“السيد ستيفن، لا أعرف ما الذي حدث… لكن أمسك يدي، سأساعدك يا سيد ستيفن…!”
“جولييتا، تذكري هذا جيداً. إنه جيرين.”
“لهذا السبب أمسك يدي أولاً…!”
في اللحظة التي قالت فيها جولييتا ذلك على عجل،
دوّى انفجار ضخم في مكانٍ ما من السفينة.
“آآه!”
اهتزّ السطح فجأة مع دوي الانفجار، وفقدت جولييتا توازنها، لكنها بالكاد تمكنت من استعادته بفضل توترها من الموقف.
وحين استعادت وعيها ونظرت أمامها، كان ستيفن يقترب أكثر فأكثر من مؤخرة السفينة، وقد وجّه فوهة مسدسه نحو صدغه.
كان قد فقد روحه تماماً، يتمتم بصوتٍ خافت.
“آه… لقد بدأ الأمر بالفعل…”
“س… سيد ستيفن!”
حدّق في جولييتا بعينين فقدتا الأمل، ثم قال كلماته الأخيرة.
“أرجوك… انتقمي لي… ولأبيكِ.”
وفي اللحظة التي أنهى فيها كلماته المفعمة بالألم، أطلق الرصاصة على صدغه.
طااانغ!
انفجار الرصاصة البارد دوّى في الهواء. كان صوتاً يسلب الحياة في لحظة.
سقط جسده بلا حراك إلى الخلف، متجاوزاً سور مؤخرة السفينة، واختفى في أعماق البحر في طرفة عين.
“هاه…!”
كان مشهداً فظيعاً وصادماً.
شهقت جولييتا من هول ما رأت، وقد اتسعت عيناها، ووضعت يدها على فمها، واقفة كأنها تجمدت في مكانها.
لم تستطع تصديق ما حدث، ولم تفهم ما يجري أمامها.
“آه…!”
بعد لحظات من الصمت، اندفعت جولييتا غريزياً نحو مؤخرة السفينة، لكنها لم تصل إليه.
فقد دوّى انفجار آخر بعدها مباشرة.
كووااانغ!
“آااه!”
اهتزت السفينة مجدداً، فتوقفت جولييتا عن الجري، واستدارت للخلف.
ومن بعيد، بدأت أصوات الصراخ والهلع تتصاعد من الركاب.
دقّات قلبها تسارعت بشدة.
كل ما يجري بدا لها كأنه كابوس غير حقيقي.
وضعت يديها على أذنيها في ذهول، عاجزة عن الحركة.
“والدك انضم إلى منظمة ثورية متطرفة تُدعى جيرين.”
في لحظة، مرت الكلمات التي سمعتها للتو في ذهنها كالبرق.
“والدك لم يكن من قتل عائلة هارتفيلد، جيرين هو من فعل ذلك. جيرين استغل والدك.”
بينما كان قلبها يخفق بجنون، بدأ عقلها يستعيد هدوءه شيئاً فشيئاً.
ظهرت أمام عينيها صورٌ متلاحقة — عائلة هارتفيلد التي قُتلت بوحشية، والدها الذي اتُهم زوراً وانتحر، ووجه إيفان البارد الذي انغلق في وجهها.
“جولييتا، تذكري هذا جيداً. إنه جيرين.”
“……”
أدارت رأسها مجدداً نحو مؤخرة السفينة.
لم يكن أحد في المكان الذي وقف فيه ستيفن قبل قليل.
لقد سقط في البحر، ومات حتماً.
الموت… مرة أخرى أمام عينيها.
ارتجفت أطراف أصابعها.
“أرجوك… انتقمي لي… ولأبيكِ.”
الكلمات الأخيرة التي تركها، بدأت تسيطر على عقل جولييتا تماماً.
لم تكن تعرف لماذا قال ستيفن تلك الكلمات قبل أن يموت،
لكنها شعرت في أعماقها أنها لا تستطيع تجاهلها.
‘جيرين.’
كانت جولييتا تكرر في داخلها كلمة “جيرين” مرارًا وتكرارًا، محاولةً أن تُرتب فوضى الأسئلة التي تتدفق في ذهنها واحدًا تلو الآخر.
لماذا انضمّ والدي إليهم؟ ولماذا أخبرني السيد ستيفن بكل هذا؟ وهل حقًا هم من قتلوا أبي؟
لم تكن تملك أي يقين في أي من هذه الأسئلة، ومع ذلك أقنعت نفسها أن كلمات ستيفن كانت الحقيقة.
رغم عدم وجود دليل، كان حدسها يؤكد لها ذلك.
وفجأة—
كااااااااانغ!
دوّى انفجار قريب هزّ المكان بأسره، هذه المرة كان قويًا لدرجة أن السفينة بأكملها مالت إلى جانبها.
كادت جولييتا أن تسقط أرضًا، فشهقت مذعورة، وتحررت من أفكارها المتشابكة.
من بعيد، سُمعت صرخات حاملة للفزع، تمتد كصدى باهت في الأرجاء.
ومن ذلك الصوت وحده، استطاعت أن تتخيل ما يجري أسفل السطح—
فوضى عارمة، صياح، ارتباك، وهلع يملأ المكان.
وفي خضم هذا المشهد، شعرت جولييتا بأن دمها يغلي في عروقها.
ربما… هذه فرصتي.
فرصتها الوحيدة للهرب منه.
تحركت على الفور، دون أن تسمح لنفسها بلحظة تردد.
لم يكن هناك وقت للتفكير أو للخوف.
ركضت بكل ما أوتيت من قوة عبر السطح، متجهة نحو السلم المؤدي للأسفل.
كانت تعلم أن الجميع سيتجهون إلى قوارب النجاة، حتى هو بالتأكيد سيذهب إلى هناك.
إن استطاعت التسلل وسط هذا الاضطراب، فقد تتمكن من الفرار أخيرًا.
وضعت خطة سريعة في ذهنها، وكل خطوة تنزلها على الدرج كانت تشعل في داخلها شرارة أمل.
إن تمكنت فقط من الهرب من هذا المكان… فلن تقع بعد الآن في قبضته.
كان هذا الفكر وحده كافيًا ليمنحها القوة لتواصل الجري دون توقف.
وحين وصلت إلى قاعة الحفلات الكبرى، كان المكان خاليًا تمامًا.
لم يكن هناك أحد.
وبالرغم من أن الموقف كان في غاية الخطورة، إلا أن رؤية ذلك الفراغ منحتها شعورًا غريبًا بالراحة.
لكن حين همّت بمتابعة نزولها، ظهر أمامها فجأة رجل طويل القامة يرتدي الزي العسكري، يدخل القاعة بخطوات حازمة.
كان ذلك الرجل إيفان.
رآها على الدرج فورًا، فتصلبت ملامحه للحظة، ثم ارتخت سريعًا وكأنه شعر بالارتياح.
“انزلي.”
قال بصوت سريعٍ حادٍّ يحمل نبرة أمر أكثر مما هو طلب.
جولييتا شدّت قبضتها لا إراديًا، وحدّقت فيه بحذر، بينما كانت تنزل درجة بعد درجة، دون أن تزيح نظرها عنه.
“هكذا، أحسنتِ. تابعي فقط، تعالي نحوي.”
كان يتحدث بصوتٍ مطمئن، كما لو أنه يريد تهدئتها، وربما لأنه ظن أنها استسلمت له أخيرًا.
لكن ما إن وصلت إلى آخر الدرجات حتى توقفت. لم تتحرك خطوة أخرى نحوه.
“…جولييتا؟”
ناداها بصوتٍ منخفض فيه تهديد واضح، يأمرها أن تقترب فورًا، لكنها ظلت تحدق فيه بعينين قلقتين، تملؤهما الاضطرابات.
وفي تلك اللحظة، اجتاحت عقلها كل الذكريات التي كانت تتمنى نسيانها — كل ما فعله بها، كل الإهانات، الألم، والانكسار.
ذلك الرجل الذي أمامها كان مصدر خوفها وأساها.
كانت تكرهه… بكل ما في كيانها من كره.
نظرت إليه بوجهٍ حزين غريب الملامح، مزيجٍ من الحزن والهدوء الغامض.
اقترب هو منها خطوة.
وهي سمعت، كأن صوتًا خفيًا يهمس في أذنها: اهربي…
ارتجف جسدها، وأجابت بصوتٍ خافتٍ ومرتعش:
“إيفان… أنت مخطئ.”
أبي بريء…
لم تنطق الجملة الأخيرة بصوت، بل قالتها في داخلها فقط.
ثم استدارت فجأة وبدأت تجري في الاتجاه المعاكس.
مدّ إيفان يده في الهواء محاولًا الإمساك بها، لكنه لم يتمكن.
“جولييتا! توقفي!”
صرخ خلفها، لكنها لم تتوقف.
ركضت بكل قوتها، أنفاسها تتلاحق، ودموعها تختلط بأنفاسها اللاهثة، وهو يطاردها بخطوات سريعة خلفها.
تحولت القاعة الفارغة إلى ساحة مطاردة، صدى أقدامهما يرتطم بالجدران العالية.
وفجأة—
كاااااااااانغ!
انفجار جديد عنيف هز السفينة بأكملها.
اهتزّ المكان بشدة، وفقدت جولييتا توازنها.
وفي الأعلى، بدأ الثريا الضخم يتأرجح بقوة، يئن تحت ثقله، حتى انقطع حبل تثبيته وأطلق صريرًا مرعبًا.
صرخ إيفان من أعماقه:
“جولييتاااااا!!”
واندفع نحوها دون تفكير، احتضن جسدها بين ذراعيه وأسقطهما أرضًا بقوة.
وفي اللحظة التالية، سقطت الثريا العملاقة من السقف، وتحطمت على الأرض بصوتٍ مروع.
تشششرااااانغ!!
تناثرت الشظايا والزجاج في كل اتجاه، ومعها اصطدم رأس جولييتا بالأرض بعنف.
كانت الضربة قوية بما يكفي لتفقد وعيها في الحال.
“آه…” تمتم إيفان بألم وهو ينهض بصعوبة من بين الحطام والغبار.
تطلع إلى المرأة الممددة بين ذراعيه — زوجته.
كانت فاقدة الوعي تمامًا، ووجهها هادئ كأنها نائمة.
لم يعرف إن كان اضطرابه بسبب اقترابهما من الموت منذ لحظات، أم لأن زوجته قد فقدت الوعي.
حدّق فيها طويلًا، وعيناه لا تفارقها، ثم تمتم بصوتٍ يشبه الدعاء.
لكن ذلك الدعاء سرعان ما تحوّل إلى ضحكة مجنونة.
“هاهاهاها!”
ضحك بصوتٍ عالٍ يهز القاعة، ثم رفع يده، ولَمس خدّها برفقٍ مشؤوم، واقترب من أذنها هامسًا بصوتٍ جليدي:
“لن تتمكني من الهرب… إلى أي مكان.”
ثم طبع قبلة خفيفة على جبينها.
أما هي، فبقيت غارقة في غيبوبتها.
لم تستيقظ جولييتا إلا بعد وقتٍ طويل — وحين فتحت عينيها أخيرًا، وجدت نفسها، للأسف، داخل غرفة نوم بريكسيتر.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 31"