خرجت ميا من غرفة هيلين و توجهت مباشرةً إلى المطبخ. لأن المطبخ و مغسلة الملابس كانا المكانين اللذين يتم فيهما تداول معظم الأحاديث.
وكما هو متوقع. كان المطبخ اليوم يضجّ بأخبار هيلين و ليليث.
قالت خادمة ذات شعر بني في المطبخ وهي تجفف أدوات المائدة:
“القصر لا يهدأ هذه الأيام أبدًا.”
“أجل، حقًا.”
“إنها معركة حيتان، و نحن الروبيان… لا يمكننا الاستقالة.”
“لا يوجد مكان يعامل الموظفين بشكلٍ جيد مثل دوقية إيفرسيوم. بالإضافة إلى ذلك، الدوق شخص لطيف. السمعة الجيدة عنه منتشرة في جميع أنحاء الإمبراطورية.”
ردت خادمة ذات شعر أحمر كانت ترتب أدوات المائدة بجانبها.
“صحيح. وسيم ، ثري ، لطيف ، و مرموق… كان من المفاجئ أن تحمل تلك المرأة طفله، لكن عند التفكير في مسألة الوريث، فإن الأمر ليس مفاجئًا تمامًا.”
“من الطبيعي بالنّسبة للشخصيات الرفيعة أن يكون لديهم عشيقات.”
“يا لها من محظوظة لتحمل طفل شخص مثالي كهذا!”
“مَنٔ قال إن الدّوق مثالي؟”
تدخلت ميا بينهما بشكلٍ طبيعي و سألت. نظرت الخادمتان إليها بوجهين مندهشين.
“ميا؟”
“ما الأمر؟ ما الذي جعلكِ تتدخلين في مثل هذا الحديث؟”
“هذا يزعجني. أنتما تعرفان شيئًا واحدًا وتجهلان الآخر.”
“ما الذي نجهله؟”
“ضرب الدّوق لسيدتي. أين هو اللطف و الكمال في ذلك؟”
قالت ميا و هي تساعد في ترتيب أدوات المائدة بتمتمة، و كأن الأمر ليس شيئًا كبيرًا.
“ماذا تقولين؟ هل الدّوق يضرب السيدة؟”
“أنتما لا تخدمان السيدة، لذا لا تعرفان، أليس كذلك؟ فستانها مليء بالكدمات.”
“كانت تبدو بخير من الخارج، رغم أنها نحيفة بعض الشيء.”
“لا يمكن… لا يمكن أن يكون الدوق قد ضرب السيدة حقًا. ميا، ألستِ مخطئة في فهم شيء ما؟”
“إذا لم تصدقا، فلتخدماها بأنفسكما. على أي حال، الدوق ليس ذلك الشخص المثالي و الجيد كما تظنان.”
انتهى ترتيب أدوات المائدة بكلمة ميا الأخيرة.
غادرت ميا التي أنهت مهمتها الأولى دون تردد. بدا أن الاثنتين المتبقيتين استمرتا في الثرثرة، لكن ميا لم تلتفت.
مجرد زرع بذرة صغيرة لن يؤدي إلى أي شيء على الفور. لا مفر من أن يستغرق الأمر وقتًا حتى تنبت و تنمو و تؤتي ثمارها.
لكن البذرة التي زُرعت بين الخدم سرعان ما ستنبت شكوكًا في داخلهم.
بعد ذلك، بدأت بيكا و ميا في إحضار الهدايا إلى ليليث باستمرار.
كانت الهدية الأولى اعتذارًا عن وقاحة خادمتي، و الثانية تهنئة على حملها جاءت متأخرة.
و بما أن الهدايا كانت تُشترى من الميزانية المخصصة للدّوقة، فلم أتكبد أي نفقات شخصية.
هل كان ذلك بسبب سيل الهدايا المستمر؟ أصبحت ليليث أكثر غرورًا و تمشي في أرجاء الدوقية بتفاخر، كما خططتُ تمامًا.
إلى أي مدى كان غرورها؟
“سيدتي! تلك المرأة…!”
سألت بيكا التي دخلت مسرعة بعد أن ذهبت لإحضار الحلوى.
“بيكا، ما الأمر؟ ماذا حدث؟”
“تلك المرأة! أخذت الحلوى الخاصة بسيدتي!”
“ليليث أخذت الحلوى؟”
“نعم. كنت أحضرها عندما اعترضتني ماندي و أخذت الصينية. قالت إن تلك المرأة تريد أن تأكلها.”
ماندي هي الخادمة التي خُصصت لخدمة ليليث.
أخبرتني ميا ذات مرة أنها مخلصة جدًا لها، ربّما لأنها توقعت أن تحصل على شيء منها.
‘ها قد بدأت البذرة في الإنبات.’
“أليس هذا مبالغًا فيه حقًا؟ كيف يمكنها أن تأخذ حتى طعام سيدتي؟ هل الدوقية خالية من الطعام؟”
استمرت بيكا في التذمر و الغضب. أجبتُ بيكا بهدوء:
“لا. بل هذا جيد.”
“ماذا؟ جيد؟”
“أجل. عندما أخذت ماندي الحلوى، هل كان هناك أحد حولها؟”
“حسنًا… لا أتذكر بالضبط، لكن كان هناك عدد لا بأس به من الأشخاص. و كان كبير الخدم قريبًا أيضًا.”
حتى كبير الخدم كان موجودًا، هذا حظ جيد.
كان هذا هو التوقيت المناسب لتثبيت التعاطف معي بشكلٍ مؤكد. قبل ذلك، لم يكن بإمكانهم التعاطف معي علنًا لأنني كنت ما زلت أتمتع بامتيازات الدوقة، لكن الأمر اختلف الآن.
بالطبع، كانت هذه خطة قد تجعلني أبدو في موقف مهين.
لكن ، ألم أصبح كذلك بالفعل بسبب بـرود إيلارد و تصرفات ليليث معي؟
لم أكن في وضع يسمح لي بترتيب أوراقي من أجل الطلاق.
“بيكا، ماذا يجب أن تخبري الناس في المطبخ الآن؟”
“آه… أن تلكَ المرأة أخذت الحلوى الخاصة بسيدتي؟”
سألتني بيكا و هي تحرك عينيها.
“صحيح. لكن يجب أن يبدو الأمر أكثر درامية.”
“آها! فهمت. سأذهب و أخبرهم أن سيدتي قالت بتعبير وحيد و كأنها على وشك البكاء: ‘إذا كانت ليليث تريد أن تأكلها، فلتأكلها، فلديها طفل في بطنها’.”
غادرت بيكا مسرعة بعد أن قامت بتمثيل دوري بتعبير حزين و مؤثر.
بالنّسبة لي، لم يكن مهمًا إن أكلت الحلوى أو لم آكلها.
ماذا تساوي قطعة الحلوى هذه؟
المهم هو أن ليليث أصبحت تتصرف بأنانية و تتجاوز حدودها لدرجة أنها تطمع في طعامي أيضًا.
‘أتمنى أن يستمر الأمر بسلاسة هكذا.’
شعرت بقلق مفاجئ ينتابني لأن الأمور تسير بسهولة كبيرة، لكنني قمت بتهدئة نفسي بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
بعد ذلك الحادث، بدأت الآراء داخل الدوقية تتغير تدريجيًا.
سمعت من ميا أن الشائعات حول ليليث تدور حول أنها بخيلة بشأن الطعام، و أنه لا يمكن تغيير أصلها العامي، و ما إلى ذلك من الأقاويل.
و اليوم، كنت أخطط للتظاهر بأنني ملاك أكثر تجاه ليليث.
“بيكا، اليوم أرسلي دبوس الشعر هذا إلى ليليث.”
كان لدي ما يكفي من المجوهرات لإهدائها. لقد استدعيتُ تاجرًا من المنطقة و اشتريت كمية كبيرة مسبقًا.
“سيدتي، على الرغم من أنها خطة، إلا أنه أمر مؤسف للغاية. تلك المرأة ليس لديها ذوق لتقدير شيء كهذا.”
تذمرت بيكا و هي تأخذ دبوس الشعر مني.
“اعتبري هذا تضحية بالجزء الأصغر من أجل المصلحة الكبرى. إنها أموال الدوقية على أي حال.”
“و مع ذلك. كان يمكن أن تستمتعي أنـتِ بها أكثر.”
“أنا بخير. أنا لا أطمع كثيرًا في أدوات الزينة.”
“تنهيدة، سأذهب و أوصله الآن.”
تنهدت بيكا و وضعت دبوس الشعر في علبة و غادرت الغرفة.
و بعد مرور بعض الوقت، فجأة ساد ضجيج خارج الغرفة.
ما الأمـر؟
قبل أن أتمكن من التحقق من الخارج، فُتح الباب فجأة و اندفعت ليليث إلى الداخل.
“ما الذي تفعلينه بي الآن؟”
كانت تتنفس بعصبية و تبرز بطنها المنتفخ قليلاً إلى الأمام.
“ماذا أفعل؟ ألم تعجبكِ الهدية التي أرسلتها؟”
“إذا تصرفتِ بهذه الطّريقة يا هيلين، سأبدو أنا الطفلة الشريرة! و هذا الدبوس! لا يحتوي على أي مجوهرات!”
ألقت ليليث دبوس الشعر الذي كانت تمسكه مباشرة نحوي.
“آه!”
ارتطم دبوس الشعر بجبيني و سقط على الأرض.
شعرت بلسعة في جبيني من الجزء الحاد للدبوس، و بدا أن الدم بدأ ينزف.
“يا إلهي!”
“سيدتي! ما الذي حدث!”
غطت بيكا و الخدم الآخرون الذين تبعوا ليليث أفواههم في دهشة.
أخيرًا، تصرفت ليليث و أقدمت على إيذائي بشكل مباشر. سواء كان ذلك متعمدًا أم لا. الحقيقة هي أنني قد أصبت.
و مع ذلك، يبدو أنها ليست غبية تمامًا كما ظننت.
يبدو أنها تعلم أنها ستصبح الطفلة الشريرة إذا قدمتُ لها هدية بعد أن أخذت طعامي.
لكن يبدو أن سبب غضبها مني مختلف عن ذلك.
التقطت دبوس الشعر الذي سقط على الأرض.
“إنه لأمر مؤسف أنـكِ لم تجديه جذابًا، مع أنه شيء اخترته بنفسي لأجلكِ.”
“أن ترسلِي لي شيئًا كهذا لا يحتوي على أي مجوهرات كهدية! ألستِ بخيلة جدًّا مقارنة بكونكِ سيدة الدوقية؟”
وضعت ليليث يديها على خصرها بكل وقاحة.
لم يكن دبوس الشعر مرصعًا بالمجوهرات كما قالت ليليث. لكنه كان مصنوعًا من قماش و دانتيل باهظ الثمن، و لم يكن رخيصًا على الإطلاق. لكن يبدو أن ليليث لم تدرك ذلك.
“حسنًا، في المرة القادمة سأعطيكِ شيئًا مرصعًا بالمجوهرات.”
“همف. بالطبع يجب عليكِ ذلك. بما أنني أحمل طفل الدّوق في بطني، فمن حقي الطبيعي أن أرى و أتناول و أتمتّـع بأفضل الأشياء.”
“ما هذه الضجـة؟”
متى وصل الأمر إلى إيلارد؟
لقد ظهر اليوم أيضًا كالفارس على حصانه الأبيض لإنقاذ ليليث.
و عند رؤيته، أشرق وجه ليليث بفرح منتصر و واضح.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"