41
“الدوق أصيب بالوباء؟”
تحركت حواجب كونت إيستا الرمادية كأنها ترقص.
“لهذا كان هادئًا. كنت أظن أن دوق جودوين سيستغل فسخ الخطوبة ليتشبث بالأمر، لكنه كان صامتًا بشكل غريب. هذا هو السبب إذن.”
لكن عند رد فعل الكونت، حك إيزيس أنفه بتردد.
“أمم… ليس هذا بالضرورة، يا أبي.”
“ماذا تعني؟”
“حسنًا، الدوق لم يصمت بشأن فسخ الخطوبة لأنه مريض، بل لأنه لا يستطيع قول شيء.”
رمقت عينا إيزيس الورديتان، المشابهتان لعيني ليتريشيا، والده بحذر.
“بيتريك جودوين خان ليتريشيا. إذا كان لديه ذرة خجل، فلن يجد ما يقوله، حتى لو كان من عائلة دوقية.”
“خانها؟ ماذا تقصد بخيانة؟”
ابتلع إيزيس لعابه وهو يرمق تعبير الكونت.
على الرغم من تقاعده، أثقل صوت كونت إيستا، قائد الفرسان السابق، الأجواء عندما خفض نبرته.
كان هذا الصوت مخيفًا لدرجة أن بشرة إيزيس تقشعرت.
خشي إيزيس أن يتسبب كلامه الخاطئ في إشعال فتيل غضب، فسارع إلى إلقاء اللوم على بيتريك.
“خيانة، نعم! بيتريك جودوين كان يلتقي سرًا بروزالين! أليس هذا جنونًا؟”
“ها! بيتريك، ذلك الناقص، يجرؤ على إهانة عائلة إيستا؟”
وبّخ الكونت أصل بيتريك وهو يزمجر غاضبًا.
“إيزيس! متى علمت بهذا؟”
“خلال مأدبة النصر. لم أره بنفسي، لكن سمعت ليتريشيا تتحدث عن ذلك…”
“هل أنت بكامل قواك العقلية؟”
سد إيزيس أذنيه بأصابعه عند غضب الكونت الموجّه إليه.
“يا إلهي، صوتك عالٍ! لا تزال قويًا، يا أبي.”
“كان يجب أن تخبرني فورًا بمثل هذا الأمر! لمَ أخفيته حتى الآن؟ عدم ردنا جعلنا نُسخر منهم!”
“ظننت أنك لن تهتم، فأنت لا تستمع لأي شيء يتعلق بليتريشيا. ما الجديد في ذلك؟”
رد إيزيس على الكونت بعناد، وهو يقطب حاجبيه.
شعر إيزيس بالظلم. هل كان ساكنًا؟
تحقق بنفسه مما قالته ليتريشيا عن بيتريك، وعندما تأكد من صحته، ثار غضبه. كاد يقتحم قصر الدوق لمواجهتهم، لكن ماذا بعد؟
كل من قصر الدوق وقصر إيستا أغلقا أبوابهما بحجة الوباء، فلم يتمكن حتى من عبور عتبتهما.
في مثل هذه الظروف، ماذا كان يفترض به أن يفعل؟ برزت شفتا إيزيس بنزق.
“ماذا قالت؟ أعني ليتريشيا.”
“لم تقل شيئًا يُذكر.”
“تسك! لا تزال ضعيفة كالعادة.”
عدّل الكونت لحيته بعبوس.
“يجب أن أقابل دوق جودوين.”
“ألم تسمعني، يا أبي؟ الدوق معزول بسبب الوباء، لا أحد يستطيع لقاءه.”
“إذن، سأقابل ابنه.”
“لن يفتحوا الأبواب مهما فعلنا. هل تعتقد أن وجودك سيغير شيئًا؟”
“هل أنا مثلك؟ لديّ مبرر للقاء دوق جودوين.”
أخرج الكونت من جيبه قائمة بالبضائع المملوكة لعائلة جودوين التي وصلت مع سفن النقل، مع إيصال الدفع.
“إذا لزم الأمر، سأهدد برمي هذه البضائع في البحر. ألا يفتحون حتى أثقل الأبواب الحديدية عندها؟”
****
“من تقصد بشخص آخر؟”
عند سؤال كيليان، أشار بيتر إلى ليتريشيا بوجه بريء.
“أعتقد أنكِ مناسبة، يا صاحبة السمو.”
“كلام فارغ.”
استهجن كيليان اقتراح بيتر بسخرية.
“يا سيد الدوق الصغير، كنتُ مندهشًا من استعدادك للتعامل معي، لكن لا تظن أن نبلاء العاصمة الآخرين مثلك.”
“أنا مميز بعض الشيء، أليس كذلك؟ لكن لا أعتقد أن كونت إيستا مختلف كثيرًا عني.”
ابتسم بيتر ببراءة.
“إنها عائلتكِ، يا صاحبة السمو. أي أب سيرفض طلب ابنته؟”
بدا بيتر مقتنعًا حقًا بأن كونت إيستا سيستجيب لطلب ليتريشيا، فاستدار لينظر إليها.
“إذا كنا بحاجة إلى المزيد من التيتراد، جربي التحدث إليه، يا صاحبة السمو.”
“كفى هراء، يا سيد الدوق الصغير.”
مدّ كيليان ذراعه الطويلة ليحجب ليتريشيا.
حاول بيتر إطالة عنقه ليرى، لكنه لم يرَ سوى خصلات من شعر ليتريشيا.
“سنشتري التيتراد منكَ فقط، يا سيد الدوق الصغير.”
“لكن، يا صاحب السمو، هذا سيقلل كمية الترياق بشكل كبير.”
“صحيح، يا كيليان.”
أومأت ليتريشيا موافقة على كلام بيتر، وأمسكت ذراع كيليان بكلتا يديها.
“بيريل.”
بدلاً من الرد على ليتريشيا، نادى كيليان على بيريل، الذي كان مختبئًا في الزاوية بلا حضور يُذكر.
“كم كمية الترياق التي يمكن صنعها من التيتراد الذي سنشتريه من الدوق الصغير؟”
“أم… ربما تكفي للفرسان وألين… نعم، هذا تقريبًا!”
“هذا يكفي.”
أبعد كيليان عينيه عن بيريل وحاول إزاحة يد ليتريشيا. لكنها أحكمت قبضتها.
“هذا لا يكفي، يا كيليان. ماذا عن الناس في العاصمة؟”
مالت ليتريشيا لتقرب المسافة بينها وبين كيليان.
“سأتحدث مع الكونت.”
“لمَ تفعلين ذلك؟”
نظر كيليان إلى عيني ليتريشيا بتعبير غامض.
كانت عيناها الكبيرتان، تحت رموشها الناعمة، تركزان عليه فقط.
لم يكن يمانع تلك النظرات المخلصة التي لا تنحرف عنه.
لكن ما لا يُقبل، لا يُقبل.
“ليتريشيا، هل تعتقدين أن كونت إيستا سيستجيب لطلبكِ؟”
“أمم…”
‘حتى الكلام المجامل لا تستطيع قوله.’
لم يكن منظر ليتريشيا، وهي تفقد ثقتها وتنكمش، ممتعًا.
“لكن يمكنني المحاولة على الأقل. ربما ينجح.”
“لمَ تبحثين عن هذا ‘الربما’ بنفسكِ؟”
“…ماذا؟ لأنه إن لم نفعل، سينتشر الوباء في العاصمة بشكل لا يمكن السيطرة عليه.”
ارتجفت يد ليتريشيا تحت كف كيليان من المفاجأة.
“أنتِ حقًا…”
“ماذا بي؟”
‘هل قلبها طيب، أم أنها ساذجة جدًا؟ ما قيمة هذا الترياق؟’
أغلق كيليان شفتيه القاسيتين كشفرة، محاولًا تهدئة غضبه. كان وجهه قد برد بالفعل.
عند ذكر كونت إيستا، تذكر حقيقة مزعجة اكتشفها مؤخرًا.
كان كيليان منزعجًا دائمًا من حقيبة ليتريشيا البسيطة، فبعد عودتهما إلى الشمال، حقق في حياتها السابقة بدقة.
اكتشف كيف عوملت في قصر الكونت، والآن تريد العودة إليهم طوعًا؟
قد تكون ليتريشيا بخير مع ذلك، لكن كيليان لم يكن كريمًا بما يكفي ليتغاضى عن هذا.
“كيليان، لمَ تنظر إليّ هكذا؟”
“ها… ليتريشيا، أنا لست طيب القلب مثلكِ. الناس في العاصمة؟ بصراحة، لا أهتم بهم ولا أرى داعيًا لذلك.”
لم يكن يعتقد أن التعبير عن أفكاره سيخرج بلطف، لذا ركز كيليان على نقل رأيه بإيجاز.
“لستُ كريمًا بما يكفي لأدعو لشفاء من يرفضني.”
كانت كلماته مشبعة بالسخرية.
انسحبت يد ليتريشيا من تحت يده الخشنة، وكأنها تعبير عن خيبتها.
شعر كيليان بمرارة وهو يحرك شفتيه.
ما فائدة محاولاته لكسب ودها إذا كانت طباعه القاسية لا تُخفى؟
“إذا كنتِ تتوقعين زوجًا أكثر نضجًا، أعتذر لعدم وفائي بتوقعاتكِ.”
ترك كيليان يد ليتريشيا تنزلق بعيدًا وسحب ذراعه.
“لكن إذا كنتِ قلقة على الناس، يمكننا بيع وصفة الترياق لكونت إيستا عبر الدوق الصغير.”
“لكن هذا لن يزيل الإشاعات التي تطالك، يا كيليان.”
“لا أعرف لمَ تهتمين بهذه الإشاعات، لكن هذا شأني، لا يعنيكِ. لذا لا داعي لتتدخلي.”
“كيليان.”
“لا تتدخلي، ليتريشيا. أموري أدبرها بنفسي.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 41"