخلع قناعه خارجًا تقريبًا، ففتحتُ عينيّ على اتّساعهما.
قال ديفون بهدوء:
“الأصمّ لستُ أنا، بل أنتم.”
فوجئ الأصلع باقتراب ديفون دون صوت، فانتفض واقفًا.
“يا للرّعب. متى…!”
لم يتمكّن من إكمال كلامه.
الرّجل الذي تلقّى ركلة قويّة في خصره اصطدم بالقضبان وسقط بضجيج.
ومع ذلك، حاول رفعه سلاحه غريزيًّا، لكنّه هزّ مكانًا خاطئًا.
قبل أن ينهض الرّجل، اندفع ديفون كأنّه يطير ووجّه سيفه.
كانت حركته سريعة جدًّا لدرجة أنّ العين لا تستطيع متابعتها.
بعد قليل، حدث مشهد لا يُصدّق.
من أطراف الرّجل الملقى على الأرض، انفجر الدّم كالنّافورة.
الرّجال الآخرون الذين فهموا الوضع متأخّرين شدّوا بناطيلهم وأطلقوا شتائم خشنة.
“من أنت، أيّها الوغد…!”
“إن أردتَ المرأة، سأدعك تبدأ أوّلًا. اهدأ وتحدّث أوّلًا. حسنا؟”
أمال ديفون رأسه وهو مغطّى بالدّم.
ربّما كان وهمًا، لكنّه بدا وكأنّه يبتسم.
ارتعش جسدي.
لحسن الحظّ، كان شعري الطّويل يغطّي الرّؤية.
سيفه الذي رأيته في قلعة الدّوق كان مختلفًا عن سيوف الفرسان الذين عرفتهم.
حتّى أنا التي لا أعرف حرف «س» من السّيف، رأيتُ أنّه أسلوب قاسٍ خام.
رفع ديفون سيفه الطّويل ذا الشّكل الغريب على كتفه وقال:
“التّحدّث بالكلام؟ لقد قتلتُ بالفعل الكثير من عصابتكم. لذا، لو خرجتم عندما قلتُ لكم، لكان ذلك أفضل للجميع.”
“أيّها المجنون الملعون!”
تخلّيتُ عن مشاهدتهم وأغمضتُ عينيّ بقوّة.
لو استطعتُ، لسددتُ أذنيّ أيضًا.
مرّت صرخات الرّجال وأنينهم، وأصوات تقطيع اللّحم المرعبة دفعة واحدة.
فتحتُ عينيّ قليلاً عندما شعرتُ بسقوط شيء قريب جدًّا، ثمّ ندمتُ فورًا.
رأيتُ مقطع ذراع مقطوعة بدقّة كأنّها قُطعت بمسطرة.
“…أووه.”
مع انتشار الدّم نحوي، شعرتُ بضعف في ساقيّ.
كدتُ أفقد الوعي.
بينما جسدي يرتجف كشجرة الحور، شعرتُ بأحد يقترب أمامي مباشرة.
الصّوت المنخفض الذي سمعته باستمرار في البرج في الأيّام الماضية ناداني:
“ناتانيا.”
دار ديفون خلفي وفكّ الحبل والكمّامة.
كنتُ أصرخ منذ استيقاظي هنا، فكان اللّعاب يسيل من فمي.
شفتاي الملوّثتان كانتا تؤلمان.
فركتُ الأماكن التي لمسها الرّجل ورفعتُ رأسي.
“ديفون كييل…؟ هل أنت حقًّا؟”
صفّر بلسانه بهدوء.
“تش. لهذا أردتُ التعامل مع الأمر خارجًا. على أيّ حال، الأتباع لا يسمعون الكلام.”
“لماذا… أنت هنا؟ أنت بالتّأكيد، في البرج بعتني…”
“…”
“وبعتني وغادرت.”
أكملتُ كلامي وأنا أشهق، رغم أنّ الكابوس الذي رأيته اللّيلة الماضية والمشهد الذي شاهدته الآن اختلطا، فأصبح ديفون مرعبًا جدًّا.
“نعم. فعلتُ ذلك.”
نظر إليّ بهدوء دون أيّ ندم أو ذنب.
“لكنّ كونك عمياء يُعتبر حظًّا سعيدًا في مثل هذه الحالات.”
:…لماذا؟”
“كيف أقول. لو رأيتِ شكلي الآن، لكنتِ إمّا أغمي عليكِ في مكانك، أو هربتِ خائفة… بالتّأكيد واحد من الاثنين.”
نظرتُ إلى الفراغ بذهول ولم أنفِ كلامه. لم يهدأ قلبي المذهول.
رآني ديفون أتنفّس بسرعة وسأل فجأة:
“لماذا تبكين؟”
أدركتُ حينها أنّني أبكي.
تكلّم فمي من تلقاء نفسه دون إرادتي:
“ظننتُ أنّك ستغادر هكذا. ستتجاهلني وتتظاهر بعدم رؤيتي كذلك اليوم. ظننتُ أنّني سأموت هذه المرّة دون حراك…”
اقترب القاتل الذي يحمل سيفًا على ظهره خطوة نحوي.
انتفض جسدي الحرّ الآن.
كنتُ قد مررتُ بأمور قاسية حتّى الآن، فارتعش جسدي غريزيًّا.
خدش ديفون جبهته مرّة ثمّ نظر إليّ، لكنّه سرعان ما أدار نظره.
‘آه!’
بدا أن ديفون يدرك حالة ملابسي الفوضويّة.
غطّيتُ جسدي العلويّ بذراعيّ بسرعة، فغطّى جسدي شبه العاريّ معطف سميك.
رغم أنّه مبلّل بالمطر، إلّا أنّ ارتداءه جعل جسدي يدفأ فورًا.
أحنيتُ رأسي وشممتُ الثّوب.
من المعطف الكبير جدًّا عليّ، انبعثت رائحة جسد غريبة.
“…شكرًا.”
قلتُها وأنا أشهق بصعوبة، فنظر ديفون إليّ وهو يمسح الدّم عن فمه.
“يبدو أنّ المشي سيكون صعبًا، لذا سأحملك قليلاً. تحمّلي حتّى لو كرهتِ ذلك، أيتها الدوقة.”
شرح باختصار، ثمّ أدخل يديه تحت ظهري وساقيّ.
ثمّ رفعني وحملني دفعة واحدة.
توقّف قليلاً أمام عباءة خيوط الفضّة الملقاة خارج القضبان، ثمّ بدأ يمشي ببطء.
«…!»
حتّى وصلنا إلى مجرى النّهر عبر طريق السّدّ خارج المخزن.
في كلّ خطوة، كانت جثث متراكمة على الأرض.
كان عددها كثيرًا جدًّا لدرجة أنّها تعيق القدمين.
ومن بينها، نادرًا ما تجد جثّة بأطراف سليمة.
عندما قبضتُ بقوّة على طيّة ثوبه أمام ذلك المشهد المروع، وصلت نظرة الرّجل إلى قمّة رأسي.
لكنّ ذلك كان لحظة، ثمّ مشى صامتًا عبر المطر.
التعليقات لهذا الفصل " 21"