37
“ما نريده منكَ، يا سيّد الدّوق الصّغير، أمرين. أوّلًا، كما قال صاحب السّمو، وافق على التّجارة مع الشّمال.”
“هذا ليس صعبًا. في الواقع، بدأ الشّمال يثير اهتمامي.”
على عكس مظهرها القديم الّذي كان يتجنّب التّواصل البصريّ، عبّرت ليتريشيا عن أفكارها بنبرة هادئة وواثقة، فأطلق بيتر صفيرًا صامتًا.
كان تجّار العاصمة يتجنّبون التّعامل مع الشّمال خوفًا من استياء الإمبراطورة الأم، لكن بيتر، الّذي لا يهتمّ برأي العائلة الإمبراطوريّة، أجاب بسهولة.
بالطّبع، إذا علم دوق جودوين بهذا، فمن المؤكّد أنّه سيغضب، لكن ما يهمّ؟ هذا الخيار أكثر إثارة.
بوجه مثاليّ، فكّر بيتر بأفكار مشاغبة وهو يعدّل نظّارته.
“إذًا، ما هو الأمر الثّاني؟”
“يتعلّق بالوباء الحاليّ.”
نجحت ليتريشيا في فكّ يدها من يد كيليان، وفركت ذراعها.
“أمم.”
أصدر بيتر همهمة متردّدة، واستبقها قائلًا:
“إذا كنتم تطلبون مساعدتي في كشف حقيقة هذا الوباء لدحض الإشاعات المتعلّقة بصاحب السّمو الدّوق، فأنا آسف، لكن هذا صعب.”
“لماذا؟”
“ألا تعلمين، يا صاحبة السّمو؟ إذا اكتُشف أنّ بيتريك هو من نشر سمّ التّيتراد، فستُدان عائلتنا بأكملها معه.”
وضع بيتر قارورة الماء على الطّاولة بصوت خفيف. لم يبقَ في يده سوى بروش بيتريك.
“لماذا أتحمّل هذه المخاطرة لشراء هذه المعلومات؟”
“نعم، ستشتريها.”
على عكس ماضيها حيث كانت تنظر إلى الأرض بصمت، ردّت ليتريشيا بحزم، فارتفعت زاوية عين بيتر.
“أنا تاجر، يا صاحبة السّمو. والتّاجر لا يقبل أبدًا بصفقة خاسرة.”
“أعلم ذلك جيّدًا. وما سأطلبه منكَ ليس مجرّد الإعلان عن براءة الدّوق الأكبر دون مقابل.”
“حقًا؟ إذًا، ما الّذي ستطلبينه كثمن للمعلومات؟”
“شيء سيفيدكَ. بِعْ لنا التّيتراد.”
تغيّر تعبير بيتر إلى تعبير غامض عند سماع كلام ليتريشيا المفاجئ.
“وكيف يكون ذلك مفيدًا لي؟”
“نخطّط لصنع ترياق من التّيتراد. ثمّ سنعيد بيع الترياق لكَ.”
“ترياق؟”
“نعم. لكن، عندما تستقرّ الأوضاع، اكشف أنّ مصدر الترياق هو نحن.”
غرق بيتر في التّفكير، ووضع يديه فوق بعضهما عند ذقنه.
إنّها ليست فكرة سيّئة.
في الواقع، إذا تمكّن من شراء الترياق وتوزيعه، فسيحقّق أرباحًا هائلة، وهذا أمر مفروغ منه.
وعند كشف الحقيقة لاحقًا، لن تُحمَّل عائلته بأكملها المسؤوليّة.
بما أنّ الشّمال لا يمكنه توزيع البضائع مباشرة في العاصمة، فسيكون الترياق تحت سيطرته حصريًا.
وعلاوة على ذلك، ستُدحَض الإشاعات عن الدّوق الأكبر بشكل طبيعيّ.
إنّها صفقة مربحة للطرفين.
فرك بيتر ذقنه، وهو يقدّر الأرباح الّتي قد يجنيها.
“حسنًا. لكن في الوقت الحالي، سأعطيكم التّيتراد فقط. أمّا باقي الصّفقة، فسنكملها عندما يتمّ صنع الترياق فعليًا.”
***
في النّهاية، كانت الصّفقة مع بيتر جودوين ناجحة إلى حدّ كبير.
لم تحصل ليتريشيا على كلّ ما أرادت على الفور، لكنّها حصلت على كميّة صغيرة من التّيتراد للبحث، وهذا يكفي.
“كيف الحال، بيريل؟ كم سيستغرق صنع الترياق؟”
“يا إلهي… لقد حصلتِ عليه حقًا.”
أمسك بيريل جذر التّيتراد بكلتا يديه، وهو يشمّه بنشوة.
“لا أعلم بالضّبط كم سيستغرق. صنع ترياق لنبات تمّ تهجينه أمر معقّد للغاية…”
تلعثم بيريل وهو يخفت صوته، ثمّ فجأة أمسك التّيتراد بقوّة.
“لكن سأحاول صنعه بأسرع ما يمكن!”
ثمّ اندفع إلى المختبر المؤقّت، ووجهه شاحب.
“ما الّذي حدث له فجأة؟”
تساءلت ليتريشيا عن تصرّف بيريل الغريب، ثمّ التفتت لتجد السّبب.
خلفها، وقف كيليان بنظرة حادّة كما لو كان ملاك الموت.
“لماذا هذا التّعبير، كيليان؟”
على عكس بيريل، لمست ليتريشيا يده المضمدة بحذر.
فتلطّفت تجاعيد جبين كيليان المشدود.
“لا أفهم لماذا تختارين هذه الطّريقة المزعجة.”
أبدى كيليان استياءً خفيفًا بعد فشله في فهم ليتريشيا.
“إذا كنتِ بحاجة إلى الترياق، ألم يكن كافيًا أخذ التّيتراد وإنهاء الأمر؟ لمَ الاحتفاظ ببيتر جودوين هنا وتخطيط الأمور المستقبليّة؟”
كان سبب ردّة فعله هو بيتر جودوين.
توقّع أن يغادر بيتر الشّمال فور انتهاء المحادثة، لكنّه، على عكس التّوقّعات، أعلن أنّه سيمكث لبضعة أيّام، واستولى على غرفة الضّيوف.
قال إنّه يريد رؤية عمليّة صنع الترياق بنفسه.
كان هذا سببًا مقنعًا، لكنّ وجود بيتر هنا لم يُرضِ كيليان.
مظهره الّذي يشبه بيتريك، ونظراته الّتي تبدو مهتمّة بليتريشيا لسبب غير معروف، كلّها أمور لم تُعجب كيليان.
فضلًا عن ذلك، في حياته السّابقة…
“يبدو أنّكَ لا تحبّ الدّوق الصّغير جودوين، أليس كذلك؟”
“لستُ مرتاح معه.”
كاد كيليان يغرق في ذكرياته القديمة، لكنّه ضغط بإبهامه فوق عينيه، فهدأ توتّره قليلًا.
“…ليتريشيا، لا تقتربي كثيرًا من الدّوق الصّغير جودوين.”
“…؟ حسنًا، لا تقلق، ليس لديّ سبب للاقتراب منه.”
على أيّ حال، بعد انتهاء هذا الأمر، لن تراه مجدّدًا. ربّتت ليتريشيا على يد كيليان مطمئنةً إيّاه.
خلال الأيّام الّتي قضتها هنا، لاحظت أنّ كيليان يُظهر أحيانًا قلقًا غامضًا مثل هذا.
وفي كلّ مرّة، شعرت ليتريشيا بثقل غريب في صدرها دون سبب واضح.
في البداية، كان هذا الشّعور صغيرًا كحبّة رمل، لكن مع قضاء المزيد من الوقت مع كيليان، بدا أنّه يكبر تدريجيًا.
شعرت ليتريشيا بضيق في صدرها، فطرقت أسفل عظمة التّرقوة.
حوّل كيليان نظرته الحادّة إليها.
“ما الّذي يؤلمكِ الآن؟”
“ماذا؟ لا، ليس كذلك. فقط شعرت بضيق في صدري.”
“ضيق؟ أليس هذا عسر هضم؟”
أمسك كيليان يدها فجأة، وقرّب أطراف أصابعها من شفتيه.
“يدكِ ليست باردة.”
“ليس هذا…!”
تفاجأت ليتريشيا بنفَسِه على أظافرها، فأخفت يدها خلف ظهرها بسرعة.
ربّما كان وهمًا، لكن منذ ذلك اليوم الممطر، بدا أنّ كيليان أصبح أكثر جرأة في التّواصل الجسديّ.
وإلاّ، لمَ يتحقّق من حرارة يدها بشفتيه؟
فركت ليتريشيا أطراف أصابعها الّتي شعرت بوخز على تنّورتها، فخفّ الإحساس قليلًا.
“أقصد، أحيانًا أشعر بهذا. لا داعي للقلق، إنّه ليس شيئًا كبيرًا.”
“مرّة أخرى تقولين إنّه ليس شيئًا كبيرًا. لا يمكن هكذا. يجب استدعاء الطّبيب فورًا…”
“لا تفعل…! بيريل مشغول بصنع الترياق!”
“هل نسيتِ، ليتريشيا؟ لقد أحضرتُ بيريل لهنا من أجل صحّتكِ، وليس لصنع الترياق.”
بدا كيليان وكأنّه سيسحب بيريل من المختبر فورًا، فأمسكت ليتريشيا يده بسرعة.
ثمّ وضعتها على جبينها بحركة مفاجئة.
“انظر! لا حُمّى، ولا نزيف أنف، ولا دوار. أنا حقًا بخير.”
ومع ذلك، لم تتلاشَ نظرة كيليان المشكّكة، فرفعت ليتريشيا كعبيها.
“انظر، عيناي تريان جيّدًا. هكذا…”
توقّفت ليتريشيا فجأة، خوفًا من إزعاج وقت بحث بيريل.
في محاولتها إثبات أنّها بخير، اقتربت كثيرًا من كيليان.
لم تستطع تحمّل نظراته الثّاقبة، فخفضت كعبيها.
بين خصلات شعرها الورديّ، برزت أذناها المحمّرتان بنفس لون شعرها.
“…على أيّ حال، أنا حقًا بخير، فلا داعي لاستدعاء بيريل.”
لم تملك الجرأة لرفع وجهها وتفقّد تعبير كيليان، فاستدارت على الفور.
“سأذهب لتفقّد حالة ألين.”
“إذا كان الأمر كذلك، سأرافقكِ…”
“لا، لا! سأذهب إلى ألين بمفردي، نلتقي لاحقًا في المكتب!”
قبل أن يلحق بها كيليان، سارعت ليتريشيا بخطواتها.
مع خطواتها الأسرع من المعتاد، تطاير شعرها المفرود، كاشفًا عن وجنتيها الحمراوين بين الحين والآخر.
خوفًا من أن يُرى وجهها المحمّر، أسرعت ليتريشيا وهي تضغط على صدرها.
صدرها، الّذي كان ثقيلًا قبل قليل، بدأ يخفق بخفّة.
شعرت وكأنّ طائرًا صغيرًا استقرّ في قلبها، فأطبقت ليتريشيا على الجلد الرّقيق داخل فمها برفق.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 37"