رأى سيدريك الكأس نصف الممتلئة في يدها، فتجعد جبينه.
“يبدو أنكِ لم تشربي كثيرًا كما ظننت.”
“بل هذه الزجاجة الثالثة.”
“… أنتِ لستِ في وعيك إذن—”
كاد يتمتم مرتبكًا ثم أسرع فأطبق فمه.
‘هذا اللسان السليط…’
غير أنّ إستيل لم تُعر ذلك بالًا، ولوّحت بزجاجة الخمر.
“سيكون من المؤسف أن يُهدر.”
“تأسفين على كل شيء. لكن هل ستستطيعين النهوض غدًا؟”
كان سيدريك يسير نحو الغرفة ليضع لوتشي في الفراش، ثم رفع حاجبيه دهشة وهو يلاحظ خطوات إستيل المستقيمة الواثقة.
‘ما زالت متماسكة؟’
وقد قرأت دهشته، فاستدارت تمشي للخلف لتواجهه قائلة:
“رأيت قبل قليل، أليس كذلك؟ غلبت إدغار في مبارزة الشراب.”
“أحسنتِ.”
“أوه… لم أتوقع منك مدحًا.”
“تغلبتِ على ذلك الرجل، وهذا يستحق المدح.”
وضع لوتشي على سرير الغرفة المعدّة لإستيل، ثم بلّل منشفة وراح يمسح بعناية وجه الطفلة ويديها وقدميها.
‘حقًا… ما أرقّه.’
كانت هي تفكر فقط في وضعها في الفراش، فتفاجأت بدقته.
وأخيرًا غطّاها باللحاف بإحكام وأشار برأسه نحو الباب.
جلسا متقابلَين أمام الطاولة قرب المدفأة المشتعلة، يملآن الأقداح.
كان سيدريك يسند ذقنه بيده وهو يمعن النظر في يديها الناصعتين.
أزعجه اندفاعها وهي تسكب الخمر بسخاء، لكن من مظهرها لم تكن من النوع الذي يشرب بغير حساب، فلا بد أنها تعرف حدودها.
ثم أخرجت إستيل بعض الجبن الملفوف في ورق، لا يدري متى التقطته، ودفعته إلى وسط الطاولة بوجه يفيض بالسرور الحقيقي.
لم يكن كابتسامتها المعتادة الساذجة، بل بدا مختلفًا بعض الشيء.
وقد وجد نفسه يحدّق بلا وعي في رموشها الطويلة البيضاء التي تنحني بأناقة فسألها:
“هل تحبين الشراب؟”
“نعم، وأيضًا أهل غلاسيوم يشربون كثيرًا. الطقس بارد!”
“سأشتري لكِ كثيرًا إذن.”
“هـاه؟ كحّ!”
كادت تختنق وهي تشرب، وشرعت تسعل بعنف.
انتقل إلى جوارها يربت ظهرها.
‘يا لهذا الإنسان… شفاف المشاعر بهذا الشكل.’
ارتسمت ابتسامة خفيفة على فمه من غير قصد، ثم سرعان ما أخفاها.
لحسن الحظ كانت مشغولة بالسعال فلم تلاحظ.
وعاد إلى مكانه كأن شيئًا لم يكن.
“هل سكرتَ؟”
سألته.
“لست ضعيفًا إلى هذا الحد.”
“إذن تصرّح بكلام كهذا وأنت بعقلك؟ يبدو أنك بدأت تألفني.”
“قد حان الوقت لأعتاد.”
حدّقت فيه مرتبكة من صراحته، وقد نبهها حدسها الذي صقلته معاشرة الناس طويلاً إلى أن هناك شيئًا وراء ذلك، لكن ملامحه بقيت جامدة.
تجاهلت حدسها ‘لا، من غير المعقول أن يظهر بهذا الوجه لو كان في قلبه شيء.’ ثم رفعت كأسها فصكّها بكأسه وسأل:
“إذن، هل تصالحتم؟”
“طبعًا. بل شجعني بحماسة!”
‘هو؟ بحماسة؟’
تجمدت ملامحه وتذمّر:
“مقزز.”
“ما زلت تبغض إدغار بلا هوادة.”
“أنا ثابت على مواقفي.”
‘يبدو أن الاثنين سيصطدمان دائمًا، لا حيلة في ذلك.’
رفعت كتفيها بخفة وسألته:
“وماذا فعلت أثناء غيابي؟”
“كما قلتِ، تمرّنت على تربية الأطفال.”
“وهذا كل شيء؟”
“وفكرت أيضًا.”
“بماذا؟” نظرت إليه بعينين متسعتين.
فأجاب بوجه هادئ:
“هل ما زلتِ ضمن مبادئي.”
“آه، هذا… لم أقله لأنزعج فأجبرك على التغيير. تلك طريقتك، وأنا لا أضيق بها. لا بد أن أكون داخل مبادئك، أليس كذلك؟ إن أردت أن أظل رفيقة لك، فعليّ أن أظل داخل حدودها، وإلا—”
“لست واثقًا.”
“ماذا؟”
كان ذلك ردًا لم تتوقعه.
أسندت ذقنها إلى يدها وحدجته، فابتسم ابتسامة خفيفة.
في أعماق البحر، لم يكن من الصواب أن يمنحها نفسه لتتنفس.
لو فقد وعيه أيضًا لهلكا معًا.
لا بد أن ينجو أحدهما على الأقل.
لم يكن قراره عقلانيًّا.
ومنذ ذلك الحين ظل يتساءل، لِمَ اتخذ ذلك القرار؟
إن انقلبت إستيل فجأة، وصارت خطرًا على الإمبراطورية، وإن انخدعت بشيطان كما فعل تريستان بلانشيه، فسيقطعها بسيفه وإن كان يؤلمها، لأن ذلك من مبادئه.
لكن… يخيّل إليه أن لمبادئه الآن شرطًا إضافيًّا: ‘إلى الآن فقط.’
( هو يظن أن مبادئه ثابتة دائمًا، لكن الآن يخطر في باله أن مبادئه تسري فقط إلى هذه اللحظة، وبعدها قد لا تنطبق. )
“إذن أنا خارج مبادئك؟”
“لا أظن.”
“آه، إذن لا مشكلة.”
‘ما زالت داخل مبادئي… حتى الآن.’
كتم ذلك في صدره وهو يحدق في هذه الكائنة الخارجة عن كل مقاييسه، التي ظهرت في حياته فجأة.
نعم، ما زالت في الدائرة، لكنه يستشعر هشاشة الخط الفاصل.
وجودها وحده يبدو كأنه يلاعب حدوده ويستفزه، ولو من غير قصد.
ثم صفقت بإصبعها كمن تذكّر شيئًا وسألته:
“أتعلم؟ حان الوقت.”
“لأي شيء؟”
“لسؤال ما هو ذوقك المثالي لفتاتك من جديد.”
“يا للسخافة.”
لكن لم يأتِ اعتراضه هذه المرة بصيغة المشاكسة السابقة.
فابتسمت ظافرة وهي تهز رأسها.
‘طبعًا، إن واصلت الإلحاح فسيتعب ويكف عن الاعتراض. لقد جربت ذلك كثيرًا مع أروين.’
وبينما كانت تمضغ قطعة جبن سألت:
“سألت العمدة قبل قليل عن النساء في سن الزواج هنا. قال إنهن في الغالب متحفظات، وليس من السهل أن تجد واحدة لطيفة ضاحكة. لكن الإمبراطورية واسعة!”
“وبينما كنتِ بعيدة بحثتِ في هذا أيضًا؟”
“أليس تصرفًا مؤثرًا؟”
ضحك ساخرًا وهو يفرغ كأسه.
منظر العريس المرشح الذي لا يظهر أي حماسة أقلق إستيل، فأخذت تهز قدميها بعصبية.
“تظن أن السنة طويلة، لكنها تمر بسرعة. عليك أن تلتقي بمن ستلتقي بها وتتزوج عاجلاً…”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 73"