كان كل ما حولها مظلمًا.
لم يكن هناك أي ضوء سوى ذاك الذي يتسرب خافتًا من شاشة الحاسوب الصغيرة، وفي مكان ما ظلّ يتردّد صوت سعال مزعج.
كان ذلك صوت سعالها هي.
وفوق ذلك، أحست بأن قلبها يُعصر شيئًا فشيئًا. عندها أدركت بريسيبي أن ما يحدث الآن ليس سوى حلم.
ففي داخل اللعبة لم يسبق لها أبدًا أن شعرت بمثل هذا الألم.
“كح… كح…”
تكرر السعال مرات أخرى، ومدّت يون جو-يون يدها الشاحبة لتلتقط شيئًا. كان كيس دواء.
وكأنها معتادة على هذا الأمر، وضعت الحبوب في فمها بسرعة وابتلعتها مع قليل من الماء، ثم أمسكت صدرها وهي تتألم بشدة.
كان ذلك تصرفًا لم يكن لإرادة بريسيبي أي علاقة به.
شعرت كأنها محبوسة داخل جسد يون جو-يون نفسه.
“التأكد…”
كانت يون جو-يون، في عالم الواقع، ما تزال تقبض على صدرها من الجهة اليسرى، وعيناها مثبتتان على شاشة الحاسوب وهي تتمتم بوجه شاحب وكأنها فقدت عقلها:
“يجب أن أتأكد…”
التأكد من ماذا؟
لكن بريسيبي لم تكن تعرف، ولم يكن هناك وسيلة لتعرف.
أما يون جو-يون فقد ظلت تحدّق في الشاشة بوجه مشوّه من الألم أو الغضب، لم يكن واضحًا.
وعلى شاشة الحاسوب المحمول ظهر شيء شديد الألفة بالنسبة لبريسيبي:
<بريسيبي في القفص>
اسم اللعبة اللعينة، وشاشة البداية.
تمامًا كما في العنوان، بريسيبي محبوسة في قفص، بوجهٍ يعلوه الحزن.
ثم ظهرت نافذة إرشاد:
[إشعار: لم يتم التحضير لتشغيل اللعبة.]
صرخت يون جو-يون غاضبة:
“لماذا لا يعمل مرة بعد مرة؟!”
وانطلقت منها شتائم وهي تمتلئ بالحنق، لكن اللعبة لم تتحرك أبدًا.
مهما أعادت التثبيت مرارًا، لم يظهر سوى نفس النافذة الباردة.
“هاه… اللعنة…”
سعلت يون جو-يون بشدة، ثم مالت قليلًا وهي جالسة.
رغم أنها تناولت الدواء، إلا أن الألم في صدرها كان يزداد سوءًا.
حتى أن التنفس نفسه صار صعبًا.
… هل كنت مريضة؟
أنا؟
وبهذه الشدة؟
لكنها مهما حاولت استعادة ذاكرتها، لم يخطر في بالها شيء.
حتى غرفة يون جو-يون، التي تراها أمامها الآن، بدت غريبة عنها.
لم تكن تشبه قصر فينريك، ولا البرج في القصر الإمبراطوري حيث كانت محتجزة دومًا.
“هاه… هااه…”
أخذت يون جو-يون تلهث وهي تحاول التنفس بجنون، ثم شربت ماءً فاترًا عدة مرات.
لكن الألم لم يخفّ أبدًا.
لم يكن حالها مما يمكن ادعاؤه بأنه مجرد زكام أو مرض بسيط.
لماذا كانت تعيش وحدها في مكان كهذا؟
وهي مريضة إلى هذا الحد؟
كانت غرفة يون جو-يون الضيقة تفضح حالتها حتى من أول نظرة.
سرير صغير لا يكاد يتسع لجسدها.
مكتب صغير وكرسي لا يعلوهما سوى حاسوب محمول.
أما الطاولة الصغيرة بجانب السرير، فلم يكن فوقها أي فراغ، بل أكياس دواء فارغة لا تُحصى مكدسة بلا ترتيب.
هل كانت مريضة منذ زمن طويل؟
حتى لو كانت تعيش مستقلة، ألن يعود الناس عادةً إلى منازلهم الأصلية في ظروف كهذه؟
لا… هل كان لدي أصلًا… عائلة؟
حاولت أن تتذكر، لكن لم يخطر ببالها شيء.
لا أسماء، ولا وجوه، ولا حتى إن كان لديها والدان أو أقارب.
لم يبقَ أي شيء… لا شيء على الإطلاق.
وبينما ضاع وقت طويل وهي غارقة في هذه الحالة، بدأ ضوء الفجر يتسلل من النافذة الصغيرة.
تأوهت يون جو-يون وهي تترنح، ثم قامت من على الكرسي واتجهت إلى السرير لتستلقي عليه.
“لعبة مقرفة…”
وتمتمت بصوت خافت:
“قذرة ورخيصة… لن ألعبها بعد الآن…”
بعد أن قالت ذلك، ظلت ساكنة للحظة.
ثم رفعت يدها لتغطي وجهها، قبل أن يبدأ صوت نحيب خافت بالخروج منها.
“كم هو مزعج…”
هل كانت لدي مثل هذه الذكريات؟
لكن ما الذي أزعجها إلى هذا الحد؟
هل مجرد أن اللعبة لم تعمل كما تشاء؟
هل كان ذلك أمرًا يستحق أن تبكي لأجله؟
“لم يكتفوا بتغييرها كما يشاؤون… حتى إنها لا تعمل الآن…”
تغييرها؟
ماذا قصدت؟
لكن بينما ارتسمت الحيرة على وجه بريسيبي، استمرت يون جو-يون في البكاء بهدوء.
حتى لو غطّت وجهها بيديها، تساقطت الدموع بلا توقف، لتبتلّ الوسادة تحت رأسها.
وعاد الألم يخنقها من جديد.
“…….”
أمسكت يون جو-يون صدرها من الجهة اليسرى، ثم استدارت بصعوبة إلى الجهة المقابلة للجدار.
وهناك، لمحت شيئًا لم تتوقعه.
كان دفترًا صغيرًا موضوعًا فوق الطاولة الجانبية، بجانب أكياس الدواء الفارغة.
وعلى غلاف الدفتر كان مكتوبًا:
<كتاب إعدادات “بريسيبي في القفص”>
“كح… كح…”
بدأت يون جو-يون تسعل مجددًا، لكن هذه المرة كان الألم أشد بكثير.
ولهذا، وهي مستلقية، جمّعت جسدها كطفلٍ صغير، لعلها بذلك تخفف من الألم الذي يعصرها.
غير أن الغرفة كانت ضيقة للغاية، حتى أن قدميها لامستا الدفتر الموضوع على الطاولة، فأسقطتاه أرضًا بلا مقاومة.
<ملك الشياطين فيدار>
كان ذلك العنوان على الصفحة التي انفتح عندها الدفتر.
صفحة مليئة بالكتابة من الأعلى إلى الأسفل.
> “البطل الحقيقي الذي لا يمكن مقابلته إلا بعد رؤية جميع النهايات مع باقي الشخصيات.”
ما هذا؟
هل هو دليل للعبة؟
لكن من الذي يكتب مثل هذا عن لعبة فاشلة كهذه…؟
وبينما كانت بريسيبي تفكر بذلك، استوقفت نظرها الجملة التالية:
> “…رغم أن جميع النهايات مع الشخصيات الأخرى هي نهايات سعيدة، إلا أن فيدار هو البطل الحقيقي، لذا يجب أن تكون نهايته مميزة.”
… جميعها نهايات سعيدة؟
> “لقد انتظر طويلًا، طويلًا جدًا من أجل البطلة وحدها، حتى يحين لقاؤهما، وعندها فقط ينال الخلاص والراحة.”
تذكّرت.
ألم تسمع شيئًا مشابهًا بصوت يون جو-يون نفسها؟
عندما تحدثت مع فيدار قبل قليل.
> “بما أن البطلة بريسيبي تحمل دماء الوحوش في عروقها، فربما لا تخاف أن تُكشَف حقيقتها إذا بقيت مع ملك الشياطين فيدار.”
“كح… كح…”
> “فيدار أيضًا عاش آلاف السنين في الانتظار من أجل بريسيبي، لذا فإن خطه العاطفي سيكون أعمق من باقي الشخصيات.”
“أه… آه…”
ما معنى هذا الكلام؟
كانت الصفحات مليئة بالسطور، لكن لم يكن في أي منها ما تستطيع بريسيبي أن تفهمه بوضوح.
كانت تريد أن تقرأ المزيد، أن تكمل حتى النهاية.
لكن يون جو-يون لم تُصدر أي أنين بعدها.
فقط الألم الهائل في صدرها، الذي لم تتخيله بريسيبي من قبل، ازداد قوة.
وبعد لحظة قصيرة، غرق كل شيء في السواد.
ثم استيقظت بريسيبي من الحلم.
“هاه…!”
فتحت بريسيبي عينيها فجأة، وأخذت تلهث بعنف دون أن تشعر.
ومددت يدها على صدرها، حيث كان الألم يعصرها في الحلم.
لكنها لم تشعر بأي شيء. لم يكن هناك ألم، ولا حتى سعال.
الغابة المترامية الأطراف حولها لم تشبه الغرفة الضيقة في شيء.
ضوء القمر المنهمر لم يكن كضوء الحاسوب الباهت.
هواء نقي.
نسيم هادئ.
رائحة العشب.
“…….”
كانت تدرك أنها قد استيقظت من الحلم، لكن عقلها لم يستطع بعد أن يستوعب.
حدّقت بذهول، وأصابعها ترتجف.
[… لكن، هل يؤلمك صدرك؟]
رنّ في أذنها صوت فينريك، وكأنها تسمعه الآن.
[حدث ذلك من قبل، أليس كذلك؟ أمام جثة الأمير أتاري.]
نعم…
صحيح، منذ أن وجدت نفسها داخل اللعبة، الأمر يتكرر دائمًا.
حين مات الأمير أتاري.
حين ذهبت إلى المهرجان مع فينريك.
بل في كل مرة شعرت بالخوف أو الاضطراب.
لقد كان ذلك عادة من حياتها السابقة.
حتى أكياس الدواء المكدسة في الغرفة الضيقة تشهد على ذلك.
هل أغمي عليّ هناك؟
ثم جئت إلى داخل اللعبة؟
<كتاب إعدادات “بريسيبي في القفص”>
إذن ذلك الكتاب…؟
لماذا كان عندي أصلًا؟
ارتجفت عينا بريسيبي البنفسجيتان في ارتباك شديد.
وفي تلك اللحظة بالذات، ارتسم ظل مظلم فوق وجهها الشاحب.
“آآآااااه!”
انطلق صراخها الحاد، ليمزق سكون الغابة المحرمة.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 128"