الفصل 13 :
‘لم أكُن أعلم أنَّ تمضية الوقت دائمًا في قصر الدوق وتجنّب الظهور في المجتمع الراقي، ستعود لتُقيّدني بهَذهِ الطريقة.’
‘لم أعد أعلم حقًّا كيف يلهو النبلاء هَذهِ الأيّام.’
‘وبما أنّني خرجتُ أخيرًا، فهل عليَّ أنْ أغتنم الفرصة لجمع بعض المعلومات عن الجبهة الشرقيّة؟ أو عن الشائعات حول القدّيسة؟’
‘لعلّ داميان يعرفُ مكانًا مناسبًا.’
سألتُهُ بصدق:
“أرغبُ في مكانٍ يُمكنني فيه الاستراحة قليلًا أو تبادل الحديث، هل تعرف مكانًا جيّدًا لذَلك؟”
وضع داميان ذقنه على يده وأمال رأسه قليلًا وكأنّه غرق في التفكير حين سمع كلامي.
“تصادف أنْ تكون الكونتيسة لورين تُقيم صالونًا اليوم.”
“آه.”
كنتُ قد سألت الخادمات عن الكونتيسة لورين مِن قبل.
قالوا إنّها امرأةٌ جريئة وودودة.
لكنّها تُعرف كذلك بميولها المناهضة للإمبراطور. صحيح أنّها تُظهر وُدًّا لعامة الشعب، لذا فهي ليست أرستقراطيّة النزعة.
“ألَن يشعر الآخرون بالانزعاج إنْ حضرنا؟”
فالمنزعجون عادةً لا يُفصحون عن مشاعرهم، ويصمتون.
وإنْ حدث ذَلك، فحتى مُجرّد الجلوس بارتياح سيغدو أمرًا صعبًا.
حين قلتُ ذَلك، ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي داميان.
“إنْ كان هَذا ما يُقلقكِ، فلا داعي للقلق، روز. وهل تظنّين أنّني عرفتُ بموعد صالون الكونتيسة لورين مصادفةً؟”
أحقًّا؟
نظرتُ إليه بدهشة.
“لا تقل لي أنّكَ المالك الحقيقي لذلك الصالون؟”
لو كان كذلك، إذًا دعم المناهضين للإمبراطور مجرّد تمويه.
خرج صوتي المتحمّس مِن فمي دوّن أنْ أشعر، لكنّ داميان هزّ رأسه.
“ليس الأمر كذلك، بل أنا أُموّله بهويّة شخصٍ آخر فقط. الصالون نفسه يبدو فكرةً ممتعةً بالفعل.”
من كان يظنّ أنّه يهتمّ برعاية عامّة الشعب؟ ربّما بدافع الفضول فقط.
راودني شعورٌ بالقلق رغم أنَّ الفكرة بدت مسلّية.
‘إن كان الأمر كذلك، فعليَّ أن أتخلّى عن خطّة الفرار واللجوء إلى صالون الكونتيسة.’
‘لكن، ربّما…’
تعلّقتُ بأملٍ ضعيف أنّه لِن يهتمّ بتفاصيل الإدارة الفعليّة، وسألتُه:
“هل سبق أنْ زرتَ الصالون؟”
أومأ داميان برأسه.
“نعم، لكني سأُخبركِ مُسبقًا، أنّني هناك لستُ وليّ العهد، بل البارون ويجيس.”
همم، إذًا لا مجال للتفكير في التوجّه إلى صالون الكونتيسة لورين عند الهرب.
ياللأسف.
‘كنتُ أظنّ أنَّ داميان سيكون نهمًا للسّلطة.’
تمتمتُ بشرود:
“إذًا، سأكون أنا أيضًا البارونة في ذَلك المكان.”
لم يكُن استخدام اسمٍ مستعار أمرًا صعبًا.
صحيح أنّني لَن أجني الكثير مِن التأثير في الرأي العام رغم كلّ هَذا التمثيل المزيّف، لكنّني سأتمكّن مِن الاستماع إلى شائعات عن الجبهة الشرقيّة والقدّيسة بسهولة أكبر.
وبما أنّني بلا هويّةٍ رسميّةٍ مرهقة، فسيكون الاختلاط بالناس أسهل.
أعدتُ ترتيب أفكاري مُجدّدًا. إنْ بدأتُ بهويّةٍ مُزيفة مِن البداية، فقد أنجح في بناء شبكة علاقاتٍ لا بأس بها هنا.
لكن، هل أعدّ داميان تنكّره مُسبقًا؟
نظرتُ إليه بطرف عيني، وقد تلألأت وجنتاه بابتسامةٍ خفيفة ودفءٍ خجول.
كان قصر الكونتيسة لورين بعيدًا عن الحيّ الفاخر المحيط بالعاصمة الإمبراطوريّة.
توجّهنا إلى متجرٍ أوّلًا لتبديل ملابسنا، ثم أعدنا العربة الملكيّة واستقللنا عربةً عادية.
فقد أردنا الظهور بمظهر زوجَين بارونيَّين لا يملكان حتّى عربةً خاصّة.
وحين أخبرنا البوّاب بوجهتنا، خرج خادم لاستقبالنا.
رغم أنَّ القماش لم يكُن فاخرًا، إلّا أنَّ طيّات الياقة كانت مشدودةً جيدًا.
ومِن وجهه المُشرق، كان مِن السّهل توقّع كيف تُعامل الكونتيسة خدمها.
“سأُرافقكما إلى غرفة الاستقبال.”
كان الهواء داخل القصر عليلًا ومنعشًا على نحوٍ مريح، ربّما لأنَّ التهوية جيّدة.
أظهرت النوافذ الكبيرة المُنتشرة هنا وهناك حديقةً نظيفة ومُرتّبة بأناقة.
رغم خلوّها من النباتات النادرة، إلّا أنَّ العشب الأخضر والزهور امتزجت لتُشكّل حديقةً خلّابة.
كان باب غرفة الاستقبال مفتوحًا بالكامل، فلا حاجة للطرق.
دخل الخادم أوّلًا ونادى:
“البارون ويجيس وزوجته قد وصلا!”
بساط أحمرٌ باهت اللون وأرائكٌ متناسقة.
وجوه مَن جلسوا عليها بكسل، أو وقفوا يتنقّلون بمرح، التفتت إلينا دفعةً واحدة، يتحدّثون جميعًا بنبرةٍ مريحة وسعيدة.
أو بالأحرى، حدّقوا فيّ أنا تحديدًا.
تعرّقَت راحتا يدي. لم أتبادل الحديث مع هَذا العدد مِن الناس هكذا بلا رسميّاتٍ مِن قبل.
هل سأُحسن التصرّف؟
وفي اللحظة التي بدأ فيها جسدي بالتصلّب مِن التوتّر، تقدّمت نحونا امرأةٌ كانت تقف أمام لوحة.
شعرها مرفوعٌ بأناقة، وفستانها الأخضر الداكن يصل حتى عنقها رغم حرارة الصيف.
عينان رماديّتان كضباب الفجر، تنظران مِن تحت جفنَين منسدلَين قليلًا.
توجّهت بالكلام إلى داميان:
“مرّ وقتٌ طويل، بارون ويجيس.”
“سيّدة لورين، نعم، لقد مرّ وقتٌ طويلٌ فعلًا.”
أمال داميان رأسهُ قليلًا باحترام، وأنا انحنيتُ بدوري ممسكةً بطرف تنّورتي.
‘هَذهِ هي إذًا الكونتيسة لورين؟ على عكس ما قيل عن جرأتها، تبدو صارمةً بعض الشيء.’
ثم تحوّلت نظرتها مِن داميان إليّ، الواقفة بجانبه مباشرةً.
“هَذهِ الآنسة التي جاءت معك… هل تكون…”
“رونا ويجيس، زوجتي.”
قال داميان الكذبة بكل هدوء دوّن أنْ يظهر عليه أدنى ارتباك.
‘أكان يُخطّط لإحضاري إلى هنا منذُ زمن؟’
بدا أنّه قد حضّر اسمي مُسبقًا.
“آه!”
نقرت الكونتيسة لورين بأصابعها.
والآن فقط أدركتُ أنْ وصف الخادمات لها بأنها جريئةٌ كان دقيقًا.
كان صوتها رنّانًا وخفيفًا كصوت الأجراس.
“إذًا هذه هي السيّدة التي طالما سمعتُ عنها. كنتُ أتساءل مَن تلك التي تُعاملها بهَذا القدر مِن الاهتمام.”
ابتسمت الكونتيسة لورين بمكر.
الصرامة التي شعرتُ بها قبل لحظة تلاشت، وحلّ مكانها طيفٌ مِن المزاح والمرح.
“يُمكنكِ مناداتي بـ شارلوت بكل أريحيّة، سيّدتي. تفضّلا بالدخول، فقد جاءنا ضيفٌ مميّز للتوّ.”
تقدّمت شارلوت بخطًى واثقة ومُرحبة، وتبعها الحاضرون بتحيّاتٍ دافئة:
“مرحبًا بكما، سعادة البارون!”
“الآن فهمتُ لماذا لم تُرافقكَ زوجتكَ مٍن قبل! مِن الطبيعي أنْ تقلق إن كانت بهَذا الجمال… أوه، أنا آسفة! لا تنظُر إليَّ هكذا!”
‘أيُّ نظرةٍ تقصد؟’
أملتُ عنقي بفضول لأفهم، لكنّ ملامح داميان لَمْ تتغيّر، ما زالت تلكَ الابتسامة الغامضة تعلو وجهه.
ما إن دخلنا قليلًا، حتّى ظهرت طاولة ألعاب الورق.
في أقصى الزاوية، لوّح لنا شخصٌ كبير، وكان أوّل مَن تعرّف على داميان.
“بارون ويجيس، سنلعب البوكر بعد قليل، هل ترغب بالانضمام؟”
بما أنّه دعاه بـ البارون، فلا شكّ أنّه مِن النبلاء، لكنّ ملابسه المتواضعة توحي أنّه لا يتجاوز رتبة الفيكونت.
تفاجأتُ مِن طريقة النداء غير الرسميّة، لكنّ داميان أجابه بسلاسة:
“لقد خسرتَ كثيرًا في المرّة السابقة. يُفضَّل أنْ تتوخّى الحذر هَذهِ المرّة.”
شدّ الرجل لحيته الرماديّة بمزاحٍ وقال:
“آه، لماذا تُذكّرني بذَلك مِن جديد؟!”
“صحيح، أيّها العجوز. لا تُسلّم كلّ نقودك لي هَذه المرّة كما فعلتَ سابقًا!”
قهقهت سيدةٌ في منتصف العمر كانت تجلس مقابل الرجل.
قماش فستانها بدا أفخم قليلًا مِن ملابسه، فربّما كانت كونتيسة.
إنْ كانت تتبادل الأحاديث العفويّة مع أشخاصٍ أقلّ مكانةً منها، فقد أستطيع كسبها لاحقًا.
لكن، عليَّ أنْ أتحفّظ الآن، ربّما قد تتعرّف إليّ.
أخفضتُ رأسي وسرّعتُ خُطاي.
ولحسن الحظ، نادتنا شارلوت بعدها مباشرة:
“تعالا، لديّ شيءٌ أودّ أنْ أُريكما إيّاه!”
قادتنا شارلوت إلى ركنٍ خالٍ في طرف غرفة الاستقبال.
كان المكان مفصولًا بعدّة حواجز خشبيّة، تُحيط به ستائر سميكة داكنة، وفي وسطه خزانةٌ زجاجيّة للعرض.
بمُجرّد وقوفنا أمامها، شعرتُ وكأنّنا قد انفصلنا عن الآخرين.
أغلقت شارلوت الستائر بإحكام، ثم استدارت نحونا.
ثم انحنت تحيّةً لنا.
“أرحّب بسموّ وليّ العهد، والآنسة موور.”
لقد عرفتنا، ولم يكُن ذلك مفاجئًا.
كونتيسة بهَذا المستوى لا تُشارك في المناسبات كثيرًا، لكن مٍن غير المنطقي ألّا تعرف وليّ العهد.
ومع ذَلك، بالنظر إلى ردّة فعلها الأولى، يبدو أنّها لم تتعرّف إليّ إلّا بعد مراقبة تصرّفات داميان.
لوّح داميان بيده وقال:
“ما زال هناك الكثير مِن الناس في الخارج، مِن الأفضل أنْ تتصرّفي على طبيعتكِ، سيّدتي.”
ثم أومأ نحو خزانة العرض.
“لكن، ألَمْ تكوني تنوين عرض شيءٍ علينا؟”
أومأت شارلوت برأسها، ووضعت يدها على الخزانة:
“كما ذكرتُ في رسالتي، حصلنا هَذهِ المرّة على شيءٍ مذهل.”
‘رسالة؟’
أهو السبب الحقيقي الذي جعل داميان يُقنعني بالمجيء إلى هنا؟
نبرة شارلوت كانت مفعمةً بالحماس.
حين اقتربت مِن الخزانة، حرصت على الابتعاد قليلًا ليتسنّى لي رؤيتها جيّدًا.
لكنّ داميان وقف أمامي بحرصٍ وكأنّه يُحاول حمايتي، فحجب عنّي الرؤية.
سأل داميان، وهو ينظر في الداخل:
“ما هَذا؟”
‘ما الذي يُثير دهشتهم إلى هَذا الحد؟’
دفعتُ نفسي قليلًا إلى الأمام لأرى بوضوح.
وراء زجاج الخزانة اللامع، ظهر شيءٌ مألوف جدًّا.
‘لِمَ هَذا الشيء هنا…؟’
غلافٌ من الجلد العتيق بلونٍ أحمر داكن، ونقوشٍ دقيقة تزيّن الأطراف برسوم غريبة.
كان تصميم الكتاب مطابقًا تمامًا لمذكّراتي الشخصيّة.
رغم أنَّ بعض الصفحات مِن الداخل كانت مفقودة، وكان الغلاف مهترئًا قليلًا، إلّا أنّه بلا شكّ كان نُسخةً مطابقة ليوميّاتي.
قالت شارلوت بنبرة فخر:
“عثرتُ عليه في قريةٍ قُرب باوت.”
مدينة باوت تقع في جنوب وسط الإمبراطوريّة، وتُجاور أراضي الموت.
لَمْ أستطع النُطق مِن شدّة الصدمة.
“وهل حصلتِ عليه مِن صائدي الكنوز؟”
سأل داميان بدلًا عنّي، وكأنّه مهتمٌّ حقًّا.
ثم مدّ يده ولمس سطح الخزانة الزجاجيّة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"