الفصل 16 :
‘على أيِّ حال، إستيل ستقوم بالتطهير.’
لكن لا يُمكن أن أبدو وكأنّني أفكّر بهذه الطريقة، لذا غطّيتُ فمي وصرختُ بصوتٍ منفعل.
“ماذا؟! لا يُعقل!”
“إنّه صحيح. ما يزال الأمر ضئيلًا، لكن وفقًا لما وصلني، فهو يتّسع بوتيرةٍ متسارعة.”
“إذًا، العاصمة الإمبراطورية أيضًا…”
“سيستغرق الأمر عدّة عقودٍ حتّى يصل إلى العاصمة. لكن إلى ذلك الحين، سيواصل سكان المناطق القريبة من المركز التعرّض للضرر.”
زمّ داميان حاجبيه مظهرًا تعبيرًا مريرًا. لم أكن أعتقد أنّه يهتمّ إلى هذا الحدّ بحياة مواطني الإمبراطورية.
“قبل أن تتفاقم الأضرار أكثر، علينا استخدام الآثار المقدّسة لمعرفة سبب ما حدث للإمبراطورية، وهل هناك طريقةٌ لمنعه.”
بينما كنتُ أستمع إلى حديثه، خطرت لي فرضيّةٌ لم أفكّر بها من قبل.
هل يُعقل أنَّ داميان أرسل إستيل وثيو إلى أرض الموت وهو يعرف كلّ شيء؟
ليس لقتلهم، بل من أجل الإمبراطورية…
لكن، حتّى لو كان الأمر كذلك، فإنَّ قتله لهما في النهاية لا يُغيّر من كونه قد تسبّب في تضحيةٍ عبثيّة.
“هل هذا من خُطط جلالته؟”
سألتُ وأنا أُحرّك يدي بتوتّر، فأومأ مَن كان يجلس في الجهة المقابلة نافيًا.
“لا، هذا مجرّد رأيي الشخصي.”
تردّد داميان قليلًا. كأنَّ هناك ما يُقلقه.
“روز.”
“نعم، داميان.”
ما الذي يُريد قوله الآن؟ بدافع الفضول، ناديتُ اسمه.
خفض داميان بصره.
“هل يمكنكِ ألّا تُخبري جلالته بما قلتهُ للتوّ؟”
“…ولِمَ لا؟ لا أجد الأمر صعبًا، بل أعتقد أنِّ جلالته سيكون سعيدًا إذا علم أنّك تفكّر بهذه الطريقة النبيلة.”
كان سؤالي نابعًا من الفضول فعلًا، لكن داميان عبس وجهه ببرود.
“هل تظنّين ذلك فعلًا؟”
“أعني…”
كنتُ سأقول نعم، لكنّي أغلقتُ فمي.
بصراحة، لا يبدو لي أنَّ الإمبراطور يهتمّ بأمورٍ كهذه.
فمَن لا يهتمّ بابنه، لن يُفكّر بمستقبل الإمبراطورية أصلًا.
“هاها…”
بينما كنتُ أتردّد، ضحك هو بسخرية.
“روز، أرجوكِ، أبقي الأمر سرًّا عن جلالته، هل يُمكنكِ ذلك؟”
أومأتُ برأسي. وساد صمتٌ مُحرج بيننا.
ربّما كان الشعور بأنَّ الإمبراطورية مستقرّةٌ حاليًّا مجرّد وهم. فأنا لا أفهم كثيرًا في السياسة، لكنّي لم أسمع يومًا عن أيِّ شيء يقوم به الإمبراطور.
ومن الواضح أنَّ ردّ فعله لم يكن بدافع الخجل أو انعدام الثقة، بل كان هناك شيءٌ أعمق.
‘لا يُعقل أن يكون سبب التسميم… شيئًا آخر غير الحب؟’
لو لم يكن الحبّ، فماذا أفعل حينها؟
رغم كلّ ما فكّرتُ به، لم أستطع الوصول إلى جوابٍ يُرضيني.
وحين عدتُ إلى غرفتي وفتحتُ الدُرج، وجدتُ مفكّرةً تشبه تمامًا الكتاب الذي قرأته اليوم.
كان ملمسها ناعمًا، لكن يُعلَق قليلًا بأطراف الأصابع.
ليت هناك من يُساعدني. شخصٌ أستطيع أن أبوح له بكلّ شيء وأطلب منه النُصح.
لكن، عليَّ أن أُركّز على شيءٍ آخر الآن. لا فائدة من إرهاق نفسي في مشكلةٍ لا أستطيع فهمها.
فتحتُ المفكّرة مجدّدًا. وكما توقّعت، كانت تنقطع فجأةً في المنتصف.
أحسستُ بجفافٍ في حلقي. في الوقت الحالي، الشيء الوحيد الذي أستطيع فعله هو التحقّق من أثر الجُرح على جسد إستيل.
إذا كان الجُرح موجودًا فعلًا، فقد يُساعدني ذلك في التحقيق في أمر المفكّرة.
لكن أصلًا، كيف عادت بيَ السنين إلى الوراء، ووصلتُ إلى هذا المكان، وظهرت مفكّرة روزالين في توقيتٍ مثالي وكأنّه كذبة؟
‘السحر، إذًا…’
هل كانت روزالين تعرف شيئًا عن الإمبراطورية السحريّة؟
من خلال محتوى مفكّرتها، يبدو أنّها لم تكن تعلم.
كتبتُ الرسالة التي كنتُ قد أجّلتها بسبب خروجي في موعدٍ مع داميان.
‘حتى لو جاءت، فكيف سأتمكّن من التحقّق من ظهرها، هذا موضوعٌ آخر.’
الفستان الذي كنتُ أنوي إهداءه كان جاهزًا.
المشكلة أنَّ إستيل ستُحاول المغادرة من دون أن تُجرّبه حتّى، فماذا لو جعلتها تبيت الليلة في المنزل؟
هناك الكثير من الأعذار. يمكنني فقط أن أقول إنَّ الشوارع ستكون مزدحمة بعد الحفلة، لذا سيكون من الخطر أن تعود وحدها.
ثمّ ببساطة أقول: “بما أنَّ لدينا وقتًا، هل تُجرّبين الفستان؟”
لم يعُد هناك الكثير من الوقت. رتّبتُ كلماتي في ذهني، ثم أمسكتُ القلم وكتبتها على الورقة كما هي.
ثمّ طويتها بعناية، ووضعتها في ظرف، وطبعتُ عليها ختمًا مزيّفًا، وسلّمتها لأصغر خادمةٍ في القصر.
“إيّاكِ أن تدعي أحدًا يراكِ. وإذا سألكِ أحد، قولي إنها مسألةٌ شخصيّة تخصّكِ.”
وفي ذلك المساء، وصلت الرسالة إلى إستيل.
***
فروووف!
في يوم الحفل الخيري، كانت الشوارع تعجّ بأصوات خيولٍ تركض.
تجنّبتُ عربات الحاضرين في الحفل، وتوجّهتُ سرًّا إلى المخبز الذي ذكرتْه إستيل.
كان العثور على إستيل سهلًا. فهي دائمًا ما كانت تُخفي شعرها بالكامل تحت غطاء رأس.
اقتربتُ منها بخفّة، ووضعتُ يدي على كتفها، فارتجفتْ وكأنّها فزعت.
“إستيل، أنا.”
التفتت إليّ.
“روزي أوني؟”
“نعم، أنا.”
رفعتُ طرف الرداء الذي غطّى وجهي والتقت نظراتي بنظراتها، فتنفّستْ الصعداء وكأنّها ارتاحت.
“لقد أفزعتِني…”
“الشوارع مزدحمة جدًّا. لو تعرّف عليّ أحد ستكون كارثة.”
لم تكن هناك مشكلة في ركوب عربةٍ تحمل شعار دوقية مور حتّى زقاق المخبز.
الجميع يعرف أنَّ والدي سيشارك في الحفل الخيري، لذا سيفترضون أنّها عربة الدوق مور.
لكن، لو رآني أحد وأنا أنزل منها، فسيتحدّث الجميع معي حتمًا.
وستنتشر شائعة أنَّ ابنة الدوق، التي نادرًا ما تظهر في المجتمع، حضرت الحفل الخيري. ثمّ…
لو ظهر والدي وحده في الحفل حينها، فستكون مشكلة.
لحُسن الحظ، وجدتُ إستيل فورًا. أمسكتُ بيدها واتّجهنا إلى المكان الذي تركتُ فيه العربة.
حينها حدث ما لم يكن بالحسبان.
“…زوجة البارون؟”
في البداية، لم أعتقد أنَّ الصوت موجّهٌ إليّ.
لكن ما قاله بعد ذلك جعل قشعريرة تسري في ظهري.
“هل أنتِ السيدة ويجيس؟”
كان صوتًا مألوفًا، لكنّي كنتُ غارقةً في أفكاري فلم أُدركه فورًا. تجمّد جسدي في مكاني.
“ما الأمر؟”
سألتْ إستيل بعدما لاحظتْ الغرابة في تصرّفاتي. وضعتُ يديّ على خدّي وقلتُ بتردّد:
“الأمر هو…”
ما العمل؟ هل أتصرّف وكأنّي لا أعرف شيئًا وأتوجّه إلى العربة؟
لكن، ماذا لو لاحقني ميخائيل بعدما شكّ في الأمر، أو التقى بإستيل مصادفة؟
رأسي كان يغلي كحساءٍ على النار. وفي النهاية، همستُ لإستل:
“منذُ هذه اللحظة، لا تقولي شيئًا.”
“ماذا؟”
سألتْ باستغراب، لكن لم يكن هناك وقتٌ للشرح.
استدرتُ نحو مصدر الصوت.
كان ميخائيل واقفًا عند مدخل المخبز.
شعرٌ بُنيّ مجعّد يصل إلى حاجبيه، ونظّاراتٌ مستديرة كبيرة.
“مرحبًا، ميخائيل.”
الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، كيف عرف أنّها أنا رغم أنّني أرتدي رداءً يُغطّي وجهي؟
حتى إستيل، التي تعرفني منذ زمن طويل، لم تتعرّف عليَّ إلا بعد أن كشفتُ عن وجهي.
ابتسم ميخائيل ابتسامةً مشرقة تملأها براءة الربيع.
“كنتُ متأكّدًا أنّكِ السيدة ويجيس!”
“…سيدة؟”
تمتمتْ إستيل، فبادرتُ سريعًا بالحديث:
“نعم، ميخائيل. تمتلك عينَين ثاقبتَين بحقّ، كما هو متوقّع من خبيرٍ مثلك.”
إطالة الحديث لن تكون في صالحي. شعرتُ بجفافٍ شديد في فمي. اقترب منّا ميخائيل وهو يبتسم ببساطة.
“لم أتوقّع أن أراكِ هنا! هل تأتين إلى هذا المكان كثيرًا؟”
استمرّ صوته المُشرق والمبتهج في الانسياب.
“إن لم يكن في الأمر إزعاج، هل يُمكنني أن أقترح عليكِ بعض الحلوى في المرّة القادمة؟”
في الوقت ذاته، أحسستُ بحرارةٍ في جانب وجهي. أمسكتُ بكمّ إستيل قليلًا وهززتُ رأسي بسرعة.
“آه، لا. أشكرك على الاقتراح، لكن سأرفضه. كما ترى، أنا بصحبة شخصٍ آخر.”
رفعتُ يدنا المتشابكة، فانتقل بصره إلى إستيل.
“آه…”
فتح فمه ليُكمل الحديث، لكنه أغلقه بصمت. وظلّ يحدّق بها لفترة.
وفي النهاية، كانت إستيل أوّل من تحدّثت، بعد لحظة صمتٍ محرجة.
“أنا برفقة البارونة اليوم لبعض الأمور.”
“لا بأس، لقد فرحتُ فقط بلقائكِ، ويبدو أنّني تسرّعتُ قليلًا.”
رغم ما قاله، بدت خيبة الأمل واضحةً على ملامحه. لكن لم يكن بإمكاني ترك إستيل والتحدّث معه.
الأولويّة كانت واضحة.
“أشكرك على تفهّمك، ميخائيل. إن التقينا في وقتٍ لاحق، سيكون من دواعي سروري رؤيتكَ مجدّدًا.”
انحنى ميخائيل بلطف.
“بالطبع، تفضّلي بزيارتي في أيِّ وقت. أنا دائمًا هنا.”
ابتسمتُ له وأنا أستدير. وسمعتُ خطوات إستيل وهي تمشي خلفي.
أحسستُ بوخزٍ في مؤخرة رأسي. يبدو أنّها ستسألني عن كلّ شيءٍ فور صعودي إلى العربة…
‘لماذا التقينا هنا من بين كلّ الأماكن؟’
للاحتياط، لا يُمكنني التوجّه إلى العربة مباشرة.
دخلتُ إلى أحد الأزقّة واختبأتُ خلف حائط لأراقب هل تبعني ميخائيل، لكن لحسن الحظ، لم يلاحقني.
هل بالغتُ في ردّة فعلي؟ تنفّستُ بعمق وأعدتُ ترتيب الرداء بإحكام.
حينها، دخلت إستيل من خلفي وسارت إلى الأمام.
وهي تُعدّل الرداء أيضًا، سألتني:
“من كان ذلك الشخص؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"