أغلق جستن الباب بحذر شديد، كما لو كان يمسك بيضة نيئة، خوفًا من أن ينكسر المقبض إذا أخطأ بحركة.
كان واضحًا أنّه مصمّم على عدم إيقاظ ليتريشا حتّى لو كان ذلك بالخطأ.
لكن بمجرّد أن أفلت جستن المقبض، فتحت ليتريشا عينيها كأنّها شبح لاحظ كل شيء.
من خلال فقدان بصرها عدّة مرات، أدركت أنّ فقدان الرؤية يجعل الحواس الأخرى أكثر حدّة. وهذا لم يكن استثناءً حتّى وهي مغمضة العينين تتظاهر بالنوم.
تطلّعت عيناها الهادئتان نحو الثريا في السقف، التي كانت تتوهّج بضوء خافت.
لم تكن الثريا مبهرة لدرجة أن تجعلها تغمض عينيها، فحدّقت فيها كأنّها تتحدّاها. ثمّ وضعت ليتريشا ظهر يدها على جبهتها.
كانت بشرتها ساخنة كما لو كانت شايًا تمّ تحضيره للتوّ.
لا عجب أن يكون جستن وبيريل قلقين.
شعرت برأسها ثقيلًا كما لو كان مغطّى بمنشفة مبلّلة، فاتّكأت على رأس السرير، ثمّ نهضت ببطء لتجلس.
“… أريد أن أشرب عصير الليمون الذي كان كيليان يحضره.”
مع ارتفاع الحرارة، اشتهت شيئًا باردًا. فكّرت للحظة في طلب ذلك من ألين، لكنّها تخلّت عن الفكرة.
عصير الليمون من شخص غير كيليان لم يبدُ مغريًا.
اكتفت ليتريشا بترطيب فمها بكوب ماء تركه بيريل، ثمّ استدارت على السرير متّبعة ضوء الغروب المتسلّل.
كان الوقت قد تجاوز الظهيرة وأصبح أوائل المساء. تحت السماء المصبوغة بالأحمر، بدا برج الساعة يتوهّج بشكل غريب أكثر من المعتاد.
مدّت ليتريشا يدها بحزن لتتلمّس كتاب قصص بجانبها.
كانت كلمات الدفتر الذي قرأته قبل أن تسقط نائمة تطفو أمام عينيها.
مع ذلك، بدأت فرضية تبدو غير منطقية تتشكّل تدريجيًا في ذهنها.
ربّما تكون الأمنية التي تمنّاها كيليان في البرج مرتبطة بالزمن.
“مملكة شوتن كانت مزدهرة بسحر الزمن، فربّما…”
كانت هذه استنتاجًا معقولًا إلى حد ما.
إذا، ولو باحتمال ضئيل، تمنّى كيليان أمنية تتعلّق بإعادة الزمن، فإنّ التواريخ الغريبة في الدفتر يمكن تفسيرها.
لكن لم تسمع أبدًا عن أحد يستخدم سحر الزمن في هذا العصر…
هزّت ليتريشا رأسها بقوة.
“آه، ما هذا؟ ههه… الحمّى تجعلني أفكّر بأشياء غريبة.”
نعم، شعور الثقل في رأسها منذ الصباح كان بسبب الحمّى. لا بدّ أنّها هي التي تدفع أفكارها إلى مسارات غريبة.
وإلّا، كيف يكون هذا منطقيًا؟
“لمَ يعيد كيليان الزمن؟”
حتّى لو افترضت أنّه أعاد الزمن، فلا يمكن أن يكون ذلك مرتبطًا بها.
تغيير الزمن من أجل شخص واحد؟ إمّا أن تحبّه حبًّا عظيمًا، أو أن تكرهه كرهًا شديدًا تريد الانتقام منه…
“الحبّ بالتأكيد ليس السبب.”
تذكّرت ليتريشا كيف رفض كيليان بحزم أيّ مشاعر تجاهها، فضحكت بضعف.
“ولا يمكن أن يكون الكراهية، فكيليان لطيف وودود معي جدًا…”
لو سمعها جستن، لقال إنّ كلّ اللطف في العالم قد تجمّد. لكن ليتريشا قالت ذلك بلا مبالاة، ثمّ أزاحت كتاب القصص جانبًا.
همست لنفسها، كأنّها تقنع نفسها، أنّ الحمّى هي التي تُربك رأسها.
“ربّما قرأتُ الكثير من القصص مؤخرًا؟ أفكّر بأشياء خيالية. لو سمعني كيليان، لضحك.”
ومع ذلك، لم تستطع إبعاد عينيها عن الدفتر فوق كتاب القصص.
لكن كيليان، الوحيد الذي يمكنه حلّ لغزها، لم يكن هنا.
نهضت ليتريشا بصعوبة من السرير وتوجّهت إلى مكتب كيليان.
“الأمر الملحّ الآن هو شيء آخر، فلنحلّه أوّلًا.”
نقرت على المصباح، فانتشر ضوء دافئ على الطاولة الخشبية.
غطّست ليتريشا ريشة القلم في الحبر وفردت ورقة برشمان تحت الضوء.
للتخلّص من الأفكار المزعجة، قرّرت التركيز على المشكلة الحالية: إيزيس وعائلة إيستا المحبوسين في السجن.
“لنتذكّر. كلّ ما قد يشكّل تهديدًا لكيليان من مشاكل العائلة… آه.”
حاولت ليتريشا تجنّب النظر إلى كتاب القصص أو برج الساعة، ممسكة برأسها المحموم.
ذاكرتها الممتازة، التي لم تكن تعتبرها ميزة كبيرة، كانت اليوم مفيدة جدًا.
من سجلّات الحسابات التي رأتها عابرًا إلى أيّ شيء يمكن للعائلة الإمبراطورية استغلاله، كتبت ليتريشا كلّ ما تذكّرته.
أثناء ذلك، صدر صوت طقطقة من ساق الطاولة الضعيفة.
“لو كنتُ أعلم أنّ الأمر سيصل إلى هذا، لشاركتُ في شؤون العائلة مهما لامني أخي.”
بعد أن ملأت عدّة صفحات ولم تزل غير راضية، عبست ليتريشا.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا:
“هش! اهدأ، لا تتنفّس حتّى!”
“ألا يمكنني التنفّس…؟”
عاد جستن وبيريل إلى الغرفة يتهامسان.
كانا يخفّضان أصواتهما، لكن عندما رأيا السرير فارغًا، ذُعرا.
ثمّ رأيا ليتريشا جالسة على المكتب، فقفزا مذعورين.
“يا صغيرتي! ماذا تفعلين؟”
“السيدة ليتريشا! لمَ تجلسين؟”
مع ارتفاع الحمّى، كان وجه ليتريشا متورّدًا، وهي تطوي الورق.
“هل يمكنكما استدعاء غورتن؟ هناك شيء يجب إخباره لكيليان على وجه السرعة.”
“ما هذا؟ لا، بيريل، اذهب واستدعِ غورتن! وأنتِ يا صغيرتي!”
بدت على جستن علامات الغضب، لكن عندما رأى ليتريشا، خفّت حدّته.
رؤية وجهها المحموم، الذي بدا كأنّه ينبعث منه البخار، جعلته يفقد رغبته في توبيخها على تحرّكها.
بدلاً من ذلك، ضرب عنقه من الإحباط، ثمّ سحب ليتريشا إلى السرير.
بلّل منشفة بعنف ووضعها على جبهتها، مهدّدًا:
“يا صغيرتي، لا تفكّري حتّى بالخروج من السرير حتّى تنخفض حرارتك!”
“لكن الوضع الآن…”
“أيّ لكن؟ لو كان كيليان هنا، لقال الشيء نفسه!”
تحت تأثير هيبة جستن، الذي كان يُلقّب بحاكم الحرب في أيامه، أخفت ليتريشا وجهها بالغطاء.
“حسنًا…”
ردّت بصوت خافت، فبدأت ملامح جستن تلين.
في تلك الليلة، نقل غورتن المعلومات التي نظّمتها ليتريشا إلى كيليان في العاصمة عبر كرة الاتصال.
وبدأ كيليان التحرّك أسرع من العائلة الإمبراطورية.
***
“غورتن، هل وصل فرسان سيلفانو إلى العاصمة بسلام؟”
“نعم، انضمّوا إلى سموّ الدوق الأكبر أمس في المساء. لذا، اطمئنّي الآن، السيدة ليتريشا.”
ابتسم غورتن بلطف وهو يضع مرهمًا وبطانية سميكة.
“أمرني السيد جستن بإحضار هذه. بالمناسبة، هل من الجيّد أن تتحرّكي هكذا الآن؟”
“أنا بخير. الحمّى خفت تقريبًا.”
دهنت ليتريشا المرهم البارد على بشرتها التي ازدهرت عليها بقع الحمّى.
لقد مرّت ثلاثة أيام منذ غادر كيليان إلى العاصمة.
خلال هذه الفترة، كانت ليتريشا تعاني من ارتفاع وانخفاض الحمّى بشكل متكرّر، تاركة بضع آثار لبقع الحمّى على ذراعيها.
“لو علم سموّه بمرضكِ هذا، لشعر بالضيق.”
“أعلم. لهذا طلبتُ منكم عدم إخباره.”
لفت ليتريشا البطانية السميكة حول كتفيها. لم تفعل شيئًا كبيرًا، لكن غورتن بدا مضطربًا وهو يساعدها.
“ألا يجب أن ترتاحي أكثر؟”
“غورتن، إذا استمررتُ هكذا، ستذوب كلّ عضلاتي!”
ضحكت ليتريشا بهدوء.
“ولم أتحرّك كثيرًا، أنا فقط جالسة على المكتب في الغرفة.”
“لكنّكِ تعملين، أليس كذلك؟”
غطّى غورتن جبينه بيده المغطاة بقفاز، كأنّه مصاب بالصداع.
كما قال، كانت هناك كومة من الأوراق أمام ليتريشا.
هذا الصباح، نجح أحد الأتباع في مقابلتها أثناء غياب كيليان وترك هذه الأوراق.
“قال إنّها أوراق تحتاج إلى توقيع عاجل. بما أنّ ربّ الأسرة غائب… ههه.”
خدشت ليتريشا خدّها بحرج.
من نظرة سريعة، لم تبدُ الأوراق عاجلة لدرجة تتطلّب توقيع ليتريشا.
أطلق غورتن أنينًا مكتومًا. كانت نوايا ذلك التابع واضحة. لا بدّ أنّه أراد رؤية ليتريشا بهذه الحجّة.
بجانب الأوراق، كان هناك كومة من خبز الليمون المقرمش، أحد الأطعمة المفضّلة لليتريشا. رؤية هذه الكومة كشفت نوايا ذلك التابع بوضوح.
“لهذا السبب، غضب السيد جستن كثيرًا. قال: لمَ تعطون مريضة عملًا؟”
“أنا بخير. حتّى أنّه أحضر هذا الخبز كهدية زيارة!”
“لهذا غضب أكثر.”
“ماذا؟”
لم تكن ليتريشا تعلم أنّ جستن وبّخ التابع بشدّة لإحضاره وجبة خفيفة قبل أن يفعل هو ذلك، فبدت بريئة.
لم يستطع غورتن قول ذلك حفاظًا على كرامة جستن.
“كح. على أيّ حال، لا حاجة للسيدة ليتريشا للقيام بهذا العمل.”
“بل أنا سعيدة به. أحبّ أن أكون مفيدة هنا.”
‘يشعرني ذلك بأنّني شخص ذو قيمة.’
تحت وطأة همس ليتريشا، فقد غورتن الكلام.
لم يستطع منع ليتريشا التي بدت سعيدة حقًا، فتخلّى عن فكرة إزالة الأوراق.
بل أضاف بضع أوراق أخرى صادرها جستن فوق الأوراق الموجودة. لكن، هل كان هذا خطأ؟
لم تتحمّل ساق الطاولة الوزن المتزايد، فصدر صوت تكسّر مفاجئ.
“أمم… غورتن؟ يبدو أنّ شيئًا تحطّم؟”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 71"