الفصل 9 : أكاديميّة الضُباط الكارثيّة التي حتى النُّخبة تراها لأول مرّة ³
“ما هذا الفعل…!”
“قالت لي أن أُظهر قدراتي التي تليق بصاحبة أسرع رقم قياسي. بدا لي أنّك نسيت لماذا أصبحتُ صاحبة أسرع رقم، فذكّرتُك.”
بما أنّ البوصلة التي وجدتها كلوي في حقيبة عصابة اللصوص ساهمت في تسريع وتيرة العثور على الطريق، فقد كان صحيحًا أنّ ذلك الشجار الذي خاضه ثيودور منحها لقب صاحبة أسرع رقمٍ قياسي.
‘سيكون الأمر مُزعجًا إن استمرّ هذا الوغد في مراقبتي.’
لو استمر ثيودور في استهداف كلوي وإظهار الاهتمام بها، فسيُصبح من المؤكّد أنّ ذلك سيُعرقل مهمّتها التي يجب أن تُنجَز من دون إثارة الأنظار.
لذلك، كان عليها أن تُعيد ترتيب السلّم الهرمي الآن، لتُخمد حماسه وتردعه، كي لا يتجرّأ ثانيةً على التفكير فيها كفريسة.
“أنا أيضًا لا أحبّ أن أصنع مسكنًا مؤقّتًا من قمامةٍ بائسة… لكن، هل أصنع خيمةً من ملابسك السليمة بعض الشيء؟”
وبحماسةٍ توحي بأنها ستُجرّده من ملابسه في أي لحظة، قبضت كلوي على ياقة ثيودور بقوةٍ وهزّته، بينما كانت تنظر إليه من أعلى إلى أسفل نظراتٍ فاحصة ونواياها واضحة.
“أظن أنّ هذا يكفي لصنع سقف خيمة.”
وربما أدرك ثيودور أنّ هذا لم يكن تهديدًا بل نوايا حقيقية، فبدأ يتخبّط بعنفٍّ كالمجنون. فهو لم يرد أن تُنتزع ملابسه أمام الجميع.
وما إن أفلتت كلوي ياقة قميصه، حتى هوى ثيودور على الأرض، ثم نهض بخفةٍ كالفأر المذعور وهرب، وقد ضمّ ذراعيه إلى صدره كفتاةٍ تحمي نفسها خوفًا من أن تجرّده كلوي من ثيابه.
وبينما تُزيح بقدمها بقايا المسكن المؤقّت الذي صار خردة غير قابلةٍ لإعادة الاستخدام، لسعت الحسرة لسان كلوي.
‘تافه… لو كان لدينا حقيبة الإمدادات فقط لتمكّنا من النوم يومين بلا قلق.’
لكنهم كانوا قد اضطروا لإعادة حقيبة الإمدادات فور عودتهم إلى نورثفورت، وبذلك فقدت بذلك القماش المانع للماء والمجرفة العسكرية التي كانت قد أنقذت ليلتهم السابقة.
‘من أين حصل الأكبر سنًّا على هذه المواد؟’
اقتربت منها روزيلين، التي بدا على وجهها إيمانٌ صلب وهي تسألها:
“هيه، كلوي. أين سننام؟ هل سنحفر الأرض مثلما فعلنا في الصحراء؟”
“لو كانت معنا إمدادات التدريب العسكري الأساسي لربما، لكن ليس الآن. هل تريدين أن نحفر الأرض بأيدينا؟”
رمشت روزيلين متفاجئة وسألت:
“ألم تكوني قادرةً على فعل ذلك؟”
“ماذا تظنّينني بالضبط…؟”
“مستحيل! ظننتُ أن الآنسة تستطيع حتى استخدام فأسٍ حجري لحفر الأرض وصنع ملجأ كامل!”
وحتى لوسيان بدا مصدومًا وهو يحدّق بها، فتنهدت كلوي داخليًا.
بعد تدريبهم الأساسي، تكوّنت مجموعاتٌ صغيرة داخل الدفعة الـ87. ولم يكن بينهم أيُّ شخصٍ مُفيدٍ بالفعل. ومع ذلك… كانت ترفض أيضًا أن ينضم إليها شخصٌ مثل ثيودور كالينس.
“تلك كانت حالةً خاصة، واعتمدنا على كلوي وقتها. لكن لا يمكنكم طلب شيءٍ كهذا منها الآن.”
وبينما كانت فيني تجمع كومة من النفش وتُشكّلها على هيئة وسادةٍ صغيرة، وجهت كلامها للمهرجين المحيطين بها، بنبرة قاسية.
“هذا يُشبه رغوة الخمر ….”
“مارييل! هذه ليست رغوة خمر بل نفشٌ قذر! لا تضعيه في فمكِ! لقد كان ملقى على الأرض!”
ورغم ذلك، استغلّت روزيلين الموقف وسارعت إلى طلب نصف النفش من فيني بدلًا من إبعاد مارييل عنها.
وبفضل المدرب الأعور الذي وصل بعد ساعات، انتهت فوضى مارييل المتعلقة بالبحث عن الخمر، قبل أن تنتزع روزيلين النصف المتبقي من النفش من فيني.
“الجميع ليتحرك إلى المطعم!”
تبع أفراد الدفعة الـ87 المدرب مخلفين خلفهم كآبة هذا المسكن القاحل الذي لا يختلف كثيرًا عن أرض الصحراء.
كان المطعم مزدحمًا بالدفعات الأكبر، وكانت فيه أربعة خطوط للتقديم، لكن أحدها كان خاليًا تمامًا.
“كلٌّ منكم سيدفع ثمن طعامه من النقاط التي حصل عليها. حين تختار طعامك، تُخصم النقاط مباشرةً، فاختاروا جيّدًا.”
أخيرًا، اكتشفت كلوي الغرض من النقاط التي جمعتها حتى الآن.
في أكاديمية نورثفورت، لم تكن النقاط مجرد دليل على الالتزام، بل كانت عملةً تُستخدم داخل المكان.
الطعام الذي يشبه طعام الكلاب: 0 نقطة.
حساء وخبزان قاسيان: 1 نقطة.
طبق لحمٍ يابس مع خضار: 2 نقطة.
الوجبة المميّزة لليوم: 5 نقاط.
وباستثناء كلوي ورفاقها الذين حصلوا على عشر نقاط بسبب تحطيم الرقم القياسي، لم يكن بإمكان الدفعة الـ87 تناول شيء سوى طعام 0 نقطة.
نعم… ذلك الخط الخالي تمامًا وسط المطعم المزدحم.
“المتدرّب ألتاير تارغن من الدفعة 87، لدي سؤال. هل يمكننا الدفع لاحقًا؟”
يبدو أنّه سؤال متكرّر كل عام، إذ ردّ المدرب الأعور بوجه جامد:
“هذا مطعم الأكاديمية وليس حانة آبائكم. إن أردتم طعامًا حقيقيًا، فاكسبوا النقاط.”
“أوه، بما أنّ عندي عشر نقاط، فأظن أنني سأجرّب الوجبة المميّزة! إنها دجاج محمّر!”
بدأت روزيلين باستفزاز زملائها بوضوح، بينما اتجهت كلوي بعد تفكير قصير إلى خطّ الحساء مقابل نقطةٍ واحدة.
وما إن دفعت النقطة وأخذت صينيّتها، حتى أسرع لوسيان إليها، عارضًا ظهره أمام وجهها وكأنه حاجز.
“آنسة، تتركين الدجاج المحمّر لأجل حساء وخبز؟ هل أنتِ مريضة؟ إن كنتِ مريضة فهلمي، سأحملك على ظهري إلى العيادة فورًا!”
حدّقت فيه كلوي بذهول.
“من يدري متى سنحتاج النقاط. ثم، لا أعرف كيف تأكل في بيتك، لكن الناس يأكلون ثلاث وجباتٍ في اليوم، كما تعلمون.”
بمجرد سماع ذلك، تخلّت روزيلين عن خطّ الوجبة المميّزة وأخذت صينية الحساء. أما فيني ومارييل فكانتا خلف كلوي أصلًا، من دون أن تُعطيهما الوقت للسؤال.
“كما توقعت! الآنسة لديها خطّة!”
“ارجع للخلف.”
قبضت كلوي على كتف لوسيان وأعادت رميه نحو روزيلين، فقام روزيلين —كعادتها فقط في هذه المواقف—بقراءة نيتها ودسّه في آخر الصف.
وما إن جلسوا وبدأوا بالأكل، حتى انطلقت أصوات التقيّؤ من كلّ مكان. فقد كان طعام الكلاب مُقرفًا منظرًا وطعمًا.
وقد فهموا أخيرًا لمَ يبدو المتدرّبون الأكبر سنًا مهذّبين وهادئين خلال تناولهم الطعام.
وسط سيمفونية القيء، تناولت كلوي حساءها. كان باهتًا إلى درجة أنّ المياه المسلوقة بدت أكثر نكهةً منه.
“تافه… لا يُشبِع شيئًا.”
أما روزيلين، الشرهة، فقد فرغت من حصّتها منذ زمن وصارت تحدّق في صحون الآخرين.
بعد إنهاء الطعام، عادوا إلى ساحة النوم المتهدمة وبدأوا مجددًا التفكير في مسألة النوم.
“لا يُمكن إيجاد أدواتٍ أو مواد هنا، لذا يبدو أننا سننظّف ما نستطيع وننام على الأرض حتى نجد ما يلزم لإقامة خيمةٍ أو شيءٍ مناسب.”
دفعت كلوي بقدمها بقايا المسكن المحطّم، ثم نقرت الأرض بإصبع قدمها.
“هاه؟ لا أستطيع النوم على الأرض! ألا توجد طريقةٌ لصنع سريرٍ متنقّل؟”
“وكيف نمتِ في الأرض القاحلة إذن؟”
“كما قالت فيني… كان وضعًا خاصًا.”
“الوضع الآن أيضًا خاص. وكما رأيتِ، الإنسان يستطيع فعل أي شيء حين يكون مضطرًا. إن لم تستطيعي النوم، فسأعطيكِ حصّة فطوري غدًا.”
أضاء وجه روزيلين، ثم دفعت القمامة جانبًا وتمدّدت على الأرض.
وبعد خمس دقائق.
خررر—
‘تنام جيدًا على ما يبدو.’
ومع صوت شخير روزيلين، انتهى اليوم الأول رسميًا في نورثفورت.
***
طنطنطنطن–! طنطنطنطنطن–!
ما إن انطلقت الدقات الأولى لجرس الاستيقاظ، حتى فتحت كلوي عينيها مباشرةً. كان ذلك انعكاسًا قهريًا اعتادت عليه.
لذا جلست فورًا، ورأت مارييل تعتدل أيضًا بينما كانت تسدّ أذنيها بكلتا يديها.
‘هل سمعُها حسّاس؟’
والآن تتذكّر… فقد كانت مارييل أوّل من انتبه إلى اقتراب عصابة اللصوص في الصحراء القاحلة.
بدأت الدفعة الـ87 تنهض واحدة تلو الأخرى، مُثقّلة بسبب نومٍ متقطّع ومزعج. وبالتأكيد… بعضهم ظلّ نائمًا رغم كل شيء.
دخل المدرب الأعور منذ الصباح الباكر إلى المكان الذي يشبه مزيجًا بين سكن ومكبّ نفايات، وقال ببرودٍ حاد:
“النائمون… سيُوقَظون خلال 30 ثانية. وإن بقي أحدهم نائمًا بعد 30 ثانية… فالعقوبة جماعية.”
وبعد تجربة عقوبة الأمس، لم يتردّد أحد في ركل النائمين أو جرّهم من ياقة قميصهم حتى استيقظوا.
“اللعنة… من يوقظ الناس فجرًا قبل حتى شروق الشمس؟”
زمجرت روزيلين، التي أيقظتها كلوي فقد كانت لا تزال تائهةً في عالم الأحلام.
بعد أن استيقظ الجميع وتجنّبوا العقوبة الجماعية، تلقّوا أوامر جديدة.
“رتّبوا ملابسكم… وتجمّعوا في ساحة العرض خلال عشر دقائق!”
التعليقات لهذا الفصل " 9"