لم يكن يبدو أن فينريك ينوي إطلاق سراح بريسيبي أبدًا.
ومهما سألته مرارًا عما حدث، لم يُبدِ أي جواب. كل ما فعله هو احتضانها بشدة دون أن يتحرك.
… كانت تنوي أن تتحدث. أن تصارح بكل شيء.
لكن وهي تنظر إلى فينريك أمامها، بدا لها في حالة سيئة للغاية، حتى أسوأ مما كان عليه حين أصيب إصابة خطيرة بسبب إيفان…
لذلك تغلب عليها القلق أولًا، وبقيت بين ذراعيه فترة طويلة قبل أن تتحلى بالشجاعة لتفتح شفتيها بحذر:
“يا دوق، إن بقيت هكذا ستُصاب بالبرد. من الأفضل أن تستريح قليلًا. لنتحدث لاحقًا… حسنًا؟”
“……”
“أرجوك.”
عند كلمة “أرجوك”، رفع فينريك رأسه أخيرًا، بعد أن كان ساكنًا تمامًا، ونظر إليها بعينين تحملان شيئًا من الحزن.
ترددت بريسيبي للحظة، ثم مدت يدها وأمسكت برفق بيده الكبيرة المعلقة في الهواء، وسحبته بحذر نحو السرير.
“ملابسك ابتلّت تمامًا. أعتقد أنه عليك تبديلها أولًا…”
لم يمر وقت طويل منذ أن نهض من الفراش بعد إصاباته، وإن أصيب بالبرد الآن فسوف يمرض بشدة.
مستعجلة، جلست بجانبه وبدأت تفك أزرار قميصه واحدًا تلو الآخر.
لكن عندما فتحت اثنين منهما، وظهر صدره الملفوف بالضمادات، توقفت فجأة.
“… من الأفضل أن تكمل الباقي بنفسك، يا دوق.”
ابتعدت بريسيبي قليلًا، فمع أنها رأته عاري الصدر من قبل أثناء علاج جروحه، إلا أن نزع ملابسه بنفسها بهذا الشكل جعلها تشعر بالحرج.
ربما من الأفضل أن أستدعي هانا، فكرت، فهي يمكنها إحضار ملابس جديدة أيضًا.
لكن قبل أن تخطو سوى بضع خطوات، توقفت في مكانها.
ذلك لأن فينريك أمسك بمعصمها.
وعندما التفتت، رأت فينريك وقد نزع قميصه المبتل وضماداته بغير اكتراث.
“ابقي هنا.”
“يا دوق…؟”
“أريدك بجانبي.”
“……”
“لا تذهبي إلى أي مكان.”
كان أمرًا غريبًا… لماذا بدا صوته العميق المبحوح وكأنه يتوسل؟
ولماذا بدت عيناه الحمراوان وهما تنظران إليها بهذا الشكل الحزين؟
“أرجوك.”
كان خائفًا.
خائفًا أن لا يكون فراقًا مؤقتًا، بل فراقًا أبديًا.
خائفًا أن تكتشف بريسيبي أن ملك الشياطين الذي تبحث عنه هو فيدار… فتدير ظهرها وتتركه إلى الأبد.
“لكن يا دوق، أعتقد أن من الأفضل أن تستريح قليلًا…”
“إذن دَعيني أستريح.”
“… ماذا؟”
“أن تكوني بجانبي… هو الطريقة الوحيدة التي تجعلني أستريح فعلًا.”
ارتجفت عينا بريسيبي البنفسجيتان الموجهتان نحوه.
“ألستِ راغبة؟”
حتى وهو ينطقها، كان فينريك يسخر من نفسه داخليًا.
بعد أن وصل إلى هذا الحد، وبعد أن فعل كل ما فعل… هل كل ما يقدر عليه الآن هو التوسل؟
لكن لم يكن أمامه خيار آخر.
فمنذ البداية، كان هو الطرف الذي يتوق بشدة حتى الذل… بينما الطرف الآخر لا يهتم بتلك المشاعر، ويمكنه الرحيل في أي لحظة.
كانت تلك هي طبيعة علاقتهما البائسة.
“……”
حتى مع رجائه الصادق، لم تجبه بريسيبي.
كانت تنظر إليه بعينين يختلط فيهما القلق والحيرة، وكأنها تريد أن تسأل شيئًا أو تسمع شيئًا… لكنها لم تقل أي كلمة.
وبدلاً من ذلك، أمسكت به وسحبته ببطء.
“سأجعلك تنام.”
“……”
“استلقِ هنا.”
كان فينريك يبدو شديد الاضطراب… مثل طفل يخشى أن يتخلى عنه والداه في أي لحظة.
أرادت أن تسأله بصدق عما حدث، لكن قبل قليل هو نفسه طلب منها أن تبقى ساكنة اليوم، بين ذراعيه.
وإن كان هذا ما يحتاجه منها الآن، فهي مستعدة لأن تمنحه إياه.
فهو قد فعل من أجلها ما هو أعظم، ودون أي تردد.
ولحسن الحظ، لم يقاوم، بل أطاعها بهدوء.
استلقى على السرير، وظل يرفع نظره نحوها.
“أريدك أنتِ أيضًا أن تستلقي.”
“ماذا؟”
“لا أريد أن أستريح وحدي. هذا ليس ما أتمناه.”
لقد نامت بجانبه من قبل، سواء في طريقهما إلى الغابة المحرمة أو في قرية فانيسا.
وكما لم يكن من الغريب أن ترى جسده، لم يكن الأمر جديدًا تمامًا…
لكنها ترددت هذه المرة. ربما لأنها بدأت تعترف بمشاعرها، وقررت ألا تتجاهلها بعد الآن.
أما فينريك، فسواء أدرك ذلك أم لا، فقد رفع بصره إليها وقال بصوت جاد:
“لن أسيء التصرف معكِ، يا بريسيبي.”
“……”
“أعدك، بحياتي.”
لم يكن الأمر لهذا السبب في الأصل.
ترددت بريسيبي قليلًا، لكنها في النهاية استلقت إلى جانبه تاركة مسافة لا تتجاوز شبرًا واحدًا بينهما.
ثم تبادلا النظر.
“……”
حل صمت ثقيل بين الاثنين. كانا يحدقان في بعضهما البعض، لكن أياً منهما لم يجد الكلمات بسهولة.
“لم ألوم أبدًا من قبل.”
بعد وقت ليس بقصير، كان فينريك هو من كسر الصمت أولًا.
“لكنني أجد نفسي ألوم هذه الأيام.”
“تلوم ماذا؟”
“أشياء مثل الحاكم.”
“……أشياء مثل الحاكم؟”
ابتسم فينريك ابتسامة باهتة.
لم يسبق له أن آمن بشيء مثل الحاكم. فمنذ البداية، كانت حياة التشرد من شارع إلى شارع تعني أن وضع المعنى في مثل هذه الكائنات لا يجلب إلا البؤس.
وفوق ذلك، كان يعلم الآن أن هذا العالم كله مجرد وهم.
وحتى لو وُجد حاكم في عالم مزيف كهذا، فما المعنى؟
لكن…
“كنت أتمنى لو أنني شخص ذو قيمة أكبر.”
رغم ذلك، كان اللوم يتصاعد داخله مرارًا.
لأنه إذا كان هذا العالم وهمًا، فلا بد أن هناك من خلق هذا الوهم.
[أنت في هذا العالم لست سوى كائن أحقر من أن تُعطى حتى دورًا.]
“لو كان الأمر كذلك…”
[الشخص الذي كان من الممكن أن يرتبط ببريسيبي لم يكن أنت. كان هناك واحد فقط منذ البداية.]
“لكان كل شيء مختلفًا.”
كما حدث مع الشخصيات الرجالية الأخرى، كنت سألتقيك كما هو محدد، وستحبينني كما هو مكتوب.
وسيتم اختياري. دون أن أعيش في خوف من أن أتخلى عنك.
ربما لم يكن هدفي مغادرة هذا العالم أصلًا.
“…… دوق فينريك، لكنني أفضل الأمر كما هو الآن.”
لكن بريسيبي هزت رأسها وأجابت:
“أن تصبح شخصًا مميزًا بالنسبة لي يا دوق، هذا تحديدًا هو السبب.”
كيف يمكن لشخص حطم حتى القيم المحددة التي لا يمكن عصيانها كي يقترب مني ألا يكون مميزًا؟ فكرت بريسيبي.
“كنت مختلفًا عن الجميع.”
“……”
“ولم أكرهك أبدًا. ولم أكره أن أكون معك هكذا. لم أشعر بعدم الارتياح، بل على العكس…”
“على العكس؟”
“……أحب ذلك.”
تمتمت بريسيبي بصوت منخفض:
“أنا أحبك يا دوق فينريك.”
……لم تكن تنوي قول ذلك هكذا.
لكن ما إن خرجت الحقيقة، لم تستطع التوقف.
“حاولت أن أتجاهل مشاعري عمدًا، وحاولت أن أتغاضى عنها، لكنني لم أستطع.”
“……”
“كنت أعتقد أن قول الحقيقة بهذه الطريقة قد يجلب لك نتيجة سيئة، ومع ذلك، أردت أن أبقى معك…”
فينريك، وبصوت مبحوح قليلًا، قطع كلامها كما لو أنه لا يريد سماع المزيد.
“هل تحبينني حقًا؟”
ومع ذلك، كان يريد أن يسأل. وربما كان يريد تأكيدًا.
حتى لو كان لديها سر تخفيه عني، وحتى لو كانت تنوي تركي والرحيل…
على الأقل أردت أن أعرف إن كان ذلك الشعور حقيقيًا.
رغم أنني كنت أعرف أن ذلك بلا أي معنى…
“نعم.”
أجابت بريسيبي بحزم:
“أنا أحبك حقًا. بكل صدق. ومهما حدث بعد ذلك.”
لم يقل فينريك أي شيء. لم يفرح بوضوح، ولم يقل شكرًا بطريقة مألوفة.
كل ما فعله هو مد يده ليحتضنها كما لو كان يحبسها بين ذراعيه.
ثم انحنى ليقبلها.
“……”
كانت قبلة مفاجئة، ولمسته مفاجئة. لكن بريسيبي لم تتجنبه.
بل أحاطته هي الأخرى بذراعيها، وتلقت أنفاسه المشتاقة بلا مقاومة.
“الآن…”
قال فينريك، بعد أن أبعد شفتيه عنها، وهو يسند ذقنه على رأسها ويغمض عينيه بإحكام:
“هذا يكفيني.”
“……”
“كنت أريد سماع تلك الكلمات فقط. على الأقل اليوم.”
لم يكن يريد سماع أي شيء آخر من قصتها الصادقة.
سوى كلمات أنها تحبه بصدق.
……كان يريد أن يمسك يدها، أن يلمسها، أن يحتضنها، أن يقبلها. كان قد تخيل ذلك من قبل.
وكان يعتقد أنه حين يأتي ذلك اليوم، سيكون سعيدًا لدرجة أنه لن يعرف ماذا يفعل بنفسه.
لكن عندما قبل بريسيبي، فكر فينريك:
ليتني أموت هكذا الآن.
حينها، سواء كنتِ بعيدة عن متناول يدي، أو كنتِ بجانبي الآن، أو حتى في ذلك اليوم الذي سترحلين فيه وتتركينني، فلن أضطر أن أعيش مثل شبح يطاردك بلا جدوى.
هل من الممكن أن تحبيني أكثر مما تحبين المكان الذي تريدين العودة إليه؟
لو أحببتِني حتى نصف ما أحبك، لكان الأمر ممكنًا.
ولو تمكنت من منعمك عن الرحيل وترك هذا العالم…
لكن، حتى لو بقيتِ بجانبي، هل ستبتسمين لي؟
“……”
كان على وجه بريسيبي ملامح استغراب.
فهي في حضنه، لكن من كان يندفع إليها بجنون هو فينريك.
وكان شعوره العميق بعدم الأمان واضحًا لدرجة أنه انتقل إليها، فربتت على ظهره العريض عدة مرات، ومسحته بحنان كما لو كانت تقول له إن كل شيء سيكون على ما يرام.
لكن بريسيبي لم تكن تعرف وقتها…
أن تمكن فينريك من الاقتراب منها في هذه اللحظة لم يكن مجرد خلل عرضي.
ولا ما الذي فعله بالضبط لكي يتمكن من الوصول إليها.
لكن الأمر لم يستغرق وقتًا طويلًا قبل أن تعرف.
✦✦✦
في ليلة مظلمة، كان البرج الغربي المهجور ساكنًا بشكل مطبق.
حتى عندما كانت بريسيبي تقيم فيه، وقبل أن ترحل، كان جو البرج لا يزال موحشًا أكثر من اللازم، وباردًا على نحو ينذر بالسوء.
لكن فيدار كان هناك.
وحيدًا.
“……”
انعكست أشعة القمر المستديرة في عيني فيدار الزرقاوين، فأضاءتا ببرودة مخيفة وهو يحدق في الغرفة الخالية.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 115"