ربما بسبب التصريح المخيف في النهاية بدأ الطلاب المتجمدون يتراجعون ببطء للخروج من قاعة المحاضرات. عبس إيدغار وهو يرى الطالبة ذات الشعر الأبيض التي دخلت متأخرة والرجل الذي بجانبها لا يغادران بل يجلسان في أماكنهما.
‘ما هذا؟‘
“هل من أسئلة؟ أيها المتأخران.”
“م،متأخران؟“
صحيح ما قاله، لكن عندما يُقال ذلك بصراحة لا يُعرف بماذا يجب الرد. هل ينبغي عليهما أن يخفضان رأسهما ويعتذران على الفور؟
بينما كانت إستيل تفكر في ذلك، منع سيدريك جبينها من الانحناء بوضع كفه عليه وأظهر وثيقة مختومة بختم الإمبراطور.
“البروفيسور إيدغار لوران، جئنا بناءً على أمر الإمبراطور.”
بمجرد أن تأكد إيدغار من ختم الإمبراطور، تغيرت تعابير وجهه بسرعة إلى الغضب. بدت أن هذه المجموعة مزعجة للغاية… قال ساخرًا:
“من أنتم؟“
كان سيدريك مرتبكًا، إذ كان هذا ثاني مرة في حياته يلتقي بمن لا يعرفه. أما استيل فقد عاشت كعامة ولم تعرف الكثير عن عالم النبلاء، لكن هذا الرجل الذي عمل في القصر؟ كيف لا يعرف ما يجري في العالم؟ كان هناك تعاون مستمر بين معهد السحر والقصر بسبب الشياطين. لكنه لا يعرف قائد الفرسان المقدسين؟!
المهمة التي كُلف بها لمنع دمار العالم كانت تحمل له مفاجآت غير مألوفة. لكن لحسن الحظ تعلم من استيل كيف يتعامل مع من لا يعرفهم.
“أنا سيدريك إرنيست. والدتي قد تعرفك.”
“إرنيست؟ إيزابيلا إرنيست… تبا.”
عندما ذكر اسم إيزابيلا، ازدادت تجاعيد الغضب على وجه إيدغار. لم يكن ذلك كرهًا شخصيًا لإيزابيلا، بل ندمًا لأنه لم يستطع رفضهم. جمع سيدريك أمر الإمبراطور وأخفاه داخل عباءته، ثم قال:
“هناك أمور يجب مناقشتها. لنكمل الحديث في مكان هادئ.”
أغلق إيدغار عينيه بيده وهمس بحدة: “تبا…”
ارتجفت استيل من المفاجأة ونظرت بين الرجلين. ماذا قال؟ كيف يسمح لنفسه بهذا الكلام؟ رغم وجهه الجميل، إلا أنه يلعن! ولماذا يتشاجران فجأة؟
كان إيدغار ذا الشعر الوردي الجميل، لكنه تبادل الشتائم بشكل شرس. وبينما كان يراقب استيل بحذر، أشار إليها بسخرية وسأل بعصبية:
“ما هذا؟“
“أنا… لست هذا، أنا إنسانة.”
“ما هذا؟“
تجاهل إيدغار ردها ونظر بغضب لسيدريك.
آه، هذا الرجل مخيف جدًا… استيل انكمشت بسرعة وأومأت برأسها بخضوع.
“نعم… سألتزم بالأمر من الآن.”
لاحظ سيدريك تراجع استيل وابتسم في سرّه.
‘أمامي تقول كل شيء، لكن أمام الآخرين هكذا مطيعة؟‘
تأكد من أن باب القاعة مغلق، وخفض صوته قائلاً:
“لا تعاملها بخشونة. هي ليست مجرد شخص، بل ابنة الساحرة العظيمة.”
ومجرد أن سمع إيدغار هذا، تبدل تعبير وجهه من الغضب إلى التركيز، واقترب سريعًا من استيل وأمسك ذقنها.
“ماذا…؟“
“افتحي فمك.”
“ها؟“
قبل أن يتمكن سيدريك من التدخل، دخل إصبعه بفمها المفتوح.
“ما هذا؟ طعم الطباشير!”
كانت استيل تتلوى، لكن قوة الرجل كانت أكبر. استعاد سيدريك استيل من قبضته واحتضنها.
ضحك إيدغار وهو ينظر إلى إصبعه المبلل باللعاب الذي خدش داخل فم استيل.
“يعني أن لديها جينات الساحرة العظيمة هنا…”
في تلك اللحظة، فهمت استيل لماذا ذكر الإمبراطور اسمه بتلك التعابير الغامضة، ولماذا هرب عميد الأكاديمية بمجرد ذكر هذا الرجل.
وبينما كان يمشي بخطوات واثقة نحو المختبر، مسح لُعاب إستيل بلطف على جدار أنبوب اختبار، وكتب مذكرة بعنوان “عينة جينات الساحرة العظيمة” وهو يهمهم بأغنية هادئة.
كانت استيل شاحبة كالثلج، ثم فكرت في نفسها:
هذا الرجل مجنون تمامًا…
* * *
تحرك الثلاثة نحو مكتب إيدغار. وأثناء سيرهم في الرواق ظل إيدغار يحدق في استيل بنظرات مزعجة تكاد تكون مرهقة.
حركة شفتيها المتلعثمة عند الكلام، وخطواتها المترددة التي تتبع الرجلين، وأنفها المرتفع، وعيونها الذهبية التي تحدق فيه بازدراء…
قالت استيل:
“كفى من التحديق بي…”
رد إيدغار ساخرًا:
“أريد أن ألمس عينيك مرة واحدة فقط.”
“ابتعد عني!!”
اختبأت استيل خلف ظهر سيدريك وهي تصرخ مستغيثة. تنهد سيدريك وأمسك بالساحر المجنون الذي حاول الاقتراب من استيل.
“دعونا نتحاور من مسافة مناسبة.”
“أنا فقط فضولي، فقط لأن الأمر مثير للاهتمام.”
لاحظ سيدريك أن الوضع الذي كان متعبًا بالفعل أصبح أكثر إرهاقًا. فهناك امرأة تهاجم الناس بلا مبالاة لمجرد أنها تحب ذلك، ورجل يهاجمهم لمجرد أنه يجد الأمر مثيرًا للاهتمام. هو، الذي كان في الأصل شخصًا عاديًا يعيش حياة طبيعية، نظر إلى الساحر ذا الشعر الوردي بنظرة متعبة. ثم رفع إيدغار كتفيه وكأن الأمر مخيب للآمال، وفتح باب غرفة العمل
دخلت استيل ببطء مكتب إيدغار وهي تختبئ خلف ظهر سيدريك.
“واو!”
كان المشهد داخل المكتب مدهشًا لدرجة أن استيل، التي كانت عدائية تجاه إيدغار، خففت من حذرها. كانت الأوراق الكثيرة تحوم في الهواء، تُرتب وتصنف وتُصحح تلقائيًا وفقًا للدائرة السحرية التي أعدها إيدغار مسبقًا.
ابتعدت استيل عن سيدريك ونظرت حول المكتب المزدحم.
“آه!”
في تلك اللحظة، مرت ورقة طائرة من الطرف الآخر للغرفة ولامست شعرها، مما جعل قلبها يخفق بشدة، لكنها ابتسمت بدهشة وسعادة. كان الأمر وكأن هناك نظامًا وسط الفوضى. أما إيدغار، وكأن هذا الأمر معتاد لديه، فقد أمسك بالورقة الطائرة وأعاد رميها، ثم دفع ملفات الأوراق المكدسة على الأريكة، ودعاهم للجلوس.
نظر سيدريك، الذي بدا غير مهتم سوى باستيل، وسألها:
“هل تريدين شيئًا تشربين؟“
“ما الخيارات؟“
“ماء.”
“…لماذا تسأل إذن؟“
“من باب الأدب.”
انتهى السؤال عند هذا الحد، دون انتظار جواب. أزال إيدغار زهرة ذابلة من مزهرية مغبرة وصب ماءً في كوب، لم يكن واضحًا متى وضع الماء هناك. أخذت استيل الكوب وضحكت بخفة، لكن عرق بارد بدأ يتصبب على ظهرها.
فكرت استيل في نفسها:
كيف أتعامل مع هذا؟ أمي وهذا الرجل، يبدو أن كل السحرة مجانين ومغفلين!
لم تكن تعرف ماذا تفعل، وظلت تنظر إلى الماء البني في الكوب بصمت، ثم أخذ سيدريك الكوب برفق ووضعه على الأرض وتنهد قائلاً:
“هذه الآنسة استيل بلانشيه. ابنة الساحرة العظيمة إيلين إيفرغرين، وابنة المتعاقد مع الشيطان، تريستان بلانشيه. لم تستيقظ قوتها السحرية منذ وقت طويل، لذلك لا تعرف شيئًا عن السحر.”
سأل إيدغار:
“هل تريدون تسجيلها في الأكاديمية إذن؟“
أجاب سيدريك:
“لو كان ذلك ممكنًا، لكان ذلك جيدًا، لكن الظروف ليست مواتية.”
أوضح أن الدائرة السحرية التي تحبس الشيطان والتي أنشأتها الساحرة العظيمة ستنتهي صلاحيتها بعد خمسة أشهر، وبما أن استيل استيقظت حديثًا، فعليها أن تقتل الشيطان قبل انقضاء تلك الفترة. استمع إيدغار باهتمام ثم استند إلى الأريكة وتنهد.
“إذاً، إما أن تنتهي صلاحية الدائرة السحرية بعد موعدها، أو أن يتم كسرها عبر اتصال استيل، أليس كذلك؟“
“بالضبط.”
رمق إيدغار الفتاة الجالسة بجانبه بنظرة خاطفة. رغم طول قامتها، بدت صغيرة جدًا بجانب جسم الرجل الضخم. بلهجة هادئة، طرح سؤالاً مهمًا:
“هل تعرفين كيف تقتلين شيطانًا؟“
هزت استيل رأسها بـ لا.
“هل تعلمت شيئًا من الساحرة العظيمة؟“
هزت رأسها بـ لا.
“هل تشعرين بالثقة؟“
هزت رأسها بـ لا.
“لماذا تفعلين هذا إذن؟“
صمتت استيل للحظة، ثم أجابت بخجل:
“لا أحد غيري يستطيع فعل ذلك…”
سأل إيدغار:
“أيمكنك أنتِ فعل ذلك؟“
“لا يمكنني فقط أن أبقى ساكنة…”
هز الرجل شعره بتعب وأزلق لسانه مستغربًا.
“إذا بقيت ساكنة، ستموتين بعد خمسة أشهر. أنتِ تعجلين بالموت.”
عبس سيدريك بسبب وقاحة إيدغار، وردت استيل بثقة وكأنها لم تخف:
“من قال إنني سأموت؟“
“بالطبع أنتِ.”
أشار إيدغار إلى سيدريك قائلاً:
“هذا الرجل ربما يعيش لفترة أطول، لكنك؟ لو استمر هو خمس دقائق مع الشيطان، فأنتِ لن تصمدي حتى عشرين ثانية.”
ردت استيل بسخرية:
“عشرون ثانية فقط؟ سيدريك هل سمعت؟ نحن الاثنين معًا نستطيع الصمود خمس دقائق وعشرين ثانية.”
شعر سيدريك بالغضب، لا يعرف لماذا ردت بشكل إيجابي بدلًا من الغضب. ضحك إيدغار بخفة وعلق بابتسامة:
“أوه؟ لا. أنتِ مجرد عائق. بفضلك هذا الرجل سيعيش أربع دقائق وأربعين ثانية فقط.”
أُصيبت استيل بالصدمة وفتحت فمها على اتساعه. هزها سيدريك بهدوء ليعيدها إلى الواقع، ثم قال بنبرة تحذيرية:
“بروفيسور إيدغار لوران، أظنك لا تملك الآن خيارًا في هذا الأمر.”
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 36"