بفضل متابعتي لإيلفي وريجيس، أصبحتُ أعرف تفاصيل القصر جيّدًا. للذهاب من غرفتي إلى المطبخ، فإنّ أقصر طريق هو عبور الفناء.
‘لو أخبرتُ إيف أنّني أنا من أعدّ الإفطار، كيف سيكون تعبيره؟ هل سيتفاجأ، أم سيضحك ويُربت على رأسي؟’
أحبّ كثيرًا أن يُربت إيف على رأسي. ألبان يفعل ذلك كثيرًا أيضًا، لكن مع إيف، يصبح قلبي مفعمًا بشعور خفيف وناعم أكثر.
عندما فتحتُ الباب المؤدّي إلى الفناء، فاحت رائحة الزهور بقوّة. الزهور المبلّلة بندى الصّباح تتلألأ تحت أشعّة الشّمس كأنّها جواهر.
‘قد يكون من الجيّد تزيين طاولة الإفطار ببعض الزهور المقطوفة من الحديقة’، فكّرتُ، فقرّرتُ أن أسأل ريجيس عن ذلك لاحقًا.
بعد عبور أحواض الزهور وتجاوز زاوية الشّرفة، سأصل إلى الباب الخلفي للمطبخ. وكأنّ الرّائحة الزّكية تزداد قوّة تدريجيًّا لتدلّني على الطّريق، تقدّمتُ بخطواتٍ خفيفةٍ ومرِحة عبر الفناء.
لحظةَ اجتيازي لأجمة ورد المتسلّق الّتي تفوق طولها قامتي، لاحظتُ وجود شخصٍ ما على العشب الواسع فتوقّفتُ. كان الشّخص يولّيني ظهره، عاري الصّدر، لكنّ الشّعر الأزرق المألوف لا يمكن أن يكون إلّا لإيف. شعره المبلّل بالعرق يبدو أكثر زرقةً من المعتاد، وله لمعانٌ غريبٌ يبدو ساحرًا بشكلٍ غامض.
“إيف؟”
“مم؟ آه، شيلا؟ صباح الخير، أنتِ مبكّرة جدًّا.”
عندما التفت، كان وجهه بالفعل وجه إيف. مسح العرق المتساقط من جبهته بذراعه، ثمّ أخذ منشفة من عربةٍ قريبة.
“آسف، ربما أكون متعرّقًا بعض الشيء.”
قال إيف وهو يبدو متأسفًا، موضحًا أنّه كان يتدرّب. بدأ يمسح عرقه بقوّة. مع كلّ حركة، تنقبض عضلات ذراعه، وهذه الحركة القويّة جعلتني أنظر إليه مفتونةً. ذراعه الغليظة التي تبدو كأنّها تعادل عدّة أضعاف ذراعي، وعضلات بطنه المحدّدة بوضوح، كلّ ذلك جعلني عاجزةً عن إشاحة نظري.
بينما كان إيف يهمّ بارتداء قميصه، لمحتُ شيئًا يلمع عند صدره، فجذب ذلك انتباهي.
‘هل هي قطرة عرق من شعره المبلّل تتألّق في ضوء الصّباح؟’ لكنّ الضّوء بدا وكأنّه ينعكس من شيءٍ صلب، كالزّجاج، وليس من الماء.
تتبّعتُ ذاكرتي بحثًا عن لونٍ مشابه، فمرّ في ذهني صورة إيف في هيئته التنّينيّة. تلك القشور الزّرقاء التي تلألأت تحت ضوء الشّمس عندما التقيته أوّل مرّة، ببريقها الصّلب الفريد.
“هل هذه… قشور؟”
تفوّهتُ دون وعي، فلاحظ إيف صوتي وارتسم على وجهه تعبيرٌ مفاجئ وهو يضع يده على صدره.
“لا، أقصد… نعم، هي كذلك.”
بدا إيف متردّدًا في كلامه، فأمَلْتُ رأسي متعجّبة.
“إنّها نفس قشورك في هيئتك التنّينيّة، أليس كذلك؟ إنّها رائعة جدًّا.”
“رائعة…؟”
“هل يمكنني رؤيتها عن قرب؟”
عند سؤالي، أومأ إيف بتردّد، ثمّ حرّك يده التي كانت تغطّي صدره ببطء.
في منتصف صدره، تحت عظمة التّرقوة، تلألأت بضع قشورٍ زرقاء. كانت القشور مدمجةً مع الجلد المحيط بها، مما يوضّح أنّها ليست مجرّد شيءٍ ملتصق، بل جزءٌ من جسده.
اقتربتُ مأخوذةً، ولمستُ القشور برفقٍ بأطراف أصابعي. على عكس مظهرها البارد، كانت دافئة، ربما بسبب حرارة جسد إيف.
“شيلا…”
انتبهتُ إلى إيف وهو يتنفّس بصوتٍ مندهش، فسحبتُ يدي بسرعة.
“آسفة، آسفة! هل كان يجب ألّا ألمسها؟”
“لا، ليس ممنوعًا… لكن، ألا تشعرين أنّها مقزّزة؟ أعني، ليس لديكِ قشور، أليس كذلك؟”
“صحيح أنّه ليس لديّ قشور، لكن قشورك رائعة جدًّا، ولا يمكن أن تكون مقزّزة أبدًا.”
بإذنه، لمستُ القشور مرّةً أخرى بنعومة. حجر تنّين لاغنوريا الذي كان يُستخدم للحفاظ على الحاجز كان جميلًا، لكنّ جمال قشور إيف لا يُضاهى. تذكّرتُ صورة إيف في هيئته التنّينيّة المغطّاة بهذه القشور الزّرقاء الشّفافة، فابتسمتُ.
“هيئتك البشريّة أقرب إلى قلبي، لكن هيئتك التنّينيّة كانت رائعة أيضًا. كبيرة وقويّة، وتبدو رائعة جدًّا.”
“ألا تخافين من هيئتي التنّينيّة، شيلا؟”
“في البداية تفاجأتُ قليلًا، لكنّني الآن لا أخاف أبدًا. لأنّك، منذ البداية، كنتَ لطيفًا جدًّا.”
تذكّرتُ كيف أخبرني إيف أن أتمسّك جيّدًا حتّى لا أسقط عندما حملني على ظهره، وكيف أعارني معطفه عندما شعرتُ بالبرد، وكيف أثنى على اسمي. كلّها ذكرياتٌ لا تُنسى.
أتذكّر بوضوح برودة الرّيح على وجهي عندما طار بي في السّماء، وانبهاري عندما رأيتُ دريجيا لأوّل مرّة.
‘ذلك الإحساس بالطّيران، وقليل من القلق الذي شعرتُ به وأنا أفكّر أنّني قد أُؤكل’، تذكّرتُ ذلك، ثمّ شعرتُ فجأة بدفءٍ على رأسي. رفعتُ عينيّ، فرأيتُ إيف يُربت على رأسي برفق، لكنّ وجهه بدا وكأنّه على وشك البكاء.
“شكرًا، شيلا.”
“ما بك، إيف؟ هل أنت على وشك البكاء؟”
“لا، أعني… أنا فقط سعيد.”
نظرتُ إليه مائلةً رأسي، فضحك إيف وهو يفرك أنفه كأنّه يخفي خجله.
“بسبب مظهري، غالبًا ما أُخيف النّاس. لذا، عندما قلتِ إنّكِ لا تخافين، شعرتُ بالسّعادة حقًّا.”
“ههه، إذا كنتَ سعيدًا يا إيف، فأنا سعيدة أيضًا. الزّوجان يتقاسمان الفرح والحزن، أليس كذلك؟”
شعرتُ بالدفء من يده الكبيرة التي تربت على رأسي، فحاولتُ إدخال كلمة “الزّوجان” بطريقةٍ عابرة. عندما أومأ إيف مبتسمًا دون أن ينكر ذلك، شعرتُ بفرحةٍ أكبر.
“بالمناسبة، هل شعب التنانين لا يتحوّل كثيرًا إلى هيئتهم التنّينيّة؟”
بينما أغمض عينيّ مستمتعةً بربتاته، نظرتُ إلى إيف. رغم أنّ دريجيا هي بلد التنانين، لم أرَ إيف يتحوّل إلى تنّين منذ وصولي.
‘ربما يتحاشى ذلك حتى لا يُخيفني؟’
يبدو أنّ تخميني كان صحيحًا، إذ توقّف إيف عن الحركة وبدا مرتبكًا بعض الشيء.
“بشكلٍ عام، نعيش بهيئتنا البشريّة، لكن أحيانًا نتحوّل إلى تنانين ونطير… ربما لأنّنا نشعر بانزعاجٍ في الجسم إن لم نفعل.”
“مثل تمارين الإطالة؟ أنا أيضًا كنتُ أمارس بعض التمارين في غرفتي في لاغنوريا حتى لا أفقد لياقتي.”
“نعم، شيءٌ من هذا القبيل. ألبان مثلًا يطير كلّ ليلة بعد انتهاء عمله، وروبيريا عادةً تأتي إلى هنا طائرةً.”
كنتُ أظنّ أنّ منزل روبيريا قريب لأنّها تأتي يوميًّا، لكن يبدو أنّه يبعد مسافة تستغرق نصف يومٍ سيرًا على الأقدام. سمعتُ أنّها تصل بسرعة بالطّيران بهيئتها التنّينيّة، فأومأتُ متعجّبة.
“إذًا، أنت أيضًا؟”
عند سؤالي، تجمّد إيف فجأة.
“حسنًا، أعني… أنا أيضًا، أحيانًا.”
“أريد أن أرى هيئتك التنّينيّة مرّةً أخرى.”
عندما تفوّهتُ برغبتي دون تفكير، التفت إيف نحوي بجديّة.
“هل تريدين رؤيتها حقًّا؟”
أمسك إيف بكتفيّ وكأنّه يستجويني. يده لم تكن مؤلمة، لكنّ عينيه الذّهبيّتين الثّاقبتين جعلتاني عاجزةً عن إشاحة النّظر.
“أم، إن كنتَ تريد إظهارها لي. لا أريد إجبارك.”
وضعتُ يدي على يده، وابتسمتُ له لأطمئنه، إذ بدا خائفًا من أن أرتعب منه.
“حسنًا.”
تمتم إيف بصوتٍ منخفض وأغمض عينيه كأنّه يستعدّ. في اللحظة التالية، تحوّل إلى تنّينٍ ضخم.
كانت هذه المرّة الثّانية التي أرى فيها هيئته التنّينيّة. قشوره الزّرقاء الشّفافة تلألأت تحت ضوء الصّباح. حجمه الهائل وأسنانه الحادّة التي تظهر من فمه لم تُخفني الآن أبدًا.
عيناه الذّهبيّتان، بنفس لون عينيه البشريّة، كانتا تنظران إليّ بتردّد.
مددتُ ذراعيّ وتعلّقتُ به. لم أستطع احتضان جسده التنّيني الضّخم، لكنّني ضممتُ نفسي إليه ووضعتُ خدّي على قشوره.
“ههه، إنّه دافئ. أنت تنّينٌ رائع جدًّا، إيف.”
لم يقل إيف شيئًا، لكنّه أصدر صوتًا خافتًا من أنفه بدلًا من الرّد. هبّت نسمة من أنفه فتطاير شعري.
“أريد أن أطير معك مجدّدًا. كان الشّعور رائعًا، وكأنّني أصبحتُ حرّة.”
لم أكن أشعر بالضّيق في حياتي كضحيّة في غرفةٍ مغلقة، لكن عندما طار بي إيف في السّماء، شعرتُ بانطلاقٍ كأنّني أخرج إلى العالم الخارجي.
كنتُ أظنّ أنّ غرفتي الصّغيرة التي لا تصلها الشّمس هي العالم بأسره، لكن إيف علّمني مدى اتّساع العالم.
“إذًا، هل نخرج قليلًا؟”
أضاءت عيناي عندما سمعتُ صوت إيف يتردّد قربي.
“هل يمكننا ذلك!؟”
“ألبان يُعدّ الإفطار الآن، لذا لا يمكننا الذّهاب بعيدًا.”
“لا يهم!”، أومأتُ بحماسٍ مرّاتٍ عديدة. اقترب إيف بأنفه من خدّي كأنّه يحتكّ به، ثمّ عاد إلى هيئته البشريّة في غمضة عين.
“السّماء باردة، فارتدي ملابس ثقيلة.”
ربت على رأسي، فأومأتُ بحماسٍ كبير.
“سأذهب لأبدّل ملابسي بسرعة!”
أخبرني أن أعود إلى الفناء بعد أن أستعدّ، فهرعتُ إلى غرفتي.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"