“ممكن إذا بقيتِ ضمن نطاق رؤيتنا. لكن يجب الوصول إلى المعسكر قبل غروب الشمس، فأسرعي”
“نعم. سأفعل”
بينما كان فريدكين وويلشر يحمّلان الأمتعة في العربة، أخذني الفارس جينجر إلى زاوية الشاطئ.
كان المكان مغطّى بضباب الماء، لا يُسمع فيه سوى أصوات الطيور أحيانًا.
تجمّد الثلج الرقيق على حافة البحيرة، وكانت الأوراق المتساقطة تطفو على سطح الماء الهادئ.
قال جينجر إنّه سينتظرني تحت جذور شجرة قديمة.
اتّكأتُ على عصايّ المؤقّتة ومشيتُ ببطء نحو الشاطئ.
شطفتُ وجهي بالماء البارد، فزال أثر الشمعة القويّة.
استطعتُ أخيرًا فتح عينيّ المنتفختين.
عندما كنتُ أمسح وجهي بسرعة بعد الغسل، شعرتُ بشيء غريب: كأنّ أحدًا يراقبني.
“…..”
انتشرت قشعريرة في جسدي دون سبب، ولم يعد المشهد الهادئ يبدو آمنًا.
نظرتُ حولي، لكنّني كنتُ وحدي على الشاطئ.
ظننتُ أنّها مجرّد مخاوف لا أساس لها، فاستدرتُ للعودة، لكنّني سمعتُ صوت خطو على أوراق جافّة.
نهضتُ فجأة، أمسكتُ بعصايّ الموضوعة بجانب الصخرة، وبدأتُ أمشي نحو جينجر.
تحرّكت الأدغال قليلاً في الجهة التي جاء منها الصوت.
وبينما أحدّق هناك وأنا أرفع ساقي، انقطعت قواي فجأة.
كان تحت الأدغال حيوان صغير برتقاليّ اللون يرفع شاربيه.
«ماذا… ثعلب؟»
فركتُ صدري المذهول وأنا أرى الثعلب الصغير يصدر صوتًا كأنّه يبحث عن أمّه.
يبدو أنّني أصبحتُ جبانة منذ اختطافي على يد القتلة.
عدتُ إلى الكوخ بخطوات حذرة وأنا أشعر بالراحة.
طق، طق.
كانت عصايّ الخشبيّة تصدر صوتًا منتظمًا على الحصى أمام البحيرة.
سمع جينجر الصوت فجاء نحوي مسرعًا.
“عدتِ مبكّرًا أكثر ممّا توقّعت. هل نذهب الآن؟”
“نعم. انتهيتُ من غسل وجهي. هلّا دللتني على الاتّجاه”
“هيا، من هنا”
أمسك جينجر بالحبل المربوط بمعصمي وسحبني.
بدأتُ أتبعه في طريق العودة.
نظرتُ عن غير قصد إلى مكان الثعلب، فكانت الأرض خلف الأدغال منخفضة.
كأنّ أحدًا جلس هناك، تاركًا أثرًا غائرًا.
“أيتها الدوقة، ما بكِ؟”
توقّف جينجر عن المشي وسألني.
يبدو أنّني وقفتُ دون وعي.
هززتُ رأسي للفارس الذي رسم علامة استفهام على وجهه.
“لا شيء. سمعتُ صوتًا للحظة…”
“ماذا؟ ربّما أخطأتِ السمع. هذه غابة أرديل غير المسمّاة. لا يدخلها أحد سوى الحطّابين أو جامعي الفطر”
سارع جينجر بالخطى قائلاً إنّ جيش الأمير يجب أن يتوجّه إلى المعسكر قبل القضاء على قبيلة نير.
تجاهلتُ حدسي الحادّ وتبعته.
* * *
قبل أيّام، سمعتُ بالصدفة حديث نواه مع الفرسان.
<بينما نُخاطر بحياتنا في أرديل نصارع البرابرة، سيقف نيكولاس ولافيير في القلعة الآمنة يلقيان الكلام المعسول. مجرّد رؤية وجهيهما تقلب معدتي.>
<إن انحرفت مكافأة الملك إلى مكان خاطئ، فلن أسكت عن ذلك أبدًا.>
<وأنا كذلك. هل تظنّ أنّك وحدك من يثور على فصيل النبلاء؟>
كنتُ أتظاهر بأنّني لا أسمع عندما يشتمون والدي وإخوتي، أو أغادر المكان عمدًا.
فأنا أعرف من يمسك بخيوط حياتي الآن، وكلامهم لم يكن خاطئًا تمامًا.
رغم أنّ عائلتنا تدعم الجيش بالإمدادات الحربيّة، إلّا أنّ أحدًا من آل ميرماجندي لم يُخرج قائدًا كما في عائلة دوق لونغفيل.
كانوا يرسلون الجنود الخاصّين شكليًّا دون مشاركة فعليّة.
كان السبب أنّه لم يعد لدى العائلة قائد عسكريّ بارز بعد تقدّم والدي في السنّ، لكنّ فصيل الملك كان ينتقد جبن ميرماجندي قائلين: «هل يكفي الدعم الماليّ فقط؟»
‘لن تستمرّ هذه النظرات يومين… لو استطعتُ، لرحلتُ من هنا فورًا’
فكّرتُ بذلك وأدخلتُ يدي في جيب التنورة كعادة.
شعرتُ بالطمأنينة عندما لمستُ القوارير الصغيرة.
كانت سمومًا للدفاع عن النفس سرقتها من غرفة ديفون.
“ستتجوّلين خارجًا بلا هدف مرّة أخرى”
بدأ حديث ميرماجندي من جديد، فشعرتُ بالضيق وفكّرتُ في الخروج من الباب الخلفيّ للمعسكر، عندما اقترب منّي أحدهم وقال.
التعليقات لهذا الفصل " 18"