في تلك الأثناء، وصلت رسائل إكيان وجوديث إلى القصر الإمبراطوري، وكانت مرفقة بدعوة الزفاف.
“هل جنّ هذا الرجل تمامًا؟”
قال الإمبراطور “ألتيون” باندهاش وهو ينقر لسانه ساخرًا، بعد أن أُقيمت جنازة الإمبراطور السابق بكل فخامة وتولى هو العرش بهدوء.
“حددوا موعد الزفاف بهذه السرعة؟”
“ربما بسبب الطفل…”
قالت ميلاني بحذر.
“من الأفضل الزواج في فترة استقرار الحمل.”
“لكن، ألم يكن بالإمكان تأجيله قليلًا؟”
قال ألتيون وهو يعبس محدقًا في التقويم.
“حتى نصل في الوقت المناسب، علينا أن نبدأ التحضير فورًا ونسافر غدًا. لو أنهم أرجأوا الأمر أسبوعًا واحدًا فقط، هل كان سيحدث مكروه؟”
“مم، ربما كان هذا مقصودًا.”
قالت ميلاني بتفكير عميق.
“أرادوا إتمام الزفاف بسرعة قبل أن يصل أهل العاصمة ويحدث شيء ما.”
“لكن، ما الذي فعلناه نحن؟”
“عائلة دوق مايوس ساعدت في الهروب، ونحن لم نتمكن من منعهم.”
“مع أن الدوق كان يثق بنا وسافر مطمئنًا…”
لم يجد ألتيون ما يرد به.
ففي الواقع، إكيان كان قد قال بنفسه إن ما يهمه فقط هو جوديث، وأنه لن يشكك في نسب الطفل، ثم رحل بحزم.
لكن ما حدث بعد ذلك كان خيانة حقيقية…
كل من حوله تعاونوا على إخفاء تلك المرأة عنه.
“من الطبيعي ألا يثق بنا مجددًا… لكن في الحقيقة،”
قالت ميلاني وهي تضيق عينيها بتفكير:
“أعتقد أني قبلت الأمر بسهولة أكبر مما ينبغي.”
“هاه؟ ماذا تقولين؟”
“لو كنت مكانها، لجعلته يتعذب أيامًا قبل أن أوافق. لقد كان قاسيًا، تركها تنجب وحدها. لا بد أنها شعرت بظلم كبير.”
“لكن، إكيان مرّ بظروف قاسية وشعور كبير بالذنب أيضاً…”
“أنا لا أقول إنها يجب ألا تغفر له، بل أنه كان من الممكن جعله يشعر بالندم لفترة أطول… فقط من الناحية العاطفية.”
تنهدت ميلاني وهي تلمس بطنها المنتفخ.
“يا إلهي، كم عانت جوديث في ذلك المكان البعيد؟ إنها طيبة جدًا لأنها سامحته بهذه السهولة عند لقائه.”
لم يُجب ألتيون على الفور.
فبادرت ميلاني بنظرة حادة وسألته:
“ما بالك؟ لماذا لا تقول شيئًا؟”
“فقط… أشعر أن إكيان اتخذ قرارًا ذكيًا.”
قال وهو يهز رأسه ويعقد ذراعيه.
“إن كنتِ أنتِ بهذه الحساسية، فكيف ستكون دوقة مايوس؟ من الأفضل لإكيان أن ينفرد بجوديث ويمضي الأمور بسرعة. قرار حكيم منه.”
وبما أن الجميع إلى جانب جوديث، فقد قرر ألتيون أن يكون هو على الأقل إلى جانب شقيقه.
“الدوقة مايوس؟ هه، هي من النوع الذي يُحدق بك حتى ليلة الزفاف.”
“تمامًا. لذا اختيار موعد الزفاف بهذه الطريقة كان خطوة ذكية.”
وقبل أن تسترسل ميلاني بالحديث أكثر، دعا الإمبراطور إلى اجتماع لترتيب جدول السفر.
فبما أنه لم يمض وقت طويل على اعتلائه العرش، فإن سفره المفاجئ إلى منطقة نائية تطلّب كثيرًا من الإجراءات الرسمية.
في يوم الزفاف.
اجتمع الجميع في مكانٍ واحد، وبما أن المناسبة رسمية، لم يكن بالإمكان إثارة الفوضى، لذا أُقيم الزفاف بهدوء.
احتفل سكان قصر الدوق بالزفاف كما لو كان عيدًا، وشارك الأطفال الذين كانوا يحبون جوديث بالزهور والضحك، وباركوا للعروسين من قلوبهم.
كل شيء في الزفاف كان مثاليًا.
لكن، بعد انتهاء المراسم مباشرة…
نظرت إيزابيلا إلى إكيان بعين غير راضية.
“فستان جوديث لم يكن مطابقًا لأحدث صيحات الموضة. في هذه الأيام، تطريزات الورود لم تعد رائجة، بل تطريزات الشرائط هي المنتشرة.”
طبعًا، كانت جوديث في تلك اللحظة منشغلة بالحديث مع ميلاني، فإيزابيلا لم تُظهر أي اعتراض أمامها واكتفت بابتسامة دافئة، لكن ما إن انفردت بإكيان حتى بدأت الشكوى تنهال.
“والمرق كان مالحًا نوعًا ما. جوديث طيبة القلب، لذا أكلته دون أن تشتكي، لكن أنت، عليك أن تعتني بها جيدًا.”
وقبل أن يتمكن إكيان من الرد، استمرت التوبيخات:
“وأيضًا، تبدو أنحف من المعتاد. هل تطعمهـا جيدًا؟ سمعت أنها تساعد في شؤون القصر أيضًا؟ يجب أن تعتني بها أكثر، فهمت؟”
“… أمي.”
تنهد إكيان بعمق وقال:
“هل أنا لا أروق لكِ حقًا؟”
“بالطبع!”
قالت إيزابيلا وهي تحدق فيه بعين ضيقة:
“من يحب ابنًا خدع كنّته وأتعب قلبها؟! أنا وافقت فقط لأنه والد الطفل.”
ضحك إكيان أخيرًا أمام نظراتها الغاضبة. وعندما رفعت إيزابيلا حاجبيها بتوبيخ، قال بلطف:
“لا، فقط لأنكِ لا تغضبين عليّ إلا فيما يخص جوديث… وجدت الأمر لطيفًا بعض الشيء.”
“لطيف؟”
“كنت أتمنى فقط أن تعامليني براحة أكبر، منذ صغري كنتِ تمدحينني كثيرًا.”
اتسعت عينا إيزابيلا.
“ذ… ذلك لأنك كنت بالفعل ابنًا رائعًا…”
“لو كان كذلك، فعندما عدتُ بعد هروبي، كان عليكِ أن توبخيني، أن تقولي لي بأني قلبت البيت رأسًا على عقب. لكنك لم تفعلي.”
“ولو كنت قد تشاجرتُ مع كارل، كنتِ بالتأكيد ستقفين في صفي، أليس كذلك؟”
كان كلاهما يدرك المغزى الخفي من كلماته.
فمع كل حبها له، كانت حذرة في معاملته لأنه ليس ابنها البيولوجي، خوفًا من أن تظلمه دون قصد.
قال إكيان بابتسامة هادئة:
“الآن فقط، أشعر أنكِ أصبحتِ أمي الحقيقية… لأنك أخيرًا وبّختني على خطأي.”
“… يا لك من…”
ضحكت إيزابيلا بلطف، وارتخت كتفاها. ثم أمالت رأسها بخفة وقالت:
“بفضل جوديث، أشعر أننا أصبحنا عائلة حقيقية لن تنفصل أبدًا.”
“إنها شخص ثمين. آه، أمي، سمعتُ أنكِ جلبتِ الكثير من مستلزمات الأطفال… هل يمكنني رؤيتها؟”
“طبعًا، تعال. هناك بعض الأشياء تحتاج إلى تركيب، لو قمت بها بنفسك، ستكون جوديث سعيدة جدًا. وأحضرت أيضًا الكثير من ألعابك التي كنت تحبها عندما كنت صغيرًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 135"