عشاء غارق في التوتر.
كان من الصعب على جولييتا أن تواجه إيفان. لم ينبس ببنت شفة أثناء تناول الطعام، بينما كانت جولييتا تعبث بطبقها وسط الجو الخانق.
كانت تقطع لحم الضأن إلى قطع صغيرة وتمضغه ببطء، آملة أن ينتهي العشاء بسرعة، عندما ألقى إيفان فجأة جملة ببرود: “لقد استدعيت عاملات من صالون التجميل والبوتيك إلى براكسيتير غدًا. اختاري فستان زفافك والمجوهرات التي تحتاجينها لحفل الزفاف.”
تمكنت جولييتا بالكاد من ابتلاع ما في فمها وأومأت برأسها.
“من المستحيل تفصيل فستان جديد قبل يوم الزفاف، فكوني على علم بذلك.”
لم تستطع أن ترد عليه بشيء.
حاولت مجددًا أن ترد بإيماءة أخرى، لكن جاءها صوته الحاد كالسوط: “أجيبي.”
اضطرت جولييتا إلى الرد بصوت مرتجف: “نعم… فهمت.”
بدلاً من مواصلة الطعام، راح إيفان يحدّق بها. كانت نظراته باردة وتخترق أعماقها كالسيف.
انخفض رأس جولييتا إلى الأسفل وواصلت الأكل ببطء. رغم كل التوتر والخوف الذي يضغط على صدرها، كانت تعلم جيدًا أن تجاهل كلامه سيجلب لها عواقب أسوأ.
إيفان لم يكن ليسمح لها بأي تمرّد، ولا حتى بلمحة من الإرادة الحرة.
وبعد عشاء بدا وكأنه لا نهاية له، خرجت جولييتا مسرعة عبر ممرات القصر متجهة إلى غرفتها الخاصة.
وما إن أغلقت الباب خلفها، حتى تنفست الصعداء أخيرًا. رغم أن الغرفة كانت ساكنة تمامًا، فإنها كانت المكان الوحيد الذي شعرت فيه بشيء من الأمان.
“فستان زفاف…؟”
تذكرت جولييتا حلم طفولتها الصغير في الزواج من إيفان، لكن الواقع الآن كان مختلفًا كليًّا عن ذلك الحلم البريء.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة وهي تدرك تلك الهوة الشاسعة.
جلست على حافة السرير، تحدق بأطراف أصابعها، غارقة في التفكير.
ما إن سمعت عن “تحضيرات الزفاف”، حتى تجمّدت مشاعرها كالصخر.
كلمة “زواج” وحدها كانت كافية لتذكرها بقيد أبدي مع إيفان، وكان يكفيها ذلك الإحساس لتشعر بالاختناق.
“هل يجب عليّ حقًا أن أقبل بهذا الزواج؟”
صراع مرير مزّق عقلها بين الهروب والاستسلام.
لكن، مهما فكرت، لم تجد سبيلًا للهرب.
لم تكن تملك القوة للفرار، ولا الشجاعة لمواجهته.
ولذلك، لم يكن أمامها خيار سوى قبول هذا الزواج البغيض.
مدّت يدًا مرتجفة نحو الدواء، سكبت ماءً من الإبريق في الكوب، وشربت الحبوب دفعة واحدة.
ثم بدّلت ملابسها بسرعة إلى أي منام عشوائي، واستلقت في السرير، متمنية ألا يأتي يوم الغد.
✦✦✦
وفي اليوم التالي، حضرت موظفات الصالون والبوتيك إلى غرفة الفساتين في الطابق الثالث.
تذكرت جولييتا أنها كانت قد استعدّت في هذا المكان مع إليزابيث وليديا من قبل، بانتظار إيفان.
ما زالت تتذكر إليزابيث وهي تختار الزينة أمام المرآة، وليديا تضحك وهي تجرب أربطة الشعر على رأسها.
لكن سرعان ما تلاحقها ذكريات موتهن البشع، لتجعل أنفاس جولييتا تضيق، وكأنها تختنق.
عرضت موظفات الصالون عليها عددًا من الفساتين.
وبينما كانت ترتدي واحدًا تلو الآخر، بدأت تشعر بواقعية الموقف الثقيلة تزحف نحوها أكثر فأكثر.
“سيدتي، يبدو أن هذا الفستان يليق بك أكثر.” قالت إحدى الموظفات مديحًا، لكن جولييتا لم تسمعه.
إيفان لم يكن معها حين اختارت الفستان، وهذا أمر بديهي.
لم يكن يملك الوقت ليهدره على اختيار فستان زفاف. أو بالأحرى، لم تكن هناك حاجة لأن يفعل.
وقفت جولييتا بوجه شاحب تحدق في نفسها في المرآة الطويلة.
الفستان الذي كانت ترتديه بدا باهظ الثمن.
كان أبيض ناصعًا، يتلألأ بلمعان خفيف ويتماوج بلطف.
صدره مُفصَّل بدقة ليُبرز منحنيات الجسد الأنثوية، وتنورتُه واسعة فاخرة.
قالت بصوت خافت: “أعتقد… أن هذا هو الأفضل.”
في الحقيقة، لم تكن جولييتا ترى ما هو الأفضل بعينها.
لقد اختارت هذا الفستان لمجرد أن موظفة الصالون قالت إنه الأجمل.
بعد اختيار فستان الزفاف، حان وقت اختيار المجوهرات.
عُرضت عليها أقراط وقلائد تتناسب مع الفستان، وقد اختارت منها بناءً على توصيات الموظفات أيضًا.
“أشعر وكأني دمية…”
تركت هذا الخاطر القصير خلفها وأتمّت اختيار الفستان والمجوهرات.
وخلال تلك الفترة، حاولت جولييتا بكل جهدها أن تتجنب التقاء العيون مع موظفات الصالون والبوتيك.
ارتدى الموظفون فستان الزفاف على مانيكان ثم غادروا القصر.
أما جولييتا، فقد بقيت تحدّق في الفستان المعروض بنظرات شاردة لفترة طويلة.
الزفاف الذي كان من المفترض أن يكون مفعمًا بالبركة تحوّل إلى لعنة.
لم تكن جولييتا ترغب في إلقاء اللوم على والدها، لكن مشاعر الغضب والانزعاج كانت تفرض نفسها.
شعرت وكأن والدها دمّر كل شيء.
وبينما كانت تغرق في تلك المشاعر، أدركت فجأة ما الذي يدور في رأسها، لتذرف دموع الندم والاعتراف.
كلما اقترب موعد الزفاف، كانت جولييتا تذبل أكثر فأكثر.
اختفت الحيوية من وجهها، وشفاهها الجافة وبشرتها الشاحبة كانت تعكس معاناتها بوضوح.
ورغم حالتها تلك، استمرت تحضيرات الزفاف بوتيرة سريعة ومنظمة بشكل مبالغ فيه.
تحوّل القصر تمامًا استعدادًا لحفل الزفاف.
علّقت أقمشة حريرية بيضاء في أنحاء القصر، وزُيِّن بالزهور الجميلة بما فيها الكوبية.
امتزجت الأزهار البيضاء والبنفسجية لتُنتج مشهدًا ساحرًا.
في الليلة السابقة للزفاف، عجزت جولييتا عن النوم.
راودها صراع داخلي مؤلم بين رغبتها في الهروب واستسلامها للواقع.
وفي النهاية، استيقظت مع أولى ساعات الفجر وتسلّلت نحو الباب الرئيسي.
لكنها وجدت الحراس لا يزالون يقفون هناك.
رؤيتهم أطفأت آخر شرارة أمل في الهرب، فعادت إلى غرفتها بصمت.
وفي الخارج، كان الصحفيون يتجمعون بأعداد كبيرة أكثر من أي وقت مضى.
يبدو أنهم كانوا يعرفون بزواجها من إيفان.
الآن، لم يعد هناك مفر. كان عليها أن تقبل بهذا الزواج فعلًا.
أغمضت عينيها المرهقتين بوجه شاحب.
ومع اقتراب موعد الزفاف، سلّمت جولييتا جسدها لموظفات الصالون والخادمات، ليرتدينها فستان الزفاف ويضعن لها الزينة.
ثم جلست في غرفة الانتظار التي تم إعدادها كغرفة مؤقتة للعرائس في الطابق الأول، لاستقبال الضيوف.
وربما لأن الزواج تم على عجالة، لم يكن هناك العديد من الحضور.
من جانب جولييتا، لم يحضر سوى أصدقاء والدها وزملائه من أيام الجامعة.
لم يكن الأمر أن أقاربها غير موجودين، لكنهم امتنعوا عن الحضور بسبب ما نُشر في الصحف عن جرائم برامز، والدها.
كانت جولييتا تأمل ولو بقليل أن يأتي أحد الأقارب، عسى أن يمدّ لها يد المساعدة في هذه الزيجة القسرية.
لكن كل تلك الآمال تبخّرت.
المفاجأة كانت أن عدد الضيوف من جهة العريس أيضًا لم يكن كبيرًا.
ربما لأن الجميع رأوا أن هذا الزواج الغريب ليس بالأمر المريح، ففضلوا عدم الحضور.
كانت جولييتا تتلقى تحيات الضيوف بصعوبة وهي تحاول التماسك.
كانوا يبتسمون ويباركون لها من الأمام، لكن شعورها كان أنهم يتحدثون عنها بسخرية وبرود من خلفها، وكأن كلماتهم سهام تمزق جسدها.
بعد لحظات مؤلمة من استقبال التهاني، لفت انتباهها وجه مألوف… كان السيد بالمر، صديق والدها.
“يا إلهي… السيد بالمر!”
نادت عليه جولييتا بدهشة وفرح ممزوجين.
اقترب منها مبتسمًا بلطف وقال:
“جولييتا، أنتِ جميلة جدًا. أبارك لكِ من قلبي.”
“السيد بالمر…”
بمجرد أن رأته، انفجرت مشاعرها المكبوتة وبكت بشدة من شدة الفرح والحنين.
اقترب منها السيد بالمر وضمّها إلى صدره بحنان، وربت على ظهرها لتهدئتها.
شعرت بدفء صادق في لمسته، فبكت أكثر لكنها حاولت كتم شهقاتها.
قال لها بنبرة حزينة وصادقة:
“أنا آسف جدًا لما حصل مع والدك.”
ثم نظر إليها بعينين مليئتين بالعطف ومسح دموعها قائلاً:
“كم هو محزن أن والدك ليس هنا ليرى ابنته وهي تصبح عروسًا بهذا الجمال…”
ورغم أنه بدا على علم بكل ما حدث، لم يُلقِ اللوم على برامز.
وهذا ما جعل مشاعر جولييتا تتدفق أكثر، فاغرورقت عيناها بالدموع من جديد.
ولأنها لم تستطع الرد، اختنق صوتها بالصمت، فقال السيد بالمر بأسى:
“إذا كنتِ بحاجة إلى أي شيء… فلا تترددي. أنا أثق بكِ وبوالدك دائمًا.”
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"