009
هل يُمكن أنْ يكون ردّ الفعل هَذا مرتبطًا بقتله لهما؟
لحظةٌ ظلّت تُقلقني بشكلٍ غريب.
“نحن على وشك تناول الشطائر الآن، فهل لدى سموّك أيُّ خطط؟”
تحدث ثيو وهو يتقدّم خطوةً إلى الأمام بشكلٍ طبيعي ليُقدّم له هَذا الاقتراح.
وبفضل ذَلك، خفّت حدة التوتّر الذي كان مشدودًا للغاية.
“لكن، أليست الشطائر ثلاثًا فقط؟”
ابتسم ثيو ابتسامةً خفيفة.
“سأقدّم شطيرتي لسموّك.”
“وماذا سيأكل الدوق الصغير إذن؟”
“بما أنَّ هُناك بعض المتاجر بالقرب، يُمكنني شراء شيءٍ وأكله مِن هُناك.”
في الواقع، بالقرب مِن البحيرة، كانت هُناك أكشاك وبيعٌ للزوّار، ولو لَمْ يكُن مِن المزعج المشي قليلًا، لأمكن أيضًا أخذ شطيرةٍ مِن أحد المقاهي القريبة.
وافق داميان على كلام ثيو وهزّ رأسه. فعُدنا معًا إلى البساط الذي فرشناه سلفًا.
وعندما فتحنا سلّة النزهة التي أعدّتها الخادمات، لًمْ يكُن فيها سوى ثلاث مجموعاتٍ مِن أدوات الطعام، وثلاثة أكواب فقط.
مِن الطبيعي أنّهم لَمْ يتوقّعوا انضمام أحدٍ إلينا.
نظر ثيو إلى الكوب الموضوع بشكلٍ غريب وقال:
“يبدو أنَّ علينا الذهاب إلى المقهى القريب لأنَّ الأكواب غير كافية.”
“وأدوات الطعام أيضًا غير كافية، لذا سيكون المقهى خيارًا أفضل مِن الاكشاك.”
هززتُ رأسي موافقةً. إنْ كنا سنذهب، فعلينا أنْ نتحرّك بأنفسنا.
فبسبب طلبنا منهم المجيء في المساء لأخذنا، لَمْ يكُن هُناك أيٌّ مِن خدم الدوقية حولنا.
لحُسن الحظ، كون المكان مشهورًا بالنزهات يعني أنَّ المتاجر ليست بعيدة.
لكن فجأة، أشار داميان إلى فرسان القصر الإمبراطوري الواقفين على بُعد خطوات قليلة.
“هل يُمكنني إصدار أمرٍ لهم؟”
ولأنّه بدا على وشك إصدار الأمر بالفعل ورفع يده، تدخّل ثيو على عجل لإيقافه.
“آه، لا يا سموّك! المكان ليس بعيدًا إلى هَذا الحدّ، لذا سأذهب بنفسي.”
تكليف أحد فرسان النخبة، المكلّفين بحماية الأسرة الإمبراطورية، بإحضار شطائر؟ هَذا غير منطقي.
هل سيذهب مع إستيل إذًا؟
منذُ لحظات، كانت إستيل تبدو مرتبكةً بسبب وجود داميان، فسقطت الشوكة مِن يدها على الطبق، وبدأت تُخطئ كثيرًا.
أنا أيضًا أشعرُ بعدم الراحة مِن وجودي مع داميان، لكنّ هَذا هو التصرف الصحيح.
ليتني أستطيع استغلال موضوع إستيل لأستدرج ردّ فعلهِ كما حصل قبل قليل.
وبينما كنت أُهيّئ نفسي بهدوء لاحتمال البقاء وحدي مع داميان مُجددًا، قال ثيو بحيوية:
“سأذهب مع أختي.”
ماذا؟ كدتُ أنْ أُسقط الشوكة أنا أيضًا. نظرتُ إلى ثيو، فوجدته يبتسم ابتسامةً مشرقة وهو يُشير إلى ما وراء التل.
“سأعود سريعًا.”
هل ينوي ترك داميان وإستيل وحدهما؟ نظرتُ بسرعةٍ إلى ملامح الاثنين.
كان مِن غير المعتاد بالنسبة إلى ثيو، الذي يضع مشاعر إستيل في المقام الأول دائمًا، أنْ يتصرف بهَذا الشكل.
مِن المؤكّد أنَّ كليهما لَن يكون مرتاحًا. والأدهى مِن ذَلك، أنّنا لا نعلم سبب ردّ فعل داميان تجاه إستيل، فلا يُمكن تركهما وحدهما.
“لا، اذهب أنتَ مع إستيل.”
قلتُ ذَلك وأنا أبتسم في وجه ثيو.
لكن، ويا للأسف، أخي الذي لا يقرأ الإشارات لَمْ يفهم قصدي.
لَمْ يفكّر حتى بأخذ إستيل، بل ظلّ واقفًا يُحدّق بي في صمت.
وزاد الطين بلّة، حين فتح داميان فمه.
“روز، اذهبي أنتِ. أنا بخير.”
كان وجهه هادئًا جدًا. رُبّما أنتَ بخير، لكن أنا التي أُراقب هَذا المشهد، لستُ بخير إطلاقًا.
كنت على وشك الإلحاح أكثر، لكنني أدركت أنْ الثلاثة باتوا ينظرون إليّ.
بدا على إستيل بعض الخوف، لكنّها لَمْ تصل إلى الدرجة التي كنت أتوقّعها.
“لا تنسَ الأكواب، رجاءً.”
“سأحرص على ذَلك.”
وبينما كنت أتابع حديث إستيل وثيو، التفتّ فرأيتُ عيني داميان تلتقيان بعينيّ. بدا وكأنّه ظلّ يحدّق بي طوال الوقت، فقال بصوتٍ ناعم:
“روز، عودي بسلام.”
هل يجوز ترك إستيل في موقفٍ كهَذا؟
لكن، إنْ أردتُ أنْ أرفض الذهاب، فعليّ تقديم سببٍ منطقي، وليس لديّ الآن مِن البديهة لَن يُساعدني على اختراع مبرّر مقنع.
“…حسنًا.”
***
“ما الذي كنتَ تُفكّر فيه؟”
ما إنْ ابتعدنا قليلًا عن البساط حتى وخزتُ خاصرة ثيو. ففزع مِن الضربة المُفاجئة وأمسك بموضعها.
لكنه، كونه فارسًا، لَمْ يُطلق صرخة. بل تقطّبت ملامحه.
“بل أنتِ، ما الذي كنتِ تفكّرين فيه؟”
“أنا؟ وماذا فعلتُ؟”
“لو كنتِ تنوين دعوة سموّه، كان عليكِ إخباري مُسبقًا!”
قال ثيو وهو يُحدّق بي بنظرةٍ مليئةٍ باللوم.
كم هو أمرٌ يبعثُ على الذهول.
“ما هَذا الكلام، أنا لَمْ…”
هل كنتُ لأدعو سموّه في نزهةٍ خاصّة بنا؟ أصلًا إستيل هي مَن رغبت بالحضور، فحضرتُ معها.
لكنني لَمْ أُكمل كلامي وأغلقت فمي.
ففي نظر ثيو الآن، أصبحتُ الأخت التي فقدت رشدها فجأةً، وغرقت في وهم الحب.
ولو تحدّثت بهَذا الشكل وسط هَذا الوضع، فكيف سيكون ردّ فعله؟
خصوصًا أنّه أصلاً في حالة تأهّب، يتساءل عمّا إذا كان هُناك شيءٌ ما حدث، وهل داميان يُهدّدني.
ومِن الواضح أنّه سيتيقّن مِن أنَّ قرار تقديم موعد الزفاف لَمْ يكن بإرادتي.
إنْ حدث ذَلك، فَلَن يكون الضحية هو والدي، بل قد يكون ثيو مَن يُقتل بالسم.
سارعتُ إلى تغيير كلامي.
“هل يجبُ أنْ أُخبركَ حتى بمثل هَذهِ التفاصيل؟ كلّ ما قلته عندما التقينا بالأمس، هو أننا سنذهب في نزهة، وأنّه إنْ أراد سموّه الحضور، فبإمكانهِ ذَلك.”
لكنني لَمْ أرغب أبدًا في أنْ أبدو كفتاة طائشة، تُغَلّب الحب على أسرتها وتغفل عنهم.
لذَلك، بالكاد وجدتُ حلاً وسطًا. رفع ثيو إحدى حاجبَيه.
“حقًا؟”
“لهَذا السبب أيضًا حضّرنا ثلاث شطائر فقط.”
عندها أومأ ثيو برأسه، وكأنَّ كلامي أقنعه.
وسارعتُ إلى تغيير الموضوع.
“بالمناسبة، هل يُمكن ترك سموّه وإستيل وحدهما؟”
“ولماذا؟”
“لا شيء… فقط، إستيل ما تزال مِن العامة، وقد تشعرُ بالحرج مِن وجود سموّه.”
نظر ثيو بخفةٍ إلى الوراء، ثم قال بلا مبالاة.
“لا بأس. عاجلًا أم آجلًا، عليها أنْ تتعلّم كيف تتعامل مع أفراد العائلة الإمبراطورية.”
“لكن…”
“إستيل ستحضرُ حفل زفافكِ، أليس كذلك؟ لذا، قد خضعت لدروسٍ في آداب السلوك المُناسبة لهَذا النوع مِن المناسبات، وقد شاهدتِها بنفسكِ عندما حيّت سموّه، حتى أنّها نالت المديح لعدم وجود أيِّ خطأ في تصرفها. ثمّ إنَّ سموّه يُعدّ مِن أكثر أفراد العائلة الإمبراطورية لطفًا وتحضّرًا.”
‘ذَلك الشخص هو مَن سيقتلكما.’ اكتفيتُ بتحريك شفتيّ دوّن صوت. لاحظ ثيو نظرتي.
“بالطبع، لا أحد يعرف ما يدور في ذهنه.”
زفرتُ تنهيدةً خفيفة، إذ لَمْ يكُن لدي ما أقوله. وربّتُّ على كتف ثيو برفق.
“…صحيح، إنْ كانت ستُصبح زوجة الدوق موور المستقبلية، فعليها أنْ تُعرّف بنفسها على العائلة الإمبراطورية.”
فورًا، احمرّ وجه ثيو. تنهدتُ مِن جديد.
لحُسن الحظ، لَمْ يكُن المقهى القريب بعيدًا.
أخذنا الشطائر والأكواب وعدنا إلى جانب البحيرة.
ومِن بعيد، رأيتُ خصلات الشعر السوداء، وإلى جوارها شعرٌ فضي يتمايل برقة مع النسيم.
إنّهما نقيضان تمامًا، ومع ذَلك، بدا بينهما نوعٌ غريب مِن التشابه.
لَمْ أكُن أسمع ما الذي يتحدّثان فيه، لكن الأجواء لَمْ تكُن سيئةً كما توقّعت.
وكلما اقتربنا أكثر، أصبحت أصوات الحديث أوضح.
“آه، فهمت!”
صفّقت إستيل بيديها، وكانت نبرة صوتها مشرقةً للغاية.
‘…عن ماذا يتحدثان؟’
بسبب المسافة، لَمْ أكُن أُميّز محتوى الحديث بوضوح.
توقفنا عن السير للحظة، وتمتم ثيو:
“عن ماذا يتحدثان؟”
لَمْ يتوقف عن التقدم، بل تابع سيره بشكلٍ طبيعي، مِما جعلني أمشي خلفه.
وما إنْ وصلنا إلى البساط، حتى لاحظت إستيل وجودنا أولًا، فحيّتنا بابتسامةٍ مشرقة.
“أختي! ثيو!”
“إستيل.”
ذكرتُ اسمها بشكلٍ تلقائي، ثم التقت عيناي بعيني داميان الذي كان ينظر إليّ.
حاولت التظاهر بالهدوء، فأضفت قائلة:
“داميان، لَمْ نُطِل الغياب، أليس كذلك؟”
“اشتقتُ إليّكِ.”
ردّ داميان بطبيعته المُعتادة، ولَمْ أعُد أعرف ما أقول، فابتسمت وجلست بجانبه.
رأيت إستيل تُخفي فمها بيدها وتضرب ثيو بمرفقها.
ثم قالت بحماس:
“أنتم تُناسبون بعضكما فعلًا!”
‘ما الذي دار بينكما حتى أصبحتما بهَذهِ الألفة؟’ شعرتُ بطعمٍ مرّ في فمي.
كنتُ أُجاهد لرفع زوايا فمي بابتسامة، عندما سأل ثيو:
“وماذا كنتم تتحدثون عنه؟”
“عن الحُب الأول.”
قال داميان هَذا وهو يملأ أكوابنا بعصير التوت الأحمر بنفسه. بدا اللون أكثر احمرارًا في الكوب الكريستالي الشفاف.
“الحُب الأول؟”
نظر إليّ ثيو بحذر. لَمْ أعرف كيف أُبدي ردة فعلي، فتجمّدت ملامحي.
ابتسم داميان ابتسامةً خفيفة.
“نعم، روز. كنا نتحدث عنكِ.”
ثم مدّ يده ليمسك بخصلاتٍ مِن شعري.
لحُسن الحظ، بدا وكأنه ظنَّ أنني شعرتُ بالغيرة.
تنفّستُ الصعداء بسرعة، وضعت يدي على صدري وابتسمتُ ابتسامة واسعة.
“أفزعتني فقط.”
اختصرتُ الكلام لأنني شعرتُ أنَّ أيِّ كذبةٍ إضافية ستعقد لساني.
ولحُسن الحظ، بدأت إستيل تتحدث بحماسة.
“لقد كانت قصةً مؤثرةً جدًا. تمنّيت لو أعيش حبًا كهَذا!”
الآن، أصبح ثيو هو الطرف المُربك.
“وما هي القصة؟”
“هَذا…”
نظرت إستيل إلى داميان باستحياء.
ابتسم داميان بلطفٍ وقطع حديثها.
“أخبرتُها كيف وقعتُ في حب روز.”
اتسعت عيناي مِن الدهشة. فسأله ثيو:
“وقعتَ في حبّها؟”
“أجل، قبل عشرين عامًا.”
قبل عشرين عامًا؟ ذَلك يعني في حياة والدتي، وقبل أنْ تُطرح مسألة خطبتي بمدةٍ طويلة.
هل التقيتُ بدايمان في ذَلك الوقت؟
حاولتُ استرجاع ذكرياتي، لكنّها كانت فترةً مُبكرةً جدًا مِن طفولتي، ولَمْ أتذكر شيئًا.
“هل يُمكنني أنْ أسأل متى وقعتَ في حبّها؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"