حتى بعد أن قلت له بصراحة…! غضب فجأة ورد عليّ قائلاً:
“هل أبدو وكأنني أكذب الآن؟“
“لكن لماذا كنت غاضباً هكذا؟ حتى أنك اعتذرت، ثم ظهرت بوجه جاد جدًا وكأنك محرج.”
رفعت إصبعها فوق حاجبها محاكية تعبير وجهه، ونظرت إليه بانتظار إجابة. كان سيدريك مستغربًا، متسائلاً في نفسه: متى اتخذت هذا التعبير؟ آه، ربما لأن وجهي عادةً خالي من التعبير.
ثم أدرك فجأة أنه ما زال يمسك يد إستيل بقوة، فارتعد وسحب يده، لكن المرأة أعادت قبضتها على يده فوراً.
“قلت لي إنها تؤلمك، سأستمر في امتصاص قوتك السحرية!”
“لا، هذا قليلاً—”
“لماذا؟ هل يعني هذا أنك تكرهني حقاً؟! هاه… كل ما قلته كان كذبًا! مجرد كذب من فمك…!”
وجد نفسه ينظر إلى عيني إستيل الخائبتين كأنها انفجار قنبلة، فسارع بالدفاع عن نفسه:
“هذا ليس صحيحًا…”
“لا داعي للاختباء وراء أعذار… بل هذا هو ما يجرحني أكثر.”
“ليس كذلك. لماذا أكرهك؟ مجرد أن تعبير وجهي… كما تعلمين، ليس من النوع المتنوع.”
كانت الأمور تسير بطريقة غريبة. هو كان يعتقد أنه يجيب فقط على سؤالها، لكنه وجد نفسه يطلب منها أن تصدق أنه لا يكرهها.
في الجانب الآخر، كانت إستيل تفكر بنظرة شك. فقد كانت تتذكر كيف قال لها بحزم وهو يقودها إلى الكنيسة: “قد تموتين.” وهو ليس من النوع الذي يكذب، لذا قررت أن تصدق كلامه.
ثم ابتسمت ابتسامة عريضة وضغطت على يده التي تمسك بها، وسألته:
“إذن، لا بأس أن أمسك يدك؟“
“… نعم.”
“يعني وجهك دائماً كأنك مضغت شيء مُر؟“
ميل رأسه كأنه يحاول تذكر ما قالته.
“عيدي قولها مرة أخرى.”
“لا شيء مهم! على أي حال، أنا موافقة. إذًا سأمتنع عن سوء الظن من الآن فصاعدًا؟ حتى لو كان سيدريك فظًا معي بعض الشيء، سأعتبرها فقط طبيعة شخصيته؟ أنا بارعة في هذا!”
ابتسمت ابتسامة ذائبة وأرّت يده التي تمسك بها قائلة:
“إذن سنظل على علاقة طيبة من الآن فصاعدًا، أليس كذلك؟“
هزّ سيدريك رأسه دون وعي، ونظر إلى وجه إستيل المفعم بالحيوية وهو يشعر بقلق غريب. لماذا يشعر وكأنه ينجذب إليها أكثر فأكثر؟
كانت إستيل في البداية مجرد امرأة غريبة يجب أن يقودها إلى الكنيسة، لكنها أصبحت الآن شخصية يمكنها مواجهة تهديد كبير قادم. وفي نفس الوقت تنمو بينهما علاقة وثيقة لم يكن يتوقعها، شعور غامض يزدهر بداخله. عند رؤية ابتسامتها المريحة يشعر بألم خفيف في قلبه. لماذا؟ هو نفسه لا يعرف.
بعد لحظة من الانشغال بهذا الشعور الذي يشبه وخز الإبرة، هزّ رأسه محاولًا تركيز ذهنه.
“هل هذه الأمور لا تأتي فجأة وبقوة؟ هل للعقل مجال للتدخل فيها؟“
“هذا ليس حباً، بل اندفاع.”
عضّ شفتيه بحذر وهز رأسه منفيًا:
“ربما لهذا السبب كنت أتجنب أن ألمسك…”
“ماذا؟“
“لا شيء.”
حاول سيدريك جاهدًا أن يسيطر على المشاعر التي بدأت تخرج عن السيطرة.
فهو ببساطة مرتبك لأنه يختبر هذا النوع من الاندفاع لأول مرة. لا ينبغي أن يفسر الأمور بشكل مبالغ فيه. لذا عليه أن يكون أكثر حذرًا وبطئًا…
فجأة، جذبته يد إستيل نحو الأمام بسرعة. يبدو أنها أصبحت واثقة بعد أن حركت طاقتها السحرية لأول مرة، وكانت تسبق الخطى وتحثه على المضي قدمًا. لم يكن الضغط قوياً، لكنه تحرك وراءها.
كان يُسحب إليها.
* * *
كانت المساحة مظلمة تمامًا، لكن عندما مدّ ذراعه إلى الأمام وتحسس المكان، أدرك أن هذا المكان هو ممر يؤدي إلى جهة ما.
إستيل، التي لم تترك يد سيدريك خشية أن يتألم مرة أخرى، تقدمت بشجاعة إلى الأمام. ومع ذلك لم تستطع طبيعتها الخائفة أن تخفي رجفة خفيفة كانت تنتقل عبر يدها الممسوكة بإحكام. تقدم هو بخطوات واثقة وبدأ يمشي بجانب إستيل.
نظرت إليه برهة وسألته:
“أتعرف ما هذا المكان؟“
“من حيث العداء الشديد تجاه القوة المقدسة، يبدو أننا وجدنا المكان الصحيح.”
“هل من المفترض أن تظهر هنا الدائرة السحرية الثانية فجأة؟“
كان يبدو أن هذا الممر يتبع نوايا الساحرة العظيمة، لكن لا تعلم إن كانت قد أعدت مسارًا آمنًا فقط.
بينما كانت إستيل تبدو قلقة بوضوح، حاول سيدريك تهدئتها قائلًا:
“هي والدتك، هل تعتقدين أنه ستحاول قتلك؟“
لكنه توقف فجأة بعدما لاحظ شيئًا، ووقف ثابتًا. إستيل التي اختبأت خلفه غريزيًا، سألت بقلق:
“ماذا هناك؟ لماذا توقفت؟ هل يوجد شيء؟ أرجوك لا تخفني هكذا…”
“هناك شيء.”
صرخت إستل مغلقة عينيها ومُلصقة وجهها بظهر سيدريك. فتح سيدريك عينيه ضيقًا في الظلام ليرى شكلًا غريبًا بزاويا حادة. بدا أنه يحتاج إلى الاقتراب لرؤية التفاصيل. قرر أن ينادي إستيل التي كانت ترتجف متشبثة به قائلاً:
“لنقترب منه.”
“لو كنت أعلم كنت تعلمت شيئًا من ذلك الساحر المجنون…”
لم يشعر سيدريك بالحاجة لإخراج سيفه، لكنه فعل ذلك لأن إستيل بدت مرعوبة جدًا. حين رأت الشفرة الفضية تلمع في الظلام همست إستيل:
“هل ترى ذلك؟ يبدو أن هناك… شيئًا ما.”
تجاهل سيدريك تعليقها وبدأ يمشي بخطوات سريعة نحو الجسم الغريب، وسحبها معه رغم مقاومتها له.
وقف أمام ما يشبه جسد سحلية ميتة، وعقد حاجبيه متسائلًا:
“هل هذه مجرد مجسم؟“
كان جسم السحلية مغطى بحراشف زرقاء، وكان صغيرًا لا يتجاوز خصر سيدريك حين يقف. لماذا يوجد هذا الحيوان الكبير هنا؟ هل هو زينة؟
وبينما كان ينظر إلى هذا الشيء الغامض، قال لإستيل التي لم تخرج من خلف ظهره:
“إنه لا يتحرك. توقفي عن الخوف وخرجي.”
تنهدت إستيل وخرجت ببطء من خلفه، لتحدق في هذا الكائن الغامض. بدا حيًا للغاية ليكون مجسمًا، لكنه نظيف جدًا ولم يظهر عليه أي تعفن ليتطابق مع كونه جثة.
كان مغطى بالغبار المتراكم، وكانت وضعيته مهملة في الزاوية. وبالرغم من خوفها السابق، مدت إستيل يدها نحو الكائن.
وفي اللحظة التي نفخت فيها الغبار عن رأسه، فتحت عيني السحلية فجأة. حدقت بعمودياتها الضيقة فيها. قفزت إستيل مذعورة وتعالت صرخاتها:
“آه! سيدريك! أمي!”
“كل شيء تحت السيطرة، لا تدفعي. سأعتني بالأمر…”
“إيلين؟“
توقفا فجأة بعدما سمعا صوتًا بريئًا يتردد في الهواء. السحلية التي توقعا أن تمشي على أرجلها، كانت تطير فوق الأرض باتجاههما. عندها لاحظت إستيل وجود جناحين على ظهرها.
رمش الكائن الغامض بعينيه الكبيرتين ونظر حوله. لم يشعر سيدريك بأي عدائية منه، فسأل بحذر:
“من أنت؟“
“أنت لست إيلين.”
فتح الكائن فمه فجأة، فتنقل سيدريك جانبًا بسرعة، في نفس اللحظة انطلقت كرة نار ضخمة بجانب المكان الذي كانا واقفين فيه.
“إيلين؟ أين هي؟“
تساءل سيدريك بذهول، بينما كانت إستيل تتلفت حولها بوجه شاحب وشعر بعرق بارد على ظهره وفكر:
“تنين…؟“
“نعم؟“
“مخلوق يشبه السحلية، يطلق النار من فمه، ولديه أجنحة ليطير… ما هو غير التنين؟“
كانت إستيل مذهولة وهي تنظر إلى التنين الذي ينادي إيلين بصوت حزين. بدا التنين صغيرًا وعاطفيًا مما يعني أنه كان مرتبطًا بعلاقة ودية مع إيلين.
سألت إستيل بعد أن رفعت شعرها جانبًا:
“لماذا تبحث عن إيلين؟“
“إلين؟“
طار التنين حول إستيل بسعادة وهو يحرك ذراعيه وقال:
“إيلين! اشتقت إليك! إيلين!”
“أنا لست إيلين.”
توقف التنين فجأة وقرب وجهه منها يتفحصها بدقة، وعندما لاحظ تعبيرها، تغيرت عينا التنين إلى حزن.
“أنتِ لست إيلين، لكنك تشبهينها. من أنتِ؟“
“أنا… ابنة إيلين…”
“ما معنى ‘ابنة‘؟“
تعجبت إستيل من سؤال بسيط كهذا، وتأخرت في الإجابة، ثم قالت بصعوبة:
“…شخص يشبه إيلين.”
“هل يمكنني أن أخبرك بما يجب أن أقوله لإيلين؟“
نظرت إستيل إلى التنين بقلق. بعد تصرفه العدائي تجاه سيدريك، بدا الآن ودودًا معها.
“من أنت؟“
“أنا صديق إيلين، طلبت مني حماية هذا المكان!”
“ماذا طلبت منك؟“
طار التنين نحو الباب المغلق الذي بدا كجدار، ورفع ذراعيه قائلاً بحماس:
“طلبت مني أن أحمي هذا!”
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد. : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 43"