زيغفريد وديتريش وصلا إلى قرية فانيسا أسرع مما كان فينريك قد توقع.
وكما رآه في العاصمة، كانت حالة زيغفريد لا تزال في أسوأ ما يكون. بالكاد يستطيع الآن أن يخطو مترنحًا وهو يجر قدميه. مجرد تمكنه من الوصول إلى هنا بتلك الحالة كان أمرًا يثير الدهشة. أما ديتريش فقد جاء كما وعد، ومعه كهنة الكنيسة والسحرة.
غير أنّ…
“…ماذا تقولون؟! ما، ما هذا الكلام؟ تقولون إنه ملك الشياطين؟!”
ارتسمت علامات الاضطراب والذهول بوضوح على وجوه الكهنة الذين سمعوا الخبر.
“ألم يُقال إنه نام منذ زمن بعيد؟ لقد مر أكثر من ألف عام على ذلك!”
“أنا رأيت بعيني.”
أجاب أحد فرسان الفيلق الذين كانوا يقاتلون الوحوش جنبًا إلى جنب مع جنود فينريك بنبرة مثقلة.
“لقد كان مطابقًا تمامًا لما ورد في الأساطير. ثم تلك الوحوش… ألم تشاهدوها أنتم أيضًا، أيها السادة الكهنة؟ تلك الأكوام من الجثث المتراكمة كالجبال!”
تلك الوحوش المفترسة التي لم تتوقف عن الهجوم مهما قُتلت مرارًا وتكرارًا، بدأت بالتراجع شيئًا فشيئًا بعد وقت قصير من اختفاء بريسيبي مع فيدار.
صحيح أن الخسائر البشرية لم تكن بالقليلة، لكنهم تمكنوا بفضل ذلك من حماية قرية فانيسا.
هل كان هذا أيضًا بسبب أن بريسيبي توسلت لفيدار؟ لا أحد يعرف الجواب.
“لم تكن وحوشًا عادية! بل من أبسط الوحوش التي نعرفها، حتى الوحوش القديمة ظهرت كلها دفعة واحدة، وكل ذلك بإشارة واحدة من ملك الشياطين!”
“…الوحوش القديمة، تقول؟”
علامات الصدمة كانت واضحة على وجوه السحرة أيضًا.
أيمكن حقًا أن يكون ملك الشياطين هو من تسبب بهذا؟ أخذت عقولهم تدور بسرعة. إن كان ما يقوله الفارس صحيحًا، فهذا يعني أن لا أمل لهم أبدًا.
فالقوة التي يمتلكونها في أصلها متجذرة في نفس المنبع الذي ينحدر منه ملك الشياطين، فكيف لهم أن يقاتلوه؟ ذلك سيكون ضربًا من الجنون.
“يا دوق، إذن السيدة بريسيبي…؟”
“اختُطفت مجددًا إلى الغابة المحرمة.”
كانت كلمة “اختطاف” قد لا تكون دقيقة تمامًا، ومع ذلك مضى فينريك بالكلام دون أي تردد.
“لذلك، أرى أن الوقت ليس في مصلحتنا لنضيّعه هنا.”
“…”
“أليس كذلك، يا جلالة الإمبراطور؟”
تحولت عينا ديتريش الصامت الجالس إلى فينريك.
“بما أنكم شرفتمونا بالمجيء إلى هنا، فلا بد أن لديكم تصورًا ما، أليس كذلك؟”
“…”
“فلتصدروا الأمر إذن. ما الذي سنفعله؟ هل نرسل الكهنة والسحرة في المقدمة كضحايا لنتقدم نحو الغابة المحرمة؟ أم نجعل من قائد الفرسان، الذي لا يكاد يقوى على المشي، طُعمًا لنفتح به الطريق؟”
كانت في كلمات فينريك نبرة سخرية لاذعة واضحة.
“أم أن جلالتكم تفضلون أن ترافقوني شخصيًا إلى الغابة المحرمة؟”
فالحقيقة أن ديتريش لم يكن قادرًا على فعل أي شيء في هذا الوضع. صحيح أنه خاض بعض المعارك في حياته، لكن الأمر هذه المرة كان مختلفًا تمامًا. فالعدو لم يكن جيشًا من البشر، بل ملك الشياطين نفسه.
وفوق ذلك، ما كان يقيده لم يكن الخوف فحسب، بل كونه إمبراطورًا.
“هذا كلام غير معقول إطلاقًا!”
صرخ فارس الحرس الإمبراطوري بوجه شاحب.
“لو حدث أي مكروه لجلالتكم، فستكون العواقب كارثية لا يمكن تداركها. مجرّد حضوركم إلى تخوم الغابة المحرمة ينطوي على مخاطر جمّة، فكيف تفكرون بخوضها أكثر…!”
“إذن جلالتكم، ستبقون هنا في القرية منتظرين لا تفعلون شيئًا؟ إلى أن أعود أنا وفرسان الفيلق ورجالي وجنود القصر الإمبراطوري بحياتنا على كفّنا لإنقاذ السيدة بريسيبي؟”
“دوق فينريك! الزم حدودك في كلامك!”
“أعتذر، لكن لعل كلامي لم يكن خارجًا عن حدوده كما تظنون. أخبروني، هل تفوّهت للتو بأي كلمة كاذبة؟”
“…”
“وعندما ننجح في إنقاذ السيدة بريسيبي، جلالتكم ستأخذونها مباشرة إلى القصر الإمبراطوري. هذا هو هدفكم الحقيقي منذ البداية. أما أوامركم السابقة بتطهير الغابة المحرمة من الوحوش، فالجميع يعلم الآن أنها باتت مهمة مستحيلة.”
ساد الصمت القاتم في أرجاء الخيمة، والجو متجمد من وقع كلمات فينريك.
الجميع كان يدرك أن حديثه فيه تجاوز كبير، ومع ذلك لم يتجرأ أحد على الاعتراض. لأنهم جميعًا علموا أن كل كلمة تفوّه بها صحيحة تمامًا.
“إذن يا دوق، هل معنى كلامك أنك لن تذهب لإنقاذ بريسيبي؟”
“…”
“أم أنك ترفض أن تلقى حتفك وحيدًا كميتة كلب تافهة؟”
قال ديتريش وهو يرمق فينريك بعينين تلمعان بالغضب.
“جلالتكم في كلامكم تناقض.”
لكن فينريك لم يبدُ عليه أثر من تراجع أو حرج. بل تابع حديثه ببرود وبجسارة لا تهتز.
“سأذهب حتمًا لإنقاذ السيدة بريسيبي. ولن يكون موتي موتًا عبثيًا أبدًا.”
“لرجل يزعم قبل قليل أنه لا يملك أي وسيلة، تبدو ثقتك بنفسك كبيرة جدًا.”
“أستسمحكم، لكنني على عكس جلالتكم، لم أتعوّد يومًا على التراجع لمجرد أنني لا أرى طريقة واضحة.”
“…”
“على أي حال، جلالة الإمبراطور قد تشريفتم بالحضور، غير أنه يتوجب عليكم أن تسلّموا لي زمام القيادة على ما تبقى من الكهنة والسحرة، فضلًا عن القوات المتبقية. فأنتم إمبراطور أتلوييا، وكما قال فارس الحراسة، يتعين عليكم أن تحافظوا على سلامتكم في أكثر الأماكن أمانًا الممكنة.”
ديتريش، بوجه متجمد وبارد، لم ينطق بكلمة واحدة.
كان يشعر بغضب واضح أكثر من أي وقت مضى، ومع ذلك كان يدرك في الوقت نفسه أنه عاجز عن فعل شيء الآن.
لذلك، كان يعلم أيضًا أن كل ما قاله فينريك صحيح.
‘وضيع حقير…….’
بينما أطلق ابتسامة ساخرة موجّهة إلى ديتريش، فكّر فينريك في نفسه.
في النهاية، لم يكن ديتريش سوى رجل كثير الكلام بلا أفعال. لم يكن يملك الشجاعة ليضحّي بحياته من أجل إنقاذ بريسيبي، ولا الثقة اللازمة ليعيدها مهما كلّف الأمر. كان مجرد تابع خسيس لا يريد إلا أن يُبقيها مقيدة إلى جواره.
“كيفن، أعِد فحص الجنود بدقة. يجب فصل المصابين عن البقية. ثم أيها القائد.”
“……نعم، يا دوق.”
“عليك أن تأتي معي لنتحدث قليلًا.”
أظهر جيفريد ملامح متعجبة لا يفهم ما يجري، بينما غادر فينريك الخيمة دون أن يلتفت إلى الوراء.
اقترب أحد الفرسان مسندًا جيفريد، فوقف هذا الأخير وأدى تحية قصيرة إلى ديتريش، الذي ظل جالسًا صامتًا، ثم تبع خطوات فينريك إلى الخارج.
✦✦✦
إلى أين يريد أن يأخذني بالضبط؟
هل إلى عش التنين الذي أخذني إليه أول مرة؟ أم إلى مكان آخر، بما أن الجنود احتشدوا هناك ولم يعد من الممكن العودة للغابة المحرمة؟
لكن حين فتحت عينيها، وجدت بريسيبي نفسها في مكان تعرفه جيدًا.
الجهة الغربية من الغابة المحرمة.
نعم، كان ذلك الكهف بعينه.
الذي يُقال إن ملك الشياطين عاش فيه آلاف السنين. ومع ذلك، المرة الماضية لم تجد أي أثر يُثبت ذلك.
“…….”
بوجه متعب وحالة يرثى لها، جلست بريسيبي مذهولة قليلًا، قبل أن يغشاها شعور معقد.
ماذا جرى مع الدوق فينريك؟ هل مات الكثير من الناس؟ الأغلب نعم.
وفيدار……
نظرت بريسيبي حولها بحذر، ولم يطل الأمر حتى لمحته.
في أعمق بقعة من الكهف.
في زاوية مظلمة لم يصلها الضوء، كان فيدار جالسًا وظهره إليها.
بهيئة منهوكة كمن انهار للتو، لكنها لم تلحظ تلك التفاصيل.
إذ بمجرد أن وقع بصرها عليه، خطرت فكرة وحيدة في ذهنها.
……هل أستطيع الهرب الآن؟
انجذب نظر بريسيبي تلقائيًا إلى مدخل الكهف، غير أن الأمر لم يبدو خيارًا حكيمًا. خاصةً وهي تتذكر تصرفات فيدار قبل قليل.
وبينما كانت غارقة في أفكارها، سمعت فجأة صوتًا غريبًا ينساب إلى أذنيها.
كان صوت أنين.
“……فيدار؟”
صحيح، لقد طعنه الدوق بسيفه قبل قليل. ليس مرة واحدة بل مرتين. الأولى بسيفه الخاص. والثانية……
[لم يكن مجرد سيف للزينة، بل سلاح يمكن القتال به فعلًا. إنه أثمن ما أملك. إن بعته لن يكون سوى مبلغ تافه من المال، لكن إن قاتلت به بدلًا من بيعه…… فسيتغير الكثير.]
……ذلك السيف الذي أعطيته له في وقت التدرّب.
لكن هناك أمر لا يبدو منطقيًا. ألم يقل فيدار بنفسه؟ إنه لا يستطيع أن يموت حتى لو أراد.
فكيف أثّر فيه هجوم الدوق إذن؟
ترددت بريسيبي لحظة، ثم اقتربت بخطوات بطيئة حذرة حتى وقفت قربه.
وهناك، وجدت نفسها أمام مشهد لم يخطر لها على بال.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 134"