39
“ألم أقل لكَ؟ كنتُ على حقّ!”
“يا هذا، أيّ حقّ وأيّ خطأ؟ قالت إنّها تفضّل اللّيمون، ولم تقل إنّها تكره الفراولة.”
“هذا انتصاري!”
“…هه.”
ضحكت ليتريشيا بتردّد وسط نقاش مارك وغورتن الحامي، ثمّ نهضت من مكانها بهدوء.
استمرّ جدالهما حتّى خرجت ليتريشيا من الغرفة خلسة.
“هؤلاء أكثر حيويّة ممّا توقّعت. هه…”
أغلقت ليتريشيا الباب بهدوء بعد أن نجحت في الخروج من الغرفة.
“بالمناسبة، لم أرَ ميا منذ فترة.”
مع هدوء الأمور بعد فترة من الفوضى، أدركت ليتريشيا أنّها لم ترَ ميا منذ أيّام.
كانت ميا دائمًا موجودة في الجوار، حتّى لو لم تتحدّث، لكنّها اليوم غائبة بشكل غريب.
“ما الأمر؟ هل ذهبت إلى المكتب مبكرًا؟”
بعد أن سمعت قصّة ميا من مارشا وغورتن، زال سوء تفاهمها تجاهها، فشعرت بالأسف وبدأت تبحث عنها.
بينما كانت تتفحّص المكان متّجهة إلى المكتب، برز شخص فجأة من الجانب.
“هل أضعتِ شيئًا؟”
“…!”
أصابت ليتريشيا قشعريرة من نفَسٍ هبّ على أذنها.
“ما الّذي يجلبكَ، يا سيد الدّوق الصّغير، إلى هنا؟ ألم يُرشدوكَ إلى غرفة الضّيوف في المبنى الملحق؟”
غطّت ليتريشيا أذنيها ونظرت أمامها. كان بيتر هناك، مبتسمًا بعينين ضاحكتين.
“هذا صحيح، لكنّني ضللتُ طريقي إلى المبنى الملحق. فبينما كنتُ أتجوّل، صادفتُكِ، يا صاحبة السمو.”
“ضللتَ الطّريق؟”
ضاقت عينا ليتريشيا عند إجابة بيتر. ثمّ لمحت خصلة شعر ميا القصير تبرز من بعيد.
يبدو أنّها كانت مع بيتر حتّى الآن.
“ميا؟”
“أوه، هذا اسمها؟ طلبتُ منها إرشادي، لكنّها لم تتحدّث أبدًا.”
“تعالي إلى هنا، ميا.”
لوّحت ليتريشيا بيدها، فاندفعت ميا كنابض من خلف نيرو، واختبأت خلف ليتريشيا بسرعة.
سمعت ليتريشيا أنّ ميا تجد صعوبة في التّحدّث، وتعبّر عادةً بالكتابة.
لكن يدي ميا كانتا خاليتين، وجيبها الّذي يحتوي على دفتّرها منتفخ، مما يعني أنّها لم تستخدمه أمام بيتر.
“يبدو أنّ فتاتنا أساءت إليكَ. إنّها خجولة جدًا، سأطلب من شخص آخر إرشادكَ.”
“أساءت؟ لا داعي لهذا.”
لاحظ بيتر رغبة ميا في إخفاء صعوبتها في التّحدّث، فأجاب ببراءة، ممّا جعله يعبس بشكل مضحك.
“لمَ لا ترشدينني أنتِ، يا صاحبة السمو؟”
“أنا؟”
أمام اقتراح بيتر المبتسم، بدت ليتريشيا في حيرة.
“نعم. أنا أيضًا خجول نوعًا ما. لكن معكِ، يا صاحبة السمو، هناك رابط بيننا.”
“…حسنًا.”
وجدت ليتريشيا نفسها تسير إلى جانب بيتر بشكل غير متوقّع، فتذكّرت كيليان تلقائيًا.
قبل دقائق، أكّدت أنّها لن تقترب من بيتر، لكن ها هي تنقض كلامها بهذه السّرعة.
شعرت بالحرج، فنظرت خارج النّافذة وهي تمشي، بينما تحدّث بيتر، الّذي كان يسير ببطء ويديه خلف ظهره.
كانت عيناه تتبعان ليتريشيا نحو النّافذة.
“مناظر الشّمال أجمل ممّا توقّعت.”
“….”
“لو كنتُ أعلم أنّها بهذا الجمال، لجئتُ منذ زمن. أشعر بالنّدم حقًا.”
لم يبدُ أنّ بيتر ينتظر ردًّا، إذ استمرّ في الحديث بمفرده.
تحوّل موضوعه إلى برج السّاعة، الّذي يهيمن على المنظر خارج النّافذة.
“بالمناسبة، هل ذلك البرج هو برج شوتن؟”
“كيف عرفتَ ذلك، يا سيد الدّوق الصّغير؟”
قال كيليان إنّ قصّة برج شوتن تُروى بين أهل الشّمال فقط، فالتفتت ليتريشيا إلى بيتر.
ابتسم بيتر بلطف.
“أنا تاجر، أليس كذلك؟ سمعتُ بعض الكلمات من بدو الشّمال أثناء تجوالي.”
قدّر بيتر ارتفاع البرج، وهو يحرّك يده شبرًا شبرًا من قاعدته، ثمّ ضيّق عينيه.
“البرج أضخم ممّا تخيّلت. هل زرتِه، يا صاحبة السمو؟”
“لا.”
“حقًا؟ هل تعرفين قصّته؟ تلك القصّة عن تحقيق الأمنيات.”
أمنيات؟
لم تسمع ليتريشيا بهذا من قبل، فتحوّلت عيناها نحو برج السّاعة.
“يبدو أنّكِ لا تعرفين. أنا أيضًا لا أعرف التّفاصيل، لكن يُقال إنّ البرج يحقّق الأمنيات.”
“أيّ نوع من الأمنيات؟”
“حسنًا، يختلف حسب الشّخص. قد تكون قربانًا، أو شبابًا، أو غير ذلك. لمَ، هل أثار ذلك اهتمامكِ؟”
مالت رأس بيتر جانبًا وهو يضع يديه خلف ظهره، فتدفّق شعره الأشقر كالماء.
“حتّى لو أثار اهتمامكِ، لا تتمنّي شيئًا من البرج. سمعتُ أنّ هناك ثمنًا يجب دفعه، مثل حياتكِ.”
تحدّث بيتر كمن يروي قصّة مخيفة لأخت صغيرة، مغيّرًا تعبيره إلى وجه مخيف.
لكن ليتريشيا، غير راغبة في مواكبته، ظلّت تنظر إلى برج السّاعة بصمت.
‘أمنيات… بالمناسبة، تلك السّاعة، ألم تتحرّك قليلًا؟’
حدّقت ليتريشيا في عقرب السّاعة، الّتي بدت مائلة بزاوية طفيفة عن اليوم السابق.
شعرت أنّ ضوءًا أزرق يلمع حول العقرب.
“يبدو أنّ قصّتي عن البرج أثارت اهتمامكِ، تراقبينه بشدّة.”
“هل أنتَ، يا سيد الدّوق الصّغير…”
“ماذا؟”
كادت ليتريشيا تسأل عن عقرب السّاعة والضّوء الأزرق، لكنّها أغلقت فمها أمام تعبير بيتر الهادئ.
“…لا شيء.”
“يا للملل. بالمناسبة، سمعتُ أنّ كونت إيستا عاد إلى إقطاعيّته قبل أيّام. بالطّبع، تعلمين ذلك.”
رمق بيتر ليتريشيا بنظرة جانبيّة، وأطلق يديه من خلف ظهره.
“إذا أخبرتُ والدي عن أمر بيتريك وروزالين، ستصل الأخبار إلى كونت إيستا. سيكون الأمر صعبًا عليه وعلى إيزيس.”
“أخي يعلم بالفعل. والكونت… لن يهتمّ كثيرًا.”
“إيزيس يعلم؟”
رفع بيتر صوته متفاجئًا.
“لو علم إيزيس بذلك، لما سكت بطبعه النّاري. من المدهش أنّ بيتريك لا يزال يمشي على ساقيه.”
لا بدّ أنّ بيتر يعرف طبيعة العلاقة بين ليتريشيا وأبيها وأخيها.
هل يعتقد حقًا أنّ إيزيس سينفعل بسبب ليتريشيا؟
حاولت ليتريشيا استكشاف نوايا بيتر، لكنّ رأسها آلمها، فتوقّفت
“في غرفة الاستقبال، تفاجأتُ قليلًا. كنتِ مختلفة كثيرًا عن خطيبة أخي في العاصمة.”
أضاف بيتر، كمن يوضّح سوء فهم:
“أعني أنّكِ الآن أجمل بكثير.”
“هذه المرّة الثّانية التي أسمع فيها هذا.”
تذكّرت ليتريشيا كلام بيريل المشابه، فمسحت خدّها.
في هذه الأثناء، وصلا إلى الرّدهة المؤدّية إلى المبنى الملحق، فتوقّفت ليتريشيا.
عبّر بيتر عن أسفه.
“كان الطّريق أقصر ممّا توقّعت. حسنًا، سأدخل الآن. آمل أن يُصنع الترياق قريبًا.”
***
“سيّدة… ليتريشيا، لقد… صنعنا الترياق…”
تحقّقت أمنية بيتر، إذ صُنع الترياق في وقت قصير.
بالطّبع، كاد بيريل يموت من قلّة النّوم خلال العمليّة.
لكن جهوده أثمرت، فقد نجح الترياق. بعد شربه، نهضت ألين، الّتي كانت طريحة الفراش لأيّام، في نصف يوم.
كان من الطّبيعيّ أن يشعر بيتر برضى تامّ عند استلامه الترياق.
“يا إلهي، لم أكن متأكّدًا، لكن الوباء ناتج عن سمّ التّيتراد فعلًا…”
فرك بيتر وجهه وهو يراقب الترياق يُضاف إلى ماء البئر الّذي جمعته بيريل.
“ما الّذي فعله ذلك الأحمق بيتريك؟”
رفع يده من وجهه إلى شعره، ممزّقًا إيّاه، ثمّ عدّل نظّارته.
“حسنًا، بما أنّكم صنعتم الترياق كما وعدتم، سأفي بالعقد. سأوزّع الترياق في العاصمة فورًا.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 39"