“لو كنتِ أنتِ ملك الشياطين، أما كنتِ ستشعرين بالظلم؟”
في تلك اللحظة، مرت في ذهني بسرعة كل الأفكار التي راودتني من قبل.
أعني، الشكوك التي راودتني حول احتمال أن يكون البطل الحقيقي هو ملك الشياطين.
…لقد مرت بالفعل 999 سنة منذ تأسيس أتيلويّا. وقيل إن ملك الشياطين وُجد قبل ذلك بكثير، لذا فلا بد أنه عاش آلاف السنين.
إن كان البطل الحقيقي هو حقًا ملك الشياطين، كما شككتُ سابقًا. وإن كان، كما قال ذلك الرجل، قد ظل حيًا طوال ذلك الوقت دون أن يتمكن من الموت؟
وليس فقط حيًا بهدوء، بل وهو يتعرض لهجمات وكراهية البشر باستمرار. دون أن يتمكن من الاندماج في أي مكان.
ففي تلك الحالة، يكون ملك الشياطين قد عاش آلاف السنين دون أن يعرف سبب وجوده، فقط ليكون هدفًا لغزو “برِسيبي”.
ببساطة لأنه صُمم على هذا النحو. لأن إعدادات اللعبة قررت ذلك.
طبعًا، ملك الشياطين لا يعلم أنه الهدف الحقيقي للغزو، ولا أن هذا العالم مجرد لعبة وليس واقعًا…
“أجيبي.”
قال الرجل مجددًا بنبرة قوية.
“أما كنتِ ستشعرين بالظلم؟”
“…نعم.”
أجابت برِسيبي بصوت خافت جدًا.
“أعتقد أنني… كنت سأشعر بالظلم.”
في الحقيقة، سواء قبل أن ألعب اللعبة أو حتى بعدما لعبتها وتجسدت داخلها، لم أفكر أبدًا في وجهة نظر الشخصيات.
حتى بعدما نجحت في غزو ديتريش، زيجفريد، إيفان، آتاري ونواه، لم يخطر لي ذلك.
وفوق ذلك، أولئك الخمسة اللعينين كانوا يعيشون حياة مرضية بطريقتهم سواء قبل لقاء برِيسيبي أو بعده. على عكس ملك الشياطين تمامًا.
لكن كما قال الرجل، إن كان ملك الشياطين قد قضى كل تلك السنوات فقط لأنه يجب أن يلتقي ببرِيسيبي… فلا بد أنه شعر بالظلم فعلًا.
“…”
رغم أن برِيسيبي أجابت، لم يظهر الرجل أي ردة فعل. فقط حدّق بها من أعلى بوجه اختلف قليلاً عن ذي قبل.
“لكن لماذا تسألني عن مثل هذا الشيء؟”
نظرت برِيسيبي إلى وجه الرجل بصمت، ثم سألت بشجاعة.
“من يدري.”
بدا أنه سيلزم الصمت للحظة، ثم حرك شفتيه الجافتين بصوت منخفض.
“ربما لأنني فضولي بشأن ما يفكر فيه مخلوق نصف شيطاني؟”
“…”
“أو لأنني فضولي حول الجهة التي سينحاز لها مخلوق شيطاني مثلك.”
من الخارج، قد يبدو الجواب عاديًا، لكن لسبب ما شعرت بعدم الارتياح. كأن الرجل يكذب.
“لكن كيف تعرف كل هذه الأشياء؟”
سألت برِيسيبي من جديد.
“أشعر وكأنك كنت تراقب ملك الشياطين عن قرب.”
“صحيح.”
“ماذا؟”
“راقبته. من جانبه.”
“…”
“رأيت كم من الوقت الطويل، وكم من العذاب قضاه وهو يقاوم.”
ابتسم الرجل بسخرية.
“أنا مخلوق شيطاني وُجد منذ وقت طويل جدًا.”
“إذاً، ماذا حدث لملك الشياطين…؟”
“اختفى.”
توسعت عينا برِيسيبي بفزع أمام الكلمات غير المتوقعة.
“لكنك قلت إنه كان يعود حتى بعد قطع رأسه!”
“ربما… ربما وجد طريقة للزوال. أعلم أنه بذل جهدًا كبيرًا في ذلك.”
مستحيل… إذًا، إن كان ملك الشياطين هو البطل الحقيقي، فماذا يعني ذلك؟
لو كان هذا في السابق، لكنت فكرت: “إذًا لم يكن هو البطل الحقيقي” وتجاوزت الأمر، لكن الوضع تغيّر كثيرًا الآن.
فقد ظهرت أعطال (أخطاء في اللعبة) ومات كل من آتاري هانان ونواه ديفيرن.
وحتى لو كان ملك الشياطين هو البطل الحقيقي، فلا يمكنني الجزم بأنه لم يتأثر بتلك الأعطال.
“متى؟ متى حدث هذا؟”
“حدث مؤخرًا.”
“…”
“قبل بضع سنوات فقط، على أقصى تقدير.”
ارتجفت قبضة برِيسيبي الصغيرة وهي مشدودة.
لا، لا. لا يوجد دليل مؤكد حتى الآن على أن ملك الشياطين هو البطل الحقيقي…
وإن كان ذلك قبل سنوات، فربما لا علاقة له بالأخطاء…
رغم أنها حاولت إقناع نفسها بذلك، إلا أنها لم تستطع منع نفسها من تذكّر كلمات فانيسا الأخيرة التي طلبت منها الذهاب إلى الغابة المحرمة، والنوافذ المنبثقة التي ظهرت عند تمثال الكنيسة.
فهل هذا يعني أنني…
لم أعد أملك أي فرصة للخروج من هذا المكان؟
“يبدو أنكِ تحظين بشعبية لا بأس بها.”
بغض النظر عما كانت تفكر فيه، تابع الرجل حديثه وهو يحدق بها.
“ومع ذلك، كنتِ مهتمة بملك الشياطين؟ يبدو أن ذوقك غريب.”
“…”
“الرجال يحيطون بك من كل جهة، يحاولون الوصول إليك، وعيونهم مشتعلة.”
ما الذي يقصده الآن؟
حتى إن كان الأمر كذلك في الدورات السابقة، ففي هذه الجولة لم يحدث شيء من هذا القبيل. لم تلتقِ بزيجفريد حتى، والأمر الذي حصل مع إيفان لم يخرج للعلن.
وآتاري هانان ونواه ديفيرن قد ماتا بالفعل، فلا يمكن القول إن هناك شيء يستدعي الغيرة.
لكن كلماته بدت وكأنه يعلم شيئًا بالفعل…
“فقط انظري إلى الإمبراطور. حالما تولى العرش، أسرع بحبسكِ في البرج، أليس كذلك؟”
ما حدث مع ديتريش…
نعم، ربما يعرف.
فقد كان معروفًا بين الناس في الإمبراطورية أن الإمبراطور حبس برِيسيبي في البرج فور تتويجه.
“وسمعت إشاعات كثيرة أيضًا. تقول إن دوق فينريك يكنّ لك مشاعر خفية.”
…الدوق؟
توقفت برِيسيبي لحظة.
“ليست إشاعات خالية تمامًا من الصحة. وإلا، هل كان ليجرؤ على تحدي إرادة الإمبراطور ويأخذكِ إلى هنا؟”
“قلت إنك مخلوق شيطاني، فكيف تعرف كل هذه التفاصيل؟”
نظرت برِيسيبي إلى الرجل بعينين مليئتين بالريبة وسألته.
“لأني، بخلاف ملك الشياطين، تعلمت كيف أعيش بين البشر.”
أجاب وهو يبتسم ابتسامة باردة.
“حتى قائد الفرسان زيجفريد، يبدو أنه مهتم بك.”
“…”
“ما رأيك فيه؟”
“لا يهمني.”
أجابت بريسيبي بحزم:
“لو أردت أن أختصرها بـ نعم أو لا؟”
“أكرهه حتى الموت.”
“أتعنين أنك تكرهينه حد الموت، أم أنك تكرهينه لدرجة أنك قد تقتلينه؟”
“لا أعرف. أعتقد… كلا الأمرين.”
ابتسم الرجل بخفة.
“……”
ظلّت بريسيبي صامتة للحظة، وقد ارتسمت على وجهها نظرة شاردة.
لقد عرفت من هو والدها، وعرفت أيضًا أنه مات. وتمكّنت من تخمين أن البطل الحقيقي قد يكون ملك الشياطين.
لكن ماذا إن كان قد مات بالفعل؟ حتى لو كان ذلك قبل بضع سنوات فقط، فإن العودة إلى تلك اللحظة تعني إعادة اللعبة من بدايتها.
وهذا مستحيل. لا يمكن فعل ذلك. عضّت بريسيبي شفتيها بقوة، وشدّت قبضتيها،
“هل مات ملك الشياطين حقًا؟”
نظرت مجددًا إلى الرجل وسألته بصوت مرتجف.
“صحيح أنه اختفى، لكن لا يوجد أي دليل على أنك عرفت طريقة لفنائه. ولم تره يفنى بعينيك…”
“……”
“قد… قد يكون حيًّا في مكان ما، أليس كذلك؟”
“هل يهمك الأمر إلى هذا الحد؟”
وما رأيك؟ هل يبدو أنني لا أهتم؟ حدّقت بريسيبي في الرجل بنظرة يائسة.
“ربما إن ذهبت بنفسي أستطيع أن أعرف.”
“إلى أين؟”
“شمال الغابة المحرّمة. سرّة الوحوش. المكان الذي رأيت فيه ملك الشياطين لآخر مرة.”
“وماذا يوجد هناك؟”
“ستعرفين إن ذهبتِ بنفسك.”
كان ردًا باردًا لأقصى حد.
وفوق ذلك، فإن زيغفريد وفرسانه، ومعهم الدوق، لا بد أنهم في أوج حماسهم للتحقيق هناك، فكيف يمكنها الذهاب؟ ارتسمت على وجه بريسيبي نظرة يأس.
“سأرشدك إلى طريق مختصر. لا يعرفه أحد سواي.”
وكأنه كان يعرف ما يجول في خاطرها، أكمل الرجل كلامه.
“لن تصادفي لا وحوشًا ولا بشرًا. إنه طريق لا يعرفه أحد غيري.”
وصل الأمر إلى نقطة اللاعودة. وحتى إن طلبت من فينريك أن يأخذها إلى شمال الغابة المحرّمة، فمن المستبعد أن يوافق. رغم أن عدد الوحوش انخفض، إلا أن المنطقة ما زالت خطرة جدًا.
لكن بما أنه وعد بطريق آمن، فلم يكن هناك مجال للتردد. بالطبع، لم تكن واثقة تمامًا إن كان يمكن الوثوق بذلك الرجل.
لذا، سألت بريسيبي:
“ما اسمك؟”
“ولماذا تسألين؟”
“لا يمكنني الوثوق بكلام شخص… لا، بكلام وحش لا يخبرني حتى باسمه.”
“طريقة كلامك مزعجة.”
كشّر الرجل قليلًا وكأنه منزعج، ثم بدا وكأنه يفكر لبعض الوقت، وفي النهاية قال اسمه:
“فيدار.”
“……”
“وأقسم باسمي، أن الطريق المختصر آمن تمامًا.”
في النهاية، كان قرار بريسيبي واضحًا.
أخذت نفسًا عميقًا عدة مرات، ثم نظرت إلى فيدار من جديد. وسألته سؤالًا أخيرًا:
“إن كنت تعرف نيدهوغ، فهل تعرف أمي أيضًا؟”
رغم أنها تمنت أن لا يكون ملك الشياطين هو البطل الحقيقي لأنه قد يكون قد مات، إلا أنها لم تستطع أن تتأكد من ذلك تمامًا.
ولأن الأهم الآن هو جمع أكبر عدد ممكن من الخيوط، فكما أخبرها عن نيدهوغ، إن أخبرها بشيء عن فانيسا فسيكون ذلك مفيدًا للغاية.
“رأيتها من قبل.”
“هاه؟ حقًا؟”
“عند ضفاف هذه البحيرة.”
“متى؟ وماذا كانت تفعل هنا؟”
سألت بريسيبي بلهفة.
“من يدري. ربما…”
“ربما؟”
“أظن… كانت تبكي.”
… هل كانت تبكي لأنها اضطُرّت لترك نيدهوغ، الذي أُصيب إصابة بالغة ودخل في سبات، لوحده؟
حاولت بريسيبي أن تسترجع ملامح فانيسا، التي لم تعد تذكرها جيدًا، لكنها لم تستطع معرفة الجواب.
“بما أنك سألتِ سؤالًا إضافيًا، سأطرح أنا أيضًا سؤالًا آخر.”
قال فيدار وهو يحدّق في بريسيبي من علٍ.
“إن كنتِ أنتِ ملك الشياطين. وإن كنتِ مظلومة كما قلتِ لي قبل قليل…”
“……”
“فلو التقيتِ بالكائن الذي خطّط حياتكِ بهذا الشكل، هل ستحاولين الانتقام منه؟”
راودها خاطر: هل يوجد أصلًا وسيلة لذلك؟… لكنها أجابت بكل صدق:
“ربما… إن كان ذلك ممكنًا.”
لأنها حين وضعت نفسها مكانه، شعرت بأنها كانت ستفعل الشيء ذاته.
“كما توقعت.”
قال فيدار وعيناه تلمعان بعد أن سمع جواب بريسيبي.
“أليس كذلك؟”
“نعم، ربما…”
“من الأفضل أن تنطلقي الآن. إن حلّ الظلام، فلن يعود الأمر في صالحك.”
أومأت بريسيبي برأسها عدة مرات وكأنها فهمت مقصده، ثم وقفت من مكانها. بدأت تسير في الاتجاه الذي أشار إليه فيدار.
“……”
وبقي فيدار واقفًا وحده أمام البحيرة، يحدّق بصمت في ظهر بريسيبي التي أخذت تبتعد عنه.
ثم نظر إلى ضفاف البحيرة المتوهجة بلون أحمر من انعكاس الشفق.
وتذكّر…
[هـ… هـهك…]
تلك المرأة التي جلست في نفس المكان الذي جلست فيه بريسيبي، وظلّت تبكي بلا توقف.
فانيسا.
[ما…]
وأول كلمة تفوهت بها فانيسا، بوجه مرتعب حين رأتني…
[ملك الشياطين…]
“كان يجب أن أقتل تلك اللعينة في ذلك الوقت.”
لو فعلت، لكنتِ ميتة أيضًا.
تمتم فيدار بصوت بارد.
لكن كل ذلك أصبح من الماضي البعيد. ومهما ندم عليه، فلا يمكن أن يُصلح شيئًا.
ولذلك، حتى الآن. ولو الآن فقط…
“أجل، معكِ حق.”
لا بد من الانتقام.
حتى أنتِ فكّرتِ في الأمر بهذه الطريقة.
“……”
ظلّ فيدار واقفًا هناك، يحدّق بصمت في الطريق الذي سلكته بريسيبي. رغم أن ظلّها قد اختفى منذ وقت طويل، لكنه ظلّ يرمق المكان بعينيه الزرقاوين، المليئتين بالحنق والغضب، لفترة طويلة جدًا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 67"