ليست تلميذة بل مساعدة؟ هذا التصريح كان حقًا يعكس شخصيتها.
كما توقعت، إنها شخصية مثيرة للاهتمام.
بعد وقتٍ قصير، حددت موعدًا وذهبت إلى مشغلها تحت إرشاد والدي.
كانت تايلور ذات حاجبين كثيفين وتلك الملامح الخالية من التعابير تملك فعلًا هيبة كما أشيع عنها.
لكن لم يكن هناك ما يدعو للرهبة.
فأنا أيضًا مررت بفترة في حياتي عُرفت فيها بالعبقرية الفذّة وبالغرابة أيضًا.
بل يمكن القول إنها تشبهني إلى حدٍّ ما.
وإن كنت لا أرغب بالاعتراف بذلك.
اكتفت تايلور بإلقاء تحية باهتة ثم تقدّمت وجلست أمامي.
حينها تأكدت أن قراري بعدم اصطحاب والدي كان صائبًا.
لو رآها لأُغشي عليه من هول المشهد.
نظرت إليّ بطرف عينها ثم رمت أمامي حزمة كبيرة من الباترون قائلة:
“من هنا إلى هنا. انسخيها كما هي.”
(باترون: نموذج ورقي يُرسم عليه شكل القَطعة التي ستُقص من القماش)
هذا النوع من الأعمال عادةً ما يتطلب أكثر من عشر ساعات من العمل المتواصل.
وكان من بين الأنماط ما يُعرف بـ “نقشة الوولينغ”، وهي صعبة ومعقدة إلى درجة أن تعلمها شرط أساس لتنفيذها.
بمعنى آخر، كانت هذه طريقة غير مباشرة لتقول إنها لا تريد أي مساعد.
على الأغلب، كل من جاءها سابقًا طُرد أو انسحب من تلقاء نفسه بعد هذا الاختبار.
لكن بعد ساعة واحدة فقط ناديتُ عليها.
وقدّمت لها الأنماط منسوخة بدقة متناهية.
وعندما تأكدت من النتيجة، بدت على وجهها ابتسامة خفيفة وغريبة.
لا يخفى طَبع الغريبيْن إذا التقيا.
وبما أنني أنتمي إلى هذا النوع، استطعت تحليلها بسهولة ..كانت تبتسم لأن الأمور بدأت تصبح مشوّقة بالنسبة لها.
قالت وهي تسحب قطعة أخرى:
“انسخي هذا أيضًا.”
ملامح وجهها كانت تقول بوضوح “هذه لن تستطيعي إنجازها.”
طلبت مني أن أطرّز نقشة “الريپن” على قماش خشن مستورد من الخارج لم يُستخدم بعد في الإمبراطورية.
(هلنوع من الانقاش خيالي تقريبًا وليس حقيقي لانني بحثت عنه ولم اجد له صوره)
كان هذا الطلب بمثابة طرد مبطّن.
ولكنني بطبيعة الحال، أنجزته بكل إتقان.
فهذا النوع من العمل قمت به آلاف المرات.
وبعد ساعتين، كانت تحدّق بي تارة وبالنقشة تارة أخرى كأنها ترى شبحًا أمامها.
ربما لأن مستواي تجاوز مستواها في الحرفة؟
بل من المؤكد أنني أنهيت العمل أسرع منها بكثير.
لم أقل شيئًا، لكنني واثقة من ذلك.
رغم أنها كانت تحاول ألّا تتأثر بثقتي الواضحة، فإنها في النهاية قبلتني كتلميذة، لا كمجرد مساعدة.
ومنذ ذلك الحين، كنت أزور المشغل ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل.
وكان الانسجام بيننا مفاجئًا.
*
“ما نوع القماش الذي ترين أنه يناسب هذا التصميم؟”
“القماش الخفيف الشفاف من نوع سوفرين لَيد سيكون مثاليًا لِما فيه من خفّة وحركة.”
“من حيث الشكل فقط أوافقك. لكن ماذا عن ضعف قدرته على حفظ الحرارة؟”
“بما أن قماش السوفرين ضعيف في المتانة والحفاظ على الحرارة، فالأفضل استخدام قماش الليناي كقاعدة، ثم إضافة طبقة من السوفرين فوقه، مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص المواسم الباردة.”
عقدت حاجبيها بقوة.
ربما هذا هو التعبير الموحد الذي يظهر على وجه كل غريب أطوار عندما ينغمس في مجاله المفضل.
للحظة، شعرت وكأني أنظر في مرآة.
لو رآنا أحد من بعيد، لظن أننا نتشاجر…
لكن الحقيقة أن التفاهم بيننا كان في قمة الانسجام.
نادراً ما أجد من يناقشني بهذا العمق في شؤون الأزياء.
وبينما كانت نقاشاتنا الحامية تستمر، اقتربت الساعة من السادسة.
رغم أن الوقت في العادة غير محدد، فقد أخبرتها مسبقًا أنني مضطرة للانصراف باكرًا اليوم.
لدي موعد مع جيف.
الأستاذة تايلور ليست ممن يهتمون بحياة الآخرين، لا من قريب ولا من بعيد.
لكنها اليوم على غير عادتها رفعت نظارتها قليلًا ونظرت نحوي كأنها تحاول المماطلة.
“هل لديك موعدًا مهم اليوم؟”
“…عذرًا؟”
“يبدو أنكِ بذلتِ جهدًا في مظهركِ.”
كالعادة، لم تغب عنها التفاصيل.
نعم، بذلت جهدًا قليلًا.
فلا يمكنني الذهاب لمقابلة من أطلب منه أن يكون مصدر إلهامي بمظهر عادي أليس كذلك؟
ابتسمتُ بخفة وأجبتها بنبرة مرحة:
“فقط لأن الطقس جميل.”
ردّ سخيف لتغطية الموقف، لكنها لم تسأل أكثر.
وهذا بحد ذاته يُعدّ أعلى مستوى من الاهتمام تُظهره تجاه أي شخص.
تركتها خلفي، بتعبيرها الغامض، وخرجت مسرعة إلى العربة.
*
الطريق إلى باردوغا كان لا يزال نقيًّا وصفوًا كما كان دائمًا.
وبعد مسافة من السير، ظهرت أحياء مُهملة تتكوّن من أبنية منخفضة وبالية.
في السابق لم ألاحظ تفاصيلها من التوتر.
أما الآن وأنا أرتدي فستانًا أبيض وحقيبة مزيّنة بالريش، فقد بدوت غريبة وسط هذا المشهد.
ما إن نزلت من العربة وبدأت خطواتي ترنّ فوق الأرض حتى تسارع نبض قلبي.
اقتربت من الزقاق بخوف خفيف.
“هل سيكون جيف هنا؟”
لو استندت إلى صورته وهو يحدق بي حتى اللحظة الأخيرة بالأمس، فقد يكون ظنّني مجنونة.
ربما لم يأتِ اليوم.
وسيكون ذلك محزنًا قليلًا.
لأنه سيكون أول صديق أكوّنه في حياتي… ويختفي بعدها.
ومع انشغالي بهذه الأفكار، دخلت إلى الزقاق فرأيت جيف.
رغم بعد المسافة، إلا أن جسده الصغير لا يمكن أن يُخطأ في التعرف عليه.
لكن جيف كان مُلقى على الأرض.
وكان هناك صوت خافت لأقدام تبتعد سريعًا تُحدث طقطقة فوق الرصيف.
ركضت بكل ما لدي حتى شعرت أن فستاني قد يتمزق.
لا شك أن عصابة لاكي التي رأيتها أمس قد عادت.
أولاد الجحيم، كم هم جبناء.
كان خطأي أنني اخترت اللقاء هنا.
كان هناك الكثير من الأماكن الأخرى… لكنني من بين الجميع، طلبتُ منه المجيء إلى هذا المكان.
وقفت أمام جيف بقلب مرتجف، لكنه لم يفتح عينيه.
وحين رفعتُ بحذرٍ طبقات ملابسه الممزقة والمهترئة، ظهرت بوضوح آثار الكدمات وخطوط من الدم الجاف.
بيدين مرتعشتين رفعت رأسه ووضعته برفق على ساقي لتنكشف عندها أيضًا جروح طويلة مخدوشة على وجهه.
“جيف؟ جيف!”
بدأتُ أهزّه بخفة من شدة الخوف، لكن يدي سرعان ما زادت ارتجافًا مع مرور الوقت.
ومع ذلك لم يُبدِ أيّ حركة ولا حتى رمشة.
مع أن الرؤية باتت ضبابية من الدموع تماسكت بالكاد واستدرتُ.
كان عليّ حمله إلى أقرب مركز علاج… لكن أين كان ذلك؟
تشابكت أفكاري وسط دموعي.
شعرت فجأة بيد صغيرة تمسك بذراعي.
وحين التفتُّ رأيت وجه جيف شاحبًا ومتصلبًا قليلًا ولكنه… يبتسم، كأن شيئًا لم يحدث.
“متى وصلتِ؟”
أتراه يظن أن الوقت مناسب لمثل هذا السؤال؟
“هل أنت بخير؟”
راح يحدق بي للحظة بصمت، ثم خفَض عينيه بحزن ثقيل.
للحظة تساءلت بقلق إن كان قد تلقى ضربة في رأسه.
“لا بأس، مجرد أمر تافه.”
في مثل هذا الوضع… هل تبتسم فعلًا؟ أنت؟
تلك الابتسامة الباهتة وكأنها لا تعني شيئًا، جرحت قلبي بصمتها.
وبلا تفكير جذبت جيف إلى حضني وعانقته بشدة.
“أنا آسفة… كان خطأي أن طلبت منك المجيء إلى هنا.”
تجمد جيف بين ذراعيّ كمن أصيب بالذهول ولم يحرك ساكنًا.
واستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن ألاحظ… أن جسده كان متيبسًا تمامًا.
أبعدت ذراعي وبدأت أُقلّب جسده هنا وهناك بقلق.
“كل هذه الإصابات… كم تألمت يا جيف.”
وكلما اكتشفت جرحًا جديدًا، كان الغضب داخلي يشتعل أكثر تجاه أولئك الأوغاد.
هل تعلمون ما هو مبدئي في الحياة؟ أن أرد المعروف أضعافًا، وأن أقتص من الأعداء أضعاف أضعافه.
تلك قاعدة لم أتخلَّ عنها يومًا.
وفجأة شق خيط دم جديد طريقه من على ذراع جيف ليتساقط ببطء.
“أنت تنزف…”
لا مجال للتردد، العلاج أولًا.
في البداية، ظننت أن عليه أن يُنقل إلى القصر فورًا، فقد بدا وكأن حالته خطيرة.
لكن الآن، وبعد أن هدأ الوضع قليلًا، بدا أن الأمر لا يستدعي تدخل معالج متخصص.
رغم ذلك، إن تأخرنا أكثر فقد تتعفّن الجراح.
إذاً، المكان الوحيد الذي خطر ببالي هو…
الوجهة التي كنت أنوي اصطحابه إليها من البداية هي ….
ملاذي السري، حيث لا أحد سواي، مرسم رقم 15… لافي آن روز
أمسكت يده الصغيرة دون تردد وهرعت به إلى هناك.
وكان جيف طوال الطريق يحدّق في يدنا الممسكة وكأنها ستنفجر في أي لحظة.
وصلنا أخيرًا.
مبنى أبيض ناصع كفستاني، مبنيّ من حجارة براقة يطلّ على البحر المفتوح من الأمام، وتحفّه حديقة فسيحة من الخلف.
هذا مكاني السري الذي كنت ألجأ إليه كلما رغبت بالهروب من العالم، ولا أحد سواي يعرفه.
لذا كانت هذه أول مرة أصطحب فيها أحدًا معي إلى هنا.
في وحدتي الطويلة، كان البحر خلف الزجاج هو صديقي الوحيد.
ربما لهذا السبب… حين دخلت هذا العالم مع شخصٍ آخر، شعرت بشيء غريب ينبض في قلبي.
لم ألاحظ أنني ما زلت ممسكة بيده حتى وصلنا.
“آه… آسفة.”
فجأة انتبهت، وسحبت يدي بسرعة وقد احمرّ وجهي خجلًا.
كفِّي المتعرّق ما زال يحتفظ بحرارته.
رفعت رأسي لأجد وجه جيف أيضًا محمرًّا بشدة.
شعره تناثر قليلاً مع الريح وتسللت بين خصلاته عينان زرقاوان كأنّ البحر نفسه استقرّ فيهما.
رأيت الكثير من الفتيان في حياتي، لكن لم أرَ وجهًا كوجهه من قبل.
لم أعرف معنى الرغبة في الامتلاك يومًا… لكن في تلك اللحظة أحسست بها.
لم أكن أفهم لماذا تتعلق الفتيات بدُمى صغيرة أو تبكين من أجل تاج…
لكن الآن؟
أعتقد أنني بدأت أفهم.
_______
فيه اسماء مناطق بدأت انسى شلون ترجمتهم ف بعيد ترجمتهم بس يمكن ماتكون متل الي قبل
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟!
اكتبو في البحث تبع التيلي :
@snowestellee
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"