[بريسيبي لا تفعل سوى أن تعيش الأيام نفسها مراراً وتكراراً. لا تتذكر شيئاً. لكنها تعرف سري، ولهذا اعتمدت كثيراً على الشخص الوحيد القادر على مساعدتها، وهو أنت. هكذا وقعت في حبك واختارتك. لم تُلقِ نظرة على أي رجل آخر.]
ذلك ما قاله لإيفان، وما زال فيدار يتذكره بوضوح حتى الآن.
كان يريد استغلال إيفان لمهاجمة فينريك وزعزعة النظام، لكن الوضع تغيّر.
ولم يكن هناك أي فائدة من قول ذلك لبريسيبي الآن.
لذا هز رأسه.
“لم أقل شيئاً على الإطلاق.”
“…”
“ولا أي كلمة.”
كان الأمر مؤسفاً. والآن بعد أن مات إيفان، لم يعد هناك وسيلة للتأكد إن كان كلام فيدار صدقاً أم كذباً.
أطبقت بريسيبي شفتيها لبرهة، ثم نظرت إليه بعينين مليئتين بالشك وسألته مرة أخرى:
“لقد هاجمت وحوشٌ القصر الإمبراطوري فجأة، فهرب إيفان، أليس كذلك؟”
فكرت بريسيبي وحدها: أجل، كما حدث هذه المرة.
“ألم يكن ذلك من فعلِك أيضاً؟”
تقلصت عيناه قليلاً وكأنه لم يتوقع هذا السؤال.
“لقد قلتَ لي قبل قليل إنك تستطيع بسهولة أن تفسد الوحوش أو تعيد إحياءها. أليس معنى ذلك أنك تستطيع التحكم بها كما تشاء؟”
“…”
“فهي أطفالك، وستطيعك بلا تردد. كما حدث هذه المرة أيضاً.”
“لا أدري… أليس هذا استنتاجاً ضيقاً؟ فهناك حالات ليست كذلك…”
“حالات ليست كذلك؟”
“لا، لا شيء.”
ابتسم باستخفاف قصير، ثم نظر إلى بريسيبي بهدوء.
وعينيها ما زالتا مشبعتين بالشك. كان ذلك طبيعياً، فالأسباب التي تدعو إلى الريبة كثيرة، بينما الأعذار المقنعة لا وجود لها.
“نعم، أنا من جعل الوحوش تهاجم القصر في تلك المرة ليفلت إيفان.”
اعترف فيدار بصدق هذه المرة.
“لكن ذلك كان لأحميك من فينريك.”
حسب هواه.
“ماذا؟”
“كنتُ أظن أنه بعد هروب إيفان سيهاجم فينريك أولاً. وحينها ستعودين إلى البرج من جديد، وكنت أخطط لإنقاذك عندها. كما حدث هذه المرة. لكن إيفان قام بخطفك، غير مدرك أن ذلك سيقصّر من عمره. والآن، هل نلتِ جوابك؟”
“…”
“أنت تعرفين. لقد قلت لك مراراً إن فينريك رجل خطير عليك.”
(لا… الدوق لم يفعل بي شيئاً. لم يؤذني، ولم يجعلني أتألم…)
كلمات لم تستطع أن تتفوه بها، ظلت ترنّ في صدر بريسيبي كالصدى.
(هل أستطيع أن أجزم… بأني لم أكن أكنّ أي شعور مظلم تجاه الدوق؟)
ومع تفتح بذور الشك في قلبها، تابع فيدار:
“لقد كنتُ في انتظارك منذ وقت لم أكن حتى أعرف من تكونين فيه.”
ثم أكمل بصوت جاف بطيء:
“انتظرتك من قبل أن أعرف معنى الانتظار، وحتى بعدما عرفته. وكنت أنتظر وأنتظر، حتى صار الانتظار عذاباً لا يُحتمل. حاولت أن أقطع عنقي وأمزق جسدي مراراً، لكن الموت لم يأتِ. وهكذا عشت آلاف السنين، أنتظر مجيئك الذي لم يحدث قط…”
وفجأة، وكأن همساً مرّ بجوار أذنها.
[لو كنتِ حقاً ملكة الشياطين، أما كان سيُظلمك ذلك؟]
كلمات فيدار التي قالها لها في الغابة المحرّمة.
“آلاف، بل عشرات آلاف المرات فكرت. تمنيت حتى تآكل قلبي. فقط أن تأتي. لا يمكنك أن تتخيلي ما معنى هذا الشعور.”
كان فيدار موجوداً منذ ما قبل أن تبدأ قصة قفص بريسيبي فعلياً.
بمعنى آخر، لقد صمد آلاف السنين وحيداً فقط من أجل أن يلتقي ببريسيبي داخل اللعبة.
لأنه صُنع لهذا السبب بالذات.
كان يفكر في ذلك عندما…
[فقط من أجل البطلة…]
وفجأة، سمع صوتاً مجهولاً، لكنه بدا مألوفاً على نحو ما.
[انتظار طويل جداً… انتظار متكرر بلا نهاية…]
“صحيح. أنتِ… لا تعرفين شيئاً.”
[ثم عندما تلتقيان أخيراً…]
…ثم؟
تغيرت ملامح بريسيبي قليلاً تحت وطأة الحيرة.
لكن الصوت الغامض لم يُسمع بعدها.
“لقد عرفتُك من النظرة الأولى.”
“…”
“وتوقعتُ أنكِ ستعرفينني أنتِ أيضاً.”
تلألأت عينا فيدار الزرقاوان بشيء من الشفقة.
“لكنّك لم تفعلي.”
وكان محقاً. لم تتعرف عليه، ولم تكتشفه.
“هل لهذا السبب كذبتَ عليّ؟”
سألت بريسيبي بصوت مرتجف.
“لأنك كنت تكرهني.”
“…”
“ولأنك كنت تلومني.”
هل كان يريدها أن تختبر المعاناة نفسها؟ أن تبحث عنه مراراً وتنتظره مراراً، كما فعل هو؟ هل كان هذا شعوره؟
لم يقل فيدار شيئاً.
لكن أحياناً يكون الصمت أبلغ من أي جواب. كما هو الحال الآن.
لكن كيف عرف فيدار بكل هذه الأمور؟
هل كان هذا أيضاً نتيجة خلل؟ أم أنه أثر جانبي بعد أن حصل فينريك على وعي، واستعاد باقي الشخصيات ذاكرتهم؟ أم له علاقة بتطورات الوضع في “الوضع السري”؟
انعكس الشك على وجه بريسيبي.
“أنت…”
ومضت فترة ليست قصيرة قبل أن تفتح شفتيها بصوت خافت جداً:
“أخبرني بكل ما تعرف. إن كنتَ حقاً تريد أن أصدقك.”
كذب.
أنتِ صدقتِ فينريك حتى عندما لم يخبركِ بكل الحقيقة.
وحتى بعدما عرفتِ من أنا، ظللتِ تحاولين البقاء بجانبه.
“لا أعرف إلا شيئاً واحداً.”
لسوء الحظ، لم يكن فيدار يثق ببريسيبي.
“أياً يكن من يحاول أخذك، فإنك في النهاية ستعودين لتكوني مرتبطة بي.”
تماماً كما تفعلين الآن.
“من غيري يمكنه ذلك؟ أنا من صمدت آلاف السنين وحيداً، فقط في انتظارك.”
“…”
“فينريك الذي قتل الناس واقترب منك عن قصد، فقط ليُقيدك بجانبه؟”
لم تستطع بريسيبي أن تجيب.
وربما لأن جزءاً منها لم يكن واثقاً تماماً بأن فينريك لم يرتكب تلك الأفعال فعلاً.
“أنا مختلف.”
قال فيدار وهو يلامس خدها.
“لن أؤذيك.”
…على الأقل ليس بعد الآن.
ابتلع فيدار صدقه المظلم بصمت، دون أن تدرك بريسيبي.
“فانظري إليّ.”
“…”
“إليّ أنا وحدي.”
لأن الأمر كان يجب أن يكون هكذا منذ البداية. لقد كان هذا مصيرهما منذ البداية.
فمنذ البداية، لم يكن ينبغي أن يكون بينهما أي شوائب أو أطراف أخرى.
هذا هو مكانهما الأصلي، حتى لو استدارا حول طريق طويل قبل أن يصلا إليه.
وكان فيدار يؤمن بذلك بصدق.
“…”
كانت كلماته، في ظاهرها، لطيفة ومليئة بالحنان.
بل من المفترض أن تبعث الطمأنينة.
لكن، يا للمفارقة…
لمسة فيدار على خدها كانت دافئة للغاية، ومع ذلك شعرت بريسيبي بفجوة غريبة لا تستطيع فهمها.
ولذلك، لم تمسك يده كما فعلت مع فينريك، ولم تنطق باسمه.
“أريد أن أبقى وحدي مع أفكاري لبعض الوقت.”
وبعد لحظات، خرج من بين شفتيها كلام لم يكن أبداً ما توقعه فيدار.
لماذا؟
ما الذي ينقصني؟
لماذا لا تصدقينني كما صدقتِ فينريك؟
هل ما زال فينريك مميزاً بالنسبة إليك؟
حتى بعد سماعك لكل هذا؟
لم يستطع فيدار أن يفهم.
عينا فيدار الزرقاوان ارتجفتا بعنف، لكن بريسيبي التي تجنبت النظر إليه لم تلاحظ ذلك.
“…”
أبعد فيدار يده عن خدها ببطء.
“لنعد الآن.”
ثم مد يده إليها.
“لا أستطيع أن أتركك هنا وحدك.”
كان قد قال قبل قليل إنها لم تعد تملك مكاناً تهرب إليه، وإنه لم يعد يخشى أن تهرب.
وكان يعرف أيضاً أن اختلاط دم الوحوش بجسدها يجعل هذه الغابة غير مؤذية لها.
لكن تصرفه بدا متناقضاً مع قوله.
لم تأخذ بريسيبي يده.
بل نهضت وحدها، بخطوات بطيئة نحو المكان الذي كانت فيه.
وتركت فيدار واقفاً أمام الشجرة، يحدق في يده الممدودة التي بقيت معلقة في الهواء.
وتظاهرت بأنها لم ترَ ذلك.
[فقط من أجل البطلة، انتظار طويل جداً… ثم عندما يلتقيان أخيراً…]
ظلت بريسيبي تردد تلك الكلمات الغامضة التي مرّت فجأة بأذنها من قبل، وتعيدها في ذهنها بلا توقف.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 126"