كلماته جعلت جولييتا تتردد لوهلة، لكنها ما لبثت أن هزت رأسها رافضة. لم يكن بوسعها أن تُثقل كاهله بحملٍ سببه مأساتها. حين رفضت بابتسامة باهتة وأكدت له أنها بخير، مدّ لها بطاقة صغيرة. كانت بطاقة عمل.
“إذن، خذي هذه. هذا عنواني ورقم هاتفي. إن حدث لك أي أمر، فاتصلي بي في أي وقت.”
تسلمت جولييتا البطاقة، وأمرت أحد الخدم أن يضعها على طاولتها في الغرفة. انحنى الخادم احترامًا ثم انسحب.
“أكرر تهنئتي لك بالزواج.”
قالها بابتسامة هادئة. جولييتا رسمت ابتسامة متكلفة على شفتيها.
“شكرًا لك يا سيد بالمر. سررت بقدومك حقًا.”
لم يُطل الحديث، واكتفى بأن قبض على يدها برفق قبل أن يغادر. عندها أطلقت جولييتا تنهيدة طويلة. كان موعد المراسم يقترب.
ورغم أنه يُسمى عرسًا، إلا أنّ أجواءه كانت أقرب ما تكون إلى جنازة، يخيّم عليها الصمت والصرامة.
دموعها كانت تتجمع في عينيها بمرارة، لكنها تماسكت وسارت بخطوات ثابتة نحو ممر الزفاف، حيث كان إيفان ينتظرها. بدا مهيبًا في بذلته السوداء، جماله يزداد سطوعًا تحت أضواء القاعة. مدّ ذراعه لتشبك ذراعها به، فترددت قليلًا ثم وضعت يدها فيه.
بدأت مراسم الزواج، تسير متشبثة بذراعه القوي عبر الممر. وبين الحضور دوّت همسات لاذعة، بعضها لم يتورع عن السخرية والازدراء.
“لا يليقان ببعضهما مطلقًا.”
“كيف تجرؤ تلك المرأة….”
“مشهد مقزز.”
الكلمات كانت تلسعها كسياط. أصابها الدوار، جسدها يتصبب عرقًا، ورؤيتها غامت، كأن قدميها تثقلان مع كل خطوة. التفت إليها إيفان بنظرة سريعة، لم يقل شيئًا، لكنه شدّ ذراعه قليلًا لتجد فيه سندًا يحول دون سقوطها.
المراسم بدت فخمة، لكنها كانت مشوبة بالبرود والنظرات القاسية التي تنهال عليها من كل اتجاه. رغم ذلك، استمرت جولييتا في الإصغاء بصعوبة إلى كلمات المأذون.
جاء وقت تبادل الخواتم. التقت عيناها بعينيه للحظة قبل أن تزيح نظراتها بخجل. أخرج إيفان خاتمًا من الألماس من العلبة، وأدخلَه في إصبعها. ثِقَلُ الخاتم على يدها كان كقيدٍ حديدي يطبق على روحها.
أخذت نفسًا عميقًا ثم مدت يدها لتلبسه خاتمه. وهكذا اكتملت الطقوس. لم يبقَ سوى القبلة الأخيرة.
رفع إيفان طرحتها البيضاء، كاشفًا وجهها، ثم مال نحوها بخطوات واثقة ليغطي شفتيها بشفتيه. ارتبكت، وكادت تتراجع، لكنه قبض على معصمها بقوة وجذبها نحوه.
التصقت شفتاهما في قبلة سريعة، لكنها تركتها محمومة، جسدها كله محتقن بالتوتر والحرارة. وما إن انفصلا حتى انتهى الزفاف رسميًا.
عادت جولييتا إلى غرفتها، غيرت ثوبها وتوجهت نحو جناح الزوجين في الطابق الثالث. كان من المفترض أن تحضر مأدبة العرس، لكن مجرد التفكير في مواجهة كل تلك العيون والهمسات كان كابوسًا.
الزواج الإجباري تركها مدمرة من الداخل. كادت دموعها تتفجر، لكنها تماسكت. إن بكت الآن، فسيكون هناك من يتلذذ بدموعها.
لكن ما إن دخلت مخدعها حتى واجهت معضلة أخرى. كانت الخادمات يجهزن المكان لاتحاد الزوجين في ليلتهما الأولى.
هل عليّ أن أقضي معه ليلة العرس؟
أمام هذا الجبل الشامخ من القدر، شعرت باليأس. لم يكن أمامها طريق للهروب.
“تفضلي من هنا، سيدتي. حان وقت الاستعداد لليلة الزفاف.”
لم تنطق حرفًا. وجدت نفسها بين أيدي الخدم، يُنزِلونها في حوض مليء بماء عطِر برائحة الورد النافذة حتى كادت تخنقها. ثم ارتدت رداءً حريريًا ناعمًا.
وقفت أمام المرآة، تحاول تسوية خصلات شعرها المتموج، تتنهد بحزن. فكرة مواجهة هذه الليلة مع إيفان أثقلت صدرها.
حين أنهت استعدادها، غادر الخدم جميعًا بعد انحناءة. حلّ صمتٌ خانق، ثقيل، كأن أنفاسها وحدها تصدح في الغرفة.
لم تستطع الجلوس على السرير، واكتفت بالتجول أمامه متوترة، قبل أن تهرب إلى أريكة بعيدة وتجلس. حاولت أن تهدئ ضربات قلبها، لكن صدرها يخفق بقوة حتى أحست بالنبض يقفز تحت جلدها.
ماذا سأقول له…؟
لم تكن ترغب مطلقًا في قضاء ليلة العرس معه. عزمت أن تحاول إقناعه.
لابد أنه هو الآخر لا يريدها… مثلما لا أريدها أنا.
لكن القلق ينهشها، ولم تفهم سببه.
ألقت بجسدها إلى الوراء على الأريكة، متنهدة تنهيدة طويلة. وفجأة، انفتح باب الغرفة. دخل إيفان مرتديًا رداء النوم نفسه، يبدو أنه أنهى المأدبة سريعًا. فزعت واقفة.
اقترب منها بوجه بارد، يحمل كأس نبيذ في يده، وقال بلهجة مقتضبة:
“عروس تهرب من مأدبة زفافها… يا للشفقة.”
رمقها بنظرة احتقار، ومع ذلك بدا مرتاحًا على نحو غريب، كما لو أن هذا الموقف يرضيه.
“…”
حدق في جولييتا التي كانت ترتجف كغصن ضعيف في مهب الريح. شعور بالرضا العميق تسلل إلى أعماقه.
لقد أصبحت ملكه.
تلك الحقيقة وحدها كانت كافية لتملأه شعورًا بالاكتفاء. صحيح أن عرسهما لم يُختتم كما ينبغي بعد أن هربت من المأدبة، لكن بالنسبة له كان الزواج نفسه مرضيًا إلى حد يجعله يفكر أنه يستطيع أن يغفر لها اختفاءها.
“…”
من دون أن تدري بما يدور في أعماقه، حدّقت جولييتا فيه للحظة بنظرة حادة. إيفان، بدوره، كان يميل برشاقة بكأس النبيذ بين أصابعه، يحدق بها من علٍ بنظرات باردة لا يلين فيها شيء.
جولييتا أجبرت نفسها على ابتسامة باهتة وقالت بصوتٍ مضطرب:
“أنت… تعرف جيدًا أي معاملة سألقاها في مأدبة الزفاف.”
ضحك إيفان بخفة وابتلع رشفة من نبيذه.
“ومع ذلك، هل ترين من المنطقي أن تختفي العروس من مأدبة زفافها؟”
أجابت وهي ترفع صوتها قليلًا:
“إذن، هل عليَّ أن أتحمل كل الهزء والمهانة أمام الجميع؟!”
لم يرد، واكتفى بالتحديق بها. كانت نظرته حادة على نحو غريب، حتى جعلت قلبها يضطرب بالقلق. هل كنتُ صريحة أكثر مما ينبغي؟ لكن ما قالته قد قيل بالفعل.
اقترب منها ببطء، خطوة بخطوة، حتى قلّص المسافة بينهما. ارتدت جولييتا خطوة إلى الوراء، لكنها لم تجد مجالًا للهرب. كان خلفها الأريكة.
“إلى متى ستفكرين في الهرب على هذا النحو؟”
صوته العميق والمهيمن جعلها تعض شفتيها. لم تكن سوى رغبة في الابتعاد مؤقتًا، عن هذا الزواج، عن هذه العلاقة، عن ثقل الذنب الذي يخنقها. لكن الواقع لم يمنحها حرية الاختيار.
وضع كأس النبيذ على الطاولة بجانبه وقال ببرود:
“أنت تعلمين جيدًا أن زواجنا ليس مجرد ارتباط عادي. طبقة النخبة كلّها تراقبنا. لا يمكن لزوجتي أن تختفي كالهاربة من الأنظار.”
رفعت عينيها بتحدٍ، متظاهرة بالتماسك:
“إذن دافع عني… اجعلهم يتوقفون عن النظر إليَّ بتلك الطريقة.”
لكن أصابعها المرتجفة كانت تفضحها. إيفان لم يغفل ذلك.
“هذا عبء عليكِ أن تتحمليه. تظنين أنني أبقيتكِ إلى جانبي لتنعمي بالراحة؟”
وقع صوته الحاد على قلبها كالصاعقة. شهقت بخفة، ثم غمرها غضب عارم، انفجر على لسانها:
“أنت… يا لك من رجل فظيع…!”
قاطعها بصرامة جليدية:
“أدي دورك كزوجتي. إن أردتِ التكفير عن خطايا والدك.”
حبست غصتها في حلقها، والدموع تغلي خلف جفونها، لكنها لم تُسقطها. نظرت إليه بارتجاف، وسألت بصوت مبحوح:
“أتريدني أن أقضي عمري كله أسيرة إلى جوارك؟”
ضحك بابتسامة باردة، وهو يحدق بها من فوق:
“هذا يتوقف على أفعالك.”
كلماته لم تترك لها أي منفذ. قبضت على يديها بقوة، تدرك في أعماقها أنه لن يتركها أبدًا مهما حاولت الإفلات. هل كان هذا مجرد انتقام أعمى؟ أم أن هناك مشاعر أخرى خفية تدفعه ليطوقها بهذا الشكل؟
إن كان الأمر الثاني… فقد يكون هناك بصيص من أمل. تمسكت جولييتا بتلك الشرارة الصغيرة بكل قواها. أغمضت عينيها، ثم فتحتها أخيرًا لتقول بصوت خافت مرتعش:
“…حسنًا.”
لا مفر. لا هروب. لم يتبقَّ أمامها سوى الاستسلام.
“سأقوم بدوري كزوجتك. لكن… أطلب منك وعدًا واحدًا.”
رفع حاجبه بفضول.
“تحدثي.”
“ألا تحطمني تمامًا.”
في تلك اللحظة، تغيرت ملامحه للحظة قصيرة، قبل أن تعود إلى برودها المعتاد.
“ما دمتِ لا تحاولين الفرار كما فعلتِ اليوم، فلن أجد سببًا لتحطيمكِ، جولييتا.”
مدّ يده، يلامس وجنتها بخفة. جسدها تجمّد من لمسته.
“طالبتكِ بأن تقومي بواجبك كزوجة… وأنت تعرفين ما معنى ذلك.”
ارتسمت على ملامحها صدمة مذعورة. كانت تظن أن بإمكانها التملص من ليلة العرس، لكن لا… لم يكن أمامها خيار.
أخفضت رأسها، مستسلمة، بعينين تفيض باليأس، وأومأت بخنوع. يداها كانتا غارقتين في العرق من شدة التوتر.
ابتسم إيفان ابتسامة شريرة، وقال ببرود آمر:
“اخلعي ملابسك.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"