كلمات جولييتا المملوءة بالكراهية والاستسلام جعلت عيني إيفان تضطربان للحظة.
لكنه لم يُجب، بل اكتفى بأن يحيط بيده الصلبة خصرها الرقيق.
ضحكت جولييتا ضحكة ساخرة، كأنها تسخر من نفسها.
“إيفان.”
نادته بصوت منخفض وهي ترفع رأسها إليه ببطء. كان صوتها حزينًا بقدر ما كان هادئًا.
“اقتُلني بيدك أنت.”
وما إن أنهت عبارتها الجافة، حتى قبض إيفان فجأة على عنقها النحيل بيدٍ واحدة.
“أغـه!”
شهقت جولييتا تحت ضغط قبضته، وإحساس الاختناق غمرها. اجتاحها خوف بأنها قد تفقد حياتها في تلك اللحظة.
بين أنفاسها المتقطعة، حدّقت في عينيه بنظرة حادة.
ظنّت أن تلك ستكون النهاية.
غير أنه، وبلا إنذار، طبع شفتيه على شفتيها.
“هـه…!”
خرج أنين رقيق من بين شفتيها، وتبعه نفس حار. ثم انغمس الاثنان في قبلة عميقة وثقيلة.
“هاه… آ…”
مال رأس الرجل، وتبعه رأس المرأة بانسياب طبيعي.
تباعدت شفاههما لحظة، لكنها عادت لتلتصق سريعًا. بخلاف القبلات البطيئة التي بدأها، هذه المرة كانت إيقاعًا أسرع، أكثر التهامًا.
في غمرة ذلك، وجدت جولييتا نفسها بين ذراعيه.
أمطرها إيفان بقبلاته المحمومة، فمدّت ذراعيها لتلتف حول عنقه، مستسلمة لتلك اللمسات.
آه… وبين شفتيها خرجت أنة، وفي تلك اللحظة فقط افترقت شفتاه عنها.
لكن سرعان ما انزلقت شفتاه إلى أذنها الصغيرة.
“الآن… من المبكر قتلك.”
همس بصوت منخفض، ثم رفع جسدها برشاقة بين ذراعيه.
ارتجفت جولييتا وصرخت بفزع:
“مـا… ما الذي تفعله…!”
وما إن أدركت، حتى أحسّت بملمس الشرشف الناعم خلف ظهرها.
رفعت عينيها المرتجفتين، فإذا بإيفان يعلوها.
أمسك بيدها، وغمر ظهر كفها بقبلة عميقة.
كان ذلك فعلًا لم تره منه من قبل… فعلًا دافئًا.
هذا التناقض الغريب عقد حلقها حتى كادت تبكي.
“إيفان، أنا…”
“شـه.”
قاطعها، ثم انتزع شفتيه من كفها ليعود فيغمرها بقبلة أخرى.
قبلة متعطشة، كأنها حب، ينهشها بنهم.
ارتعش جسد جولييتا بلا حول أمام حرارته المتدفقة.
“ها… آه…”
اشتعلت وتيرة الرغبة أكثر فأكثر.
أخذ إيفان ينزل بقبَلاته إلى عنقها وجلدها، فيما لامست أنفاسه الملتهبة بشرتها.
شعرت أنها تفقد قدرتها على التفكير كليًا.
“…توقف.”
لكن رغم رفضها، بدأت يداه تحلّ أزرار قميصها.
انفلت زر بعد آخر، ثم فقد صبره، فانتزع القميص بقوة.
تساقطت الأزرار دفعة واحدة، وانفرج الصدر.
داخلها، راحت جولييتا تدعو أن يقبض الإله روحها سريعًا.
“تبًّا…”
تمتم إيفان بشتيمه، ثم أخذها بجموح بلا رحمة.
فقدت وعيها بما يجري.
لم يكف عن التحديق في وجهها.
وفي برودة عينيه الممتزجتين بالكراهية، شعرت جولييتا أن كيانها كله ينهار.
“أه…!”
غطّت عينيها بذراعيها المتقاطعتين، لكن دموعها انسابت قسرًا عند صدغيها.
“…جولييتا.”
وهكذا بدأت ليلة أخرى لا يُنال فيها النوم بسهولة.
ظلّ الاثنان متعانقَين حتى أوشك الفجر على الطلوع.
✦✦✦
تسلّل من النافذة ضوء الشمس الدافئ والمشرق.
تناثرت أشعته فوق عيني المرأة المغمضتين وهي نائمة.
وفجأة ارتجف جفناها المغموران بالضياء قبل أن ينفتحا.
ومن خلال الشق الضيق، بدت عينان زرقاوان تحدّقان في الفراغ بذهول.
“…….”
استيقظت جولييتا ببطء، ثم نهضت من السرير على مهل.
التفتت إلى جانبها، فلم تجد أحدًا.
حتى الدفء الذي خلّفه الجسد إلى جوارها كان قد برد تمامًا، وكأن المكان خالٍ منذ زمن.
رفعت بصرها تبحث عنه بقلق، ثم تحرّكت بخفة لتنهض.
جسدها العاري ذو الانحناءات الرشيقة اتجه نحو غرفة الملابس حيث شعرت بوجوده.
“إيفان…؟”
كان صوتها مبحوحًا متشققًا من أثر أنينها طوال الليل.
حاولت أن تعدّل نبرتها عدة مرات وهي تناديه.
لم يصلها رد، لكن عينيها التقتا به أمام المرآة وهو يعقد ربطة عنقه.
استدار إيفان قليلًا وحدّق بها.
عيناه بقيتا باردتين، قاسيتين، لا تحملان أي دفء.
تحت ثقل ذلك النظر، احمرّ وجه جولييتا دفعة واحدة.
“آه…”
رغم أنها كانت تدرك أن لا ينبغي أن تشعر بالخذلان من جفائه،
إلا أن الحزن غلبها، فارتخى كتفاها يأسًا.
أعرض عنها إيفان، وعاد ينظر إلى المرآة، ثم واصل حركته التي توقفت لحظة.
“بما أنك استيقظتِ، فاذهبي لتغتسلي وتأهبي للحفل. أما الإفطار فسنتناوله في الخارج. فهناك الكثير ممن علينا تحيتهم اليوم.”
“…… حاضر.”
زفرت جولييتا تنهيدة ثقيلة وتوجهت إلى الحمام.
انعكس جسدها في المرآة الكبيرة.
مدّت أصابعها ببطء على آثار ليلة الأمس التي تركها عليها، ثم حاولت محو تعبيراتها الحزينة.
أو بالأحرى، قاومت بكل ما أوتيت من جهد لتفعل ذلك.
كان لا بد أن يكون فستان الصباح مختلفًا كليًا عن ثوب السهرة.
ومع ذلك، قررت أن تختار تصميمًا يشبه أسلوبه المفضل.
ارتدت فستانًا أبيض هادئًا، تصميمه كلاسيكي يزدان بكشكش عند الكتفين والصدر.
وأكملت الإطلالة بحذاء عالٍ بلون البيج، يضفي لمسة أنيقة مرتبة.
أما الحُلي، فاكتفت بقرطين من اللؤلؤ وعقد بسيط لا يلفتان النظر.
وفي الختام، رشّت عطرًا منعشًا خفيفًا.
خرجت من غرفة الملابس وقد أتمّت زينتها، فوجدت إيفان في انتظارها بزيّه العسكري الصارم.
“هل نذهب؟”
مدّ يده إليها، وجهه خالٍ من أي تعبير.
طوّق خصرها النحيل بكفه القوي.
ارتبكت جولييتا من فعله المفاجئ، لكنها لم تُبدِ أي رد فعل ظاهر.
أما هو، فلم يُعر ردة فعلها أي اهتمام، بل اصطحبها بهدوء.
وخرجا معًا من الجناح متجهين نحو السلم.
وبسبب تأخرهما قليلًا، لم يصادفا أحدًا في الممرات.
كان السلم الواصل من الطابق الثالث إلى الثاني عند نهاية الممر.
وما إن بلغا نهايته، حتى انفتح أمامهما الدرج الكبير المؤدي مباشرة إلى قاعة الاحتفالات.
كان السجاد الأحمر مفروشًا فوق الدرج.
وما إن نزلا حتى انكشفت أمامهما مشاهد تذكر بالقصور الملكية.
كل ما وقع عليه البصر كان يلمع بالذهب.
فخامة أخّاذة حتى تكاد تبهر النظر.
وفي وسط القاعة، تدلّت ثريات من الكريستال على طبقات، تبثّ ضوءًا ذهبيًا رقيقًا.
أما الطاولات المستديرة المصطفة في الوسط، فقد تزيّنت بشموع وزهور نضرة رتّبت بعناية.
غطّت المائدة أقمشة بيضاء ناصعة،
وفوقها صفّت أدوات فضية لامعة وأطباق مذهبة بدقة بالغة.
فتحت جولييتا عينيها اندهاشًا وهي تتلفت مسرعة في أرجاء المكان.
لكن رهبتها من المشهد لم تفعل سوى زيادة توترها.
حين وصلا إلى أرض القاعة، استقبلتهما أرضية من الرخام المصقول حتى ليكاد يعكس صورتهما.
سارا فوقها معًا بخطوات هادئة.
كان المطعم قريبًا من قاعة الحفل.
ورغم أنه لم يبلغ في فخامته مستواها، فقد سادته أجواء أنيقة رفيعة.
زُيّن بألوان دافئة من الأخضر والذهبي، تبهج العين وتبعث الراحة.
فوق الطاولات المربعة، كانت الأطباق الشهية جاهزة،
والناس مستغرقون في تذوق الطعام وقضاء لحظات هانئة.
ولم تكن هناك مقاعد مخصصة، بل يستطيع أي شخص أن يجلس حيث يشاء.
اتجه إيفان وجولييتا نحو أقرب طاولة،
لكن ضابطًا شابًا بزي عسكري تقدم نحوهما.
ابتسم إيفان بخفة، ومد يده ليصافحه.
“صباح الخير أيها العقيد. يسعدني لقاؤك.”
“تشرفت، أيها المقدم كلايتون.”
ثم التفت الضابط الشاب نحو جولييتا وكأنه تذكرها فجأة،
ونظر إليها بلطف قائلًا:
“آه، لقد مرّ زمن طويل يا سيدتي. يسرّني أن ألتقيك مجددًا في هذا المكان.”
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 26"