قالت غوي تينغ يوي:
“إنه يتجاهلني.”
وقبل أن تنام، أبلغت طبيبها النفسي بتقدّم المعركة، وطلبت منه المشورة لما يجب أن تفعله لاحقًا.
كان الطبيب تِينغ معروفًا بتفانيه في عمله، لا يردّ طلبًا لمريض لديه، فسألها:
“هل يتجاهلك تمامًا؟”
قالت:
“ليس تمامًا، فقط يجيب ببرود… لكنه جاء اليوم لتناول العشاء في منزلي.”
قال الطبيب بدهشة:
“بهذه السرعة؟”
ضمّت غوي تينغ يوي هاتفها بيديها، تسترجع في ذهنها كل ما جرى تلك الليلة، ثم قالت:
“مم، أظنه من النوع الذي يبدو قويًا من الخارج لكنه هشّ في الداخل.”
سأل الطبيب:
“ماذا تعنين؟”
أجابت بعد تفكير:
“إما نمرٌ من ورق، أو شخص يستخدم ألوان التمويه ليحمي نفسه.”
(ملاحظة: البطلة تقصد انه يشبه الحيوانات الي تلون نفسها لتشبه المكان الي هي فيه عشان محد يكتشف وجودها وتحمي نفسها من المفترسين بهذه الطريقة.)
ابتسم الطبيب وقال:
“إذن فحدّة ملاحظتك وتعاطفك بدأ يعودان.”
ابتسمت بدورها بخفة، ثم أعلنت خطتها التالية:
“أنوي أن أدعوه غدًا أيضًا لتناول العشاء، كما قلت أنت، إنه يعيش وحده وغذاؤه غير منتظم.”
وافق الطبيب مبتسمًا:
“فكرة جيدة.”
وبفضل تشِن شي، عادت غوي تينغ يوي تشعر بتوقٍ جديدٍ إلى الغد، وكأن دماءها استعادت حيويتها، وأطرافها الدافئة لم تعد تعرف ما هو الخمول والصدأ.
عضّت شفتيها قليلًا، وخرجت من المحادثة لتكتب لِـتشِن شي آخر رسالة ذلك اليوم، كانت قد كادت تنساها، رسالة تعريفٍ بسيطة.
لم تهتم إن كان يريد معرفة ذلك أم لا، المهم أنها أرادت أن تترك أثرًا أعمق في ذاكرته:
“اسمي غُوي تينغ يوي، مأخوذ من عبارة: “القمر العائد إلى الديار” تذكّر أن تُسجِّل اسمي.”
ثم أضافت:
“لا داعي للرد. تصبح على خير.”
•°•○•°•●•°•○•°•
في الصباح التالي، حين بزغ أول ضوء، استيقظت غوي تينغ يوي مبكرًا، ولم تُفاجأ حين لم تجد رسالة منه.
ربما لأنها أصبحت محصّنة من خيبات الأمل، أو لأنها باتت قادرة على رؤية جوهر الأمور.
لم تغضب أبدًا، فطالما لم يظهر ذلك المثلث الأحمر الصغير، فهذا يعني أنه لم يُغلق الباب بعد، ما زال هناك فسحة صغيرة لها.
أمسكت كتابًا بيدها، وكرسيًا بالأخرى، وجلست قرب النافذة تقرأ حتى وقت الظهيرة.
وعند الحادية عشرة والنصف، عادت إلى المطبخ، التقطت صورًا للأطباق التي أعدّتها العمّة لي، وأرسلتها إلى تشِن شي مع رسالة قصيرة:
“هل تأتي لتناول الغداء عندي؟”
لكن رغم مهارته في “التبخّر من الوجود”، كان رفضه دائمًا حاسمًا وسريعًا:
“لن آتي.”
فأجابت بهدوء:
“سأطلب من العمّة لي أن تُحضِر لك الطعام إذًا.”
قال:
“ألا تجدين هذا غريبًا؟”
قالت:
“ألم تجد الأمر غريبًا حين جئت الليلة الماضية؟”
توقّف تشِن شي لحظة، ولم يجد ردًّا مناسبًا، لكنّها أجهزت عليه بجملة أخرى مثيرة للغضب:
“بل واستمتعت بالطعام أيضًا.”
“……”
أدرك حينها أنه وقع مع فتاة حديدية لا تُقهر، تأكد من ذلك تمامًا.
غوي تينغ يوي، يا لها من فتاة!
تنفّس بعمق، واتجه إلى المطبخ.
وما إن وصل إلى المغسلة، حتى رآها من النافذة المقابلة تلوّح له بذراعها بحماسٍ مبالغ فيه، لا يمكن تجاهله.
خفض رأسه فورًا، متجاهلًا وجودها تمامًا.
ثم بدأ هاتفه يهتز فوق الطاولة، لكنه أسرع بفتح صنبور الماء ليغطي ضجيج الرسائل المتتالية.
ومع ذلك، لم يستطع منع عينيه من رؤية الإشعارات المتلاحقة على الشاشة:
فطيرة القمر: ماذا تأكل؟
فطيرة القمر: نودلز؟
فطيرة القمر: أضف بيضتين أيضًا؟
فطيرة القمر: لا تقل لي إنك تأكل هذا مجددًا اليوم.
فطيرة القمر: لا تظن أني لا أعرف.
كانت موهوبة بالفطرة في إثارة الأعصاب.
أغلق تشِن شي الماء بغضب، وأمسك هاتفه بيده المبللة، وسار بخطوات غاضبة نحو الطابق السفلي.
وحين خرج إلى الهواء الطلق، بدأ عقله الساخن يبرد تدريجيًا.
توقّف يفكر: هل يعود أدراجه؟
لكن سرعان ما هزّ رأسه، وقرّر أن يواجهها وجهًا لوجه ليضع حدًّا لهذا كله.
عبس، وتوجه بخطوات حازمة نحو المبنى المقابل.
وفي لحظةٍ غمرها الضوء الدافئ، رأى شخصًا قادمًا نحوه من الجهة المقابلة.
توقّف في مكانه.
أما هي، فتحولت خطواتها من الهدوء إلى هرولةٍ خفيفة وقالت بدهشة:
“هل كنتَ قادمًا إلى بيتي؟”
سألها تلقائيًا:
“ولمَ نزلتِ أنتِ؟”
أجابت وهي تلهث:
“لأستقبلك.”
أذهله تصرفها المبالغ فيه، فقال ساخرًا ببرود:
“بل جئتِ لتعترضي طريقي.”
نظرت حولها بشك وقالت:
“ولماذا إذًا كنت تسلك الطريق المؤدي إلى بيتي؟”
ردّ بعد لحظة صمت:
“وهل كتبوا اسمك على هذه الطريق؟”
صمتت برهة، ثم قالت بمعنى خفي:
“طالما أنك وصلت إلى هنا صدفة، فلِمَ لا نصعد ونتناول الغداء سويًا؟”
“……”
لم يفهم تشِن شي كيف انتهى به الأمر جالسًا مرة أخرى على طاولتها.
كل ما كان يعرفه أن مربيتها تنظر إليه بنظرة مليئة بالرضا، كما لو أنه حمل ثمين ستُطعمه حتى التسمين.
لكن ما إن تذوّق الطعام، حتى اعترف لنفسه رغمًا عنه: ربما هو الرابح في النهاية.
تنفّس بعمق، ورفع عيدانه ليأخذ لقمة أخرى، لكنها قاطعته فجأة قائلة:
“أليست الأطباق باردة؟”
قال بلا مبالاة:
“لا بأس.”
في اللحظة التالية، امتدت يدها عبر الطاولة وانتزعت عيدانه بالقوة قائلة لمربيتها:
“عمّة لي، من فضلك، أعيدي تسخينها قليلًا.”
تجمّد وجهه ثوانٍ، ثم عاد إلى ملامحه الهادئة، جالسًا بصمت ينتظر، وقد أيقن أن قدرته على التحمل تطورت في يومٍ واحد فقط أكثر مما تطورت في عمره كله.
أما غوي تينغ يوي، فعادت إلى مكانها تهمهم بلحنٍ ناعم، تدندن وكأنها وحدها في المكان.
وبحكم عادته المهنية، أنصت تشِن شي جيدًا، فاكتشف أنها تغني أغنية Girlfriend لأفريل لافين،
وهي أغنية يعرف إيقاع طبولها عن ظهر قلب.
انكمشت أصابعه، يحاول كبح رغبته في الطرق على الطاولة مواكبةً للإيقاع، لكنه لم يصمد طويلًا وقال أخيرًا:
“توقفي عن الغناء.”
رفعت رأسها:
“ما المشكلة؟”
قال:
“الإيقاع خطأ، والنغمة خارجة.”
تجمدت لوهلة، ثم قالت بجدية مصطنعة:
“لستُ أفريل لافين شخصيًا، فلا تتوقع الكثير.”
قال بهدوء:
“يبدو أن مزاجك جيد اليوم.”
أومأت بعينين تلمعان:
“نعم، لأنك جئت لتأكل عندي.”
قال ببرود:
“هل تتكلمين دائمًا بهذه الصراحة؟”
أجابت بعد تفكير قصير:
“هكذا أنا.”
رفع حاجبه بابتسامة ساخرة:
“لم ترتبطي من قبل، صحيح؟”
ردّت بثبات:
“وماذا في ذلك؟ هل تجارب الحب الكثيرة شيء يُتباهى به؟ أتُقسّم الناس بها؟”
قال:
“لم أقل هذا.”
مالت للأمام، وقالت بفضول:
“وأنت إذًا، بما أنك تنتقدني منذ البارحة، أخبرني كيف يُفترض أن أتعامل مع الرجال؟”
قال بسرعة:
“أولًا، التزمي الصمت. ثانيًا، احفظي حدودك.”
قالت:
“إن كنا لا نستطيع قول ما نشعر به، فما جدوى أي علاقة؟”
صمت لحظة، عاجزًا عن الردّ على منطقها الغريب.
وفي تلك الأثناء، عادت العمّة لي بالطعام الساخن،
فقدّمت له عيدانه قائلة بابتسامة صغيرة:
“أتمنى لك وجبة شهية.”
تناولا الطعام بصمت لفترة، ثم رفع تشِن شي نظره ليكمل النقاش:
“على الأقل توقفي عن إرسال الرسائل باستمرار. ألا ترين أنك تزعجينني؟”
وضعت خدها على يدها وقالت بابتسامة هادئة:
“يمكنك اعتباري مجرّد معجبة تهتمّ بنجمها المفضل.”
نظر إلى هاتفه وقال:
“أنا لا أُضيف المعجبين.”
تجمّدت للحظة، وشعرت بحرارة غريبة في صدرها، ثم قالت بسرعة:
“لكنك أضفتني بالفعل!”
رفع هاتفه بيده قائلًا ببرود:
“أيمكنني حذفك الآن إذًا؟”
قالت متراجعة:
“…حسنًا، لستُ معجبة بعد الآن.”
كانت ملامحها المتقلّبة بين الانطفاء والتوهّج تثير فيه فضولًا خفيًا.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة بالكاد تُرى، وقال ممازحًا:
“إذًا، من تكونين؟”
أجابت فورًا بثقة وبنبرة واضحة:
“أنا مستمعتك المخلصة.”
ثم أضافت، بعينين لامعتين تحت الضوء:
“أليست هذه المرتبة أفضل من المعجبين؟”
تجمّد لثوانٍ، ثم حوّل نظره بعيدًا، وألقى هاتفه على الطاولة قائلًا ببرودٍ خفيف:
“كما تشائين.”
نهاية الفصل، ترجمة يوكي 💫
التعليقات لهذا الفصل " 8"