اقتربت بريسيبي من فيدار بحذر، لكن ما إن رأت ملامحه حتى ارتسمت على وجهها علامات الدهشة دون أن تشعر.
“…….”
كان متجهم الوجه، ملامحه ملتوية بألم شديد.
‘هو يتألم؟’
لكن، أليس من المفترض أن جراحه تُشفى بسرعة مهما كانت؟ لقد قال ذلك بنفسه من قبل. حتى لو قطع رأسه، فإن ملك الشياطين ينهض حيًا من جديد.
انجذبت نظرات بريسيبي لا إراديًا نحو المواضع التي غرز فيها فينريك سيفه قبل قليل.
في خاصرته، وأعلى عظمة الترقوة.
جرح الخاصرة، الذي اخترقه السيف الطويل، التأم بالكامل وكأن شيئًا لم يكن. أما الطعنة أعلى الترقوة، فما زالت تنزف دمًا غزيرًا.
‘الجُرح لا يلتئم أبدًا……؟’
مرّت فكرة في ذهنها على الفور: السيف الذي كان في قبضة فينريك. ذلك السيف نفسه الذي أعطته له هي في التدرّب. الإرث الوحيد الذي تركته فانيسا لبريسيبي.
‘لماذا……؟ ما السبب؟’
رأت بريسيبي ذلك السيف مرارًا في قصر فينريك، ولم يكن سوى سيف عادي، بلا أي شيء مميز. لم يكن فيه ذرة من القوة الاستثنائية القادرة على جرح ملك الشياطين.
لم تجد إجابة لهذا اللغز.
“…….”
بدا فيدار يتألم بشكل لم يعتده من قبل. ربما لأنه لم يعرف مثل هذا الألم قط. الجرح كان عميقًا، وفي موضع قاتل. أي إنسان آخر كان سيموت نزيفًا خلال دقائق.
……ما العمل؟
لكن، في مثل هذه الحال، ألن يكون بوسعها أن تهرب؟
غير أن تفكيرها لم يطل، إذ امتدت يد فيدار الشاحبة لتقبض بشدة على معصمها.
“هل تحاولين الهرب مجددًا؟”
“…….”
“لن تذهبي.”
أن يقول مثل هذا وهو في حالة يُرثى لها، كان شيئًا يبعث على السخرية. بدا وكأنه سينهار في أي لحظة، ومع ذلك يطلق كلمات جافة كهذه.
لم يعبأ فيدار بما تفكر فيه بريسيبي، بل جذبها نحوه بقوة. فقدت توازنها وسقطت فوقه، ثم سرعان ما ابتعدت عنه وجلست بارتباك.
حتى ثيابها التي كانت ترتديها تمزقت وباتت في حال سيئة، والبقاء قريبًا منه لم يكن في صالحها. وفوق ذلك، لم يكن فيدار وحده من أصيب. بريسيبي أيضًا جُرحت عندما حاولت أن تشق طريقها خارج ذلك الحاجز الملعون.
نظر إليها فيدار صامتًا للحظة، كأنه أدرك أنها أصيبت بسببه.
“الناس يكرهون أن يُصابوا.”
ثم ألقى كلمات غريبة لم تستطع فهمها بسهولة.
“يكرهون الألم، ويكرهون الخوف أكثر. خصوصًا إن كانت جراحهم بسبب السحر.”
“……ماذا؟”
“لكن لماذا أنتِ لا تخافين؟”
سألها فيدار.
“اليوم أيضًا، وأنت مخطوفة من قبل إيفان، كنتِ هكذا. قفزتِ وسط النيران، واخترقتِ الضباب الذي صنعتُه بنفسي.”
“…….”
“لماذا تذهبين إلى هذا الحد؟”
كان يظن أن بريسيبي، مثلها مثل أي إنسان آخر، ستتراجع مرعوبة وتبقى ساكنة. لكنه رأى العكس تمامًا؛ اندفعت بجرأة بلا خوف.
“……اليوم أيضًا، وفي حادثة الاختطاف، كان الأمر واحدًا.”
أخيرًا، فتحت بريسيبي شفتيها ببطء، بعدما أصغت لكلامه.
“أنت، وإيفان أيضًا، استعملتما قوتكما وأنتما تعرفان أنني قد أتأذى.”
“…….”
“لكن لماذا أنت تحديدًا تذهب إلى هذا الحد؟”
توقف فيدار عند كلامها.
“لطالما سألتني. ما الذي يجعل الدوق فينريك مميزًا؟ ما المختلف فيه؟ سأجيبك: الدوق لا يؤذيني أبدًا. لا بإرادته ولا رغمًا عنه.”
لو كان فينريك مثل باقي الشخصيات، لكان أمسك بيد فيدار منذ البداية.
……بالطبع، الأصح أن تقول: “حتى الآن لم يؤذني”. فهي لم تعرف بعد ما الذي يفكر فيه حقًا، أو لماذا قتل الناس وأخذها إلى قصره. ابتسمت بريسيبي ابتسامة باهتة.
“على أي حال، أهذا يكفي جوابًا؟”
“……لا.”
لكن فيدار حرّك رأسه نافيًا ببطء. ثم نظر فجأة إلى الكهف الكئيب الذي لا يُطاق.
“لقد سمعت كل ما دار قبل قليل. وأنت تعرفين الحقيقة أيضًا. أن هذا العالم مصنوع، عالم مُصمَّم.”
لكن بريسيبي واصلت حديثها دون أن تقطع خيط كلامها.
“هوسك بي ليس سوى جزء من هذا التصميم. لا يوجد سبب آخر لذلك. ولهذا…….”
“……المكان هنا هادئ جدًا.”
“ماذا؟”
بدهشة، ضيّقت بريسيبي عينيها عند سماع كلماته المفاجئة.
“لا يُسمع أي صوت. لا أحد يأتيني. لا أحد يناديني باسمي.”
“…….”
“ولذلك…… لم أفعل شيئًا سوى الانتظار.”
توقف قلب بريسيبي للحظة.
“انتظرت آلاف السنين. حتى يحين اليوم الذي تظهرين فيه.”
“…….”
“ومع ذلك، هل هذا فقط لأنني قد جُعلت على هذا النحو؟”
الكلمات التي خرجت من فيدار لم تحمل غضبًا أو استياء. بشكل غريب، كان في عينيه الزرقاوين وهما يثبتان على بريسيبي بريق مختلف تمامًا عن ذلك الذي رأته في قرية فانيسا. كان في تلك النظرة شيء لا يوصف سوى بالشفقة البالغة، على الرغم من أن بريسيبي تعرف جيدًا كم هو كائن مخيف.
“حتى عندما أقلد فينريك، حتى عندما أتصرف على هواي، وحتى عندما أريك بأن الشخص الذي عليك اختياره هو أنا، إذا كان جوابك لا يزال رفضًا فقط، فماذا علي أن أفعل بك؟”
“…….”
“ماذا علي أن أفعل معك؟”
عندها فقط أدركت بريسيبي السبب وراء شعورها بتلك الغرابة المتكررة، ذلك الإحساس بالديجا فو كلما تصرف فيدار.
كان الأمر تمامًا كما قال فيدار—لقد كان يقلد تصرفات فينريك التي رأتها من قبل. كل ذلك فقط من أجل أن يكسب قلب بريسيبي.
(لأجل البطلة وحدها، انتظر وانتظر لوقت طويل جدًا، وعندما يلتقي بها أخيرًا، ينال الخلاص ويجد الطمأنينة.)
فجأة، خطرت ببال بريسيبي صفحات كتاب الإعدادات الذي رأته في الحلم.
هل يعني هذا أنه إذا لم تختر فيدار، فلن يستطيع أبدًا أن يجد الطمأنينة؟ حتى لو اختارت فينريك وحطمت نظام اللعبة وتمكنت من مغادرة هذا العالم، هل سيبقى فيدار حبيس هذا الكهف، يقضي عمره كله وحيدًا، في انتظارها التي لن تعود أبدًا؟ تمامًا كما فعل على مدى آلاف السنين الماضية؟
(ربما أنت أيضًا ضحية للنظام… بخلاف الشخصيات الأخرى التي تملك كل شيء، أنتَ الوحيد الذي يحتاجني. بدوني، لا يبقى سوى الألم.)
كم يا ترى تكون آلاف السنين من الزمن؟ كم يكون قاسيًا ومريعًا أن يُترك المرء في كهف ضيق كهذا لا يفعل شيئًا سوى الانتظار بلا نهاية؟ لم تستطع حتى أن تتخيل.
لكن الضحية لم يكن فيدار وحده. بريسيبي أيضًا، التي اندمجت في جسد شخصية اللعبة وعاشت مرارًا وتكرارًا موتًا ظالمًا، لم تكن استثناء.
كان من الكذب القول إن فيدار ليس مسكينًا. لكن، هل يقع على عاتقها واجب أن تختاره؟ إذا كان فيدار يحمل الكراهية تجاه من جعله يعيش حياة مليئة بالعذاب، ألا يجب أن يكون غضبه موجّهًا إلى من كتب قصة هذه اللعبة؟
هكذا فكرت بريسيبي.
“لا تعرفين كم مرة تمنيت لو أنني مت فحسب.”
تمتم فيدار بصوت منخفض.
“لماذا وُلدت؟ لماذا عليّ أن أكون موجودًا؟ لماذا لا أستطيع أن أنعم بالراحة أبدًا؟ لقد فكرت في ذلك آلاف المرات، عشرات الآلاف من المرات، وأنا وحيد.”
“…….”
“ثم أدركت. أنني لن أُخلّص إلا عندما تأتي الشخص الذي أنتظرها.”
“……هل كنت وحيدًا؟” سألت بريسيبي بهدوء.
“هل كنت غارقًا في الوحدة… وفي الحزن؟”
لم يُجب فيدار. كان يكتفي بالتحديق بها بصمت. وبريسيبي أيضًا كانت تحدق فيه صامتة، قبل أن تواصل كلامها ببطء وحذر شديد.
“……ربما يكون السبب في أنك تحتاجني هو ذلك.”
“…….”
“لكي لا تشعر بالوحدة، ولا تغرق في الحزن، ولكي تهرب من تلك العزلة. لأنك تريد أن تجد الطمأنينة.”
ليس لأنك تحبني، بل لأنك تريد أن تتحرر من تلك المشاعر العفنة التي تنهشك من الداخل. ربما كان ذلك هو السبب حقًا.
“وما الفرق؟” سألها فيدار مجددًا.
“ما الفرق بين هذا وبين ما يشعر به فينريك تجاهك؟”
“هذا…….”
(ليس نفسه. إنه مختلف.)
لكن قبل أن تتمكن بريسيبي من صياغة الكلمات، نطق فيدار بما لم يخطر لها على بال.
“أنا أحبك.”
“…….”
“لم يكن بوسعي إلا أن أفعل.”
في عينيه الزرقاوين، الموجهتين نحوها، لم يكن هناك أي أثر للكذب أو الإجبار. ارتعشت عينا بريسيبي البنفسجيتان، وقد غمرهما الارتباك، فيما واصل فيدار تحريك شفتيه اليابستين.
“لأنك أنتِ من قررت ذلك.”
“……ماذا؟”
“تمامًا هكذا. لم يكن هناك أي شيء آخر.”
(ماذا يعني بهذا؟)
بينما غرقت بريسيبي في الارتباك، سألها فيدار بصوت منخفض:
“ألا تتذكرين شيئًا؟”
“…….”
“أم أنك… فقط تتظاهرين بأنك لا تعرفين؟”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 135"