قال إيفان بنبرة هادئة، ثم مال إلى أذن جولييتا وهمس بصوت منخفض:
“لنغادر الآن. المكان مزدحم جداً.”
قبض إيفان على معصم جولييتا وسار إلى الأمام.
ألقى لويل ببعض الكلمات خلفه، لكنه لم يُعرها أي اهتمام.
كل ما فعله هو أن يخطو إلى الأمام دون أن يلتفت.
تبعت جولييتا خطواته ورأسها مطأطأ.
وفي المكان الذي مرا به، علت همهمة صغيرة وتبعتهم الأنظار.
بعضهم تمتم بكلمات، وبعضهم غطى فمه وهمس.
بهذا خرج الاثنان بهدوء من بين الجمع وغادرا القصر الكبير.
ركبا مباشرة السيارة التي كانت بانتظارهما أمام القصر.
عندها فقط أطلقت جولييتا زفرة طويلة، قادرة على التنفس بحرية أخيراً.
حينها تحدث إيفان وهو يحدق في الفراغ بلا مبالاة:
“حفل السفينة… لن يكون بمقدورنا الخروج منه سريعاً مثل اليوم. حتى لو أردتِ الهرب، لن تستطيعي. لذا مهما حدث، أريدك بجانبي في ذلك الوقت.”
أدركت جولييتا على الفور ما يقصده.
لقد كان يُظهر امتعاضه من كونها مع شخص آخر.
هزت رأسها سريعاً.
وبعدها عمّ صمت ثقيل محرج غلّف أجواء السيارة.
إيفان لم يقل شيئاً آخر، فقد كان يلمس ذقنه غارقاً في أفكاره العميقة.
أما هي، فكانت تحرك يديها بتوتر فوق حجرها.
أخذت تتفحص ملامحه الجانبية خلسة، لكنها لم تزل متجهمة.
“لويل دو فيرنو…”
تمتم إيفان بالاسم وكأنه يتذمر منه، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة.
وفي تلك اللحظة، برد هواء السيارة فجأة.
نظرت إليه جولييتا بتساؤل في عينيها، لكنه ظل محتفظاً بابتسامة مشوهة، ثم فجأة أمر السائق الجالس أمامه:
“إلى شارع 2-5 ويست ستريت.”
“نعم، حاضر.”
استدارت السيارة فجأة وبدأت تنطلق بسرعة على الطريق.
بدا أنهم يتجهون نحو وسط المدينة.
جولييتا، وقد ارتبكت من هذا التغيير المفاجئ، سألته بعينين قَلقتين:
“إلى أين نحن ذاهبون؟”
“إلى العشاء.”
أجاب إيفان وهو يتكئ بجسده داخل المقعد.
لكن جولييتا لم تكن في مزاج لتناول الطعام، ومع ذلك لم يكن لها قرار لتغيير وجهة السيارة.
اضطرت أن تتبع إيفان بصمت.
شدّت أصابعها بقوة فوق حجرها.
“كان عليّ أن أبقى بجانبه مهما كان الأمر. كان عليّ أن أرفض مرافقة أي أحد غيره… لم أتصرف بحكمة، والآن أندم.”
كانت تلوم نفسها بشدة.
حاولت استرجاع كل ما تعرفه عن حفل السفينة.
الحفل يستمر ثلاثة أيام على متنها، وفي الليلة الثانية سيُقام حفل عشاء فاخر.
وفي ذلك المساء، سيكون عليها الجلوس مع إيفان على الطاولة نفسها مع لوكريتسيا التي التقيا بها اليوم.
بمجرد أن تخيلت ذلك اليوم، شعرت جسدها كله يتصلب.
لكن عزمها تغيّر.
“في ذلك اليوم، لن أكرر خطأ اليوم. لن أهرب، ولن أبحث عن سند. سأقف بجانبه مهما حدث.”
توقفت السيارة عند جادة واسعة.
وعندما فُتح الباب ونزلت، ظهر أمامها مطعم ذو واجهة شامخة.
من وراء الباب الزجاجي تسللت أصوات الأحاديث الناعمة، ومعها انتشر عبق الأطعمة الشهية.
أحاطت بها أجواء دافئة جعلت توترها يخف قليلاً.
أخرج إيفان ذراعه كما لو كان عاشقاً ودوداً، فالتقطت جولييتا ذراعه بشكل طبيعي.
قادها إلى داخل المطعم.
وبإرشاد الموظف، مرا بالداخل ذي الديكور الفاخر، حتى وصلا إلى غرفة خاصة وجلسا متقابلين.
جولييتا أدارت رأسها نحو النافذة تستمتع بمشهد أضواء المدينة.
أما إيفان فكان يرشّف بعض النبيذ الذي جلبه الموظف، بينما يثبت نظره عليها.
ولما أحست بنظرته، التفتت نحوه.
كان مسنداً ذقنه إلى يده، يحدق بها بلا انقطاع على غير عادته.
سرت لحظة صمت غريب بينهما، حتى دخل الموظف ثانية، يضع على الطاولة طبقاً مرتباً بدقة.
كان طبق ستيك شهيّ المظهر.
أمسكت جولييتا أدوات الطعام بهدوء، فيما ارتشف إيفان رشفة من النبيذ، ثم فتح فمه قائلاً:
“قبل قليل…”
كان إيفان على وشك أن يسأل شيئاً، لكنه على غير عادته تردد قليلاً، ثم قطّب جبينه بانزعاج. بدا وكأن شيئاً ما أفسد مزاجه بشدة.
ساد الصمت من جديد لبعض الوقت، ثم ألقى بكلماته فجأة:
“يبدو أنها المرة الأولى التي أجلس في مثل هذا الموقف.”
ارتجفت جولييتا في داخلها، لكنها سألت بأقصى ما استطاعت من برود:
“……أي موقف تقصد؟”
ابتسم إيفان بخفة أمام سؤالها الحذر المليء بالتوجس.
“اهدئي قليلاً. على الأقل في هذه اللحظة يمكنك أن تفعلي ذلك.”
حاولت جولييتا أن تبدو متماسكة أمام كلماته، لكن وجهها لم يستطع إخفاء الصلابة.
لم يكن معتاداً أن تراه يحاول الاقتراب منها ولو قليلاً، وكان ذلك غريباً عليها.
لطالما تمنت أن تحظى بلحظة صافية يمكنها فيها أن تفتح قلبها له، لكن عندما جاء ذلك الوقت، شعرت بضيق يخنق صدرها بدل الراحة.
والسبب أنها فهمت نواياه.
لقد كان يحاول أن يروضها، مستخدماً أسلوب العصا والجزرة.
وما إن أدركت ذلك حتى فقدت ما تبقى لها من شهية. ومع ذلك، التقطت الشوكة بصمت وقطعت قطعة من شريحة اللحم ووضعتها في فمها. سالت العصارة الغنية وطعمتها انتشر في فمها، لكنها لم تستطع أن تشعر بمذاقها حقاً.
“لا تتحسبي كثيراً. هذا مجرد عشاء، لا أكثر.”
ومع محاولته لتخفيف التوتر، رفعت جولييتا بصرها نحوه للحظة بحدة، ثم وضعت السكين والشوكة على الطاولة.
“……ما الذي دفعك فجأة لهذا التغيير؟”
“تغيير؟ أنا لم أفعل شيئاً. جئت فقط لأستمتع بعشاء.”
تأملت جولييتا كلماته وهي تلتقط كأس النبيذ بهدوء. تحرك السائل الأحمر القاتم في الكأس بانسياب خفيف. أخذت رشفة صغيرة، ثم نظرت إليه بعينين ثابتتين.
“إذن، لماذا اخترت أن تأتي إلى هذا المكان معي بالذات؟”
ابتسم إيفان بخفة وهو يرفع كأسه بدوره.
“ليس بالعمق الذي تظنينه.”
شرب رشفة أخرى ثم أضاف:
“كل ما في الأمر أنني أردت تناول طعام جيد في أجواء جيدة.”
“إيفان.”
نادته جولييتا بصرامة وهي تضع كأس النبيذ على الطاولة.
“آسفة، لكن بيننا ليس ما يبرر ذلك.”
“هممم.”
اكتفى إيفان بهز كتفيه، وظل يراقبها بصمت قبل أن يشرب رشفة أخرى من كأسه. وفي تلك اللحظة، ارتسمت على فمه ابتسامة تحمل مغزى خفي.
شعرت جولييتا بانقباض مزعج في صدرها وهي ترى تلك الابتسامة. أزعجها أسلوبه وكأنه كان يتوقع ردود أفعالها كلها.
“لا تحاول أن تروضني كما يحلو لك.”
عند تحذيرها، توقفت ابتسامة إيفان فجأة. وفي عينيه الخضراوين ارتسمت برودة غامرة.
“ترويض؟”
ضحك ضحكة خفيفة ثم قال:
“ترويض، تقولين… لقد أخبرتك من قبل أنني لا أنوي ذلك. مؤسف أنك ما زلت تشعرين هكذا.”
لكن جولييتا لم تُبعد عينيها عنه، وأجابته بثبات:
“لا أريد أن أكون دمية تتحرك وفق مشيئتك.”
كان صوتها مليئاً بالعزم.
ظل إيفان يحدق فيها لبرهة، ثم بدأ يدير كأس النبيذ ببطء بين أصابعه وهو يقول:
“ما أكثر عنادك. حسناً، فلتفكري كما يحلو لك.”
مرر يده في شعره وهو يميل رأسه إلى الأسفل، غير قادر على إخفاء انزعاجه.
انعكس في ملامحه توتر حاد لا يمكن تجاهله.
أما جولييتا فلم تفهم سبب رد فعله بهذا الشكل، واكتفت بالصمت محاولة العودة إلى طعامها.
أمسكت الشوكة والسكين من جديد وبدأت بتقطيع اللحم، بينما ظلت نظرات إيفان مركزة عليها دون انقطاع.
لكنها تجاهلت تلك النظرات تماماً، وكأن شيئاً لم يحدث، وواصلت عشاءها بصمت.
وهكذا أنهيا وجبتهما وسط صمت ثقيل.
شعرت جولييتا براحة غريبة في مواجهة برودة إيفان المعتادة، لكن في الوقت نفسه، تسلل إلى قلبها طعم مرارة.
لقد بدا لها أمراً متناقضاً أن تجد الطمأنينة في وجهه البارد.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"