42
‘لقد تجاوزت الحد.’
علّقت ليتريشيا ابتسامة مزيفة مثالية على شفتيها، كما لو كانت تمثل مسرحية نسيتها للحظة.
أيقظها موقف كيليان الواضح في وضع الحدود، كأن صاعقة ضربت عقلها.
‘حقًا، إذا فكرت في الأمر، أنا هنا لا شيء. من أنا حتى أتدخل هكذا؟’
للحظة، نسيت مكانتها الحقيقية. ورقة عقد مدفونة في قاع حقيبتها، هذا هو قدرها، لكنها تصرفت كأنها شيء مهم بالنسبة لهذا الرجل.
‘يا إلهي، لو كان إيزيس هنا، لسخر مني قائلًا إنني لا أزال لا أعرف حدودي.’
لقد خدعتها أدنى إيماءات اللطف من أهل هذا المكان، فظنت أنها شيء مميز.
هي ليست من العائلة الحقيقية هنا، مجرد ضيفة عابرة.
غرقت في هذا اللطف الرسمي لدرجة أنها نسيت الواقع للحظة.
‘يا للخجل.’
لم تستطع مواجهة عيني كيليان اللتين تشبهان البحر، فأنزلت عينيها إلى الأرض.
كانت مفاصل يديها، اللتين تمسكان بتنورتها من الحرج، قد احمرتا.
ومع ذلك، ظلت ابتسامتها المصطنعة مثالية، بحيث لا يمكن لأحد أن يخمن ما في قلبها.
“أعتذر، يا كيليان. يبدو أنني تجاوزت حدودي بدافع القلق.”
“ماذا…”
“لكنني لم أقصد شيئًا سيئًا، لذا لا تأخذ الأمر على محمل الجد. وبالنسبة للترياق، افعل كما ترى.”
“لحظة، ليتريشيا، انظري إلي.”
لاحظ كيليان تغير حالتها بطريقة ما وناداها.
لكن الحزن والضيق جعلا أنفها يمتلئ، فلم تستطع النظر إليه.
“إذن، أكملا حديثكما. سأنصرف الآن… أم، لم أراجع ما تعلمته بالأمس بعد.”
كان عذرًا واهيًا حتى في أذنيها، لكن ليتريشيا تمتمت لنفسها أنها يجب أن تذهب إلى المكتبة، وغادرت الغرفة.
“ليتريشيا…!”
مدّ كيليان يده ليمسك بها، لكن شعرها الوردي الناعم كالحلوى اختفى خلف الباب.
اضطر كيليان للنظر إلى الباب وهو يغلق، ويده معلقة في الهواء.
“يبدو أنني قلت شيئًا زائدًا.”
تظاهر بيتر بالحرج، وهو يغطي فمه بقبضته ليخفي ابتسامة تسربت أثناء رؤيته لتعبير كيليان المذهول.
لكن زاوية فمه المنحنية برزت من خلف قبضته بلا خجل.
“يبدو أنك تجد هذا الموقف ممتعًا، يا سيد الدوق الصغير؟”
مسح بيتر عرقًا باردًا عند سؤال كيليان المرعب وهو يصرّ على أسنانه.
“هه، ممتع؟ أنا لست من النوع الذي يستمتع بخلافات الآخرين.”
“إذا كنت ستقول هذا، فلمَ لا تخفض زاوية فمك المزعجة تلك؟”
“ههه، لمَ ارتفعت هكذا؟”
تظاهر بيتر بأنه لم يرَ عيني كيليان الزرقاوين الضيقتين، وهو يضغط على زاوية فمه بمبالغة.
لم يبدُ أن كيليان يريد مواصلة النقاش، فسحب يده التي مدها ليمسك ليتريشيا ووضعها على جبينه.
“ها… على أي حال، سنحل مسألة الترياق هكذا، فلا تذكر كونت إيستا أمام زوجتي مجددًا. مفهوم؟”
“نعم، إذا كانت هذه رغبتك، يا صاحب السمو.”
هزّ بيتر كتفيه بوجه بريء.
بالنسبة لبيتر، المهم هو الربح بغض النظر عن الطريقة، فلم يكن هناك داعٍ للرفض.
“….”
“…؟ هل لديك شيء آخر تريد قوله؟”
حك بيتر أنفه وهو يرى كيليان يحدق به بعمق، غير قادر على تخمين ما يريد قوله.
“…لم نتخاصم.”
“ماذا؟”
“لم نتخاصم، أقول.”
تفاجأ بيتر، فانفتحت شفتاه السفلى، ثم انفجر ضاحكًا بصوت “بف!”
مفاجأة من ضحكه اللا إرادي، أغلق بيتر فمه بسرعة.
لكن كيليان لا بد أنه سمع ذلك.
“إذن، تستمتع حقًا؟ أم أن لدي موهبة لم أكن أعرفها؟ موهبة إضحاك الآخرين؟”
“لا، لا، ليس هذا… أم…”
حاول بيتر كبح ضحكه وهو يمسك نظارته التي كانت تتأرجح فوق عظمتي خديه.
“بالمناسبة! ألا يجب أن تتبعها؟”
آمل بيتر أن يتحول غضب كيليان إلى مكان آخر، فأشار بيده اليسرى إلى الجهة التي ذهبت إليها ليتريشيا.
“بدت صاحبة السمو مستاءة جدًا.”
تحركت عضلات وجه كيليان عند كلام بيتر، فشعر الأخير أن خطته نجحت.
“يبدو أنها أرادت التواصل مع عائلة إيستا لأنها قلقة عليك، لكنك وضعت حدًا قاطعًا، فشعرت بالإحباط.”
“ليتريشيا… قلقة عليّ؟”
رأى بيتر أن قوة عيني كيليان خفتت، فتنفس الصعداء.
“نعم، تعبيرها وهي تنظر إليك كان مليئًا بالقلق. عادةً ما تبتسم لي بابتسامة رسمية، لكن لم أكن أعلم أنها قادرة على تعبير صادق كهذا.”
ضغط كيليان على جبينه بأصابعه عند تعبير بيتر المندهش.
“قلق… قلق.”
كرر كيليان الكلمة كأنها غريبة، ثم نهض فجأة.
تفاجأ بيتر وتراجع للخلف.
“ما الأمر؟ هل قلت شيئًا خاطئًا مجددًا؟”
نظر كيليان بازدراء إلى بيتر، الذي بدا كحيوان عشبي خائف، ثم مرّ بجانبه.
استرخ بيتر، الذي كان متشنجًا خوفًا من ضربة، وصفق بيديه.
“آه! تذهب إلى صاحبة السمو؟ لقد استمعت لي. قرار صائب…”
أغلق بيتر فمه فجأة، إذ عاد كيليان، الذي ظن أنه سيغادر، واستدار نحوه.
“دوق جودوين كثير الكلام، ويبدو أنك ورثت هذا منه، حتى في قول الأشياء غير الضرورية.”
“أسمع أحيانًا أنني كثير الكلام… لكن الحذر في الحديث لا يضر، أليس كذلك؟ أفضل أن أقول كل شيء بدلاً من إثارة سوء فهم! ههه! ربما عليك تجربة هذا الأسلوب…”
أشار بيتر إلى إغلاق فمه بحركة دراماتيكية عندما اقترب كيليان مثله كمفترس. لكن ذلك بدا أكثر إزعاجًا، فاقترب كيليان بسرعة أكبر وعبوس على وجهه.
“يا صاحب السمو، لنتحدث أولًا… آه!”
رفع بيتر يديه كدرع، خائفًا.
لكن، على عكس توقعاته، توقفت خطوات كيليان، وتبع ذلك صوت فتح درج.
رأى بيتر كيليان يحمل صندوق ألوان، فخفض ذراعيه بحرج.
هز كيليان رأسه بازدراء وهو يراقب المشهد.
“بالمناسبة، كم ستظل هنا؟ الترياق جاهز، فلا داعي للبقاء.”
“هل وجودي يزعجك؟”
“ليس مريحًا.”
أغلق كيليان الدرج بصوت قوي ووضع الصندوق في جيبه.
“غادر قبل نهاية الأسبوع. دوق صغير لا ينبغي أن يغيب عن العاصمة طويلًا.”
رد بيتر على أمر كيليان المباشر بقوله: “يا للبرود.”
بينما بدا أن كيليان سيغادر، توقف عند الباب فجأة.
“آه، وبالمناسبة.”
“…؟”
“ليس بسبب كلامك، لكنني تذكرت أمرًا عاجلًا يجب التعامل معه.”
“أ… نعم، مفهوم…”
“ليس بسببك.”
“نعم.”
كان واضحًا أنه ذاهب إلى ليتريشيا، لكن كيليان، ربما بسبب كبريائه، كرر التأكيد. أومأ بيتر برأسه، مدركًا أن الجدال قد يعرضه لقبضة كيليان القوية.
لحسن الحظ، عبس كيليان للحظة لكنه غادر دون كلام إضافي.
“هيو.”
نظر بيتر إلى الباب الذي يغلق ببطء، مطمئنًا، ومسح فمه بظهر يده.
بدا أنه سيفرك وجهه للاسترخاء، لكن زاوية فمه الأنيقة ارتفعت قطريًا.
“بف.”
استرخ جسد بيتر، الذي كان متوترًا أمام كيليان.
“الدوق الأكبر، الذي يُقال إنه بلا دم أو دموع، يتصرف هكذا؟”
يبدو أن ليتريشيا شخصية مميزة بالنسبة لكيليان.
“قلعة الدوق أكثر إثارة مما توقعت.”
عبث بيتر بسلسلة نظارته وهو يبتسم بمرح.
مرر أظافره المرتبة على الكريستالات المعلقة بسلسلة النظارة، فأصدرت صوتًا خافتًا.
شعر بملمسها الناعم وهو ينظر إلى النافذة المقابلة.
من خلف مكتب كيليان، ظهر برج الساعة عبر النافذة الكبيرة.
كان البرج شامخًا لدرجة أنه يمكن رؤيته من أي نافذة تطل على بوابة القلعة، سواء من المكتبة أو غرفة العمل.
“همم، إذا قلت إنني سأبقى أكثر، هل سيغضب صاحب السمو؟ لكن العودة إلى العاصمة تعني الملل فقط.”
“سيد الدوق الصغير، سأرافقك إلى غرفتك.”
عبس بيتر بنزق عند صوت الخادم ذي النبرة الأنفية.
لا يمكن لضيف أن يبقى وحيدًا في غرفة بلا صاحب. ناداه الخادم من خلف الباب نصف المغلق.
“حسنًا، فهمت.”
نهض بيتر ببطء، متابعًا ظل الخادم، وفرك جسر أنفه.
“ربما أتحمل التوبيخ مرة واحدة؟ قد يكون ذلك أفضل من الملل.”
“ماذا قلت، سيد الدوق الصغير؟”
“لا شيء، مجرد حديث مع النفس.”
غمز بيتر للخادم المحتار، فانعكست أضواء الثريا على الكريستال بسلسلة نظارته.
كان لونًا أزرق يشبه الدخان الأزرق الذي رآه يتصاعد من ندبة في يد كيليان.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 42"