الفصل 6 : التدريب العَسكري الأساسي الذي لَمْ يشهدهُ حتى النخبة مِن قَبل ⁶
“يا آنسة، أليس بالإمكان الالتفاف إلى الجهة التي لا يوجد فيها نهر؟ حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت، أظنّ أنّ ذلك سيكون أكثر أمانًا.”
عند تلك الكلمة، فردَّت كلوي الخريطة لتتحقّق مرة أخرى، ثمّ هزّت رأسها بعدما تأكّدت من النهر المرسوم عليها كدودة طويلة.
“بحسب الخريطة، النهر ممتدّ بالكامل. إن أردنا عبورًا إلى نورثفورت، فعلينا حتمًا قطع هذا النهر.”
“ألسنا بحاجة للبحث عن منطقة يكون فيها التيار ضعيفًا، والعمق ضحلًا، والعرض ضيقًا؟ لا بدّ أنَّ المدرّبين مرّوا بسيارة عسكرية، صحيح؟ إذًا بالتأكيد هناك منطقة يمكن أن تمرّ عبرها السيارة.”
قالت أضعفهم صوتًا، التي لم تفعل سوى الشكوى من الخمر طوال الطريق، بصوت حادّ وقاطع كما لو أنّها تحوّلت إلى شخصٍ آخر. حتى نظراتها الشاحبة كانت الآن تلمع بشكل غريب.
“ما الأمر؟ ما بالها فجأة؟ هل أكلتَ شيئًا فاسدًا؟”
“الثمار التي قطفتها من الشجرة التي مررنا بها قبل قليل كانت بطعم الخمر. لم أشرب منذ مدة، لهذا أثّرٌ فيّ الأمر. لم أكن أشتكي بلا سبب.”
انتزعت صاحبة الشعر الأحمر الثمار الممتلئة التي كانت الأضعف تحملها وشمّها، ثم رماها على الأرض فورًا.
“هل جننت؟ إنها على وشك التعفّن! الرائحة… يا إلهي، حمضيةٌ لدرجة أن فيها رائحة كحول! كم أكلتِ من هذا؟”
“هذا ليس المهم الآن. ما أعنيه هو أنّه لا بدّ من وجود منطقة نستطيع عبورها بأجسادنا.”
يبدو أن الفاكهة كانت متخمّرة. والمفاجأة الأكبر أنّها أصبحت عاقلةً عندما تسكر. يا لها من مفارقة.
كان واضحًا أنّ الجميع يفضّل العثور على منطقة ضحلة كما قالت الأضعف بدلًا من مواجهة هذا النهر الجارف.
لكن كلوي، التي تقدّر الفعالية فوق كل شيء، لم تستطع قبول تلك الفكرة الضعيفة.
“لا أفهم. لماذا نضيّع الوقت بالبحث عن مكان كهذا ونُطيل وقت العودة؟”
“وماذا تقترحين إذًا؟ عبور هذا المكان، ومع كل هذا العتاد، خطوة مجنونة. حتى إن كنتِ واثقة من نفسك، ليس كلّ واحد منا قادرًا على عبور هذا التيار بقواه وحده.”
وعند اعتراض الأضعف المنطقي والواضح، أخرجت كلوي حبلًا من حقيبتها.
كان الحبل طويلًا بما يكفي… بطول عرض النهر تقريبًا. وكان هناك حبلٌ آخر في حقيبةٍ أخرى حصلوا عليها من اللصوص.
“يمكننا عبور هذا المكان باستخدام هذين الحبلين، فلماذا نتراجع؟ لن أسمح لجبنكم أن يمنعني من اختيار أقصر طريقٍ وأقصر وقت.”
نظر إليها الجميع كما لو أنّها مجنونة، لكنها بقيت ثابتةً.
ربطت كلوي الحبال حول خصور أفراد المجموعة بإحكام، وربطت العقدة بطريقةٍ يستحيل أن تنفكّ، ثم شرحت لهم كيفية تثبيت الحبل على الحبل الممتدّ عبر النهر.
“اربطوا الحبل حول خصركم هكذا، ثم أمسكوا الحبل الذي سأثبّته عبر النهر. لا تتحركوا جميعًا دفعة واحدة كي لا ينقطع الحبل تحت الوزن. يجب العبور واحدًا تلو الآخر.”
كان ذلك استعدادًا لأيّ حالة يفلت فيها أحدهم الحبل.
“لكن لا بدّ أن يسبح أحدٌ إلى الجهة الأخرى ليثبّت الحبل هناك.”
قبل أن يتقدّم الفتى الوحيد بينهم، ابتسمت كلوي بثقةٍ ولوّحت بالحبل في يدها.
“من يطرح الحل… هو من ينفّذه.”
لم يكن لديهم ما يقولونه، خاصة أنّها مستعدّة لتحمّل أصعب جزء بنفسها.
وبما أنّ أجسادهم كانت مرهقةً للغاية، فقد أثّر ذلك في قرارهم، إذ لم يعد أحد يريد سوى العودة إلى نورثفورت بأسرع وقت.
“لنجرّب طريقة الآنسة. لا نعلم إن كانت المنطقة الضحلة في أعلى النهر أو أسفله، ولا نعلم حتى إن كانت موجودةً فعلًا.”
“أنا أيضًا موافقة! يا لها من شجاعة!”
“لنُنهِ الأمر سريعًا. لن نموت على الأرجح.”
وافق الجميع على خطة كلوي ما عدا الأضعف، لكنها اضطرت لاتباع الأغلبية.
وبعد الانتهاء من الشرح النظري… حان وقت التطبيق.
غرست كلوي غصنًا سميكًا في الأرض وثبّتت الحبل حوله بإحكام، ثم أمسكت بطرف الحبل الآخر وقفزت في النهر بلا تردّد.
ولمّا وقفت، لم تصل قدماها إلى القاع، ما يعني أنّ العمق كبير.
ارتفع رذاذ الماء عاليًا عندما اصطدم بواجهة الصخور. وكان منظر كلوي وهي تمسك الحبل بيد وتشُقّ الماء باليد الأخرى مشهدًا يبعث على الإعجاب.
وشعرها الزهري كان مرئيًا بوضوح فوق الماء، ما جعل تحديد موقعها سهلًا على المجموعة.
كانت ذراعاها القويتان وكتفاها تشقّان التيار بحركاتٍ بارزة لا يمكن لأحدهم محاكاتها.
‘لقد سبق أن قُذفت في بحارٍ هائجة… وهذا أسهل بكثير.’
وصلت كلوي إلى الضفة الأخرى بسلام، وبدون أن تأخذ قسطًا من الراحة، لفت الحبل حول شجرة ثلاث مرات وشدّته بقوة.
وعندما رأى الجميع أنها وصلت سالمة، تنفّسوا الصعداء.
وعند إشارة خفيفة من كلوي حين حرّكت الحبل، علّق صاحبة الشعر الأحمر حبل خصرها بالحبل الممتدّ فوق النهر وبدأت أولًا.
وبأكثر وجهٍ رأوه منها حزمًا وجدية، أمسكت بالحبل بكل قوتها وبدأت العبور.
“اللعنة عليك أيها العجوز! إن تخرّجتُ من نورثفورت فسأجعلكَ تندم! سأبني كازينو باسم عائلة لوابلين!”
بعده، بدأ الجميع بالعبور واحدًا تلو الآخر.
“يا أبي…! أعلم أنني جلبتُ العار لك، لكن رمي فتاةٍ لطيفةٍ مثلي في هذا السجن المليء بالوحوش التي تضرب الناس بقبضاتها شيءٌ مبالغٌ فيه!”
“اللعنة عليكَ يا أخي! كم عشتُ بهدوء خوفًا من إزعاجك! هل كوني ابنة الزوجة الثانية جريمة؟ هل هي جريمة؟!”
وبينما يواجهون التيار القوي الذي يكاد يجرفهم، خرجت شكاواهم تلقائيًا موجهةً نحو من أرسلهم إلى نورثفورت.
أما آخر من عبَر، والذي اختاره الجميع بالإجماع لأنّه الأقل قدرة على مواجهة التيار، فكانت الأضعف.
ربطت الحبل حول خصرها بقوةٍ كما قيل لها سابقًا، ثم…
“لا ترتعبِ! فقط اقفزي!”
“لا، قُل لها أن ترخي جسدها.”
قفزت بعد أن سمعت صراخ صاحبة الشعر الأحمر، وما إن سقطت في الماء حتى شدّ الأربعة الآخرون الحبل وسحبوها إلى الشاطئ.
“لن أكرر هذا أبدًا…”
قالت بصوتٍ واهٍ وهي تتقيأ الماء الذي دخل أنفها وفمها. ويبدو أن الماء البارد أزال أثر السكر من رأسها، فقد عاد بريق الضياع إلى عينيها.
وبينما كانت تعصر الماء من شعرها، التفت صاحبة الشعر الأحمر نحو كلوي وسألتها:
“ماذا كنتِ بالضبط قبل هذا؟! أنتِ بارعةٌ في كل شيء! في الحفر، السباحة، الإسعافات… هل كنتِ تعيشين في الغابة؟ هل أراضي عائلتكِ في الأدغال؟”
“همممم… بما أنّكِ سبّاحةٌ ماهرة فأنتِ من الجنوب؟ لكنّكِ تكيفت مع الصحراء… ربما من الشمال؟ مهما كان الأمر… فأنتِ بالتأكيد لستِ من العاصمة.”
أضاف الشاب الوحيد بينهم، محاولًا اكتشاف حقيقتها، لكن كلهم كانوا بعيدين عن الحقيقة.
فكلوي لم تولد في العاصمة، لكنها قضت معظم حياتها فيها، ومهاراتها هذه ليست بسبب مسقط رأسها، بل بسبب تدريبٍ قاسٍ لا يرحم.
وبصوتٍ حالِم، همست صاحبة الشعر القصير جدًا:
“يا رفاق… مجرد عبور النهر جعل المسافة بيننا أقرب بكثير.”
والآن… كانت نورثفورت على بُعد خطوةٍ واحدة فقط.
***
داخل ساحة نورثفورت.
“ترى… ما هي أسرع مدةٍ ستسجلها هذه الدفعة؟”
“بحسب المدرب غاريسل الذي تركهم في الصحراء… هذا الدفعة من أسوأ ما رآه. أظنهم سيحتاجون 43 ساعة.”
“هذا تفاؤل زائد. أراهن على 46 ساعة.”
كان طلاب الدفعات السابقة يثرثرون بسخرية، غير قادرين على تذكّر أيام معاناتهم.
وفجأة، فتح المدرب الذي كان يراقب البوابة عينيه بصدمة وهتف بعد أن تحقّق من أنّه لا يرى سرابًا.
“…إنهم قادمون… أحدهم قادم!”
“ماذا؟ الآن؟ هل أنتَ متأكد؟ هل هم الوافدون الجدد؟”
“نعم! يرتدون معدات الإمدادات! الأمر مؤكد!”
نظر المدرب الأعور إلى ساعته وقد بدت الدهشة جليّة على وجهه، ثمّ ركض نحو البوابة.
ومن بعيد، ظهرت خمسة ظلال تخترق الغبار وتقترب.
أخيرًا… أول طلاب الدفعة 87 دخلوا بوابة نورثفورت.
وبحكم أنّ عبور النهر أزال عنهم غبار الصحراء، دخلت مجموعة كلوي بمظهرٍ أنيقٍ نسبيًا.
وقفت كلوي أمام المدرب الأعور الذي رماهم في الصحراء سابقًا، وحيّته بتحية عسكرية حادة قائلة اسمها ورتبتها.
“المتدرّبة كلوي وينساليت.”
وتبعها الآخرون بتحية مرتبكة:
“المتدرّبة روزيلين لوابلين!”
“المتدرّبة مارييل فيرساي….”
“المتدرّبة فيني سوتن.”
“المتدرّب لوسيان فالنتين.”
وبعد أن أنهوا جميعًا، ختمت كلوي:
“المذكورون أعلاه، خمسة أفراد… نبلّغكم بعودتنا إلى نورثفورت.”
وبعد تقريرٍ لا تشوبه شائبة، نظر المدرب إلى ساعته ثم صرخ بصوتٍ يهزّ الساحة:
“أول العائدين! الزمن المسجل: 24 ساعة، دقيقة واحدة و13 ثانية!”
التعليقات لهذا الفصل " 6"