الصورة التي رأتها من السفينة عن ألفهايم لم تكن خاطئة على الإطلاق.
“…….”
كانت بريسيبي تمسك بيد فينريك وهما يسيران معًا، تتلفت حولها بذهول شديد.
ولسبب وجيه، فقد كانت إمبراطورية ألفهايم غاية في الجمال.
حتى أصغر المباني كان يبدو وكأن كل تفصيلة فيه قد نُفِّذت بعناية وبذل فيها جهدٌ بالغ، مما أضفى على العمارة كلها روحًا خاصة وفريدة تميّز ألفهايم عن غيرها.
أما الأعراق، فكانت بالغة التنوع. بدا أن ما يُقال عن استقبالهم اللاجئين بلا قيد أو شرط ليس ادعاءً فارغًا؛ إذ كان بين الناس كثيرون ممن لا يمكن رؤيتهم في أتالويا، أصحاب ألوان بشرة لم تألفها عين بريسيبي من قبل.
لكن أكثر ما أسر قلبها، هو أن كل من مرّ بهم في الشوارع كانوا بلا استثناء يبتسمون.
إن الانطباع الأول عن ألفهايم لم يكن سوى “السلام” مجسدًا في هيئة مدينة.
قال فينريك مبتسمًا وهو يجلب حصانًا ظهر فجأة:
“فلنمتطي الخيل إذن.”
ثم تابع وهو يرفع كتفيه بخفة:
“صحيح أنني لم أقد حصانًا منذ مدة، لذا قد أكون قليل التركيز، لكن لا تقلقي. المكان ليس بعيدًا.”
“آه، لكن إلى أين نحن ذاهبون بالضبط؟”
لم تكن بريسيبي قد سمعت شيئًا عن وجهتهم بعد الوصول إلى ألفهايم.
عندها فقط أدركت أنها لا تعرف شيئًا عن الخطة بعد الرحلة البحرية.
فابتسم فينريك وهو ينظر إليها من علٍ، ثم بدلًا من أن يجيب، مدّ ذراعه فجأة وحملها بخفة ليجلسها على ظهر الحصان.
ثم همس عند أذنها، بانحناءة قريبة:
“ظننتُ أنكِ الآن تعرفين أنني لستُ من النوع الذي يفتقر إلى التحضير.”
“…….”
“بل العكس تمامًا.”
ولم يكن مخطئًا في ذلك… بل كان محقًا إلى درجة تُثير القلق.
“تشبثي جيدًا.”
قال كلماته القصيرة، ثم قبض بقوة على لجام الحصان وانطلق به بلا تردد.
اتضح أن قوله “ليس بعيدًا” لم يكن مجرد كلام.
فقد توقّف الحصان في ميناء قريب، على بُعد نحو عشرين دقيقة من العاصمة، حتى أن الرحلة لم تكن مسرعة.
لكن… ما هذا المكان؟
قال فينريك فجأة:
“لقد احترتُ كثيرًا.”
“بخصوص ماذا؟”
“كنتُ أريد أن أجعل الأمر على هواكِ قدر الإمكان.”
“…….”
ما الذي يقصده؟ أمالت بريسيبي رأسها بتساؤل، فيما قفز فينريك بخفة من على الحصان، ثم حملها من جديد وأنزلها برفق على الأرض.
“لكن صورة ما كانت تطاردني بلا توقف… صورتكِ وأنتِ تقولين إنكِ تشعرين بالراحة في ذلك القصر.”
ثم وضع يده على كتفها، وابتسم ابتسامة جانبية خفيفة:
“لذلك حاولتُ أن أجد شيئًا يشبهه قدر المستطاع. انظري.”
اتجهت بريسيبي بنظرها حيث كان ينظر، فإذا بها ترى أمامها…
“إنه يشبه قصر الدوق بشكل مذهل!”
كان القصر أمامها نسخة تكاد تكون طبق الأصل من قصر فينريك في أتالويا.
“يا للعجب…”
أن يجد في بلد بعيد مثل هذا المنزل الذي يكاد يطابق القصر القديم… لا شك أن ذلك يُعد مهارة بحد ذاته.
صحيح أن المبنى لم يكن نسخة مطابقة تمامًا. فقد بدا أن نور الشمس يتسلل إلى جنباته أكثر، وكان الجو العام فيه أقل صرامة وأكثر دفئًا ورحابة.
لكن في البعيد، كان هناك بستان صغير تنتشر فيه أشجار مزهرة كما كان في القصر القديم، فابتسمت بريسيبي بفرح.
“هل يعجبكِ؟”
“نعم… جدًا.”
عندها أومأ فينريك برأسه وقد بدا وكأنه تنفّس الصعداء، فيما أخذت بريسيبي تنظر إليه وتفكر أنه يبدو ألطف بكثير مما يُظهر.
بل ولطيف إلى درجة أنها وجدته… “جذابًا” حقًا.
فقال فينريك مبتسمًا:
“لكن ثمة ما سيعجبك أكثر.”
“همم؟”
“أدق وصف هو أنني لا أعني مكانًا… بل شخصًا.”
شخص؟
ضيّقت بريسيبي عينيها في حيرة، وحدّقت في القصر.
وفجأة، ارتفع صوت مألوف للغاية، صوت كانت تشتاق إليه منذ زمن بعيد:
“سيدتي بريسيبي!”
شهقت بريسيبي من المفاجأة، قبل أن تهمس باسمٍ لطالما تمنّت أن تسمعه ثانية:
“هانا!”
لقد كانت هانّا بعينها.
“يا إلهي، كم تعبتِ في الطريق حتى جئتِ! يا للعجب!”
وكأنها كانت قد تلقت خبر وصولهم مسبقًا، إذ بدا أن هانّا كانت تنتظرهم من البداية.
هرعت نحو بريسيبي كفرسٍ هائج، ثم انقضّت عليها تعانقها بقوة.
“آه، المعذرة… لم أتمالك نفسي من شدة الشوق.”
وحين أفاقت إلى وعيها، تراجعت هانّا بخجل وأطلقتها من ذراعيها.
لكن بريسيبي بادلتها بالعكس، فضمّتها إلى صدرها بحرارة.
“وما الذي يدعوك للاعتذار؟”
“نعم؟”
“لم أعد شيئًا ذا شأن بعد الآن.”
ابتسمت بريسيبي.
“ثم إنكِ هانّا، الشخص الذي أعدّه كعائلتي… كم اشتقت إليكِ.”
“……حقًا؟”
تمتمت هانّا، وعيناها تغمرهما الدموع وهي تحدّق في بريسيبي.
“طبعًا.”
لم تخرج أي كلمات بعدها، بل عادت هانّا لتحتضنها بقوة أكبر، فيما اكتفى فينريك بهز رأسه بخفة وهو يراقبهما.
فكما كان الحال مع فينريك، كذلك هانّا لم تكن من أولئك الذين قُيّدوا إلى هذا العالم.
ذلك لأنها، في وقت مبكر، أثناء “التدريب الأولي”، كانت قد تلقت عونًا من بريسيبي وفينريك معًا.
ولهذا، لم يَمحُ ذهنها ذكرى بريسيبي، بل ظلت حاضرة، كما أنها علمت لاحقًا بكل ما جرى. فقد باح لها فينريك في النهاية بكامل الحقيقة.
“لا بد أنكِ عانيتِ كثيرًا حتى الآن…”
تمتمت هانّا وهي تشهق بخفة.
“لكن ما الذي حدث بالضبط، هانّا؟ كنتِ وحدكِ هنا في ألفهايم؟”
“لا، لقد أمرني الدوق فجأة أن أسبقكم إلى ألفهايم. وحدي تمامًا. وأنا ما زلت صغيرة!”
وكأنها كانت تنتظر هذا السؤال منذ زمن، إذ أطلقت هانّا كلماتها بسرعة متلاحقة كالرصاص.
“في البداية، ظننت: ’أوه، يبدو أن دوقنا أخيرًا فقد عقله‘. لكن الأمر لم يكن كذلك. قال لي: ’انتظري هناك، فحين تصل بريسيبي، سأرافقها إليكِ، وكل شيء سيسوّى تلقائيًا، فلا تقلقي‘. ولهذا جئت.”
لكن معاناة هانّا لم تتجاوز مجرد سفر طويل وحيدة.
فقد كان فينريك دقيقًا بما يكفي ليُعدّ كل شيء بحيث تتأقلم حتى لو وصلت وحدها.
“لكن ألم تشعري بالوحدة، هانّا؟ لو كنت أعلم بانتظارك، لجئت مباشرة…”
“لا، إطلاقًا! كنت بخير فعلًا. ثم إن مثلي، متى ستحظى بفرصة لتقيم وحدها في قصر واسع كهذا؟ صحيح أن الأمر كان مخيفًا بعض الشيء، لكنه لم يكن سيئًا. الدوق نفسه طمأنني بأنكِ ستعودين بعد أن تتجولي قليلًا.”
“صحيح… صحيح.”
“بصراحة، لم أشعر بالوحدة أبدًا، لأنني كنت مشغولة فقط بانتظاركِ. كنت أعد الأيام بحماس. ثم ألم تري بنفسك؟ ألفهايم إمبراطورية غريبة فعلًا، الناس هنا لطفاء جدًا، وكلهم مطمئنون بشكل يثير الدهشة…”
“……أرجوك، يكفي.”
قاطعها فينريك وهو يضغط على صدغيه متذمرًا.
“أليس من الأفضل أن نكمل الحديث في الداخل؟ لم أسمع هذه الثرثرة منذ مدة، والآن عادت فجأة حتى أكاد أصاب بالدوار.”
“ألم تبالغ قليلًا في قولك هذا؟”
قطبت هانّا وجهها بطفولية، لكنها سرعان ما صمتت.
فقد أدركت أن بريسيبي مرهقة من الرحلة، وكان الأجدر بها أن ترتاح.
ثم أمسكت بيدها وقادتها إلى داخل القصر.
قامت هانّا بجولة تفصيلية في أرجاء القصر بكل إخلاص.
ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لبريسيبي.
حتى في هذا القصر، كانت غرفتها تقع في أبعد زاوية بالطابق الأول، وتضم شرفة فسيحة تطل على البستان.
وتمامًا كما في القصر القديم، يكفي أن تفتح النافذة لترى الأزهار المتفتحة بوفرة.
وبعد الجولة، خرجتا معًا للتسوق من السوق القريب، وأعدّتا الطعام بأيديهما.
فقد أوضح فينريك أن الخدم لم يُستأجروا بعد، ولذا عليهم أن يعيشوا هكذا لبعض الوقت.
لكن في الحقيقة، بدت هذه الطريقة أجمل.
ففعل كل صغيرة وكبيرة بيدها جعل بريسيبي تشعر بسعادة مختلفة.
سرعان ما حلّ المساء، وباقتراح من هانّا، دخلت بريسيبي حمامًا طويلًا لتزيل تعب السفر.
ثم عادت إلى غرفتها.
لكن…
“ما الذي يفعله الدوق في غرفتي؟”
فما استقبلها بعد عودتها من الحمام لم يكن سوى فينريك، جالسًا على طرف سريرها.
هل لديه المزيد ليقوله لها؟ ربما… فقد كان هذا أول يوم لهما في ألفهايم.
لكن الجواب الذي جاءها لم يكن أبدًا ما توقعته.
“ولِمَ عليّ أن أخرج؟”
“ماذا؟”
وقف فينريك من مكانه بهدوء، واقترب منها.
ثم رفعها بين ذراعيه، وبلا إنذار، طرحها على السرير.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات