الفصل 2 : التدريب العَسكري الأساسي الذي لَمْ يشهدهُ حتى النخبة مِن قَبل ²
كان الطُلاب المستجدّين يتبعون خطى كلوي المتقدّمة بخطواتٍ ثابتةٍ لا تظهر عليها أيّ علامة تعب، وكأنّهم يخشون أن يفلتونها من أيديهم.
ظنّت كلوي أنّ أبناء النبلاء الذين تربّوا في النعومة سيدخل عليهم التعب بسرعة وتخور قواهم، لكنّهم كانوا يصمدون على نحوٍ مفاجئ.
ففي النهاية، من بين الصفات الأساسية التي يجب أن يمتلكها أيّ مُشاغبٍ منحرف… هي القدرة البدنية.
فحين لا يعود بوسعهم التفاخر بالنسب ولا الدم، لا يبقى لهم سوى قبضاتهم ووقاحتهم ليعتمدوا عليها.
ولكي يتمكّن الواحد منهم من قضاء الليل كلّه في الشراب، ثم خوض معاركٍ ومشاجراتٍ عند الفجر، ثم إثارة الفوضى في منازلهم عند الظهيرة باعتبار ذلك كلّه “روتينًا يوميًا”… فلا بدّ أن يكون جسمهم قادرًا على احتمال كلّ ذلك.
باستثناء فتاةٍ واحدة فقط.
“لا أستطيع متابعة السير أكثر… إن لم أجلس الآن فورًا وأرتح قليلًا فسأموت في مكاني…”
انهارت أضعفهم — الوحيدة التي بالكاد تتمكّن من اللحاق بهم — وتمدّدت على الأرض وقد فقدت آخر ذرة طاقة.
“جيّد، لنبقِها هنا. هيه، اتركوا هذه المدمنة الحقيرة. لقد كان صعبًا بما فيه الكفاية تحمّل تكرارها لهذيان الشراب خلفنا، هذا جيد قد ارتحنا. وكأنّها الوحيدة التي تفتقد الشراب.”
كان من الواضح أنّ ترديدها لكلامها عن الخمر طوال الطريق أرهق أعصاب الجميع، فأطلق الشاب ذو الشعر الأحمر تلك الجملة بارتياح.
وانفتحت حقيبة الإمدادات الخاصة بالفتاة الأضعف حين سقطت، وتناثرت محتوياتها على الأرض.
مجرفة ميدانية، وقماشٌ مقاوم للماء.
كلاهما يُعدّان من أدوات النجاة الضرورية جدًّا لأيّ شخصٍ يُرمى في أرضٍ قاحلة كهذه. انعكست تلك القيمة في لمعان عيني كلوي البنفسجيّتين بلون الخزامى.
فرغم أنّها خضعت في مسار النخبة العسكرية لتعليمٍ صارم حول رفاق السلاح، إلّا أنّ من معها الآن لم يكونوا بالنسبة لها رفاقًا، بل مجرّد رفقاء مؤقتين.
أيّ شخصٍ يُصبح عبئًا أو عائقًا أمام هدفها في الوصول إلى نورثفورت… فستتخلّى عنه دون تردّد.
ثم إنّ الوقت الذي خصّصته في جدولها الذهني للراحة لم يحن بعد، بل لا يزال أمامهم ساعةٌ كاملة.
والطريق لا يزال طويلًا؛ ولا وقت لديها لمراعاة ظروف كلّ واحدٍ منهم.
“إن كنتِ ستموتين في مكانك، فعلى الأقل اتركي لنا هذه الحقيبة، أليس كذلك؟ أعني… من الأفضل أن يعيش الأحياء. سنستخدم إمداداتكِ، وسندعو لكِ بالرّحمة، ما رأيكِ؟”
قالت كلوي ذلك بألطف نبرةٍ يمكن أن تخرج منها، ثم أمسكت بالحقيبة لترفعها.
فتحت الفتاة الأضعف فمها كسمكةٍ تُنتشل من الماء، وهي تحرّك أصابعها بتحفّزٍ يائس وكأنّها تشهد بأمّ عينها سرقة تجهيزاتها.
“آه… يا لوقع هذا في صدري. لا يمكنني ترك آنسةٍ رقيقةٍ مثلكِ ملقاةً وحدها في هذه الصحراء الوعرة.”
قال ذلك الفتى الوحيد بينهم — ذو العينين الزرقاوين والشعر الذهبي اللامع الذي لم يخفت بريقه رغم غبار الصحراء — وقد مسح دمعةً متخيّلة عن خده واقترب من الفتاة الأضعف.
كان شكل ذلك الشاب جميلاً إلى حدٍّ تعدّ فيه كلوي أنّه من أجمل خمسة شبّان رأتهم في حياتها. ومنذ البداية، كان يصرّ بإلحاحٍ فارسٍ رقيق على حمل حقائب الجميع بدلًا عنهم.
‘كيف يمكن أن أجعل السيدات يحملن هذه الأثقال؟ هذا لا يليق.’
كان ذلك مزيجًا من الفروسية الزائفة والغطرسة الفارغة — مجرّد تهوّرٍ بين الشهامة المغشوشة.
‘تريد حمل خمس حقائب بيديكَ هاتين؟’
‘هل تعتبرها ثقيلة فعلًا؟ بحقك؟ هل أنت تستخفّ بنا؟’
‘لا أعرف بأيّ ثقة تريد منّا أن نترك لك حقائبنا. ألا تنوي الهرب بها؟’
‘…يشبه الجِعة.’
ولأنّ أيّ واحدةٍ منهنّ لم تكن “آنسةً تقليدية” على الإطلاق، فقد رفضنه كلّهنّ دون تردّد. بل إنّ صاحبة الشعر الأحمر كادت تمسكه من ياقة قميصه.
ومع ذلك، لم يستسلم الشاب، بل أظهر فروسيةً مزيّفةً من جديد، فحمل الفتاة الأضعف على ظهره كمحاولةٍ لعدم تركها.
“لا تقلقي يا آنسة… سأوصلكِ إلى نورثفورت بنفسي بكلّ راحة، وسأحمـ— لك!”
لم يستطع إكمال جملته، إذ سقط على وجهه مباشرةً بثقل الفتاة على ظهره، وعجز عن تحمّله.
جثت كلوي أمامه وسألته ببرود:
“تستطيع الوقوف؟”
وبلمعانٍ يائس في عينيه، رفع رأسه عن الأرض ومدّ يده نحوها بلطفٍ مبالغٍ فيه.
“بمفردي صعب… لكن لو منحتِني آنستي القليل من يد العون—”
“أوه، ولاّعة. حتى هنا يوجد شيءٌ جيّد.”
لم تتركه يُكمل، بل وقفت فورًا وبدأت تفتّش حقيبته الخاصة وكأنّه مجرد صندوق ذخيرة. صرخ الشاب خلفها بذعر:
“آنسة…؟ آنسة؟ آنسة! لحظة، لماذا تفتّشين حقيبتي—؟”
“هيه، خذي اللحم المجفّف. وخذي القارورة أيضًا.”
قالت صاحبة الشعر الأحمر وهي تشجّع كلوي بحماس، بينما كانت الأخيرة تجمع الأشياء باعتناءٍ شديد. أما صاحبة الشعر القصير فبدت مستاءةً وهي تقف بعيدًا وكأنها ترفض المشاركة في هذا العبث.
“مهلًا… ألا تسمعون صوتًا…؟”
في تلك اللحظة، تمتمت الفتاة الأضعف — الملقاة فوق ظهر الفتى — بصوتٍ خافت.
“صوت؟ ماذا، هل هو صوت الشيطان يُهمس في أذنكِ بأنّ وقت الشراب قد حان؟”
سخرت صاحبة الشعر الأحمر وهي تردد هذيان الفتاة نفسه الذي سمعته منها مئات المرّات.
لكن تعبير الفتاة الأضعف كان جادًا على نحوٍ لفت انتباه كلوي أيضًا.
دو-دو-دو-دو—
كان هناك وقعُ خطواتٍ تأتي من بعيد… خطواتٌ كثيرة.
‘أدركت الأمر قبلي؟’
رفعت كلوي حاجبها ونظرت إلى الفتاة التي لا تزال مستلقية فوق ظهر الشاب. والآن… بات هناك سببٌ وجيه يجعلها تأخذهما هما الاثنان معها — ولو جرًّا.
رفعت كلوي الاثنين عن الأرض واحدًا تلو الآخر، ثم قالت بصوتٍ حازم:
“أخرجوا أيّ شيء يمكن استخدامه كـ سلاح.”
ومع نظرة كلوي الخطيرة، بدأ الجميع يُفتّش حقائبهم بسرعة.
اقتربت سحابة الغبار القادمة من بعيد حتى صارت واضحةً للعين.
هنا خمسة… وهناك خمسة. العدد متساوٍ.
لكن الفرق في البنية كان صارخًا؛ فالقادمون رجالٌ طوال وذوو بنيةٍ ضخمة، وعلى ظهورهم حقائبٌ عديدة — أكثر بكثير من عددهم.
ومعنى ذلك…
لقد نهبوا حقائب طلابٍ آخرين.
كان من الأفضل تجنّب هذه النوعية من البداية، لكن المصادفة أحضرتهم إلى هنا.
تقدّم الشاب الأشقر ذو العينين الزرقاوين وقد قبض على علبةٍ فارغة كأنها سلاح، واقفًا أمام الفتيات ليحميهنّ — رغم أنّ شكله لم يكن مخيفًا إطلاقًا.
بينما كانت صاحبة الشعر الأحمر وهي تطقطق أصابعها تبدو أكثر تهديدًا بأضعاف.
استمرّ التوتر بين المجموعتين، حتى خرج أحد رجال العصابة إلى الأمام بخطوةٍ ناعمة، وهو على الأرجح زعيمهم.
“يبدو أن تتبّع آثاركم كان يستحقّ العناء. كنتم هدفنا من البداية.”
فأجابته كلوي بامتعاضٍ واضح:
“هدفكم هو نحن؟ ليس الوصول إلى نورثفورت؟ لماذا؟”
“ولماذا غير ذلك؟ إن لم نلحق بكم، فلن نكسر رقم الوصول الأوّل لهذا الدفعة. أنا… لا أحبّ أن أخسر. ذلك يؤذي كبريائي.”
ابتسم الرجل بعينين مغمضتين بخبث.
كان واضحًا أنه من نوع المهووسين بالرقم 1.
لكن كلوي أيضًا تمتلك كبرياء الجنود النخبة، ولم تكن تنوي أن تتنازل لمجموعةٍ من الصعاليك.
“إن سلّمتم لنا حقائبكم بهدوء، فسوف— همممم، رغم ذلك… لا أظنّني أرغب بترككم ترحلون بسهولة.”
كان في نظرته شرٌّ صريح.
وقبل أن تفكّر كلوي كيف تردّ بطريقةٍ تُظهرها بمظهر المُشاغبة… فتح الرجل ذراعيه فجأةً كأنه سيحتويهم وقال بابتسامةٍ لطيفة مصطنعة:
“لا بأس، فقط ليكسر أحدكم قدمه قليلًا — كسرٌ بسيطٌ في الكاحل — وسندع البقية تمرّ بسلام، هق!”
لم يُنهِ جملته.
فقد طار جسده إلى الأمام بعدما تلقّى ركلةً قوية من الخلف. حتى قبل أن ترفع صاحبة الشعر الأحمر إصبعها الوسطى.
وفي الصمت الذي سقط على المكان…
وقف صاحب الركلة — صاحبُ عينين ذهبيّتين مفترستين — ينظر ببطءٍ إلى أفراد العصابة واحدًا واحدًا.
ثم وضع قدمه العسكرية فوق ظهر زعيمهم الملقى أرضًا، وقال بصوتٍ هادئٍ وكأنّه يقرأ تحيةً يومية.
التعليقات لهذا الفصل " 2"