“تعزيز قوة الجيش هو الأهم في هذه المرحلة. ألا تعلمون جميعًا ذلك؟ إن الاتفاقيات السلمية والإنسانية ليست سوى غطاء، هدفه منعها من أن تتحول إلى ذريعة جديدة للإرهاب أو حرب أخرى. كونوت لم تصبح آمنة بعد. ثم إن إمبراطورية كونوت ارتقت بعد هذه الحرب إلى مصافّ الإمبراطوريات العظمى. وبما أننا في مرحلة انتقالية نحو تثبيت مكانتنا كإمبراطورية عظمى، فعلينا أن نستعد أكثر من أي وقت مضى لغزو القوى العظمى الأخرى. لذلك أعتقد أن علينا التعامل مع الأمر بحذر شديد.”
تابع إيفان بصوت حازم.
“إذا ترددنا في تعزيز قوتنا العسكرية في مثل هذا الوضع، فإن النصر الذي حققناه لن يكون سوى شعار أجوف. الصعود إلى مكانة الإمبراطورية العظمى قد يكون سهلًا، لكن الحفاظ على هذه المكانة أصعب بكثير.”
هزّ الضباط الحاضرون في القاعة رؤوسهم موافقة على كلامه. الجنرالات، أصحاب الرؤية الواقعية أكثر من غيرهم، كانوا يدركون جيدًا أن النصر في الحرب لا يعني أن جميع التهديدات قد زالت.
بل على العكس، فبعد انتهاء الحرب يبدأ الصراع السياسي والعسكري الأكثر شراسة.
نهض إيفان من مقعده وألقى نظرة على من حوله.
“إن القوة العسكرية لإمبراطورية كونوت وصلت الآن إلى مستوى يمكن وصفه بالأقوى عالميًا. لكن هل تظنون أن القوى العظمى الأخرى ستقف مكتوفة الأيدي؟ في هذه اللحظة بالذات، هي تترصد لنا وتبحث عن أي ثغرة. لذا، لا نية لي على الإطلاق في تأجيل تعزيز قواتنا.”
ارتسمت على وجوه بعض الحاضرين ملامح الاقتناع، لكن وجه أوليفيا ازداد تصلبًا.
“لكن يا سيادة العقيد، أعتقد أننا كلما ارتقينا إلى مصافّ الإمبراطوريات العظمى، كان لزامًا علينا أن نسلك طرقًا أكثر سلمية.”
رفعت أوليفيا اعتراضها. كان صوتها لا يزال رزينًا وأنيقًا، لكنه حمل مسحة خفية من التوتر. حدّق بها إيفان طويلًا، ثم ابتسم ساخرًا.
“لو كنا نؤمن بالسلام وحده، لقمنا بتجريد أنفسنا من السلاح فور انتهاء الحرب. لكننا لم نفعل ذلك. أتدرين ما معنى هذا؟”
لم تستطع أوليفيا أن تجيب.
“آنسة جيرارد، بلا قوة… لا وجود لسلام.”
ساد القاعة صمت ثقيل. لم يجرؤ أحد على الرد بقوة على كلمات إيفان.
نظر إليها بوجه جامد. كانت ملامحها مضطربة بوضوح، تقضم شفتها السفلى في حرج. تجاهل حالتها، وأدار بصره نحو الحاضرين وهو يسأل:
“هل هناك من يرى ضرورة الاعتراض على إبرام هذا العقد؟”
خيم الصمت على القاعة، ولم تملك أوليفيا حتى فرصة للرد. فقد تمكن من بسط سيطرته على أجواء الاجتماع تمامًا.
“سيادة العقيد، لدي سؤال.”
تحدث أحد الجنرالات في تلك اللحظة.
“في ما يتعلق بالكوادر الجديدة وتطوير السلاح، ألن يكون هناك أي تأخير في الجدول الزمني؟”
“بالطبع لا. النتائج البحثية بدأت تخرج باستقرار، فلا داعي للقلق في هذا الجانب.”
أومأ الحاضرون جميعًا برؤوسهم تأييدًا لكلامه.
“إذن، فلنُنْه الاجتماع عند هذا الحد، ولنعكف على إتمام العقد.”
لم تستطع أوليفيا أن ترد، وظلّت محاطة بالهدوء الجاثم عليها. ابتسم إيفان راضيًا، وقد تأكد من هزيمتها.
انتهى الاجتماع، لكن أوليفيا ظلت جالسة كالمتصلبة. في المقابل، كان إيفان يتبادل المصافحة ببرود مع الضباط الذين التفوا حوله.
“لقد أبليت بلاءً حسنًا يا عقيد.”
“كنا وما زلنا نضع ثقتنا بك وحدك.”
أجابهم إيفان بابتسامة وكلمات مقتضبة. صحيح أنه كان في مركز المفاوضات الناجحة، لكن عقله كان يعمل على حساب خطواته القادمة.
إزعاج أوليفيا لم يكن سوى أمر تافه بالنسبة له، لم يشكل خطرًا حقيقيًا. لكنه أدرك أنها ستبحث عن ورقة أخرى لتلعب بها، وكان يفكر جديًا بما قد تكون.
(على الأرجح… لم يتبقَّ لها سوى ورقة واحدة.)
الورقة الوحيدة المتاحة لها كانت استغلال جولييتا مباشرة. لقد باتت جولييتا بالفعل تحت مجهر الرأي العام، في قضية شديدة الإثارة.
“بالمناسبة، متى تمكنت من الحصول على بديل بتلك السرعة؟”
سأل أحد الجنرالات، فتعمد إيفان أن يرفع صوته ليصل إلى مسامع أوليفيا.
“كان ذلك بفضل نصيحة زوجتي.”
ساد القاعة صمت ثقيل فجأة. سعل الجنرال بصوت مرتفع، محاولًا إخفاء شعوره بعدم الارتياح، لكن إيفان لم يأبه وقال:
“لولا زوجتي، لكان الأمر استغرق وقتًا أطول بكثير في العثور على الكفاءات. إنها نعمة حقيقية.”
“من الجميل أن نرى علاقة زوجية متينة كهذه.”
أحد الجنرالات الآخرين، وقد غابت عنه اللباقة، أيّد الكلام على نحو مباشر.
أومأ إيفان برأسه، ثم حوّل نظره بخفة. أما أوليفيا، فكانت تتظاهر بترتيب الأوراق أمامها، لكن أطراف أصابعها كانت ترتجف بخفة.
في تلك اللحظة، قال هو جازمًا كمن يدقّ المسمار الأخير:
“أليست هذه هي طبيعة العلاقة بين الزوجين؟ حين تشتدّ الصعاب، ينبغي أن يدعم أحدهما الآخر ويمضيا معًا.”
كلماته تلك هزّت كيانها بشدة، فما لبثت أن نهضت واقفة وغادرت قاعة الاجتماع بخطوات مسرعة.
لم يكلّف إيفان نفسه حتى عناء الالتفات إليها، بل اكتفى بابتسامة شامخة مرسومة على شفتيه.
✦✦✦
كان الطقس ربيعيًا صافيًا، وكل ما في الطبيعة قد تفتّح بأبهى صورة.
وخلال سير السيارة في الطريق، بدت على جانبيه المحال والأكشاك تعرض وتبيع الزهور.
تأملت جولييتا تلك المناظر، ثم خفضت بصرها إلى باقة الزهور بين يديها.
كانت الورود البيضاء فيها مشرقة بجمال آسر.
لقد كانت تلك الباقة من إعداد ديبيلو والخدم، كترحيب بالسيد والسيدة اللذين سيغيبان عن الدار أيامًا.
أما جولييتا وإيفان، فكانا في طريقهما الآن إلى الميناء لحضور حفل فاخر يُقام على متن سفينة.
جلس إيفان ساكنًا، مغمض العينين، متكئًا إلى مقعد السيارة.
بينما كانت جولييتا تنظر من النافذة بقلق يملأ قلبها.
وبعد رحلة طويلة، وصلا أخيرًا إلى وجهتهما.
في الميناء الذي تتلاطم أمواجه، كان نسيم البحر الدافئ يهبّ بلطف.
نزلت جولييتا من السيارة مع إيفان، وتجوّلا قليلًا في الميناء، قبل أن يتوجها إلى الرصيف حيث رُصّت الحقائب الثقيلة برفقة الخدم.
ولأنهما وصلا في وقت مبكر قليلًا، بدا الرصيف شبه خالٍ، فما كان منها إلا أن أطلقت تنهيدة إعجاب دون وعي.
“واو…”
كانت السفينة الراسية على المرفأ ضخمة حدّ الإبهار.
جسمها الأبيض الناصع يمتد ناعمًا إلى ما لا يُرى له نهاية.
وبنيتها متعددة الطوابق جعلتها أقرب إلى منتجع فاخر أو قصر عظيم.
أما الشرفات الزجاجية المتناثرة، والمنحنيات الأنيقة التي تزين هيكلها، فأضفت عليها جمالًا عصريًا متفرّدًا.
لم تكن تلك مجرد سفينة أو يختًا للرحلات.
بل مكانًا لا يُدعى إليه إلا أصحاب الثراء والنفوذ.
وقفت جولييتا أمام هذا المشهد البهيّ، وتعهدت في أعماقها ألا تختبئ اليوم من الناس، كما اعتادت أن تفعل في التجمعات السابقة.
فلو استمرت على هذا الحال، لكان موقفها وموقف إيفان أكثر حرجًا.
(هذه المرة… سأواجه حتى النهاية.)
“إنها حقًا… رائعة.”
ابتسم إيفان ابتسامة راضية.
ثم توجّها معًا إلى المدخل.
بينما قام الخدم بدفع الحقائب على عربات، وساروا إلى مدخل آخر مخصّص لهم.
كان الحفل المرتقب على ظهر السفينة سرّيًا للغاية، حتى إن كبار السياسيين ورجال المال والضباط الكبار لم يُدعَوا إليه، إلا من وقع عليهم الاختيار شخصيًا.
ولهذا لم يكن هناك أي ضيوف آخرون أو متفرجون.
بل حتى المستودعات بقيت مغلقة.
مما جعل صعودهم على متنها سهلًا، بلا ازدحام ولا عوائق.
قاد إيفان جولييتا إلى السطح الواسع للسفينة.
وحين وصلا، انبسط البحر الأزرق أمام ناظريهما.
كان قد مر زمن طويل منذ آخر مرة رأت فيها البحر.
وشعرت أن توترها بدأ يذوب شيئًا فشيئًا.
(لا… لا يجب أن أرتخي. عليّ أن أتمالك نفسي.)
وبّخت نفسها في سرّها.
(كيف يمكن أن أسعد بمثل هذا؟ يا لي من ضعيفة.)
تركت خلفها مشهد السطح البديع، وصعدت إلى المقصورة المخصصة لركاب الدرجة الأولى.
ركبت المصعد، ثم خطت في ممر طويل مفروش بالسجاد الأحمر القاني، إلى أن فتحت أخيرًا باب الغرفة.
أسرعت جولييتا بتأمل تفاصيلها، ولم تستطع منع نفسها من أن تتمتم بإعجاب، كما فعلت حين رأت السفينة لأول مرة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"