على الأغلب، قد صدّقوا العُذر الذي اختلقه المدير هان جون هو قائلًا: “لقد قالت الآنسة نا سوجونغ إنّها لم تعد قادرة على الاستمرار…”
وسمعوا على ما يبدو أنَّ رئيسهم إن وو تايك رآها تفقد صوابها بسبب رؤيتها لنوبة تشنّجه لأوّل مرة، وأنَّ الرئيس، بوجه ملؤه الاشمئزاز، قد طردها من طرف واحد.
عجزت سوجونغ عن دحض هذه القصة وعن قول الحقيقة، فاكتفت بالصمت وهي تكظم غيظها من توبيخ السيدة الهستيري. في تلك اللحظة، قرّرت فجأة أنَّ عليها الذهاب إلى محطّة الحافلات السريعة، وكانت رغبتها الوحيدة هي رؤية أمّها.
“أُمّي، أشتاقُ إليكِ.”
“يا أُمّي، يجب أن أذهب لأراكِ…”
لم تستطع تحمُّل الشوق لرؤية أمّها التي أصابها الشلل النصفي منذ ست سنوات، وخضعت لعدّة عمليّات جراحية، وها هي أخيرًا تتلقّى العلاج التأهيلي في مصحّة ريفية.
في الواقع، لم تكن أمّها يومًا أمًا بالمعنى الحقيقي بالنسبة إليها. ولم تستطع سوجونغ العيش كابنة لها أيضًا.
أحيانًا، كانت سوجونغ تتمنّى أن تمسك بيد أمّها مثل صديقاتها الأخريات وتتجاذب أطراف الحديث عن أمور تافهة، وتتوق للركض إليها وهي تناديها: “يا أُمي”، وتلقي نفسها بين أحضانها. وكانت تتمنّى أن تشتكي إليها وتعبّر عن حيرتها عندما تواجه مشكلة صعبة، أو أن تتذمّر وتطلب شيئًا منها كأي طفلة عاديّة.
لم تحظَ سوجونغ بفترة تنعم فيها بالدلال الكافي أو فترة تنمو فيها تحت توجيهات أمّها التي تُصدع الرأس. كلّما تذكّرت أمّها، شعرت دائمًا بالقلق والتوتُّر.
ألم يكن اليوم هو اليوم الذي قالت فيه أمي إنّها ستتظاهر أمام مبنى سونغ كوانغ؟
أو هل سيأتي اتصال من مكتب محاماة ما؟ يقول إنَّ أمّها قد انهارت، أو يطلب منها أن تأتي وتأخذها؟
لقد كان عملها اليومي هو تتبع تحركات أمّها والاستعداد لكل الاحتمالات، وهي تعيش في قلق مستمرّ.
منذ أن أصبحت طالبة جامعية، لم تعش حياة مُتّزنة قط بسبب حادث سيارة تعرّضت له والدتها.
فكانت حياتها مكرّسة للعيش كحارسة لأمّها المريضة التي لا تتوقف عن الخضوع للعمليات الجراحية وإعادة التأهيل.
ومع ذلك، أجبرت سوجونغ.نفسها على التفكير بأنَّ عليها أن تكون شاكرة على الأقل لأنَّ أمّها ما زالت على قيد الحياة حتى الآن.
بفضل وفاء السيدة هو جين جو بوعدها، تمّ نقل والدة سوجونغ حاليًا إلى مصحّة تقع على سفح جبل في سانغجو، بمقاطعة كيونغبوك، حيث الهواء نقي والمرافق جيّدة جدًّا. وهي تتلقّى العلاج التأهيلي بمساعدة مُمرّضة ودودة.
“مهمّتك هي البحث عن أخطاء ‘إن وو تايك’ والكشف عنها بالتفصيل وتقديم تقرير بها. أيّ شيء بسيط، أيّ شيء على الإطلاق، سيكون جيّدًا. هذا هو واجبك الأوّل. بل يجب أن أقول: مهمتكِ.”
الوصية التي أوصتها بها السيدة هو جين جو عندما أرسلت “سو جونغ” لتكون معالِجة الرئيس إن بالفن، بدت عادية للوهلة الأولى:
“يجب ألّا يكون لدينا أسرار. تذكّري، لا تنسي أبدًا أن تبلّغيني بأي شيء يتعلّق به…”
ولكن مع مرور الوقت، بدأت سوجونغ تشعر أنَّ تعليمات السيدة هو أصبحت غير منطقية تدريجيًّا.
“…عليك أن تُصبحي مقرّبة منه قدر الإمكان.”
أصبح مقربة منه قدر الإمكان؟
أنا وذلك الرجل؟
لم يكن هناك أي ثغرة في جدار إن وو تايك، ولم يكن ليفتح قلبه لها أبدًا. فكيف يُمكنها أن تُصبح مقرّبة منه؟
حتى الحادث الذي وقع في مصعد مبنى سونغ كوانغ، والذي بدا وكأنه قدريّ، لم يُسهم في تقريب المسافة بينهما على الإطلاق.
فاللحظة الدرامية التي التصق فيها جسدها بجسده، والتصرّف الحازم الذي قامت به سوجونغ” لحمايته، لم يتركا أي انطباع لدى الرجل.
‘من المستبعد أن تكون السيدة هو جين جو قد عطّلت المصعد عمدًا.’
بعد تلك الحادثة، ساورت الشكوك سوجونغ تجاه السيدة هو من حين لآخر. لكن بعد أن تأكّدت لاحقًا من أنَّ السيدة هو جين جو نفسها كانت مصدومة جدًّا من حادث المصعد، تخلّت عن شكوكها.
بالمناسبة.
ماذا عساني أن أردّ إذا لامني جانب السيدة هو لأنني لم أبلّغ عن نوبة التشنّج التي أصابت الرئيس إن؟
هل أقول إنّه بسبب توقيعي على عقد يمنعني من إفشاء سرّ نوبة التشنّج؟
أم هل يجب أن أختلق عذرًا وأقول إنني تلقّيت نصف مبلغ المئة مليون وون كـتعويض من الرئيس إن وو تايك؟
على أي حال، لم تكن المشكلة بسيطة.
أدركت سو جونغ أنَّ سبب عدم إفشائها لسرّ نوبة الرئيس إن، متجاهلةً توسّلات السيدة، لم يكن بهذه البساطة.
قرّرت سوجونغ أنَّ عليها أن تلتزم بالجهل والإجابة بـ”لا أعرف” عندما يلومونها لاحقًا.
…لأنّني حقًّا لا أعرف.
والمشكلة الأخرى كانت تنتظرها. بما أنها لم تعد تعمل كمعالجة للرئيس إن وو تايك، فقد أصبح دفع تكاليف مصحّة والدتها أمرًا مُلحًّا.
“حسنًا، سأرى أمّي أوّلًا… سأرى وجه أمّي، وبعد ذلك سأقلق بشأن أي شيء آخر. أمّا مشكلة تكاليف المصحّة… فستُحَلّ بطريقة ما.”
لترتيب أفكارها المُبعثرة، نظرت سوجونغ.لا إراديًّا إلى النافذة.
ما زالت الحافلة في النفق المظلم.
شَعَرت وكأنَّ هذا النفق طويل بشكل خاص.
كانت الأضواء تنعكس على الفراغ المُعتم وتمرّ سريعًا عبر زجاج الحافلة. حاولت سوجونغ أن تتذكّر وجه والدها الذي لا يزال عالقًا في ذاكرتها من أيام شبابه، لكنّ أفكارها كانت تضلّ طريقها باستمرار.
إن وو تايك.
اجتمعت أفكار سوجونغ عليه تلقائيًّا.
لم تكن نتائج مراقبة إن وو تايك.لفترة طويلة مُدهشة.
كان الرجل مُجرّدًا من أي اهتمام بالعيش.
‘عديم الألوان، آلي، فراغ. يا للعجب، لا يُصدَّق! رجل في مثل هذا الموقع، ومع ذلك لا يسعى إلى أي متعة على الإطلاق في حياته…’
كثيرًا ما تساءلت سوجونغ.عن حياته. وعندما دقّقت النظر في سبب مرافقة هان جون هو. له دائمًا، متنقّلًا بين منزل إن وو تايك وشركته بصفته سكرتيره التنفيذي، وجدت الجواب.
لقد كان إن وو تايك يرسم حدودًا حول كل شيء باستخدام المدير هان.
بمعنى أنّه وضع المدير هان جون هو كسورٍ بينه وبين العالم، مانعًا أي شخص من تجاوزه.
أو ربّما.
كان وجود المدير هان ضروريًّا لمنع العلاقات المباشرة مع الآخرين.
لكن كان هناك شيء غريب. كانت هناك أوقات شعرت فيها سوجونغ بوضوح بنظرات الرجل اللامعة التي تشبه الحيوانات المفترسة، والتي كانت مُختلفة تمامًا عن موقفه الهادئ والبارد.
في كل مرّة، كانت سوجونغ تُحاول أن تكبح القشعريرة التي تسري في جسدها وتتصرّف بهدوء، لكنّها كانت تشعر بالقلق والخوف في داخلها.
‘السيدة لا تعلم. أن تُنصب فخًا لرجل كهذا باستخدام شخص مثلي…’
اعتقدت هو جين جو، التي لم تستطع مهاجمة رئيس مجلس الإدارة إن إيون سانغ مباشرةً، أنَّ بإمكانها إيجاد نقطة ضعف في حفيده. علاوة على ذلك، كانت السيدة هو.تحرّض سو جونغ وتدفعها للانتقام متى أرادت، بسبب ضغينة السيدة هو على إن إيون سانغ. كانت تتوق إلى اليوم الذي تطعن فيه سو جونغ حفيد إن إيون سانغ بخنجر بارد وحاد، ولكن…
‘منذ متى أصبحت هكذا؟ أشعر وكأنني أعيش كقشرة فارغة.’
أمٌّ عاشت فقط لتنتقم لوفاة زوجها ووالدها الذي لم ترَ وجهه قط. وسوجونغ التي عاشت كالشخص الوحيد المتبقّي لأمّها التي انهار قلبها وجسدها.
شَعَرت سو جونغ بأنّه لم يتبقَّ لها شيء.
<مصحّة مونجانجداي الجبلية>
ظهر أمام عيني سوجونغ مبنى خشبيّ من ثلاثة طوابق. استغرقت الحافلة السريعة من سيول حوالي ساعتين، ثم تبعتها رحلة بسيطة بسيارة الأجرة استمرّت ساعة أخرى تقريبًا. بسبب وصولها قرب منتصف الليل، شعرت سوجونغ بالقلق وانتابها التوتُّر.
“يا أم إيون جين، أنا… أنا هي.”
عند مدخل المستشفى، اتصلت سو جونغ بـمُمرّضة أمّها على هاتفها المحمول. ردّت أم إيون جين على الفور، وكأنها كانت تنتظر، وقالت في عجلة:
[يا سو جونغ، هل وصلتِ حقًّا؟ انتظري لحظة. سآتي إليكِ، ابقي في الأسفل، لا تصعدي، حسنًا؟]
كان صوت قلب سوجونغ ينبض بشدّة لدرجة أنه كاد يطرق طبلة أذنها.
شعور غريب ينتابني.
وبالفعل، بعد وقت قصير جدًّا، نزلت أم إيون جين مسرعةً على الدرج، وفتحت الباب الزجاجي لاستقبالها.
“…يا سوجونغ، يا سوجونغ! ماذا نفعل الآن؟”
عضّت سوجونغ شفتيها وهي ترى وجه أم إيون جين المُحمرّ من القلق.
…كان متوقّعًا.
لا شكّ، ما هي المكيدة التي دُبّرت هذه المرّة؟
لمحَ عقلها بسرعة وجه السيدة هو جين جو.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"