43
“…؟”
توقف كيليان، الذي كان يشق الممر بخطواته الطويلة، ونظر إلى غرفة العمل.
شعر بشيء غير مريح.
“بيتر جودوين، لا يزال مزعجًا.”
تذكر كيليان عيني بيتر اللتين تتحركان بحسابات سريعة، فأزاح خصلات شعره المزعجة.
كان يفترض أن تكون زيارة بيتر قصيرة، لكنه مكث في قلعة الدوق أطول مما توقع.
لحسن الحظ، نادرًا ما التقت ليتريشيا به، لكن وجوده ظل مزعجًا.
لم يكن ذلك فقط بسبب قرب عائلة جودوين من الإمبراطورة الأم.
‘قبل الرجوع، اختفت آثار ليتريشيا بعد مرورها بإحدى شركات بيتر جودوين، كأنها تبخرت.’
أمسك كيليان بيده المجروحة بغريزة.
هل ساعد بيتر ليتريشيا على الهروب مباشرة؟ لا دليل قاطع على ذلك.
حينها، سأل بيتر مرات عديدة عن مكان ليتريشيا، لكنه كان ينكر ببراءة دائمًا.
لكن في تلك الفترة، انتشرت شائعات أن إحدى شركات بيتر ساعدت مواطني الإمبراطورية على الهروب من الضرائب، فكان من المعقول افتراض أن ليتريشيا استخدمت تلك الطرق.
‘كانوا دقيقين جدًا. لم أعثر على أي أثر لها حتى عادت بنفسها.’
تذكر كيليان صندوق العظام الأبيض، فضغط على الندبة بأظافره.
لم تكن هذه العلاقة الوحيدة بينه وبين بيتر جودوين.
سبب قدرته على العودة بالزمن كان كتابًا قديمًا من مملكة شوتن، حصل عليه من بيتر.
حينها، كان نصف مجنون، فلم يفكر كيف حصل بيتر على كتاب من مملكة منقرضة، أو لماذا أعطاه إياه.
لم يكن في وضع يسمح له بالتفكير.
بعد الرجوع، حاول التحقيق عن بيتر، لكنه لم يجد شيئًا بارزًا.
دعاه إلى القلعة أملًا في اكتشاف شيء، لكن ذلك زاد من انزعاجه فقط.
“هل يخفي الكثير، أم لا يوجد شيء بعد؟”
نظر كيليان إلى كفه الشاحب من شدة قبضته، ثم هز رأسه.
اقترب مارك، الذي كان يتبعه بهدوء، بسرعة.
“هل لديك أوامر، سيدي؟”
“يبدو أن الدوق الصغير يشتاق لمنزله، ساعده على المغادرة بأسرع ما يمكن.”
إذا لم يستطع فهم نواياه، فلا داعي لإبقائه. من الأفضل التحري تدريجيًا.
والأهم، كان نظرات بيتر المتحمسة لليتريشيا تزعجه.
نظر كيليان إلى الشمس عاليًا وقال بأناقة:
“الطريق وعر، أليس من الأفضل أن يغادر قبل الغروب؟”
“نعم، سأتأكد من مغادرته قبل نهاية اليوم.”
***
بينما كان بيتر، بمساعدة مارك غير المرغوبة، ينهي تحضيرات عودته إلى العاصمة بسرعة،
جلست ليتريشيا في المكتبة، محبطة، وهي تخربش بقلم الريشة.
كانت مشوشة، عاجزة عن التركيز على النقاط البارزة، فأخرجت كتب قصص أطفال وجدتها سابقًا ووضعتها على المكتب.
بعد عبث بالقلم، دفنت وجهها بين ذراعيها.
“هذا شأني، لا يعنيكِ.”
“كان يجب ألا أتدخل. كان يجب أن أبقى هادئة كالمعتاد… لمَ تحدثت فجأة؟”
تردد صوت كيليان البارد في أذنيها، فألقت القلم ودفنت رأسها أعمق.
بينما كانت تفكر بشكل سخيف أنها قد تحفر الأرض، دقّ أحدهم باب المكتبة.
“ليتريشيا، هل أنتِ هنا؟”
“…!”
رفعت رأسها عند صوت كيليان الجهوري. عيناها الورديتان الزاهيتان تجولتا بحيرة.
“أعلم أنكِ هنا. هل يمكنني الدخول؟”
“لا، لحظة…!”
“سأدخل.”
عندما استدار مقبض الباب، نهضت ليتريشيا مرتبكة.
تحرك جسدها قبل عقلها، فاندفعت نحو رف الكتب، وانزلق حذاؤها في عجلتها.
‘حذائي…!’
لكن قبل أن تلتقطه، دخل كيليان، فاختبأت خلف الرف.
“ليتريشيا؟”
ضغطت على شفتيها عند صوته.
‘لمَ أختبئ؟’
شعرت بالحرج من قدمها العارية. لكن الخروج الآن كأن شيئًا لم يكن محرج أيضًا.
ألقت نظرة من خلف الرف، فرأت كيليان ينحني لالتقاط حذائها، وحاجبه مرفوع باستغراب.
لم تجد الشجاعة للخروج حافية، خاصة أنها لا تستطيع مواجهته بثقة الآن.
شعور مشابه لما شعرت به عندما رأته يجفف شعره وحده، نوع من الحزن المبهم، جعلها مرتبكة.
خلعت الحذاء الآخر وأمسكته، وتوغلت أكثر في المكتبة.
كانت الساعة على الحائط تشير إلى ما بعد الظهر، وقت ازدحام عمل كيليان، خاصة مع اجتماع الأتباع الأسبوعي اليوم.
لن يبقى طويلاً، فقط عليها الصمود قليلاً.
‘لن يجدني هنا بسهولة.’
جلست قرب رف كتب القصص، حيث لم يجدها الخدم سابقًا.
سمعت خطوات كيليان تبتعد، كما توقعت.
غطت قدميها العاريتين بتنورتها، وهي تستمع إلى خطواته المنتظمة.
“…ذهب.”
عبثت بأصابع قدميها عندما توقف الصوت، وكان صوتها يحمل أسفًا خفيفًا.
لكن الخطوات عادت تقترب بسرعة. أحاطتها رائحة النعناع المنعشة، وأظلمت رؤيتها فجأة.
رفعت رأسها، فتجمدت كتفاها. عينان كالياقوت الأزرق تلمعان قريبًا جدًا.
كان كيليان يقف أمامها، معطيًا ظهره للضوء.
“لا أحد هنا، فقط حذاء ملقى. ظننت أنكِ تلعبين الغميضة، لكن يبدو أن هذا ليس صحيحًا.”
“…!”
“لمَ أنتِ هنا هكذا؟”
“ألم تذهب؟”
“لا.”
نظر كيليان بهدوء إلى عينيها المذهولتين، ثم انخفض.
مع صوت احتكاك القماش الفاخر، امتد ظله فوق رأسها.
أشاحت ليتريشيا بنظرها بإحراج.
“كيف عرفت أنني هنا؟ حتى غورتن ومارشا لم يجدوني هنا.”
“ليتريشيا، لا تنسي أن زوجكِ فارس ماهر. قضيت سنوات في ساحات المعارك، ألا أستطيع ملاحظة وجودكِ؟”
عرف مكانها منذ دخوله، لكنه تظاهر بالجهل لأنها بدت لا تريد أن تُكتشف.
لكن كلام بيتر جودوين علق في ذهنه، فجاء إليها.
“بالمناسبة، هل ستبقين تنظرين إلى الأرض؟ لا شيء ممتع على أرضية مكتبتي.”
“ألستَ مشغولاً؟ ماذا عن الاجتماع؟”
“لا يزال هناك وقت. يمكنهم الانتظار إن لزم الأمر.”
لو سمع مارك هذا من سيده، الذي لا يهدر ثانية، لضرب جبهته متعجبًا.
لكن كيليان كان مركزًا على وجه ليتريشيا.
بسبب رأسها المطأطئ، لم يرَ الكثير، لكن ابتسامتها الميكانيكية على شفتيها السميكتين لفتت انتباهه.
رأى هذه الابتسامة قبل الرجوع، لكنه لم يفكر فيها حينها.
الآن، أدرك أنها عادة زوجته: إخفاء ألمها ببراعة بطريقة تجنن المشاهد.
“هه، لا يجب أن تفعل هذا، يا كيليان. سيندهش أتباعك. اذهب الآن.”
غطت فمها وهي تتصرف كأنها سمعت شيئًا ممتعًا، فتجعد وجه كيليان.
اللعنة، يبدو أن نصف كلام بيتر جودوين على الأقل كان صحيحًا.
“ليتريشيا.”
“نعم؟”
“هل جرحت مشاعركِ؟”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 43"