010
لَمْ يكُن ثيو في عُمرٍ يسمحُ له بتذكُّر ما حدث آنذاك، لذا مال برأسهُ قليلًا وسأل. لكن داميان رفض على الفور وبحزم.
“لا.”
حوّل ثيو نظره إليّ، وسألني بحركة شفتيه.
“أأنتِ تتذكّرين؟”
“أبدًا.”
فَمِن الطبيعي ألّا نتذكّر ما قبل سنّ الثامنة، إذ إنَّ الذكريات تكون ضبابيةً في الأصل.
رُبّما داميان يتذكّر شيئًا.
لكن، هل يُعقل أنّه وقع في الحبّ وهو في الثامنة مِن عمره، واحتفظ بتلكَ المشاعر لأكثر مِن ثماني سنوات ثم أرسل خطاب خطوبة؟
‘ كانت خطوبتنا قد أُبرمت في سنٍّ مُبكرة، الأمر يُشعرني بالقشعريرة قليلًا.’
لكن بدا أنَّ الأمر كان قصة رومانسية تمامًا بالنسبة إلى إستيل، فقد لمعَ بريق في عينيها.
“لقد كانت قصةً رائعة حقًا.”
“صحيح، أنا أيضًا بدأت أشعرُ بالفضول.”
قلت ذَلك ورفعتُ كأسي.
ابتسم داميان ونقل شطيرة إلى طبقي.
“هل روز تتذكّر؟”
“…لستُ أدري، فقد كان ذَلك في سنٍّ صغيرةٍ جدًا.”
وحين تهرّبتُ مِن الإجابة، بقيت نظرات داميان مُثبتةً على وجهي بإلحاح. فارتشفتُ العصير، تعبيرًا عن أنّي لَن أقول شيئًا بعد الآن.
“لقد كانت قصةً جميلةً حقًا، لو كنتُ مكانه لكنتُ وقعتُ في الحبّ أيضًا.”
وضعت إستيل يدها على صدرها وزفرت تنهيدةً حالمة. فعبس ثيو حاجبيه.
“كانت إلى هَذا الحد رائعة؟”
“طبعًا! لقد وقعتُ في حبّ أُختي مِن جديد!”
آه، إذًا كانت تتحدث عني، لا عن داميان.
انفجر داميان ضاحكًا عند ردّ إستيل، بينما رمقتُه بنظراتٍ جانبية.
وهَذهِ المرة، هو مَن تجنّب نظراتي. كان واضحًا أنّه لا ينوي قول أيِّ شيء.
بل إنه غيّر الموضوع كليًا.
“ليست هَذهِ القصة الوحيدة التي رُويت.”
“آه، صحيح! ثيو وأختي، هل تعرفان شيئًا عن إمبراطورية السحر؟”
“السحر؟”
عندما سألتُ باستغرابٍ مِن الموضوع المفاجئ وغير المألوف، أومأت إستيل برأسها. ثم انحنت قليلًا وخفّضت صوتها.
“يُقال إنَّ القارّة بأكملها كانت في الأصل إمبراطوريةً واحدة، وكانت أرض الموت عاصمتها.”
اتّسعت عينا ثيو بدهشة، بينما اكتفيتُ برشفةٍ جديدة مِن العصير.
“كلام إستيل صحيح.”
فَبِحسب ما ورد في الرواية الأصلية، كانت أرض الموت في السابق عاصمةً لإمبراطورية سحرية عظيمة.
“سحر؟ مِن الصعب تصديق ذَلك، بصراحة.”
“لكن، عندما نحاول تفسير الوحوش الخارجة مِن أرض الموت، لا نجد ما هو أنسبُ مِن السحر.”
ردّ داميان على همهمة ثيو، ووضع قطعةً مِن الشطيرة في فمه. وبمُجرّد أنْ سمع ثيو كلمة وحوش، تبدّلت ملامحهُ إلى الجدية.
كانت الوحوش ظلًّا. زحفت كظلّ على الأرض، واتّخذت هيئةً بشرية مشوّشة، وكانت تذرف الدموع بلا انقطاع مِن عيونها البيضاء.
تحدث ثيو بقلقٍ ظاهر:
“ما تقوله يُشبه الادّعاء بأنَّ الوحوش كانت في الأصل بشرًا.”
“ومَن قال إنّها ليست كذَلك؟ ألا يبدو ذَلك منطقيًا إلى حدٍّ ما؟”
ردّ داميان بنبرةٍ حادّة. فأومأتُ برأسي بصمت.
فالأمر واردٌ إلى حدٍّ ما، كما أنَّ اختفاء جميع السحرة بعد ذَلك يُثير الريبة أيضًا.
‘…لكن هَذهِ الحقيقة لا تعرفها إستيل إلا بعد ذهابها إلى أرض الموت.’
حاولتُ استرجاع شيءٍ مِن ذاكرتي، لكن لَمْ يخطر ببالي شيءٌ واضح.
هل ورد في الرواية الأصلية أنَّ العائلة الإمبراطورية كانت على علمٍ بإمبراطورية السحر؟
لا أذكر أنّي قرأتُ شيئًا كهَذا.
ففي الأساس، لَمْ يكُن هُناك رابطٌ بين إستيل وداميان سواي، وأنا لَمْ أظهر سوى لفترةٍ قصيرة أثناء حفل الزفاف ثم اختفيت.
ومع قلّة أهميتي في القصة، لَمْ يُولَ داميان اهتمامًا كبيرًا أيضًا.
لكنّه، على الأقل، لَمْ يُنسَ شخصيتي، بل ترك أثرًا قويًا في النهاية أدهش القرّاء.
فلو افترضنا أنَّ العائلة الإمبراطورية كانت تعرف بالأمر، فهل كانت تعرف بوجود القدّيسة أيضًا؟
لكن، أليس هُناك فارقٌ زمني بين تحوّل إستيل إلى قدّيسة وبين إرسالها إلى هُناك؟
وبينما كنتُ غارقةً في التفكير، أعاد ثيو، الذي لَمْ يبدُ مقتنعًا بالسحر، تغيير الموضوع.
“همم، على كل حال، ما دام الجوّ لا يزال لطيفًا، هل نركب القارب مُجددًا؟”
“لا مانع لدي، لكن بما أنَّ عدد الناس ازداد، فقد يكون مِن الأفضل الاستمتاع بالمشهد فقط.”
أجاب داميان بنبرةٍ لطيفة موافقًا على اقتراح ثيو.
وانضمّت إستيل إلى الحديث بين الحين والآخر، فاستمرّت المحادثة بين الثلاثة. أما أنا، فالتقطتُ شطيرةً وبدأتُ أُمضغها.
امتلأ فمي بنكهةٍ حامضة.
كانت النزهة مفعمةً بالدفء والود طوال الوقت. قلت إنني سأعود باكرًا، ونهضت مع داميان أولًا.
كنتُ أظن أنْ مغادرتنا نحن الاثنين وحدنا في عربة القصر الملكي ستجعل الشائعات تنتشر بطريقةٍ أكثر درامية.
ولأن إخوتي اضطروا إلى ملاطفة داميان في يوم النزهة بسببي، فقد رغبت على الأقل أنْ يقضوا الآن وقتًا أكثر راحة.
خلال طريق العودة في العربة، لَمْ يقم داميان بأيِّ تصرفٍ خاص. تبادلنا حديثًا قصيرًا.
“تُرى، هل ستنتشرُ الشائعات على نحوٍ جيد؟”
ضممت يديّ معًا بقلق، فابتسم ابتسامةً مشرقة.
“لأن عيونًا كثيرة شاهدتنا، فستنتشرُ الشائعات خلال يومين.”
“لابد أنكَ مشغول، ومع ذَلك أقلقتُكَ بهَذا، أعتذر.”
خفضت نظري. كان اليوم طويلًا بشكلٍ مفرط. أشعة الشمس الذهبية دخلت مِن نافذة العربة.
“لا داعي لأن تشعري بالعبء. فهَذا ما أريدُه أنا أيضًا.”
أمسك بيدي. شعرتُ بدفءٍ لطيف. شيء ما… بدا مفرطًا في اللطف.
ابتسمتُ ابتسامةً محرجة، وأخذت أحرك قدميّ بقلق. رغبتُ في سحب يدي، لكن لَمْ أستطع.
‘هل كان طبعه هَكذا مِن الأصل؟’
حتى قبل أنْ أستعيد ذاكرتي بشهر، كنتُ قد التقيته، لكن ذكرياتي كانت ضبابيةً ولا أذكر كيف كان ينظر إليّ.
وهل سبق لي أنْ نظرتُ إليّه مُباشرةً في عينيهِ أصلًا؟ كنتُ منشغلةً دائمًا بقتل الوقت فقط.
لكن، حتى بهَذهِ الرقة، لَمْ أستطع أنْ أتخلى عن حذري تجاهه.
هل كان قاسيًا في الرواية الأصلية؟
أبدًا. صحيح أنهُ لَمْ يظهر مباشرةً، لكن ظلّه كان حاضرًا دائمًا في الرواية.
في المعاملة التي تلقاها ثيو، وفي تعليقات ثيو على الرسائل التي ظهرت بشكلٍ غير مُباشر، وفي ردود أفعال الجنود.
كان ثيو يتحدث وكأنهُ يحلم.
جلالتُه، أيِّ داميان الذي قتل الإمبراطور وتولى العرش بنفسه في الرواية، كان يُعد لهم حفلة خطوبةٍ فاخرة.
كان يقول إنه سيقيم أجمل حفل خطوبة لمَن بذلوا جهدًا لأجل القارة.
‘لكنها كانت كذبة.’
تساءلت عن السبب الذي دفعه لاتخاذ ذَلك القرار في الرواية الأصلية. ما الذي دفعهُ تحديدًا؟
هل كان بسبب الحُب فعلًا؟ أم أنْ هُناك سببًا آخر فاتني؟
نظرتُ إليّه بتأمل. كان وجهُه مائلًا بعيدًا عن ضوء الشمس، فتألقت عيناه بلونٍ بنفسجي داكن.
لو عرفتُ السبب، رُبما أستطيع أنْ أمنع قراره.
لو أستطيع فقط تغطية عينيه والهرب منه الآن.
حاليًا، كنتُ أتشبث بأيِّ احتمالٍ أراه دوّن تمييز.
لَمْ أكُن أملك القدرة على التفرقة بين ما هو خيط نجاةٍ حقيقي وما هو خادع.
لو استمررت هَكذا، قد أستمر في السير في الطريق الخاطئ وينتهي بي الحال كما في الرواية الأصلية.
حتى الآن، هو نفسه الذي قبّلني في القارب، لكنه يُبقي بيننا مسافةً كي لا يلامس حتى أطراف أصابعي.
منذُ قليل، تظاهرتُ بالتمايل عدة مراتٍ خلسة، وقد تحركت ذراعه قليلًا، لكنهُ لَمْ يمسك بي.
طبعًا، نحنُ داخل العربة، ومِن الطبيعي ألا أسقط، لذا رُبما كان ذَلك سببًا كافيًا.
آه، إنهُ صعب المراس.
جمعت خصلات شعري عمدًا نحو الجهة التي تلامس الشمس، وتركتها تنسدل بشكلٍ طبيعي، ثم نظرتُ إليّه في عينيه.
“…سُررتُ بمجيئكَ اليوم.”
لو أظهرتُ له عجلةً في موضوع الشائعات، أو بالغت في التأكيد على الزواج، فقد يثير ذَلك شكوكه فقط.
قررتُ أنْ أكتفي بهَذا القدر.
***
بعد أنْ افترقتُ عن داميان وعدت إلى القصر، أسرعتُ بالصعود إلى غرفتي.
كنتُ بحاجةٍ إلى المزيد مِن المعلومات مِن مذكّراتي التي تحوي أحداث الرواية مِن وجهة نظري.
معلوماتٌ تُنقذ إخوتي وتُعينني على الاستعداد لمستقبلي.
فتحت الدرج، وبِمُجرد أنْ رأيت الغلاف الأحمر الداكن شعرتُ بقلبي يرتجف.
أتمنى أنْ أجد فيها معلوماتٍ مفيدة.
تنفست بعمقٍ وفتحت الغلاف. ثم لَمْ أصدق عيني وأنا أتابع القراءة.
[كنتُ أشرب الشاي مع إخوتي في صالة الاستقبال، فجاء الخادم مُسرعًا ومعه برقيةٌ عاجلة. صُدمنا جميعًا. أغمي على إستيل، وأصيب ثيو بالذعر، فاضطررتُ إلى الذهاب إلى القصر.
جلالة الإمبراطور، وجلالة الإمبراطورة، ووالدي، جميعهم تقيؤوا دمًا وانهاروا. لقد كانوا ضحية تسميم. ولا يزال البحث جاريًا عن الجاني.]
“…ما هَذا؟”
لَمْ أستطع تصديق ما قرأت.
هَذا الحدث في المذكرة يوافق اليوم الذي أتمّت فيه إستيل أسبوعين في قصر الدوق.
فوقوع حادثة التسميم حصل قبل إرسال إستيل وثيو!
وفوق ذَلك، فالاغتيال في الرواية الأصلية حصل بعد هَذا بشهر تقريبًا.
‘هَذا غير معقول.’
الأحداث في الرواية الأصلية وفي اليوميات مُختلفةٌ تمامًا.
فأيٌّ منهما يجبُ أنْ أصدقها إذًا؟
بدأ رأسي يدور، وشعرتُ بثقل ملمس الورق في أصابعي.
حاولتُ أنْ أنكر الأمر، وعدتُ أقرأ الصفحات السابقة مِن اليوميات.
لعبتُ مع إستيل وثيو… ثم قلبتُ مزيدًا مِن الصفحات. اليوم أيضًا لعبتُ مع إستيل…
لَمْ يكُن هُناك شيءٌ سوى حديث عن اللعب معهما بالفعل.
تابعت تقليب الصفحات نحو الأمام.
صوت الورق كان يهمس في يدي وهو ينقلب.
[بمناسبة قدوم إستيل إلى القصر، استدعيتُ مصمم الأزياء.]
كنتُ أظن أنها مُجرد صفحةٍ أخرى عن اللعب مع إستيل، فأردتُ قلب الصفحة، لكن كلمةٌ غريبة لفتت نظري.
“ندبة.”
حسب علمي، إستيل لا تحمل أيِّ ندبةٍ، ولَمْ يحدُث لها شيء يُسبب ذَلك.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"