“هذا المكان أصبح غرفتي أيضًا، لم أعد أرغب بالابتعاد عنك ولو قليلًا.”
كيف يمكن أن تخطئ بريسبي في فهم معنى تلك الكلمات؟ عيناها ظلت معلّقة به، ثم سرعان ما غمر وجهها الاحمرار.
فينريك ظل يحدق فيها مليًّا، ثم سأل من جديد:
“هل يزعجك الأمر؟”
“… أن أقول إنه يزعجني، لا، بل أشعر بالسعادة.”
“همم…”
“ثم إني لا أريد أن أبتعد عنك أيضًا.”
“كنت أعلم أنك ستجيبين هكذا.”
ضحك فينريك بخفة، لتشاركه بريسبي بابتسامة صغيرة.
“هل يرضيك هذا؟”
“ماذا تقصد؟”
“أقصد كل شيء.”
“كيف يمكن ألا يعجبني وأنا معك، يا دوق؟”
“وهل تنوين الاستمرار بندائي بالدوق؟”
لقد لم يعد دوقًا بعد الآن. ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة.
“إذن، بماذا أناديك…؟”
“لم أعلم إلا اليوم أنني بلا اسم.”
ضحكت بريسبي هذه المرة، وهمست:
“فينريك.”
حين انساب اسمه من بين شفتيها، ظهر على وجهه طيف من الانفعالات الكثيرة، لكنه لم يكن بأي حال وجهًا منزعجًا.
“اسمك يشبه التعويذة.”
“ولماذا؟”
“كنت أشعر دائمًا هكذا… كلما نطقت به، غمرني إحساس غريب بالطمأنينة.”
“هذا لأنك تعلمين… إن حدث لكِ أي شيء، فسآتي دائمًا لإنقاذك.”
ربما لهذا السبب إذن. بريسبي ابتسمت بخفة.
“… لهذا السبب، ابتداءً من الآن، نادي اسمي كل يوم.”
“هاه؟”
“ناديني وأنتِ مسرورة، أو وأنتِ تئنين، أو حتى تصرخين. وإن شئتِ، ناديني كما يُنادى الكلب، لا بأس.”
لكن، هل سأصل بي الحال إلى مناداته كما يُنادى الكلب؟ فكرت بريسبي في نفسها.
“أما الليلة، فأحب أن يكون الخيار الأول.”
“…”
“هل تمانعين؟”
كثيرًا ما تشاركا ليالي متشابهة، لكنها لم تكن أكثر من أن تغفو بين ذراعيه وتستشعر دفء جسده.
غير أنّ ابتداءً من اليوم، أن تلهج باسمه هكذا كل ليلة… لن يكون أمرًا سيئًا.
وجهها تورد أكثر وهي تبتسم، ثم تجرأت لترفع رأسها قليلًا وتطبع على شفتيه قبلة خجولة. كأنه كان ينتظرها منذ زمن، جذبها فينريك بين ذراعيه وأعمق تلك القبلة، أدفأ وأطول بكثير.
حين أفلت شفتيها لبرهة، أبصرت انعكاس وجهها في عينيه الحمراء، وجه بدا غريبًا عليها بشحوبه ووجنتيه المتوردتين، لكنه بدا حسنًا ما دام هو من صنعه.
ثم تدفقت أنفاسه الدافئة على عنقها، تهبط ببطء، فيما أحاطها بذراعه القوية، وصوت تنفسه الثقيل، وحرارة جسده التي تغمرها، جعلت بريسبي تتمتم باسمه بصوت متهدّج كما أراد:
“فينريك…”
هذه الأيام لن تنتهي أبدًا. سألهج باسمك كل يوم كما الآن.
الفكرة وحدها جعلت قلبها يخفق بجنون.
“أحبك.”
وكأنما يجيبها، رفع رأسه وهمس في أذنها بصوت خفيض:
“إلى الأبد.”
“وأنا أيضًا.”
خرج صوتها متقطعًا قليلًا، بينما كانت يداه الكبيرتان الدافئتان تشدان ببطء الرداء الحريري عن كتفيها.
وهكذا، انقضت أول ليلة لهما في ألفهايم.
✦✦✦
الزمن أخذ يتراكم بهدوء.
مرّ الربيع، وجاء الصيف. مضى الصيف، وحلّ الخريف.
الخريف الأول في ألفهايم كان مسالمًا إلى حد بعيد.
إلى جانب بريسبي، كان دومًا فينريك وهنّا، وكانت الأيام تمضي حاملة معها أفراحًا صغيرة.
حتى إن بريسبي لم تعد تفكر بما حدث في أتلويّا.
يكفيها الآن أن تعيش هذه الحياة اليومية إلى جوار فينريك، فهي مشغولة بها حد الامتلاء.
لم يكن الأمر أنهم يقومون بعمل عظيم معًا، بل ربما بدا في عيون الآخرين أنهم لا يفعلون شيئًا سوى التسكع.
لكن بريسبي وفينريك وهنّا لم يعرفوا قيمة هذه الحياة من قبل. فهم لم يعيشوا يومًا عطلة آمنة حقيقية.
وهكذا، استقبلوا الفصل الجديد بروحٍ مرتاحة، كأنهم أخيرًا ينعمون بإجازة.
وكان ذلك في أحد أيام الخريف.
في أعمق أركان القصر الضخم المترف، حيث يفضي الممر إلى الحديقة، كان يقف شجر ضخم.
حتى من النظرة الأولى، بدا شجرًا عتيقًا، غصونه سميكة وأوراقه وفيرة، والوقوف أمامه فقط يكفي ليملأ النفس بالراحة.
كأنه يشبه الوشم المنقوش على صدر فينريك.
وربما لهذا السبب أحبته بريسبي أكثر.
على أي حال، كانت تحب قضاء وقتها تحت ذلك الشجر.
وكالعادة، جلست اليوم أيضًا متكئة إلى جذعه، تقرأ كتابًا جلبته معها، تحتسي الشاي اللذيذ الذي أحضرته لها هنّا.
أما فينريك، فكان مستلقيًا ورأسه مستند إلى ساقيها.
“همم…”
بريسبي، وهي تنزل عينيها على السطور ببطء، أغلقت الكتاب بوجه متحسر قليلًا.
“كان ممتعًا… وانتهى بسرعة.”
ربما عليّ أن أشتري كتابًا أطول المرة القادمة. فكرت وحدها.
القراءة كانت هواية جديدة اكتسبتها مؤخرًا. وفي ألفهايم، حيث يجيء الناس من شتى الإمبراطوريات، كان هناك وفرة من الكتب المتنوعة.
بعضها كان مشوقًا للغاية، وبعضها الآخر خياليًا حدّ السذاجة حتى شكّت إن كان ممكنًا حدوثه، لكنها رغم ذلك كانت تستمتع بقراءتها.
وعندما كانت تطالع قصص إمبراطورية لم تزرها بعد، كان فينريك يلتفت إليها ويسأل على مهل:
[هل ترغبين أن نزورها؟]
[حقًا؟]
[لطالما قلت لك. إن كان ما ترغبين به، فسأفعل أي شيء من أجلك. أياً يكن.]
طبعاً، ذلك جميل أيضاً.
لكن في هذه اللحظة، كانت بريسيبي تريد فقط أن تقضي أيامها ببطء إلى جوار فينريك، لتستمتع بالوقت معه.
ومع ذلك، كانت تدرك تماماً أن كلماته لم تكن يوماً مجرد كلام عابر.
لذلك، في كل مرة يقول شيئاً كهذا، كانت تبتسم له بامتنان، شاكرة قلبه العطوف.
ذلك القلب الطيب، كان جميلاً في نظرها بحق.
“……”
وضعت بريسيبي الكتاب جانباً، ثم نظرت إلى فينريك، الذي كان مستلقياً واضعاً رأسه على ركبتيها.
وخزت وجنته برفق بيدها، كأنها تمازحه، لكنه لم يفتح عينيه.
ربما لأنه أرهق نفسه كثيراً الليلة الماضية، أو ربما لأنه أراد ببساطة أن ينام قليلاً في وضح النهار.
على أي حال، بدا غارقاً في نومٍ عميق أكثر مما توقعت.
وجهه المضاءة بخيوط الشمس كان هادئاً للغاية.
ثم، خطر لها فجأة:
(وسيم جداً…)
رموش طويلة وكثيفة لا تترك فراغاً.
أنف شامخ كأنه منحوت بعناية.
خطوط وجه رجولية صلبة.
فكّ حاد كأنه مصقول.
شعر أسود يتطاير بخفة مع نسيم الخريف.
ووشم على شكل شجرة، يظهر بوضوح بين ياقة قميصه الأسود.
اليوم أيضاً، كما في كل يوم، كان فينريك كاملاً بما يكفي ليجعل قلب بريسيبي يخفق بقوة، كاملاً في وسامته، كاملاً في محبته.
وبينما تراقبه بصمت، عادت إلى ذهنها جملة قالتها له يوماً:
[أريد مكاناً دافئاً، طويلاً نهاره، قصيراً ليله. أريد أن تشرق الشمس طويلاً… كي أستطيع أن أرى وجهك تحت ضيائها لوقت أطول.]
…نعم.
كنت أتمنى يوماً كهذا.
تماماً مثل هذا اليوم.
ابتسمت بريسيبي بسعادة.
“هل تضحكين لأنني وسيم؟”
باغتها صوته العميق فجأة، فتوقفت للحظة وحدقت فيه.
لقد استيقظ، وكان ينظر إليها مباشرة.
“لنقل نعم. ربما هذا يجعلك تشعر بالرضا.”
“إذن فأنتِ حقاً تبتسمين لأنني وسيم.”
ولم يكن ذلك كذباً.
ابتسم فينريك ابتسامة هادئة، ثم جلس ببطء.
اقترب وقبّل وجنتها برفق.
“أشعر بسعادة كبيرة اليوم.”
أسندت بريسيبي رأسها بخفة إلى كتفه، وهمست:
“وأنا أيضاً.”
“ولماذا أنت سعيدة؟”
“لأنك سعيد.”
كان جواباً بسيطاً إلى حد السذاجة، لكنه صادق تماماً بالنسبة له، وكانت بريسيبي تدرك ذلك جيداً.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات