في صباح اليوم التالي، حين جاءت تشن شي لتوصيل الإفطار، وقعت عين غوي تينغ يويه على زوج من النعال البيضاء الجديدة.
كانت تلك النعال، بلونها النقي ومقاسها الصغير، تبدو شاذة وسط مجموعة من الأحذية الرجالية الضخمة، لكنها بدت خفيفة وطرية حين ارتدتها، وكأنها وُجدت خصيصًا لتستقبلها.
ابتسمت بخفة، وهمست في نفسها:
‘أبهذا القدر من التكلّف إذًا؟’
ثم جلست إلى الطاولة وبدأت بتناول حصتها من الإفطار.
بعد أن التهمت اثنتين من كعكات اللحم الصغيرة الساخنة، أخرجت هاتفها وأجرت مكالمة صوتية مع تشن شي.
الهاتف الذي قال صاحبه إنه سيضعه على الصامت، كان يرنّ بوضوح من خلف الجدار.
وحين أجاب، لم ينطق بكلمة.
ابتسمت غوي تينغ يوي وقالت بصوت مرح:
“صباح الخير، إفطارك قد وصل.”
أغلق الخطّ مباشرة.
حين خرج من غرفته، انفجرت هي ضاحكة.
ربما تعلّم من المرة الماضية، إذ كان يرتدي هذه المرة قميصه مسبقًا، رغم أن شعره بقي فوضويًّا كأعشاب الصيف.
وقف في مكانه، لم يذهب ليغسل وجهه، وقال بصرامة:
“غوي تينغ يوي، إن واصلتِ هكذا، فلا تأتي غدًا.”
رفعت ساقها باسترخاء وقالت بثقة:
“إذًا ألن تكون تلك النعال التي اشتريتها بلا فائدة؟”
توقف لحظة، مدهوشًا من مرونتها وقدرتها على رفع ساقها بذلك الشكل، ثم قال بنبرة باردة:
“ومن قال إنني اشتريتها لكِ؟ كيف عرفتِ ذلك أصلًا؟”
ابتسمت بخبث:
“أم تُراك اشتريتها لتلك النساء الوهميات اللاتي تزعم أنك تعيدهنّ إلى البيتك؟”
قال بهدوء:
“الوقاية خير من الندم.”
انحنت شفتيها بابتسامة صغيرة:
“أولا أُعدّ واحدةً منهن؟”
قال دون تردد:
“أنتِ لا تُحسبين امرأة.”
لم تغضب، بل أمالت رأسها وأطلقت صوتًا متدللًا وهي ترمش بعينيها:
“أهكذا تتحدث يا أخي الكبير؟ على الأقل اغسل أسنانك أولًا قبل أن تكلّمني، أليس كذلك؟”
لم يرد. اتجه إلى الحمّام، وأثناء انشغاله بغسل أسنانه، تومض في ذهنه صورة سريعة لأصابع قدميها الهشة والعظمية قليلًا.
توقف فجأة، محدّقًا في انعكاسه في المرآة، وقد عقد حاجبيه. ثم ألقى نظرة إلى قدميه، وربط تلك الملاحظة بما رآه منها في الكاراوكي قبل أيام، حتى تأكد من شيءٍ ما.
بعد أن أنهى غسله، جلس إلى المائدة وبدأ يأكل بهدوء، بينما كانت غوي تينغ يوي صامتة على غير عادتها، تمتص شراب الصويا بتركيز، كفراشة تمتص الرحيق.
ساد الصمت طويلاً.
قال هو أخيرًا بنبرة خافتة:
“غوي تينغ يوي.”
رفعت رأسها وهي ما تزال تمتص من المصّاصة:
“هم؟”
سألها فجأة:
“هل درستِ الباليه من قبل؟”
ارتجفت عيناها، واحمر وجهها فورًا:
“كيف عرفت؟”
قال ببساطة:
“رأيت قدميك.”
سرعان ما سحبت قدميها إلى تحت الكرسي، وحاولت أن تغيّر الموضوع:
“كيف لك أن تحدّق في أقدام فتاة؟ في العصور القديمة، كان ذلك يعني أنك مضطر للزواج منها!”
قال ببرود:
“قدماك كانتا أمام وجهي تقريبًا، من الصعب ألا أراهما.”
خفضت صوتها وتجنبت النظر إليه، محاولة صرف الحديث بعيدًا عن الرقص:
“هل تعتقد أن قدميّ قبيحتان؟”
قال بعد لحظة:
“لم أنظر جيدًا.”
تمتمت وهي تعبث بأصابعها:
“يعني أنك رأيتهما قبيحتين.”
قال:
“نظرتُ لمحة واحدة فقط.”
فقالت بنبرة حزينة:
“ومع ذلك قبحهما عالق في ذهنك إذًا.”
أغمض عينيه بملل وقال:
“سألتك سؤالًا بسيطًا فقط، لماذا تجعلين الأمر دراميًّا هكذا؟”
ساد الصمت من جديد.
كانت غوي تينغ يوي تلعن نفسها لأنها نسيت أن ترتدي الجوارب ذلك الصباح، وكأنها كشفت جرحها القديم دون قصد.
قدماها كانتا شبه طبيعيتين بعد الحادث، لكن ما زالتا تحملان آثار التدريب الطويل — النتوءات والعظام البارزة والندوب — كوشمٍ أبديّ لا يُمحى، حتى لو لم تعد قادرة على الرقص.
لكن أن تسمع ملاحظة عنه من شخصٍ تهتمّ به… كان ذلك كفتح جرحٍ لم يلتئم بعد.
أخفضت رأسها بقوة وواصلت شرب شراب الصويا حتى أصدرت المصّاصة صوتًا حادًّا أزعج تشن شي، فتوقف عن الأكل وحدّق فيها دون تعبير.
كان صمته مخيفًا، فيه جليد وضغط لا يُطاق.
شعرت بالارتباك، فوضعت الكوب الفارغ بسرعة، وجمعت بقايا طعامها وقالت:
“سأغادر الآن. استمتع بإفطارك، إلى اللقاء.”
ثم نهضت، وحين نظرت إلى قدميها المشوهتين قليلًا، تسارعت أنفاسها، فخبّأتهما في حذائها وغادرت مسرعة.
لم يودّعها. لم يقل كلمة واحدة.
عادت إلى المنزل، وألقت بنفسها على السرير.
استلقت على ظهرها، وقلبها يخفق بعنف، حتى شعرت برطوبة باردة في أذنها، دموعها كانت قد تجمعت هناك دون أن تشعر.
مسحتها، ورفعت ساقيها بزاوية تسعين درجة، تحدّق في قدميها بفراغ.
وحين شدّت أصابعها كما كانت تفعل في الرقص، انفجرت دموعها من جديد.
بكت حتى هدأت، ثم نهضت، وارتدت جوارب قطنية بيضاء سميكة، كما لو أنها تضع حاجزًا بينها وبين الماضي.
تنفست بعمق، وأمسكت هاتفها.
لم تكن هناك أي رسائل جديدة.
فتحت صفحته على ويتشات، وتنفست الصعداء حين وجدت أن منشوراته لا تزال مرئية لثلاثة أيام. ثم كتبت له رسالة:
“آسفة، لم أقصد أن أغادر فجأة. سأعود غدًا، لستُ ممن يتركون الأمور في منتصف الطريق. أرجوك لا تغيّر رمز القفل، فقط امنحني فرصة أخرى.”
لم يرد.
كتبت من جديد:
“هل أنت موجود؟”
وفي اللحظة التالية، وصلها إشعار بمكالمة فيديو منه.
تجمّدت، وحرارة خفيفة صعدت إلى رأسها، ثم ضغطت على زرّ القبول.
لكنّ ما ظهر أمامها لم يكن وجهه، بل رفوف السوبرماركت، وتحديدًا قسم النعال.
كان صوته الهادئ يحمل نفاد صبرٍ واضحًا، بينما كانت الكاميرا تتحرك ببطء، كأنه يريها بوضوح كل زوج:
“اختاري بنفسك.”
كادت تضحك وتبكي في آنٍ واحد، وقالت بصوت مخنوق:
“لا داعي لشراء المزيد، سأرتدي جواربي غدًا.”
أنهى المكالمة.
وبعد لحظة صمت، أرسلت له رسالة:
“بدأت تعلم الباليه منذ أن كنتُ في السابعة. كنت ضمن فرقة رقص، لكنّي تعرضت لحادث العام الماضي… ولم أعد قادرة على الرقص. الأمر مؤلم جدًا.”
كتبتها بنبرة خفيفة، لكنها كانت تختنق وهي تكتب.
وبعد دقائق، جاء رده:
“كنتُ أودّ معرفة شيء واحد فقط.”
ثم أضاف:
“لا حاجة أن تجيبي الآن، أردت فقط أن أتحقق من أمرٍ ما… لأنني مثلك.”
“سيرترالين¹.”
¹سيرترالين (Sertraline) هو مضاد اكتئاب ينتمي إلى فئة مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، ويُباع غالبًا تحت الاسم التجاري زولوفت (Zoloft). يستخدم في علاج عدة اضطرابات نفسية أبرزها: الاكتئاب، اضطرابات القلق، الوسواس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة.
توقف نفسها للحظة.
لقد فهمت. إنهما من النوع ذاته، مَن يبتلعون الحبوب كل ليلة ليبقوا على قيد الحياة.
كتبت له وهي تكبح دموعها:
“إذًا كنتَ تعرف.”
فأجاب:
“عرفت منذ زمن.”
أجابت، وهي تمسح وجهها بيد مرتجفة:
“آسفة، ربما كنتُ أتشبّث بك كقشة نجاة… وأرهقتكَ بذلك.”
فقال ببساطة:
“نعم.”
ثم أضاف:
“لهذا السبب… لا تأتي لتوصيل الإفطار بعد الآن.”
شعرت بمرارة في حلقها، لكن قبل أن تنهمر دموعها مجددًا، ظهرت رسالة أخرى منه:
التعليقات لهذا الفصل " 13"