بعد أن انتهيتُ من الطعام، نظرتُ إلى إيف بعيونٍ متلهّفة. أمال رأسه متعجّبًا، فأشرتُ إلى حقل الزهور الممتدّ أمامي.
“هل يمكنني الذهاب لرؤية الزهور هناك؟”
“لا بأس، لكن لا تبتعدي كثيرًا. ابقي ضمن نطاق رؤيتي.”
الجزيرة صغيرة، لذا حتى لو ذهبتُ إلى أطرافها، لن يفقدني إيف من عينيه، لكن بالتأكيد قد يكون خطرًا إن زلّت قدمي وسقطتُ. أومأتُ مؤكّدةً أنّني سأحترس، ثمّ ركضتُ.
الزهور الملوّنة تتمايل مع الرّيح كأنّها ترحّب بي. ‘الزهور في حديقة قصر إيف جميلة، لكن هذه الزهور البسيطة ساحرة وأحبّها أيضًا.’ لمستُ إحدى البتلات الصغيرة برفق بأصابعي.
عندما نظرتُ عن قرب، بدت الزهرة كنجمةٍ صغيرة، وتجمّع الزهور معًا يشبه رؤية كوكبةٍ سماويّة. ‘لو أمكن رؤية النّجوم في سماء النّهار، فستكون هكذا بالتأكيد’، تخيّلتُ ذلك وضحكتُ بهدوء.
تذكّرتُ الكوكبات التي رأيتُها في الكتب، وبدأتُ أتتبّع الزهور بأصابعي كأنّني أربط بينها. ‘لو أمكنني رؤية الكوكبات الحقيقيّة مع إيف ليلًا’، فكّرتُ، ثمّ التفتّ، فرأيتُ إيف جالسًا تحت الشجرة يرفع يده عندما لاحظ نظرتي.
“الزهور رائعة جدًّا!”
“هذا جيّد.”
ركضتُ إليه مبتسمةً لأخبره، فضحك إيف ووضع شيئًا على رأسي. أمَلتُ رأسي ولمستُه، فشعرتُ بأوراقٍ ناعمة.
“تاج زهور…؟”
أخذته بيدي لأتأكّد، وابتسمتُ. كان تاج الزهور مركّزًا حول زهورٍ نجميّة الشكل، ممزوجًا بأوراقٍ خضراء، ينبعث منه عطرٌ منعش.
“شكرًا! أنت ماهر جدًّا، إيف. إنّه رائع!”
“صنعته مستندًا إلى ذكريات طفولتي، ويبدو أنّني لا زلتُ أتذكّر جيّدًا.”
“صحيح، كان لك طفولة أيضًا، أليس كذلك؟ أم… منذ حوالي مئتي عام؟”
“نعم، تقريبًا. كنتِ أنتِ لم تُولدي بعد.”
زمّمتُ شفتيّ قليلًا لدعابته.
بالنسبة لي، مئتي عام مضت هي زمنٌ بعيد يُقرأ في كتب التاريخ، لكن بالنسبة لإيف، هي ذكرياتٌ يستطيع استعادتها. هذا الحوار البسيط ذكّرني بفارق الزمن بيننا، فشعرتُ بضيقٍ خفيف في صدري. ‘مع هذا الفارق الكبير، مستحيل أن يراني إيف كزوجة.’
تنفّستُ بعمق لأهدّئ قلبي، وأعدتُ تاج الزهور إلى رأسي.
“إنّه رائع وأنا سعيدة به. لقد زاد كنزي الآن.”
“يسرّني أنّه أعجبكِ. يليق بكِ جدًّا.”
“ههه، سآخذه إلى الغرفة وأزيّن بها!”
‘ربما لا يدوم طويلًا لأنّه من الزهور الطازجة، لكن بما أنّ إيف من أعطاني إيّاه، سأحتفظ به بعناية.’ أردتُ الإبقاء عليه على رأسي، لكن خوفًا من أن تطيّره الرّيح، وضعته بعناية في السلّة.
صعدتُ على ظهر إيف، الذي عاد إلى هيئته التنّينيّة، وغادرنا الجزيرة الصغيرة. عندما أخبرته أنّني أحببتُ الجزيرة، قال إنّه سيصطحبني إليها مجدّدًا، ففرحتُ جدًّا.
“تمسّكي جيّدًا.”
أومأتُ لكلماته المتكرّرة التي تحمل طابع الحماية الزائدة، وأمسكتُ بلحيته.
طار إيف بحركةٍ خفيفة لا تكاد تُشعر بالجاذبيّة، ثمّ انزلق إلى الأمام.
“هل ترتدين معطفكِ جيّدًا؟ إن كنتِ موافقة، أفكّر أن نأخذ طريقًا أطول قليلًا للعودة.”
“الطيران رائع جدًّا، أحبّ فكرة الطريق الطويل!”
“حسنًا، سأريكِ مكانًا آخر أحبّه.”
قال إيف ذلك بصوتٍ يحمل فرحة، وزاد من سرعته.
عندما بدأت الجزر الصغيرة تقلّ، ظهرت جزيرةٌ كبيرة أمامنا. جبلٌ يرتفع نحو السّماء، وبحيرةٌ كبيرة تشكّلت من مياهٍ متدفّقة من الجبل. سطح البحيرة يعكس خضرة الجبل والسّماء كمرآة.
“واه…! إنّه رائع!”
“في الحقيقة، يكون أجمل في الليل. النجوم تنعكس على الماء، فتبدو السّماء أوسع.”
“أريد رؤيته!”
“همم، أودّ أن أصطحبكِ، لكن الليل بارد جدًّا… إن أصبتِ بنزلة برد، ريجيس سيغضب منّي.”
“إذًا، سأرتدي ملابس أثقل وأطلب من ريجيس بنفسي!”
“ربما يوافق إن طلبتِ أنتِ، فهو متساهل معكِ.”
ضحك إيف، فأومأتُ وقرّرتُ أن أسأل ريجيس عندما نعود.
بعد قليل، بدأت دريجيا تظهر من بعيد. مع اقترابنا، شعرتُ بقليل من الحزن لأنّ هذه النزهة ستنتهي.
في تلك اللحظة، رأيتُ الأرض تظهر من بين فجوةٍ في الغيوم. رغم بعدها، إلّا أنّ الأرض المحاطة بالغابات والقلعة الزرقاء في الوسط لا يمكن أن تكون سوى لاغنوريا.
“ما بكِ؟”
لاحظ إيف صمتي المفاجئ، فسألني. بينما أبحث عن كلماتٍ للردّ، يبدو أنّه لاحظ لاغنوريا تحتنا، فأصدر صوتًا كأنّه أدرك الأمر.
“آه، إنّها لاغنوريا.”
“نعم.”
شعرتُ بالحيرة لأنّني لم أشعر بالحنين رغم رؤية بلدي الذي وُلدتُ وترعرعتُ فيه، فأومأتُ بكلماتٍ قليلة.
“هل تريدين العودة؟” “…!” كان صوت إيف لطيفًا، وكأنّه يهتمّ إن كنتُ أشتاق إلى موطني. لكن كلماته بدت لي وكأنّه يريد إبعادي.
“شيلا؟”
“لا أريد. أنا أحبّ دريجيا.”
ارتجف صوتي قليلًا، وشعرتُ أنّ إيف تنفّس بعمق.
“حسنًا. يسرّني أنّ دريجيا أعجبتكِ.”
“لذا، لم أفكّر أبدًا في العودة إلى لاغنوريا.”
كرّرتُ كلامي للتأكيد.
‘لا تقل إنّك سترسلني إلى لاغنوريا. دعني أبقى إلى جانبك، إيف.’
لم أستطع قول هذه الكلمات، فدفنتُ وجهي في لحيته بدلًا من ذلك.
‘لماذا لا أريد العودة إلى موطني؟ هل لأنّني اعتدتُ على حياة الرفاهية في دريجيا؟’ شعرتُ أنّ قلبي الذي يرفض العودة إلى حياتي القديمة في لاغنوريا قبيحٌ جدًّا.
‘كيف لا أشتاق حتى إلى والديّ اللذين ربّياني حتى بلغتُ؟ أنا إنسانةٌ باردة إلى هذا الحد؟’
‘أشتاق إلى مارييل فقط، لكن حتى مع ذلك، أريد البقاء مع إيف أكثر من قضاء الوقت مع أختي.’
عضضتُ شفتيّ بصمت، ورغم أنّ إيف لا يرى تعبيري، شعرتُ أنّه ضحك كأنّه يطمئنني.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"