الفصل 14 :
“نعم، إنّه بالفعل غرضٌ جاء مِن أرض الموت.”
قالت شارلوت بثقةٍ، وهي تقف منتصبةً وقد أصدرت صوتًا قويًّا.
“لقد خضع أيضًا للتقييم مِن قِبَل شخصٍ موثوق. قيل لي إنِّ تقنيات معالجة الجلد المستخدم في الغلاف وصناعة الورق غير قابلةٍ للتكرار باستخدام التقنيّاتنا الحالية.”
ثمّ ارتدت القفّازات التي كانت موضوعةً على أحد رفوف الخزانة الزجاجية وسألت:
“هل ترغبُ في إلقاء نظرةٍ مفصّلة عليه؟”
“أجل.”
أومأ داميان برأسه، فسحبت شارلوت المقبض أسفل الخزانة الزجاجيّة وأخرجت الكتاب.
مِن خلف الزجاج، تأكّدت فكرتي أكثر أنّه يشبه مذكّرتي تمامًا.
فهل يُمكن أنْ تكون مذكّرتي قد جاءت أيضًا مِن أرض الموت؟
داميان اقترب فقط مِن الغلاف، ولمسه برفق.
“أليست السيّدة مهتمّة؟”
سألتني شارلوت بينما كان داميان يفحص الكتاب بهدوء. استجمعت شجاعتي وسألتها:
“لا، أعني… ألَن ينكسر لو لمستُه؟”
“لَن ينكسر لمُجرد لمس الغلاف.”
لكنّي تردّدتُ رغم ذَلك، فرأت شارلوت التردّد على وجهي وأضافت:
“هل ترغبين في رؤية ما بداخلهِ أيضًا؟”
“نعم.”
حين رأيتُ ابتسامتها الخفيفة، احمرّ وجهي.
لقد تصرّفتُ كطفلةٍ تمامًا.
وبمُجرّد أنْ أعطيتُ موافقتي، رفع داميان يده عن الغلاف.
فتحت شارلوت الغلاف بحذر.
لم تكُن هناك أيُّ كلماتٍ مكتوبة على الصفحة الداخليّة.
وقلبت عدة صفحات، لكنها كلّها فارغةً أيضًا. حتّى تصميم الصفحات مِن الداخل كان مُطابقًا بشكلٍ يثير الدهشة لمذكّرتي.
لكن، هل يُمكن أنْ يحتوي هَذا الكتاب أيضًا على محتوى لا يستطيع قراءته سوى مالكه؟
“أهو… مُجرد كتاب فارغ؟”
كان داميان يراقب الكتاب وسأل بنبرةٍ غامضة.
“نعم، لكن تصميمه وتقنيّة صناعة ورقه يمنحانه قيمةَ بحثيّة كبيرة.”
عقد داميان ذراعيه، وبدا واضحًا أنَّ اهتمامه قد تراجع فجأةً بعد كلام شارلوت.
“هل هو أكثر كفاءةً مِن تقنيّاتنا الحالية؟”
كانت شارلوت ما تزال تقلّب الصفحات، لذا لَمْ تُدرك ما قاله داميان.
“لو جرى تعميمه، فيُمكن توفير 30٪ مِن الجلد المستخدم حاليًا في تغليف الكتب. كما أنَّ الورق أنحف ولكن أكثر تماسكًا، لذا لا يُظهر ما تحته.”
ثمّ سعلت قليلًا وتابعت بابتسامة خفيفة:
“بالمناسبة، في الصالون اليوم، يوجد الشخص الذي تولّى تقييم هَذا الكتاب. إنْ رغبتُم، يُمكنني تقديمه إليكم.”
“فليكُن.”
لمعت عينا داميان قليلاً. بدا أنّه فقد اهتمامه بالكتاب، لكنّه أبدى اهتمامًا أكبر بتقييم التحف.
نظرتُ مرة أخرى إلى الكتاب. طالما هو يُشبه مذكّرتي إلى هَذا الحدّ، فلا يُمكنني أبدًا أخذ مذكّرتي إلى القصر الإمبراطوري.
كنتُ أظنّ أنّه لا بأس طالما أنِّ الآخرين لا يستطيعون قراءة محتواه، لكن…
شارلوت، وقد بدت سعيدةً بموافقة داميان، أزاحت الستائر وقادتنا إلى إحدى الطاولات.
كان فوق الطاولة المستديرة شايٌ وحلويات، وكان هناك ثلاثة أو أربعة أشخاصٍ يتحادثون بلُطف.
ثمّ همست لي:
“يُمكنكِ تقديم نفسكِ باسم البارونة ويجيس.”
“ميخائيل.”
على صوت شارلوت الهادئ، رفع رجل ذو شعرٍ بنيّ مجعَّد وكثيف رأسه بسرعة.
“آه، نعم!”
كان يرتدي نظاراتٍ ذات عدساتٍ كبيرة ودائريّة، وقد صاح بصوتٍ عالٍ قبل أنْ يحمرّ وجهه خجلًا.
“أعتذر… لقد كان صوتي مُرتفعًا للغاية، أليس كذلك؟”
مِن خلف العدسات، كانت عيناه الهادئتان ذات اللون الأخضر الليموني تتلألأ.
كادت شارلوت أنْ تضحك لكنها تمكّنت مِن كتم ضحكتها وقالت بلُطف:
“لا بأس، بل لدي شخصٌ أرغب في أنْ أقدّمه لك.”
“لي أنا؟”
سأل بصوتٍ مرتبك، وكان داميان هو مِن بادر بمدّ يده أوّلًا.
“سمعتُ أنّكَ خبير تقييم. أودّ أنْ أعرف بدقّةٍ ما الذي تقوم بتقييمه.”
فتح ميخائيل عينيه على اتّساعهما ونظر إلى داميان. ثمّ أضاف داميان بابتسامة:
“أنا البارون ويجيس.”
“آه…!”
نهض ميخائيل مِن مكانه فجأةً، وانحنى أمام داميان.
لكنّ نظّارته انزلقت مِن على وجهه وسقطت على الأرض.
“النظّارات!”
بحث ميخائيل عنها بسرعةٍ ولمس وجهه مُتفاجئًا، ثمّ انحنى والتقطها على عجل. ضحك الجميع على ارتباكه.
أما داميان، فبقي وجهه خاليًا مِن أيِّ تعبير وهو ينحني أيضًا ليلتقط النظّارات ويقدّمها له.
“شكرًا جزيلًا!”
وضع ميخائيل النظارات بسرعة وابتسم على وسعه.
“لقد سمعتُ الكثير عنك. يقولون إنّكَ ذو ذوقٍ رفيع ومهارةٍ عالية. يشرفني لقاءك!”
كان قد وضع النظّارات للتوّ، فأمسك بيد داميان بحرارة.
“أنا شخصٌ عادي لا أحمل أيَّ لقب. لذا يُمكنكَ مناداتي ميخائيل بكلّ بساطة.”
ابتسامته العريضة جعلته يبدو كجروٍ كبير. ألم يكُن في ميتم إستيل كلبٌ مثل هَذا تمامًا؟
والآن وقد رأيته من قريب، بدا أنّه أضعف بقليلٍ مِن ثيو أو داميان، لكنّه طويل القامة ويملك بنيةً رياضيّة نحيفة.
حتى وهو يقف قبالة داميان، لَمْ يبدو عليهِ أيُّ ارتباكٍ أو توتّر.
‘إذًا هَذا هو خبير التقييم، هاه؟’
على الرغم مِن أنَّ مظهره لا يَليقُ بمهنة خبير تقييم، إلّا أنّه إنْ كان يَجرؤ على تقييم غرضٍ جاء مِن “أرض الموت”، فلا بدّ أنّه يملك مهارةً استثنائية.
ابتسم داميان، رافعًا طرف شفتيه فقط.
“حسنًا، ميخائيل.”
ثمّ ابتسم مِن جديد، وهو يرفع طرف شفتيه تلقائيًّا.
وبحركةٍ طبيعيّة، سحب يده.
“لدي بعض الأسئلة. هل يُمكنني طرحها عليك؟”
هزّ ميخائيل رأسه موافقًا، فتطاير شعرُه.
“بالطبع! آه، لكن، ماذا لو تحدّثنا هناك؟ ذَلك المكان أكثر هدوءًا.”
وأشار إلى طاولة كان يجلس عندها عدد أقلّ مِن الناس. لكن داميان هزّ رأسه نافيًا.
“لا، يبدو أنّكِ تُحبّ الحلويات، فلنبقَ هنا. زوجتي تُحبّ الحلويات أيضًا، أليس كذلك؟”
ثمّ التفت ناحيتي وسألني.
كان صوته ناعمًا يقطر عذوبة لدرجة أنّه أرعبني، لكنّي وضعت يدي على فمي بخجلٍ مُصطنع وقلت:
“نعم، هَذا المكان يناسبني.”
وضعت شارلوت يدها على أكتاف مَن كانوا يجلسون على الطاولة.
“إذن، ميخائيل، تحدّث مع البارون ويجيس. أمّا البقيّة، فتعالوا معي إلى مكانٍ آخر.”
فبدأ مَن كانوا جالسين بالنهوض واحدًا تلو الآخر.
شعرتُ بالحرج وكأنّني طردتُهم.
“لم يكُن هناك داعٍ لذَلك…”
“لا بأس، أنا مَن نظّم المكان، فلا تقلقي. أتمنّى لكما وقتًا طيّبًا.”
لحُسن الحظ، لم يبدُ على شارلوت أو على مَن غادروا أنَّ لديهم أيَّ اعتراض.
وهَكذا جلسنا نحن الثلاثة إلى طاولة الحلوى.
رمش ميخائيل بعينيه وسأل:
“عذرًا، لكن عمّا تودّون السؤال…؟”
اتّكأ داميان قليلًا على ظهر الكرسي، وفتح فمه مباشرةً:
“أرض الموت.”
أرض الموت؟ نظرتُ إليه لا إراديًّا.
لم أكُن أعلم أنّه مهتمٌّ لهَذا الحدّ ليسأل بنفسه.
هل يعرف شيئًا أكثر مِن مُجرّد كونها إمبراطوريةً سحريّة قديمة؟
ربّما كان ما عرفه مِن هنا هو السبب في إرساله إستيل، لذا تابعتُ الحديث بصمت.
“أتمنّى أنْ أتمكّن مِن الإجابة، إنْ كان في حدود معرفتي…”
“كيف تصل الآثار إلى الإمبراطورية؟”
فغر ميخائيل عينيه اندهاشًا عند سماع السؤال الذي طرحه داميان بلا تردّد، وأنا شعرتُ بنفس الشعور.
لكن على عكسنا، داميان كان يملك نظرةً جادّة أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى.
“الحدود مع أرض الموت محروسةٌ بجنود النخبة، والمكان مليء بالوحوش. فكيف تصل هَذهِ الآثار إلى الداخل؟”
هل هو قلق أمني كوليّ للعهد؟ أم مُجرّد فضول؟
ميخائيل بدا عليه الذعر.
“أنا… لا أعلم! أنا مُجرّد خبير تقييمٍ بسيط، ولا…”
قاطعه داميان وهو يبتسم ابتسامةً ساخرة:
“ولكنّكِ تجني رزقكَ مِن هَذا العمل، أليس كذلك؟”
ثمّ تابع، وهو يُنهي الجملة ببرود:
“إذا كنتَ لا تعلم مِن أين تأتي الأشياء التي تُقيّمها، فلِن أعتبركَ خبيرًا ماهرًا.”
ثمّ بدا وكأنّه على وشك النهوض مِن مكانه، فبدأ وجهُ ميخائيل يبهت أكثر فأكثر.
لم أستطع التدخّل في ذَلك الجو المشحون، ولم يكُن أمامي سوى ابتلاع ريقي بصمت.
لطالما قيل إنِّ داميان صارمٌ مع الآخرين، لكنّي لم أرهُ مِن قبل على هَذا النحو. وفي النهاية، تحدّث ميخائيل بصوتٍ خافت:
“إنهم صائدو الكنوز مًن يُحضِرونها.”
“أعلم هَذا. لكن، مَن هم؟”
مال داميان للأمام، ورفع رأسه متكئًا بذقنه على يده، وكانت عيناه تلمعان باهتمامٍ حاد.
“حاولتُ التواصل معهم، لكنّهم ليسوا بسهلين. أنْ يتمكّنوا مِن التنقّل داخل أرض الموت، والهرب مِن الوحوش، واستخراج الآثار… هِذا يعني أنّهم ماهرون للغاية، ومع ذَلك لا يوجد عنهم أيُّ معلومات.”
شعرتُ بجفافٍ في حلقي، فمددتُ يدي تلقائيًّا نحو فنجان الشاي.
أجاب ميخائيل، وقد انكمش جسدُه بتوتر.
“ذَلك لأنّهم لا يتّخذون العاصمة مقرًّا لهم. في الحقيقة، لا يملكون وطنًا أصلًا.”
“لا وطن لهم…؟”
“تستطيع أنْ تعتبرهم مِن الرُحّل. لا يملكون جنسيّة، ويقضون وقتًا في أرض الموت أكثر مٍن أيِّ مكانٍ خارجه.”
“إذًا، للّقاء بهم لا بدّ مِن الذهاب إلى حدود أرض الموت؟”
عند هَذا السؤال، عبس ميخائيل قليلًا وكأنّه يُفكّر.
“ربّما، لكن لا يوجد ضمانٌ للّقاء بهم… لقاؤهم يعتبر حظًا بحتًا. وأنا شخصيًا لا أتعامل معهم مُباشرة، بل مِن خلال نقابةٍ تجارية.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"