007
طرحتُ موضوع الزواج هَذا الصباح أثناء الإفطار.
وبما أنّه أمرٌ لا بدّ أنْ يحدث في نهاية المطاف، وافق والدي دوّن أنْ يُبدي اعتراضًا يُذكَر.
وبعد زواجي مُباشرةً، طُرِحت فكرة انتقال إستيل إلى قصر الدوق لتُقيم فيه.
ووفقًا لما ورد في الرواية، فإنَّ استيقاظ قُدرات إستيل بصفتها قدّيسة حدث بعد وقتٍ قصير مِن قدومها إلى قصر الدوق.
صحيحٌ أنَّ الوقت الآن لا يزال مبكّرًا جدًا لذَلك… لكن، هل سيُؤثّر دخول إستيل المُبكّر إلى قصر الدوق على مجرى الأحداث في الرواية الأصلية؟
نظرتُ بهدوء إلى إستيل وهي تُنصتُ إلى حديث ثيو بابتسامةٍ مُشرقةٍ على وجهها.
‘كيف ظهرت قدراتها؟’
لا بدّ أنَّ هُناك حادثةً قد وقعت، لكنّها كانت في بداية الرواية، فَلَمْ أستطع تذكّرها جيدًا.
حاولتُ استعادة ذكرياتي، فانقبض جبيني لا إراديًا. وكانت العربة تهتزُّ اهتزازًا لطيفًا وهي تمشي.
وبما أنَّ هَذا الوقت هو الأنسب للاستمتاع بمنظر ضفة البحيرة تحت أشعة الشمس، فقد كانت مكتظّةً بالناس.
لكنّنا أرسلنا الخدم منذُ الصباح الباكر لحجز مكانٍ جيّدٍ لنا.
كان مكانًا يقعُ بجوار شجرةٍ ضخمةٍ، وظلالها تُغطّي نصف المساحة.
فرش ثيو الحصير بعد أنْ حمل السلة طوعًا، وجلستُ على الحصير بعد أنْ وضعتُ المِظلّة على حافّته.
الأشجار في الغابة المُقابلة كانت تتلألأ بلونٍ أخضر داكن، وصفحة الماء تتوهّج تحت ضوء الشمس كما لو كانت حراشف أسماك.
وانزاح الضيق الذي خنق صدري منذُ الأمس.
“هل نركبُ القارب بعد أنْ نأكل السندويشات؟ أم نركبُ القارب أوّلًا؟”
سأل ثيو وهو يضع السلة.
مالت إستيل برأسها في حيرة.
“لكن يبدو أنَّ القوارب لا يركبُها سوى شخصَين فقط، أليس كذَلك؟”
“لأنّها مخصصةٌ لشخصَين.”
رددتُ وأنا أمدّ ساقيّ، فوضعت إستيل يدها على فمها بدهشة.
“إذاً سنركبُ مرتين! أنا مع اختي، وأختي مع ثيو، ثم أنا مع ثيو…”
“لا، سأبقى هُنا. اذهبا أنتما واستمتعا بالماء.”
قلتُ وأنا أخلع القفّازات وألوّح بيدي. رُبما لأنَّ القفّازات كانت ضيّقة ومُزيّنةٌ بالدانتيل، فقد شعرتُ بانزعاجٍ في يدي.
فرح ثيو بوضوح.
“ألَن تشعري بالملل، أختي؟”
رأيتُ طرف شفتيهِ يرتفع. رمقتهُ بنظرةٍ جانبية.
“لا بأس. استمتعا. سأكتفي بتأمّل المنظر.”
وفي النهاية، بقيتُ وحدي، وذهب الاثنان معًا نحو الرصيف. وكان المكان الذي حجزه الخدم قريبًا مِن الرصيف أيضًا.
تألّق شعر الاثنين تحت الشمس، كأنّهُ الشمس والقمر.
وكان كلّ من ثيو وإستيل يبتسمان ابتسامةً مشرقة.
خطواتهما كانت خفيفةً كأنّها ترَقُص.
وفي المُقابل، ازداد ثِقَل قلبي.
فبعد أنْ تستيقظ إستيل بصفتها قدّيسة، يُشكّل البلاط الإمبراطوري فرقةَ تطهيرٍ للذهاب إلى أرض الموت.
وأرض الموت هي مكانٌ يعجّ بوحوشٍ سوداء زاحفة.
تقتربُ بسرعةٍ لتنهش العنق، بل وتستطيعُ تسلّق الأشجار، لذا لا يُمكن الاطمئنان في أيِّ مكان.
ولهَذا، فإنَّ أعضاء فرقة التطهير في الرواية ظلّوا يموتون واحدًا تلو الآخر، وكان كلٌّ مِن ثيو وإستيل ينهاران نفسيًا مع مرور الأيام.
لو لَمْ يتّكئ كلٌّ منهما على الآخر، لكانا قد فقدا صوابهما تمامًا.
وفي الحقيقة، في نهاية الرواية، كان كلٌّ منهما نصف مجنونٍ بالفعل.
‘… في ذَلك الحين، كانا قد تخلّيا عن فكرة العودة.’
إذ إنَّ هدف حياتهما قد اختُزل في التطهير، فماتا وهما يُعانقان بعضهما دوّن أنْ يُظهرا أيِّ سخطٍ أو مقاومة.
وهما الآن يضحكان بسعادةٍ بالغة كهَذهِ.
نظرتُ إليّهما وهما يتحدّثان مع مجدّف القارب عند الرصيف.
لَمْ أعد أرى تعابير وجهيهما بوضوح، لكنّي كنتُ أسمع ضحكاتهما تتطاير نحوي بين الحين والآخر.
هَبّت نسمةُ ريحٍ فحرّكت أوراق الأشجار فوق رأسي بصوتٍ خفيف. وشعرتُ بلمسةٍ لطيفة تمرّ بجسدي كلّه.
ليت كُلّ الأيام كانت كهَذا اليوم.
“روز.”
في تلكَ اللحظة، سمعتُ صوتًا مألوفًا. لكنّه كان صوت شخصٍ لا يُفترض بهِ أنْ يكون هُنا.
قشعرّ جسدي مِن أطراف أصابعي إلى عمودي الفقري، وتيبّست مؤخرة عنقي.
هل هَذا مُجرّد وهم؟ لكنّ أملي الهشّ سرعان ما تمزّق.
“يبدو أنّكم خرجتم في نزهة.”
كان الصوت أقرب هَذهِ المرة، فالتفتُّ برأسي.
رأيتُ رجُلًا يقترب نحوي مِن مكانٍ غير بعيد.
كان كما رأيتُه في غرفة الاستقبال مِن قبل، يقف تحت أشعّة الشمس القويّة، أسودٌ وحده دوّن سواه.
حقًا، الظلال تزداد قتامةً كلّما اشتدّ الضوء.
كان يرتدي زيًّا أسود لا يُناسب هَذا اليوم المُشمس، لكنّ عينيهِ البنفسجيتَين وحدهما تألّقتا بوضوح.
رفعتُ طرف شفتيّ بابتسامةٍ باهتة.
“… داميان.”
كان الشعور كما لو أنْ الدم قد تجمّد في عروقي.
لكن لَمْ يكُن باستطاعتي أنْ أُظهر ذَلك. صفّقتُ كما لو كنتُ آنسةً نبيلة بريئة فرِحة بلقاء خطيبها على غيرِ توقُّع.
“ما الأمر؟ هل خرجَ داميان هو الآخر في نُزهة؟ لقد فاجأتني حقًا!”
كلما واصلتُ الحديث بمرح، ازداد ارتفاع طرفي شفتيه.
ألقيتُ نظرةً سريعة مِن حوله. كان الفرسان يُراقبوننا مِن بعيد. وراح الناس القريبون منا يطوُون الحصائر ويتنقّلون إلى أماكن أخرى.
“خرجتُ لأن الطقس جميل، ولَمْ أكُن أعلم أنني سألتقي روز هُنا.”
كذب. أبقيتُ على ابتسامتي وأومأتُ برأسي. ثم جلس إلى جانبي وكأنما كان ذَلك أمرًا طبيعيًّا.
انتشر مِن جسده عبقُ المسك القوي، فغطّى على رائحة التراب الرطب العذبة وعطر الأعشاب النضر.
“كنتِ تُشاهدين البحيرة، على ما يبدو.”
همس داميان بنعومةٍ. والتقت نظراتنا.
حاجبان كثيفان، عظمُ حاجبٍ بارز، عينان حادّتان، أنفٌ شامخ، وشفاهٌ حمراء.
حين قلتُ لثيو إنْ داميان وسيم، لَمْ يكُن ذَلك مِن باب المُجاملة. حتى ثيو نفسه لَمْ يُعارض، لأنه يعترفُ بذَلك.
نعم، داميان وسيم، ووسامتُه تُناسب تمامًا دور الشرير الأخير في القصة.
شعرتُ وكأنني أسيرةٌ في عينيه، فتجنّبتُ النظر إليّه.
“سمعتُ أنكم جئتم لركوب القوارب.”
لكن رغم كل شيء، لَمْ يكُن مِن النوع الذي يُمكنني أنْ أقع في غرامه. كان قلبي لا يزال ينبض مِن التوتر، ولكن لأسبابٍ أخرى.
وحين فكّرتُ أنَّه سيصادف ثيو وإستيل، شعرتُ وكأنَّ دمي تجمّد مِن جديد.
رُبما لَن يُؤذي أحدًا في الحال، لكن اللقاء كان مُبكّرًا جدًّا مقارنةَ بما كنتُ أُخطّط له.
وما يُطمئنني هو أنْ إستيل لَمْ تستيقظ بعدُ كقدّيسة، ورُبّما التغيير الوحيد الحاصل كان تقديم موعد زواجنا.
عندما لامست يدهُ يدي، أحسستُ بالدفء يصل إلى جلدي.
صوته الهادئ تسلّل إلى أُذني.
“هل نركب معًا؟”
حين التفتُّ، كان يُحدّق بي بهدوء. لمسةُ يدهِ على يدي كانت دافئة.
قلبي كان يبرد، لكن رأسي أخذ يسخُن تدريجيًّا.
لو رفضتُ الآن، فسيبدو الأمر غريبًا، أليس كذَلك؟ بلعتُ ريقي.
ركوب القارب سيكون وسيلةً للهروب مِن ثيو وإستيل، كما أنه سيُساعدني على تهدئة نفسي، فلا بأس.
شعرتُ بوزنٍ خفيف على ظاهر يدي، ثم أجبتُه:
“حسنًا.”
شُقّت المياه بصوتٍ عذب مع كل ضربة مجداف.
أسندتُ ذقني إلى حافة القارب ونظرتُ إلى تموّجات المياه وهي تنتشر مِن تحته. نسماتٌ منعشة بعثرت خصلات شعري.
“فيما كنتِ تُفكّرين؟”
“لَمْ أكُن أفكّر في شيء.”
هززتُ رأسي. وددتُ أنْ أُمازحه وأقول إنني كنتُ أفكّر في أنه يُشبه المُطارد، لكنني تراجعتُ، فحياتي ثمينة.
لكن في الحقيقة، لَمْ أكُن خالية الفكر. كانت الذكريات القديمة تطرأ على ذهني دوّن توقّف. معظم ما أتذكّره مِن حياتي السابقة كان عديم الفائدة، ومِن الصعب استخراج ما يُمكن الانتفاع به.
‘لو أنني أتذكّر فقط ما يخصّ الرواية.’
تلاقت عيناي بعيني صورتي على سطح الماء. مددتُ يدي ولمستُ الماء، فتلاشت الصورة.
وفي اللحظة ذاتها، بدّد صوت داميان كل الهواجس في رأسي.
“لقد أخبرتُ جلالة الإمبراطور.”
فهمتُ فورًا أنه يتحدّث عن زواجنا. اعتدلتُ في جلستي وحدّقتُ فيه.
“ماذا قلتَ له؟”
أتمنى أنْ يكون قد وافق دوّن شكوك. دعوتُ في سرّي دعاءً قصيرًا.
على الأرجح وافق دوّن اعتراض، كما فعل أبي.
زواج وليّ العهد مِن آنسةٍ مِن حزب الإمبراطور يُعَدُّ أمرًا طبيعيًّا، وتأخيرهُ أكثر مدعاةً للاستغراب.
لكن داميان اتّخذ تعبيرًا غريبًا.
أشاح ببصرهِ وتوقّف عن التجديف.
“لقد شكّ في الأمر.”
“……ماذا؟”
كان الجواب مُفاجئًا. خرج صوتي تلقائيًّا مِن شدة الذهول.
أوه، سرعان ما أظهرتُ شعور الاستياء بكُل وضوح. كنتُ مستاءةً فعلًا، لذا لَمْ أحتج إلى تزييف أيِّ انفعال.
“ولماذا؟”
راح عقلي يدور بسرعة. أليس الشخص الوحيد الذي كان يُحاول التهرّب مِن هَذا الزواج هو أنا؟
‘…تبًّا.’
لكن حين فكّرتُ بالأمر، حتى لو كانت روزالين الأصلية قد تهرّبت مِن الزواج، فإنَّ تأجيله كل هَذا الوقت لا يزال أمرًا غريبًا.
إنهُ زفاف وليّ العهد، في النهاية.
رُبما الكبار قد تغاضوا عن الأمر في الخفاء.
ورُبما، في الحقيقة، كان القصر الإمبراطوري يُعارض زواجنا منذُ البداية.
حتى في الرواية، لَمْ يُعقد خطوبتنا رسميًّا إلا بعد أنْ دسّ داميان السمّ في طعام الإمبراطور وزوجته.
وكما توقّعتُ، أراح داميان المجداف تمامًا وضمّ يديهِ إلى الأمام.
رشق الماء جسد القارب بصوتٍ رتيب.
وظهرت وجنتاهُ المتوردتان تحت سماءٍ زرقاءٍ صافية.
“على ما يبدو، وصلتْ إلى مسامع جلالتهِ الشائعات المتداولة في المجتمع الأرستقراطي.”
“أيُّ شائعات؟”
اتّسعت عيناي وسألتُ. لا شك أنها الشائعات التي تحدّث عنها ثيو… تلكَ التي تقول إنْ علاقتنا سيّئة.
أشعر بالخجل لأنني ظننتُ أنْ الإمبراطور وزوجته لا يهتمّان بالشائعات.
“تقول الشائعات إنّنا لا نُحبّ بعضنا… هَذا ما قيل.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"