شعرت جولييتا في تلك اللحظة وكأن قلبها قد توقّف عن النبض. سرت برودة قاسية في جسدها كله، فجمّدتها من رأسها حتى قدميها. لم تستطع أن تتنفس جيدًا، وراحت تحاول جاهدًة إخراج الكلمات من فمها المرتجف:
“إيفان! والدي… ليس من هذا النوع من الناس! هو من أكثر الناس إيمانًا بقيمة الحياة و—”
لكن فجأة، شدّ إيفان على فكيه، ثم أمسك ذراعيها بكلتا يديه بقوة جعلت عروق يديه تبرز بشكل مخيف. قبضته كانت عنيفة إلى درجة أنها أطلقت آهة ألم خافتة رغمًا عنها.
قال بصوت منخفض، لكنه حازم وقاطع:
“استفيقي، والدك هو من اخترع القنبلة الصاعقة. تلك التي كانت منظمات حقوق الإنسان تعارضها بشدة.”
نظر إليها عن قرب، وكأن كلماته تحمل تهديدًا، فارتجف جسد جولييتا وهي ترد بصوت خافت:
“هل… هل تقول إن والدي هو الجاني؟”
ردّ ببرود:
“وهل هناك مشتبه به آخر غير والدك الآن؟”
ضحكت جولييتا بسخرية، ثم بعنف حررت ذراعيها من قبضته. نظر إليها إيفان من أعلى، وعيناه تحملان برودًا قاتلًا.
قالت بحدّة:
“سنرى! أنا واثقة أن والدي ليس هو المجرم!”
ابتسم بسخرية وأجاب:
“نعم، سنرى. ولكن… إن كان والدك هو القاتل فعلًا—”
ثم اقترب منها أكثر، حتى التصقت شفتاه بأذنها، وهمس بصوت خافت كالسُم:
“فاستعدي لما سيأتي بعد ذلك.”
في تلك اللحظة، دوّى في أذنها صوت صفير مرتفع، وكأن العالم كله اختفى فجأة. ألقى عليها نظرة باردة لا تحمل أي شفقة، ثم تجاوزها ومضى في طريقه.
ثم حدث ما لم تكن تتمنى رؤيته…
خرج رجال الشرطة من القبو وهم يحملون ثلاث نقالات، كل واحدة منها تحمل جثة مغطاة. منظر الجثث القادمة من الأسفل أصاب جولييتا بالرعب. أدارَت وجهها بسرعة، تحاول جاهدة أن تتنفس عبر أنفها، لكن الهواء لم يدخل إلى رئتيها. شعرت وكأن صخرة ثقيلة جثمت على صدرها.
وبينما تمرّ النقالات بجانبها، بدأت حالة فرط التنفس تسيطر عليها.
“هاه… هااه…!”
راحت تتلوّى في مكانها، وأنفاسها تتسارع بشكل هستيري. أطرافها بدأت تتخدر، وقلبها ينبض بعنف، وعضلات جسدها كلها ترتجف بشكل لا إرادي.
ولولا أن المفتش هانسنت لمحها من بعيد، لكانت سقطت على الأرض من شدة الانهيار.
أسرع هو وأحد رجال الشرطة لمساعدتها، ثم ساندوها وصعدوا بها إلى الطابق الثاني.
هناك، كانت جولييتا تلمح اثنين من رجال الشرطة يقفون أمام أحد الأبواب، يبدو أنهم يحرسونه. قلبها أخبرها فورًا أن والدها خلف ذلك الباب.
توسلت وهي تلتقط أنفاسها:
“هل… هل يمكنني رؤية والدي؟ فقط للحظة؟”
كانت بحاجة ماسة لسماع تفسير منه، لتعرف الحقيقة منه مباشرة. هل فعلها حقًا؟ هل قتل آل هارتفيلد؟ ولماذا؟
لكن المفتش هانسنت رفض بإصرار:
“غدًا، سنعرف الحقيقة كاملة. إلى أن تصدر نتائج التحقيق، أرجو أن تتحلّي بالصبر.”
أومأت جولييتا برأسها، ثم دخلت إلى غرفتها المعتادة في القصر، يرافقها أحد أفراد الشرطة.
الغرفة كانت كما تركتها دائمًا، وهذا ما جعل دموعها تنهمر من جديد. شيء بسيط مثل هذا أصبح يثقل قلبها ألمًا.
قال لها هانسنت بلطف قبل أن يغلق الباب:
“استريحي هنا. سأعلمك بكل جديد حال صدور النتائج غدًا.”
ردت جولييتا بصوت مخنوق بالدموع:
“أرجوك… اعتنِ بأبي.”
ثم انحنى هانسنت قليلًا بأسف، وأغلق الباب خلفه.
جولييتا التفتت ببطء، وأسندت ظهرها إلى الباب، ثم انهارت جالسة، ودفنت وجهها بين فخذيها وهي تجهش بالبكاء:
“هُهق… أبي…!”
ومع شهقاتها المرتجفة، راحت تتحسس عقد الياقوت واللؤلؤ المعلّق في عنقها، الذي تركته لها والدتها الراحلة.
“أمي… ماذا عساي أفعل الآن؟”
وفي تلك اللحظة…
بانغ!
دوّى صوت طلقة نارية فجائية في المكان، كالرعد. بدا الصوت وكأنه جاء من غرفة أخرى في نفس الطابق.
“…!”
جمد جسد جولييتا على الفور. أصبح تنفّسها متقطعًا، وبَدَأَت رؤيتها تَضْمَحِل. لكن قبل أن تفكر، كان جسدها قد سبقها بالفعل؛ اندفعت تفتح الباب وركضت نحو مصدر الصوت—الغرفة التي يُحتَجز فيها والدها.
رجال الشرطة تبادلوا نظرات مرتبكة، ثم هرعوا إلى الداخل بعد أن فتحوا الباب، لكن جولييتا كانت قد وصلت بالفعل. بمجرد دخولها، بحثت بعينيها عن والدها، ولم يمضِ كثير من الوقت حتى وقعت عيناها عليه.
الأرض كانت مغطاة بالدماء، ووالدها ملقى على الأرض بلا حراك، وبجانبه بندقية صيد ملقاة.
كان مشهدًا لا يُحتمل. راحت جولييتا تهزّ رأسها بعنف وكأنها ترفض تصديق ما ترى، ثم أطلقت صرخة تمزق القلوب:
“كيااااه! لااااا!”
صرختها كانت كأنها انتزعت من أعماق روحها، وركضت نحو جثمان والدها، برامس. لكن أحد الضباط أمسك بها ليمنعها.
“لا تقتربي أكثر من ذلك!”
حاولت دفعه وضربه والتخلص منه، لكنها لم تكن تملك القوة الكافية. لم يكن بوسعها إلا أن تقف وتنظر إلى والدها الميّت، مذهولة، بعينين غارقتين في دموع لا تتوقف. كانت تتمنى أن يكون هذا كله مجرد كابوس، لكن الواقع كان قاسيًا وباردًا.
“آآآاه… أأأاهه!”
في النهاية انهارت جولييتا في مكانها، وأطلقت نحيبًا عاليًا، أقرب إلى صراخ يائس. في تلك اللحظة، دوّى صوت بارد كحد السكين من خلفها:
“ما الذي يحدث هنا؟”
كان صوت إيفان.
كان لا يزال في الطابق السفلي يعاين جثث عائلته، لكنه صعد فورًا إلى الطابق الثاني عند سماع صوت الطلقة. تبادل رجال الشرطة النظرات قبل أن يجيبه أحدهم بتوتر:
“يبدو أنه… أقدم على الانتحار باستخدام بندقية الصيد المعلّقة على الجدار.”
ضغط إيفان شفتيه بامتعاض، وقال بصوت بارد يقطر سخرية:
“ولماذا لم تتم إزالة السلاح من الغرفة؟”
“ظنناه مجرد سلاح مزيف للزينة…”
“هذا مضحك للغاية.”
ضحك إيفان باستهزاء، وهو يتفحّص المشهد أمامه—الجاني الوحيد المزعوم، برامس، أنهى حياته. وهذا يعني أن القضية ستدخل في متاهة، لأنه حتى مع وجود الأدلة، لا يمكن إغلاق التحقيق دون اعتراف مباشر.
قال وهو يوجّه أوامره للشرطي:
“سأبقى هنا. جهّزوا النقالة وانقلوا الجثة.”
خرج الشرطي لإحضار النقالة، وبقي في الغرفة إيفان، وجولييتا، وجثة والدها الباردة.
جولييتا، التي كانت قد فقدت اتزانها النفسي بالكامل، رفعت بصرها بتعب إلى إيفان، ثم نهضت بصعوبة. رغم ارتعاش قدميها، اقتربت منه وبدأت تضرب صدره بقوة:
“لو… لو لم تكن أنت! كان بإمكانه أن ينجو… والدي كان يستطيع أن يعيش!”
كانت تحتاج أن تصبّ غضبها على أيّ أحد، أيّ شيء، حتى لا تختنق. وكان إيفان هدفها الوحيد.
لكن إيفان لم يرمقها بأي تعاطف. نظر إليها من علٍ، وبسخرية مُرّة، قال:
“لا أظن أنك مؤهلة لقول هذا. هل لديك حتى ذرة ضمير؟”
كلماته كالسكاكين. انهارت جولييتا تمامًا عند سماعها، وسقطت على الأرض ودموعها لا تتوقف.
“آه… لاااا…!”
ثم بدأت نوبة فرط تنفس أخرى. راحت تلهث بصوت مبحوح، تكتم عنقها بيديها محاولة التقاط أنفاسها، لكن الهواء لم يصل إلى رئتيها. كانت على وشك الاختناق.
“هاااه… ههك… هاه…”
عالمها أصبح أسود. صوَر تتلاشى. أنفاس تتلاشى.
وآخر ما رأته كان نظرة إيفان الباردة، قبل أن تمدّ يدها نحوه وتغيب عن الوعي.
✦✦✦
منتصف الليل.
كان الثلج يتساقط بغزارة حتى تحوّل العالم إلى صفحة بيضاء صامتة. هدأت الفوضى في القصر بعض الشيء، لكنها لم تختفِ. في الواقع، ربما أصبحت أكثر صخبًا.
فقد توافد الصحفيون بعد أن تسرب الخبر من رجال الشرطة.
تصدر عنوان “مقتل عائلة هارتفيلد” الصفحات الأولى للصحف. مع تفاصيل تشير إلى أن المشتبه به الرئيسي هو والد خطيبة إيفان—جولييتا.
رغم أن إيفان فرض رقابة صارمة على المعلومات، فإن شيئًا ما قد تسرّب.
كان يجلس خلف مكتبه في المكتب الرئيسي، يمرّر يده على جبينه بتعب، ثم قال لمساعده:
“أطرد جميع الصحفيين فورًا من أمام القصر. وأريد مقابلة محامٍ مختص بأسرع وقت ممكن.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"